وسائل ضمان تنفيذ الالتزامات العربون و حق حبس المال
لئن كانت الغاية من كل الالتزامات تنفيذها بين أطرافها؛ فإن الأطراف قد يلجئون لبعض الأدوات القانونية لضمان التنفيذ؛ كالعربون وحق حبس المال اللذين ينطويان على فكرة ضمان تنفيذ الالتزام بصورة عامة.
ولعل العربون؛ كوسيلة لضمان تنفيذ الالتزام هو أن يدفع أحد المتعاقدين للأخر عند إبرام العقد مالا، هذا الدفع يتم لتأكيد البت في العقد عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العربون، إذ حينما يصبح العقد باتا اعتبر دفع العربون تنفيذا جزئيا له. وهو بذلك يساهم في حماية حقوق المتعاقدين باعتباره أداة رادعة للطرف المخل بالتزاماته.
وحق حبس المال؛ كوسيلة أيضا لضمان تنفيذ الالتزام هو حق أدرج ضمن ما يكفل حقوق الدائنين من وسائل ضمان. ويقوم في أساسه على مبدأ عام، هو أن الدائن إذا كان مدينا في الوقت ذاته لمدينه، فمن حقه بقدر الإمكان أن يستوفي الدين الذي له من الدين الذي عليه. ولعل هذا المبدأ يقوم على اعتبارات تمليها بداهة المنطق ومقتضيات العدالة .
ولقد نظم المشرع وسائل ضمان تنفيذ الالتزامات في الباب الرابع من القسم الرابع المتعلق بآثار الالتزامات، في الفصول من 288 إلى 305 . فالعربون نظمه في الفصول 288-290، ثم حق حبس المال في الفصول 291-305 .
وتبرز أهمية الموضوع في الوقوف عند أهم وسيلتين لضمان تنفيذ الالتزامات؛ وهما العربون وحق حبس المال، واستيضاح كل وسيلة على حدة على ضوء المقتضيات القانونية التي خصها المشرع بها.
ومنه تطرح الإشكالية الآتية: ما هي الأحكام المنظمة للعربون وحق حبس المال كوسيلتين لضمان تنفيذ الالتزام على ضوء مقتضيات ظهير الالتزامات والعقود؟؟
ومنه يطرح التصميم الأتي:
الفقرة الأولى: الأحكام المنظمة للعربون في ظهير الالتزامات والعقود
أولا: تكييف العربون عند تنفيذ العقد
ثانيا: تكييف العربون عند عدم تنفيذ الالتزام أو فسخه
الفقرة الثانية: الأحكام المنظمة لحق حبس المال في ظ.ل.ع
أولا: نشوء الحق في الحبس
الشروط الواجب توفرها لنشوء الحق في الحبس
شروط تتعلق بالشيء والدين
شروط تتعلق بمحل حق الحبس
حالات ثبوت حق الحبس واستثناءاته
ثبوت حق الحبس
عدم جواز مباشرة حق الحبس
ثانيا: الآثار التي تترتب على الحق في الحبس
حقوق الحابس للعين
التمسك بحق الحبس
بيع الشيء المحبوس
واجبات الحابس للعين
مسؤولية الدائن المباشر لحق الحبس على الشيء
بيع الشيء المحبوس المعرض للهلاك أو التلف
رد الأشياء المحبوسة للمدين بأمر المحكمة
ثالثا: انقضاء الحق في الحبس
الفقرة الأولى: الأحكام المنظمة للعربون في ظهير الالتزامات والعقود
عرف المشرع العربون في الفصل 288 من ظهير الالتزامات والعقود بكونه: "العربون هو ما يعطيه أحد المتعاقدين للأخر بقصد ضمان تنفيذ تعهده"؛ ولعل المشرع قصر العربون عند تعريفه على افتراض بدء التنفيذ فقط، معتبرا أي تراجع عن مواصلة التنفيذ إلا ويعد إخلالا بالتزام قانوني .
والعربون باعتباره أداة لضمان تنفيذ العقد فإنه لا يقتصر على عقد دون الأخر فهو يشمل العقود الابتدائية والعقود النهائية معا، سواء كانت هذه العقود ناقلة للملكية كالبيع أو ناقلة للمنفعة فقط كالكراء .
