القائمة الرئيسية

الصفحات

موضوع في قانون الالتزامات والعقود التقادم المسقط

 التقادم المسقط


موضوع في قانون الالتزامات والعقود التقادم المسقط


التقادم على نوعين : تقادم مكسب وتقادم مسقط. فالتقادم المكسب هو الذي يسمح لحائز الحق العيني أن يكسب هذا الحق إذا استمرت حيازته مدة من الزمن عينها القانون. أما التقادم المسقط فهو سبب يؤدي إلى انقضاء الحقوق الشخصية والعينية مما عدا الملكية إذا سكت صاحبها وأهمل المطلبة بها زمنا حدده القانون.

فالتقادم المسقط هو سبب لانقضاء احقوق المتعلقة بالذمة المالية ولا سيما الإلتزامات ، إذا توانى صاحبها عن ممارستها أو أهمل المطلبة بها خلال مدة معينة حددها القانون.

والتقادم المسقط يرتكز على عدة أسس ، أولها توفير الإستقرار في المجتمع وإشاعة الطمأنينة والثقة بين أفراده. ففتح باب المنازعات على وجه الديمومة يشيع جوا من الفوضى والإضطراب ، ويكفي أن نتصور مجتمعا لم يدخل التقادم في نظمه القانونية ، لندرك إلى أي حد يتزعزع فيه التعامل.

تضاف إلى هذا الأساس المستمد من وجوب توفير الإستقرار ، اعتبارات مستمدة من قرينة براءة الذمة لمصلحة المدين ومن أن الدائن المهمل يجب أن يتحمل هو وزر إهماله.

فلئن كان يعفى المدين من إقامة الدليل على براءة ذمته ويكتفى منه بالإدلاء بالتقادم المسقط ، عندما يسكت الدائن عن المطالبة بحقه مدة طويلة ، ما ذلك إلا لحصول الظن القوي بأن السكوت لم يقع إلا مستندا إلى النزول عن ذلك الحق لسبب يقتضيه. إذ لا يعقل أن يترك الدائن حقه مدة طويلة دون أن يكون قد استوفاه أو أبرأ ذمة المدين منه.

ثم لئن كان الذائن أهمل المطالبة بالحق المترتب له ، وهو قادر على المطالبة ، واستمر في إهماله دون عذر زمنا طويلا ، فإنه ليس من المستغرب حرمانه من المطلبة بحقه ، ففي مثل هذا الحرمان عقوبة مشروعة على إهماله المتمادي.

وقد عرض المشرع للتقادم المسقط في الباب السابع من القسم السادس الذي خصصه لانقضاء الإلتزامات ، من الكتاب الأول المتنعلق بمصادر الإلتزامات ، وذلك في الفصول 371 إلى 392 من قانون الإلتزامات والعقود. حيث بين شروطه ، وأوضح كيفية إعماله ، ثم عرض للآثار التي تترتب عليه.

فما هي الشروط الواجب توافرها لتحقق التقادم المسقط ، وما هي الآثار التي تترتب عليه ؟

المطلب الأول : شروط التقادم

إن تحقق التقادم المسقط يتطلب توافر شرطين :

  • أن يكون الحق أو الدعوى مما يتقادم

  • أن تنقضي المدة المحددة قانونا لتحقق التقادم

الفقرة الأولى : وجوب كون الحق أو الدعوى مما يتقادم

القاعدة الأصلية أن كل الإلتزامات والدعاوى الناشئة عنها تخضع للتقادم المسقط. وهذا ما أكده المشرع في الفصل 371 من ق.ل.ع بقوله " التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الإلتزام " ، مؤيدا بذلك مبدأ سريان التقادم على أي التزام وعلى أي دعوى تنشأ عنه.

ولكن لمبدأ شمول التقادم كل التزام وكل دعوى تتعلق به بعض الإستثناءات. فثمة التزامات تستعصي على التقادم بمقتضى نص في القانون جعلها غير قابلة لأن تتقادم.

وهذه الإلتزمات غير القابلة استثناء للتقادم والوارد عليها النص في الفصلين 377 و 378 من ق.ل.ع هي :

  • الإلتزامات المضمونة برهن حيازي أو برهن بدون حيازة أو رهن رسمي.

  • الإلتزامات بين الأزواج.

  • الإلتزامات بين الأب أو الأم وأولادهما.

  • الإلتزامات بين ناقص الأهلية أو الأشخاص المعنوية وبين من له الولاية عليهم.