والمشرع خصص لأحكام العربون الفصلين 289 و 290؛ فمن خلال التمعن في صيغة الفصلين يستنتج أن العربون إما أن يكيف جزءا من المبلغ المستحق حينما ينفذ العقد إذا أعطاه المشتري، وإذا أعطاه البائع يستحق رده (أولا)، وإما أن يحتفظ بالعربون من قبضه به متى لم ينفذ العقد بسبب راجع للطرف الذي أعطاه (ثانيا) .
أولا: تكييف العربون عند تنفيذ العقد
باعتبار أن العربون أداة لتأكيد العقد وليس وسيلة للتراجع عنه، فإنه بذلك يعد خطوة جدية نحو تنفيذ العقد وأي عدول أو تراجع انفرادي بدون موافقة الطرف الأخر يعد إخلال بالالتزام الرابط بينه وبين الطرف الأخر.
ولقد نص المشرع في الفصل 289 الذي ينص على أنه: "إذا نفذ العقد، خصم مبلغ العربون مما هو مستحق على من أعطاه. مثلا إذا كان من أعطى العربون هو المشتري أو المكتري خصم من ثمن البيع أو من الكراء، وإذا كان من أعطى العربون هو البائع أو المكري، ونفذ العقد وجب رده. كما يجب رد العربون أيضا، إذا ألغي العقد بتراضي عاقديه" .
ووفقا للفصل أعلاه؛ فقد أقر المشرع صراحة افتراضين على أساس حالتين؛ وحدد لكل حالة مقتضى قانوني يلزم أن يتم الأخذ به:
حالة تنفيذ العقد المقدم فيه عربون؛ ففي هذه الحالة قرر المشرع حكمين حسب الطرف المؤدي للعربون، هل المشتري، أم البائع .
المشتري/المكتري هو من أدى العربون: ففي حالة نفذ العقد الذي أدى فيه العربون هو المشتري أو المكتري مثلا؛ بقصد تأكيد النية في التعاقد وكذا ضمان تنفيذ الالتزام بينهما، فالمشرع قرر في هذه الحالة حكم خصم مبلغ العربون من المبلغ المستحق للبائع أو للمكري؛ فيخصم بذلك العربون والحالة هذه من ثمن البيع أو الكراء؛ وهو ما أكده المشرع في مطلع الفصل 289 بقوله: "إذا نفذ العقد، خصم مبلغ العربون مما هو مستحق على من أعطاه. مثلا إذا كان من أعطى العربون هو المشتري أو المكتري خصم من ثمن البيع أو من الكراء" .
البائع/المكري هو من أدى العربون: ففي حالة نفذ العقد وكان الذي أدى فيه العربون هو البائع أو المكري مثلا؛ بقصد ضمان تنفيذ الالتزام مع المشتري أو المكتري؛ فالمشرع قرر في هذه الحالة حكم رد العربون إلى مستحقه الذي أداه سواء كان بائعا أو مكري، حيث نص في الجزء الثاني من الفصل 289 على أن: "إذا كان من أعطى العربون هو البائع أو المكري، ونفذ العقد وجب رده.
حالة عدم تنفيذ العقد المقدم فيه عربون بتراضي عاقديه؛ ففي الحالة التي يقرر العاقدين معا وبرضاهما إلغاء تنفيذ العقد الذي سبق لأحدهما أن أعطى العربون للأخر، فقد قرر المشرع حكم رده لمن أداه . وهو ما أكده المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 289 بقوله: "كما يجب رد العربون أيضا، إذا ألغي العقد بتراضي عاقديه" .
إذا أدى العربون المشتري أو المكتري ولم ينفذ العقد بتراضي عاقديه: فإن البائع أو المكري ينبغي عليه لزوما رده إلى مستحقه، أي للمشتري أو للمكتري صاحب العربون.
إذا أدى العربون البائع أو المكري ولم ينفذ العقد بتراضي عاقديه: فإن المشتري أو المكتري ينبغي عليه لزوما رده إلى مستحقه، أي للبائع أو للمكري صاحب العربون.
ثانيا: تكييف العربون عند عدم تنفيذ الالتزام أو فسخه
لعل المشرع قد قصر العربون عند تعريفه على افتراض بدء التنفيذ فقط، ومعتبرا أي تراجع عن مواصلة التنفيذ يعد إخلالا بالتزام قانوني. إذ نص في الفصل 290 من ظهير الالتزامات والعقود على أنه: "إذا كان الالتزام غير ممكن التنفيذ، أو إذا فسخ، بسبب خطأ الطرف الذي أعطى العربون، كان لمن قبضه أن يحتفظ به، ولا يلزم برده، إلا بعد أخذه التعويض الذي تمنحه المحكمة، إن اقتضى الأمر ذلك" .
ووفقا لهذا الفصل 290 فقد قرر المشرع المغربي صراحة الحق لمن أدى العربون، في العدول عن العقد بإرادته المنفردة، ولكنه أعطى للطرف الأخر الحق في حبس العربون وعدم رده.
فأي تراجع عن مواصلة التنفيذ إلا ويعد إخلالا بالتزام قانوني؛ سواء أن الالتزام أصبح لا مجال لتنفيذه أو أنه تم فسخه، وذلك بخطأ من جانب الطرف الذي أعطى العربون.
والمشرع تبعا لاعتبارات تمليها بداهة المنطق ومقتضيات العدالة؛ قرر أنه في حالة قيام الطرف المؤدي للعربون بأي خطأ سبب عدم تنفيذ بالالتزام أو فسخا له، ونتج عنه بالتالي إخلال بالالتزام؛ حكما قانونيا يطبق بقوة القانون وهو:
أن من حق من قبضه الاحتفاظ به؛
عدم رد المتضرر العربون إلا بعد الحكم له قضائيا بتعويض تمنحه له المحكمة متى اقتضى الأمر ذلك.
وبالتالي يحق للمتضرر من جراء عدول الطرف الآخر عن إتمام العقد أن يحصل على التعويض المناسب الذي تحدده المحكمة في إطار سلطتها التقديرية، وعليه فقابض العربون في حالة امتناع دافعه عن التنفيذ لا يمتلك العربون، وإنما يحبسه إلى حين الحكم له بالتعويض عن الضرر الناجم عدم التنفيذ، وبعد ذلك يستطيع تملكه على أساس إما:
أن العربون يمثل جزءا من المبلغ المحكوم به كتعويض؛
أو يمثل العربون مبلغ هذا التعويض بتمامه؛ في حالة تساوي ما قدم من عربون مع المبلغ المحكوم به كتعويض.
أما إذا تبين أن مبلغ التعويض المحكوم به يقل عما قدم من عربون؛ وجب في هذه الحالة أن يخصم مبلغ التعويض مما قدم من عربون ويرد الباقي إلى الممتنع عن التنفيذ.
الفقرة الثانية: الأحكام المنظمة لحق حبس المال في ظ.ل.ع
لئن كانت الغاية من كل الالتزامات تنفيذها بين أطرافها؛ فإن الدائن وفي حالة مطل مدينه سواء بالامتناع عن التنفيذ أو بالتأخر عنه؛ يكون له حق حبس المال؛
وقد عرف المشرع حق حبس المال في الفصل 291 من ظهير الالتزامات والعقود؛ بكونه "حق حبس المال هو حيازة الشيء المملوك للمدين، وعدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن، ولا يمكن أن يباشر إلا في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون"
ولعل نشوء الحق في الحبس يتطلب شروطا معينة، ويتقيد بقواعد قانونية تجعله ثابتا للحائز في حالات معينة، وغير جائز مباشرته في حالات أخرى (أولا)، ثم إن للحق في الحبس أثار معينة تتجسد في حقوق للحابس مقابل واجبات تفرض عليه (ثانيا)، على أن حق الحبس ينقضي في حالات معينة مما يترتب عنه سقوط حق الدائن في التتبع (ثالثا) .
أولا: نشوء الحق في الحبس
إن حق الحبس بما ينطوي عليه من ضمان لتنفيذ الالتزام بصورة عامة؛ ينشأ للدائن بمناسبة عدم وفاء المدين لما هو عليه مستحق الدائن؛ ويتم ذلك الحبس عن طريق حيازة الشيء المملوك للمدين وعدم التخلي عنه إلى حين قيامه بالأداء.