وسنعرض لكل من هذه الإستثناءات :

الإستثناء الأول : الإلتزامات المضمونة برهن حيازي أو برهن بدون حيازة أو رهن رسمي

نص الفصل 377 من ق.ل.ع على أنه " لا محل للتقادم إذا كان الإلتزام مضمونا برهن حيازي أو برهن بدون حيازة أو برهن رسمي ". فالإلتزام المضمون برهن حيازي أو برهن بدون حيازة أو برهن رسمي لا يتقادم مهما مر عليه من الزمن مادام الدائن محتفظا بحيازة المرهون أو مادامت إشارة الرهن الرسمي مسجلة لمصلحته في السجل العقاري. ذلك أن إبقاء المرهون في حيازة الدائن المرتهن أو إبقاء قيد الرهن الرسمي في السجل العقاري مسجلا على اسمه يشكل إقرارا مستمرا بترتب الدين في ذمة المدين ، ووجود هذا الإقرار المستمر يمنع بداهة من سريان التقادم بحق الدائن المرتهن.

الإستثناء الثاني : الإلتزامات بين الأزواج

نصت الفقرة الأولى من الفصل 378 من ق.ل.ع على أنه " لا محل لأي تقادم بين الأزواج خلال مدة الزواج ". فكل حق يترتب للزوج إزاء زوجته أو للزوجة إزاء زوجها يستعصي على التقادم ويمكن المطالبة به مهما طال الزمن على نشوئه. إنما لابد ، حتى يكتسب هذا الحق المناعة التي خصه بها المشرع ، أن تكون الزوجية قائمة. فبمجرد أن تنحل الزوجية بطلاق أو تطليق أو وفاة أحد الزوجين ، تزول هذه المناعة عن الحق الذي كان لأحدهما على الآخر لزوال المانع ، ويصبح حقا قابلا للتقادم.

الإستثناء الثالث : الإلتزامات بين الأب أو الأم وأولادهما

ورد في الفقرة الثانية من الفصل 378 أنه " لا محل لأي تقادم بين الأب أو الأم وأولادهما ". فكل حق ترتب للأب أو للأم على الإبن أو للإبن على الأب أو الأم هو حق لا يسري عليه التقادم وتسمع الدعوى به في أي وقت شاء صاحب الحق مباشرتها.

ولا يشترط في الإبن الدائن أن يكون قاصرا حتى لا يتقادم دينه. بل إن مجرد قيام علاقة البنوة بين الدائن والمدين يكفي ليكسب الدين مناعة تجعله غير قابل للتقادم.

ثم إن النص ورد قاصرا على الإلتزامات التي تترتب على الأب أو الأم تجاه الإبن أو على الإبن تجاه أبيه أو أمه. وعليه فالإلتزامات التي تترتب على أصل أبعد من الأب أو الأم إزاء الفرع ، أو على فرع أبعد من الإبن إزاء الأصل لا ينطبق عليها النص وتعتبرمن الإلتزامات القابلة للتقادم.

الإستثناء الرابع : الإلتزامات بين ناقص الأهلية والأشخاص المعنوية وبين من له الولاية عليهم

عرضت الفقرة الثالثة من الفصل 378 من ق.ل.ع لهذا النوع من الإلتزامات التي لا يطالها التقادم فقالت " لا محل لأي تقادم بين ناقص الأهلية أو الحبس أو غيره من الأشخاص المعنوية والوصي أو المقدم أو المدير ما دامت ولايتهم قائمة ولم يقدموا حساباتهم النهائية ". فإذا ترتب للمحجور عليه أو لجهة حبس أو شركة أو جمعية حق ما في ذمة الوصي أو المقدم أو في ذمة المدير الذي عهد إليه بالولاية على الحبس أو الشركة أو الجمعية ، فإن هذا الحق لا يسري عليه التقادم ما دامت ولاية هؤلاء قائمة وما داموا لم يقدموا حساباتهم النهائية. ولا بد من توافر هذين الشرطين معا لعدم سريان التقادم بحيث لو أن ولاية النائب الشرعي أو المدير انتهت ولكنه لم يقم بتقديم حسابه النهائي ، فالحق المترتب بذمته لمصلحة ناقص الأهلية أو الشخص الإعتباري تبقى له مناعته ، ولا تزول عنه هذه المناعة ويصبح قابلا للتقادم ، مالم يقدم هذا الحساب النهائي.