والمشرع في إطار الفرع الثاني المتعلق بحق حبس المال؛ نجده قد حدد شروطا واجب توفرها لنشوء الحق في الحبس (1) ، إضافة إلى أن قد حدد الأشياء التي ثبت معها للدائن حق الحبس، محددا الأشياء التي لا تجوز مباشرة حق الحبس عليها (2) .
الشروط الواجب توفرها لنشوء الحق في الحبس
ينص المشرع في الفصل 296 على أنه: "لا تجوز مباشرة حق الحبس إلا بالشروط الآتية: 1- أن يكون الشيء في حيازة الدائن؛ 2- أن يكون الدين حالا، وإذا كان الدين غير محدد المقدار تضرب المحكمة للدائن أقصر أجل ممكن ليعمل على تحديده؛ 3- أن يكون الدين ناشئا من معاملات قائمة بين الطرفين أو أن يكون ناشئا من ذات الشيء محل الحبس. "
كما ينص الفصل 294 على أنه: "يمكن أن يكون محلا لحق الحبس الأشياء المنقولة أو الثابتة، وكذلك السندات الاسمية والسندات التي للأمر أو لحاملها"
ويتبين من هاذين الفصلين أن للحق في الحبس شروطا إذا توافرت نشأ هذا الحق للدائن كضمان لتنفيذ الالتزام؛ وهي شروط إما تتعلق بالشيء والدين (أ)، وشروط تتعلق بمحل حق الحبس (ب)
شروط تتعلق بالشيء والدين:
لا تحصر حالات الحق في الحبس، ولكن تحصر الشروط التي إذا هي توفرت تنشئ الحق في الحبس. وحسب الفصل 296 فإنه قرر أن لا حق في الحبس ما لم تتوفر شروطه المتعلقة بالشيء المحبوس وبالدين المنشئ لحق الحبس؛ وهي
فيما يتعلق بالشيء فينبغي لزما لكي يجوز إجراء الحبس عليه: أن يكون في حيازة الدائن سلفا؛ أما إذا كان ما يزال في حيازة المدين فلا إمكانية للدائن في حبسه وهو أمر منطقي . وهو ما أكد عليه المشرع في الفصل 296 "لا تجوز مباشرة حق الحبس إلا بالشروط الآتية: 1- أن يكون الشيء في حيازة الدائن؛ "
فيما يتعلق بالدين فالمشرع اشترط شرطين، ورد التنصيص عليهما في البندين 2 و3 من الفصل 296 "لا تجوز مباشرة حق الحبس إلا بالشروط الآتية: 2- أن يكون الدين حالا؛ 3- أن يكون الدين ناشئا من معاملات قائمة بين الطرفين أو أن يكون ناشئا من ذات الشيء محل الحبس" . وبالتالي يلزم أن:
أولا أن يكون الدين حالا؛ أي أن يكون لزوما الوفاء بالدين قد حل أجله. على أن المشرع سمح استثناء للدائن بمباشرة حق الحبس حتى بسبب الديون التي لم يحل أجلها بعد، في إطار مقتضى الفصل 298 إذ نص على أنه: "تسوغ مباشرة حق الحبس، ولو بسبب الديون التي لم يحل أجلها: 1- إذا توقف المدين عن أداء ديونه، أو كان قد أشهر عسره؛ 2- إذا كان أجري تنفيذ ضد المدين، وأعطى نتيجة سلبية" .
والمشرع افترض أنه قد يحصل وأن لا يكون الدين محدد المقدار؛ وهنا قرر أن المحكمة عليها أن تضرب للدائن أقصر أجل ممكن ليعمل الدائن على تحديد مقدار الدين الحال .
وثانيا أن يكون الدين نشأ من معاملات قائمة بين الطرفين أو نشأ من ذات الشيء محل الحبس؛ وهو ما قرره في البند 3 من الفصل 296 : "لا تجوز مباشرة حق الحبس إلا بالشروط الآتية: 3- أن يكون الدين ناشئا من معاملات قائمة بين الطرفين أو أن يكون ناشئا من ذات الشيء محل الحبس" .
شروط تتعلق بمحل حق الحبس:
فالمحل الذي يقع عليه الحبس اشترط فيه المشرع بأن يكون أحد المحال الوارد التنصيص عليها في الفصل 294؛ من
محل الحبس الأشياء؛ وهي إما أشياء منقولة أو ثابتة .
محل الحبس السندات؛ سواء اسمية أو سندات للأمر أو سندات لحاملها .
ثبوت حق الحبس واستثناءاته
منح المشرع للدائن حق الحبس عن طريق حيازة الشيء المملوك للمدين لضمان تنفيذ الالتزام، وخوله عدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق له من مدينه؛
ولعل ما هو مستحق للدائن والذي يثبت معه حق الحبس هي المصروفات التي خسرها الدائن على الشيء المملوك للمدين والمتواجد في حيازة الدائن (أولا)، على أن المشرع فضلا عن ذلك فقد قرر عدم جواز مباشرة حق الحبس إما بسبب راجع للحائز أو الدائن، أو لسبب راجع للأشياء (ثانيا) .
ثبوت الحق في الحبس
نص المشرع في الفصل 292 على أنه: "يثبت حق الحبس لصالح الحائز حسن النية: 1- من أجل المصروفات الضرورية التي أنفقت على الشيء وفي حدودها؛ 2- من أجل المصروفات التي أدت إلى تحسين الشيء، بشرط أن تكون سابقة على دعوى سابقة على دعوى الاستحقاق، وذلك في حدود الزيادة في القيمة التي لحقت الأصل أو الشيء أما بعد دعوى الاستحقاق فلا تدخل في الاعتبار إلا المصروفات الضرورية المحضة، ولا يثبت هذا الحق من أجل المصروفات التي هي من قبيل مجرد الترف؛ 3- في جميع الأحوال الأخرى التي يقررها القانون" .
فهذا النص يجعل للحائز الشيء حق حبسه حتى يسترد المصروفات التي أنفقها على هذا الشيء؛ وهذه المصروفات إما:
المصروفات الضرورية التي أنفقت من قبل الدائن على الشيء الموجود في حيازته، مع التقيد بحدودها؛
المصروفات النافعة التي أدت إلى تحسين الشيء؛
على أن المشرع اشترط لثبوت حق الحبس لأجل المصروفات النافعة أن تكون سابقة على دعوى الاستحقاق، مع مراعاة حدود الزيادة في القيمة التي لحقت الأصل أو الشيء.
أما بعد دعوى الاستحقاق فلا تدخل في الاعتبار إلا المصروفات الضرورية المحضة؛ وتستثنى أي مصروفات أنفقت على سبيل الترف فقط .
باقي المصروفات الأخرى التي يقرر القانون في نصوص خاصة ثبوت حق الحبس لحين استحقاقها من المدين؛
عدم جواز مباشرة حق الحبس
إذ ينص المشرع في الفصل 293 على "لا تجوز مباشرة حق الحبس: 1- من الحائز سيئ النية؛ 2- من الدائن الذي يترتب دينه على سبب غير مشروع أو على سبب يجرمه القانون". كما ينص أيضا في الفصل 295: "لا تجوز مباشرة حق الحبس: 1- على الأشياء غير المملوكة للمدين، كالأشياء المفقودة أو المسروقة التي يطالب باستحقاقها حائزها القانوني؛ 2- على الأشياء التي كان الدائن يعلم أو كان عليه أن يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم بسبب ظروف الحال أو بسبب وقوع الإشهار الذي يقضي به القانون أنها ليست على ملك المدين؛ 3- على الأشياء التي لا يسري عليها حجز المنقول" .
ونص الفصل 299 على أنه: "لا تجوز مباشرة حق الحبس إذا كانت الأشياء المملوكة للمدين قد سلمت للدائن لغرض معين، أو إذا كان الدائن قد التزام باستخدامها في أمر محدد إلا أنه إذا علم الدائن فيما بعد بتوقف المدين عن دفع ديونه أو بعسره، كان له أن يباشر حق الحبس" .