وتجدر الإشارة إلى أن الإلتزامات المضمونة برهن ، أو الإلتزامات بين الأزواج ، أو بين الأب أو الأم وأولادهما ، أو بين ناقصي الأهلية أو الأشخاص المعنوية وبين من له الولاية عليهم تهتبر استثناء التزامات غير قابلة للتقادم إذا كان سبب عدم تقادمها قائما منذ نشوئها ، كأن يكون الرهن منح للدائن وقت انعقاد الدين أو يكون الدين ترتب للزوج على زوجه بعد ارتباطهما بالزواج. أما إذا كان هذا السبب مفقودا عند نشوء الإلتزام ووجد بعد ذلك فإن الإلتزام ينشأ قابلا للتقادم ثم ينقطع أو يتوقف بحسب الأحوال.

الفقرة الثانية : وجوب انقضاء المدة المحددة قانونا لتحقق التقادم

لابد حتى يتحقق تقادم الإلتزام ، أن تنقضي المدة التي حددها القانون. فعلينا أن نحدد طول هذه المدة ثم نبين بدءها وكيفية حسابها. ولما كان يحصل أحيانا أن تعترض سبيل التقادم عقبات تعيق تحقيقه وتعطل مضيه فتكون سببا لوقفه أو تزيل كل أثر سابق له فتكون سببا لقطعه ، وجب علينا أن نبحث في وقف التقادم وقطعه. كما سنعرض لحكم الإتفاقات المعدلة لمدة التقادم القانونية.

أولا : طول مدة التقادم

القاعدة العامة أن مدة التقادم محددة في قانون الإلتزامات والعقود بخمس عشرة سنة. ولكن هذه القاعدة ترد عليها استثناءات عديدة.

ورد في الفصل 387 من ق.ل.ع أن " كل الدعاوى الناشئة عن الإلتزام تتقادم بخمس عشرة سنة ، فيما عدا الإستثناءات الواردة فيما بعد والإستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة ".

فمن هذا النص يتبين أن القاعدة الأصلية التي أخذ بها المشرع المغربي هي تحديد مدة التقادم بخمس عشرة سنة. فكل دعوى تنشأ عن التزام يقبل التقادم يجب أن ترفع في مدة أقصاها خمس عشرة سنة وإلا امتنع سماعها.

إلا أن لمبدأ تحديد مدة التقادم بخمس عشرة سنة بعض الاستثناءات. وهذه الإستثناءات لا تتطلب مدة أطول ، إنما يكتفي المشرع عادة بمدد أقصر من خمس عشرة سنة.

والإستثناءات المذكورة ورد بعضها في نصوص متناثرة خارج باب التقادم. ولكن أكثرها ورد مباشرة في نصوص أعقبت النص الذي أعلن فيه المشرع القاعدة العامة القاضية بتحديد مدة التقادم خمس عشرة سنة.

  • الإستثناءات الواردة في نصوص خارجة عن باب التقادم :

نص الفصل 85 مكرر من ق.ل.ع على أن دعوى المسؤولية التي يقيمها المضرور أو أقاربه أو خلفاؤه ضد الدولة باعتبارها حالة محل رجال التعليم العام وموظفي الشبيبة والرياضة نتيجة ارتكاب فعل ضار من الأطفال أو الشبان الذي عهد بهم إليهم أو ضدهم ، تتقادم بمضي ثلاث سنوات تبدأ من يوم ارتكاب الفعل الضار.

ورد في الفصل 106 من ق.ل.ع أن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه ، وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر.

وجاء في الفصل 311 من ق.ل.ع أن دعاوى إبطال الإلتزامات لعيب شاب إرادة الملتزم تتقادم بسنة في كل الحالات التي لا يحدد فيها القانون أجلا مخالفا.

وجاء في الفصل 314 من ق.ل.ع أن دعوى الإبطال تنقضي بالتقادم ي جميع الحالات بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ العقد.

ورد في الفصل 573 من ق.ل.ع أن الدعوى الناشئة عن العيوب الموجبة للضمان أو عن خلو المبيع من الصفات الموعود بها يجب أن ترفع بالنسبة إلى العقارات خلال 365 يوما بعد التسليم ، وبالنسبة إلى الأشياء المنقولة والحيوانات خلال 30 يوما بعد التسليم.