فالمشرع في هذه الفصول الثلاثة حد من صلاحية الدائن في مباشرة حق الحبس؛ وذلك إما لأسباب تتعلق بالحائز، أو بالدين، أو أنها تتعلق بالأشياء ذاتها؛ على الشكل الأتي:
أسباب تمنع مباشرة حق الحبس تتعلق بالحائز: فالمشرع سلب حق الحبس ومنع الدائن من مباشرته حسب البند 1 من الفصل 293؛ إذا كان الحائز سيئ النية .
أسباب تمنع مباشرة حق الحبس تتعلق بدين الدائن: إذ أن المشرع منع الدائن من مباشرة حق الحبس بمقتضى البند 2 من الفصول 293؛ متى ترتب دينه على سبب غير مشروع أو على سبب يجرمه القانون .
أسباب تمنع مباشرة حق الحبس تتعلق بالأشياء: فالمشرع منع الدائن من مباشرة حق الحبس على بعض الأشياء، إما لعدم ملكية المدين لها، أو أنها في ملكية المدين ولكن سلمها للدائن على سبيل الاستخدام في غرض معين أو في أمر محدد. وهو ما قرره المشرع في إطار الفصلين 295 و 299 كالآتي:
الأشياء التي ليست في ملكية المدين؛ ويتعلق الأمر بالأشياء المفقودة، أو المسروقة التي يطالب باستحقاقها حائزها القانوني.
الأشياء التي يعلم الدائن أو كان عليه العلم بأنها ليست على ملك المدين؛ وهذا العلم إما بسبب ظروف الحال، أو بسبب وقوع الإشهار الذي يقضي به القانون.
الأشياء التي لا يسري عليها حجز المنقول؛
الأشياء المملوكة للمدين فعلا، ولكنه سلمها للدائن على سبيل الاستعمال في غرض معين أو لاستخدامها في أمر محدد؛ ما لم يعلم الدائن بتوقف أو عسر مدينه؛ فهنا المشرع لم يخول للدائن حق حبس هذه الأشياء، إلا استثناء وذلك في الحالة؛ التي يعلم فيها الدائن فيما بعد بتوقف المدين عن دفع ديونه أو بعسره إذ خوله المشرع والحالة هذه أن يباشر حق الحبس .
ثانيا: الآثار التي تترتب على الحق في الحبس
رتب المشرع على حق الحبس أثار معينة؛ تتراوح بين حقوق لحابس العين/الشيء (1)، وبين واجبات تقع على الحابس (2) .
حقوق الحابس للعين
ينص المشرع في الفصل 305 على أنه: "يسوغ التمسك بحق الحبس ضد دائني المدين وخلفائه، في نفس الحالات التي يمكن فيها التمسك به ضد المدين نفسه". وينص أيضا في الفصل 304 على أنه: "يسوغ للدائن، عند عدم الوفاء بما يستحق، وبعد أن يوجه للمدين مجرد إنذار، أن يستحصل من المحكمة على الإذن في بيع الأشياء التي يحوزها وفي أن يستعمل المبلغ الناتج من البيع في استيفاء حقه، بالامتياز على الدائنين الآخرين. ويخضع الدائن، فيما يتعلق بتصفية الشيء المحبوس وتوابعه، لكل التزامات المرتهن الحيازي" .
التمسك بحق الحبس
إذ ينص المشرع على حق الدائن في التمسك بحق الحبس في الفصل 305 بقوله: "يسوغ التمسك بحق الحبس ضد دائني المدين وخلفائه، في نفس الحالات التي يمكن فيها التمسك به ضد المدين نفسه"
ولعل هذا التمسك بحق الحبس يثبت للدائن في مواجهة المدين نفسه، ويترتب عنه أيضا التمسك به في مواجهة كل دائني وخلفاء المدين .
بيع الشيء المحبوس
قرر المشرع السماح للدائن الحابس الحق في بيع الشيء المحبوس؛ وذلك في الفصل 304 بقوله على أنه: "يسوغ للدائن، عند عدم الوفاء بما يستحق، وبعد أن يوجه للمدين مجرد إنذار، أن يستحصل من المحكمة على الإذن في بيع الأشياء التي يحوزها وفي أن يستعمل المبلغ الناتج من البيع في استيفاء حقه، بالامتياز على الدائنين الآخرين. ويخضع الدائن، فيما يتعلق بتصفية الشيء المحبوس وتوابعه، لكل التزامات المرتهن الحيازي" .
على أن حق بيع الشيء المحبوس رهين بشروط معينة، وهي:
أو يوجه الدائن الحابس إنذار إلى مدينه؛ ويواجه بعدم وفاء المدين بما هو مستحق.
أن يستحصل من المحكمة الإذن في بيع الأشياء التي يحوزها؛ لأجل استعمال المبلغ الناتج من البيع في استفاء حقه بالامتياز على الدائنين الآخرين .
ولعل حق الحابس في بيع الشيء المحبوس مماثل لما في الرهن الحيازي للمنقول؛ حيث أنه وحسب الفصل 1184 من حق الدائن الذي يحبس الشيء المرهون أن يبيعه عند عدم الوفاء له وأن يستوفي دينه من ثمن المرهون عند بيعه وذلك بالامتياز والأسبقية على أي دائن .
كما أن المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 304 نص على أنه: "يخضع الدائن، فيما يتعلق بتصفية الشيء المحبوس وتوابعه، لكل التزامات المرتهن الحيازي" ولعل أهم التزام يقع على الدائن الحابس (شأنه في ذلك شأن التزامات الدائن المرتهن) فيما يتعلق بالتصفية، هو ما قرره المشرع في الفصل 1233 من أن:
يكون للدائن بقوة القانون المتحصل من البيع في حدود ما هو مستحق له؛
إذا كان هناك فائض، وجب على الدائن أن يسلمه للمدين صاحب الشيء المحبوس؛
وفي جميع الأحوال يجب على الدائن الحابس أن يقدم للمدين حسابا عن تصفية الحبس، وأن يقدم له المستندات المؤيدة تحت طائلة مساءلته عن تدليسه وخطإه الجسيم.
واجبات الحابس للعين
لعل واجبات الدائن المباشر لحق الحبس تتقرر في ثلاث: مسؤولية الدائن عن الشيء عند مباشرته لحق الحبس (أ)، ثم إنه متى كان الشيء المحبوس معرضا للهلاك أو للتلف فيقوم على عاتق الدائن الحابس بيع الشيء بإذن المحكمة (ب)، على أن الدائن الحابس ينبغي عليه رد الأشياء المحبوسة للمدين متى أمرت المحكمة بذلك (ت) .
مسؤولية الدائن المباشر لحق الحبس عن الشيء
ينص المشرع في الفصل على أن: "الدائن الذي يباشر حق الحبس يكون مسؤولا عن الشيء، وفقا للقواعد المقررة للمرتهن الحيازي" .
وعليه فالمشرع حمل الدائن الحابس مسؤولية الشيء المحبوس؛ بنفس المسؤولية التي يلتزم بها الدائن المرتهن حيازيا بإحالة من الفصل 301 على القواعد المقررة في الباب الثاني من القسم الحادي عشر المتعلق بالرهن الحيازي للمنقول؛ لاسيما الفرع الثالث منه المتعلق بالتزامات الدائن في الفصول من 1204 إلى 1217 .
ولعل أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الحابس وفقا للقواعد المقررة للمرتهن الحيازي هي:
حراسة الشيء المحبوس، والمحافظة عليه بنفس العناية التي يحافظ بها على الأشياء التي يملكها؛ (الفصل 1204)
متى كان الشيء المحبوس أوراقا تجارية، أو غيرها من السندات التي تتضمن ديونا يحل أجلها في تاريخ محدد؛ يقع على الدائن الحابس أن يستوفيها كلما حل أجل الوفاء بها، وأن يتخذ كل الإجراءات التحفظية اللازمة؛ (الفصل 1205)
لا يجوز للدائن الحابس تحت طائلة المساءلة حتى عن الحادث الفجائي، أن يستعمل الشيء المحبوس أو أن يتصرف به ما لم يأذن له بذلك؛ (الفصل 1207)
يضمن الدائن الحابس هلاك الشيء المحبوس وتعيبه، إذا حصل بفعله أو بخطإه أو بفعل أو خطإ الأشخاص الذين يسأل عنهم؛ (الفصل 1211)
بيع الشيء المحبوس المعرض للهلاك أو التلف
إذ أن الدائن الحابس تقع عليه مسؤولية اتخاذ جميع الإجراءات التحفظية التي يتعذر على المدين القيام بها بنفسه بسبب عدم حيازته؛
ولعل أحد أهم هذه الإجراءات ما ينص عليه الفصل 302: "إذا كان الشيء المحبوس بيد الدائن معرضا للهلاك أو التعيب جاز للدائن أن يحصل على الإذن في بيعه طبقا للمسطرة المقررة لبيع المرهون رهنا حيازيا ويباشر حق الحبس على المبلغ الناتج من البيع".
فالدائن ملزم إذا ما كان الشيء المحبوس معرضا للهلاك أو التعيب أن يتحصل على إذن من المحكمة في بيعه وأن يسلك في ذلك المسطرة المقررة لبيع المرهون رهنا حيازيا، ويباشر عقبها حق الحبس على المبلغ المتحصل من البيع .
رد الأشياء المحبوسة للمدين بأمر المحكمة
قد يحصل وأن يعرض المدين أن يسلم الدائن الحابس؛ أحد الأشياء التالية:
قيم أو أشياء أخرى ؛
أن يودع في مستودع الأمانات المبلغ المطلوب إلى أن يفصل في النزاع ؛
عرض إيداع ما يعادل الأشياء المحبوسة .
إذ يسوغ والحالة هذه للمحكمة مع مراعاة ظروف الحال؛ أن تأمر الدائن الحابس برد الأشياء المحبوسة للمدين .
وهو ما قرره المشرع في الفصل 303 أنه: "يسوغ للمحكمة، وفقا لظروف الحال، أن تأمر برد الأشياء التي يحبسها الدائن، إذا عرض المدين، أن يسلم للدائن ما يعادلها من قيم أو أشياء أخرى أو أن يودع في مستودع الأمانات المبلغ المطلوب إلى أن يفصل في النزاع. ويجوز للمحكمة أيضا أن تأمر برد بعض الأشياء المحبوسة، عندما يكون ذلك ممكنا، إذا عرض المدين أن يودع ما يعادلها. وعرض تقديم كفيل لا يكفي لتحرير الشيء المنقول المرهون رهنا حيازيا" .
ثالثا: انقضاء الحق في الحبس
ينص الفصل 297: "إذا انتقلت الأشياء المحبوسة في يد الدائن خفية عنه أو برغم معارضته كان له الحق في استردادها لإعادتها إلى المكان الذي كانت موجودة فيه خلال ثلاثين يوما تبدأ من وقت عمله بالنقل. وإذا انقضى هذا الأجل، سقط حق الدائن في التتبع" .
ويعرض هذا الفصل لأهم أسباب انقضاء الحق في الحبس وهو؛
خروج العين من يد الحابس: إذ قد تنتقل الأشياء المحبوسة في يد الدائن الحابس وينقضي مع الحبس؛ سواء تم ذلك خفية عن الدائن، أو تم بعلمه ورغم معرضته .
والمشرع خول للدائن الذي خرج الشيء المحبوس من يده مسطرة معينة لاسترجاع حقه في الحبس؛ من خلال إعادة تلك الأشياء إلى المكان الذي كانت موجودة فيه، مقيدا إياه بأجل مسقط لحق الدائن؛ هو ثلاثين يوما يبدأ احتسابها من وقت علم الدائن بنقل الأشياء المحبوسة.
ولعل المشرع قد واستثناءا من مقتضى الفصل 297؛ قد خول للدائن المنقضي حقه بفقد الشيء المحبوس، أن يسترد حقه متى حاز من جديد الشيء ولكن يحدث لاحق. وهو ما يؤكده المشرع في الفصل 300 بقوله: "حق الحبس الذي ينقضي نتيجة فقد يعود إذا حاز الدائن الشيء من جديد بحدث لاحق" .
تعليقات
إرسال تعليق