نص الفصل 855 من ق.ل.ع على أن دعاوى كل من المعير والمستعير على الآخر الناشئة عن إخلال المستعير بالتزاماته ولا سيما من حيث المحافظة على الشيء المعار أو استعماله إياه وفقا لما تقتضيه طيعته ، أو عن حق المستعير في استرداد المصروفات التي اضطر لإنفاقها أو في التعويض عن الأضرار التي ألحقها به الشيء المعار بسبب عيب فيه ، تتقادم كلها بستة أشهر تبدأ بالنسبة إلى المعير من وقت رد الشيء إليه ، وبالنسبة إلى المستعير من وقت انتهاء العقد.

الإستثناءات التي نص عليها المشرع في باب التقادم :

إلى جانب الإستثناءات آنفة الذكر التي وردت في نصوص خارج باب التقادم ، أورد المشرع، عقب القاعدة العامة المحددة مدة التقادم بخمس عشرة سنة ، استثناءات عديدة اكتفى فيها المشرع بمدد أقصر من هذه المدة.

وتنقسم هذه الإستثناءات إلى زمرتين : زمرة أولى ينقضي فيها الدين بمجرد الإدلاء بالتقادم دون إمكانية إقامة أي بينة على انشغال ذمة المدين شأن التقادم القصير في ذلك شأن التقادم العادي طويل الأمد ، وزمرة ثانية يعتبر فيها التقادم قائما على قرينة وفاء قابلة للبينة المعاكسة عن طريق توجيه اليمين للمدين بأنه أدى الدين فعلا.

زمرة الإستثناءات التي لا تقبل إقامة أية بينة على انشغال ذمة المدين :

هذه الزمرة من الإستثناءات تتعلق بحالات يتقادم فيها الإلتزام بخمس سنين. وتتميز هذه الحالات بأن آثار التقادم من حيث سقوط الدعوى تترتب لمجرد أن يتمسك به ذو المصلحة دون أن يكون بمقدور الدائن تفادي سقوط الدعوى عن طريق إقامة البينة عى انشغال ذمة المدين ، ولا حتى عن طريق تكليف هذا الأخير حلف اليمين على براءة ذمته.

وقد ورد النص على هذه الحالات في الفصلين 391 و 392 من ق.ل.ع

فالفصل 391 ورد فيه أن " الحقوق الدورية والمعاشات وأكرية الأراضي والمباني والفوائد وغيرها من الأداءات المماثلة تتقادم في مواجهة أي شخص كان بخمس سنوات ابتداء من حلول كل قسط ". فالأجرة التي تترتب لمؤجر العقار ولا سيما أجرة المباني والأراضي الزراعية والرواتب والمعاشات والأجور المستحقة للموظفين والمستخدمين والفوائد الإتفاقية أو القانونية في القروض المنتجة فائدة بما في ذلك فوائد الأسهم والسندات والإيرادات المرتبة مدى الحياة أو الإيرادات الدائمة كلها أداءات تتقادم خمس سنوات.

ويسري هذا التقادم الخمسي ابتداء من حلول كل قسط.

ويجب الإنتباه إلى أن الأداءات التي تتقادم بخمس سنين هي الأداءات التي تتصف بصفتي الدورية والتجدد. فالأجرة والفائدة هي دورية بمعنى أنها تستحق في مواعيد دورية منتظمة كل شهر أو ثلاثة أشهر أو كل سنة ، وهي متجددة بمعنى أنها بطبيعتها مستمرة لا تنقطع. وعليه فالديون التي تستوفي صفة الدورية دون استيفاء شرط التجدد تخضع للتقادم الطويل العادي لا للتقادم الخمسي.

والفصل 392 ورد فيه أن " جميع الدعاوى بين الشركاء بعضهم مع بعض أو بينهم وبين الغير بسبب الإلتزامات الناشئة عن عقد الشركة ، تتقادم بخمس سنوات ،ابتداء من يوم نشر سند حل الشركة ، أو من يوم نشر انفصال الشريك عنها. وإذا كان حق دائن الشركة لا يحل أجله إلا بعد النشر فإن التقادم لا يبدأ إلا بعد هذا الحلول. وذلك كله دون إخلال بما يقرره القانون من تقادم أقصر في موضوع الشركة ". ذلك ان عقد الشركة قد ينشئ التزامات على شريك تجاه شركائه أو على الشركاء إزاء الغير ، وتحل الشركة أو ينفصل عنها أحد الشركاء دون أن تكون الإلتزامات المذكورة قد نفذت بعد. فمثل هذه الإلتزامات تستدعي بطبيعتها السرعة في التنفيذ. لذا أخضعها المشرع للتقادم الخمسي.

والتقادم الخمسي على ما هو واضح من النص لا يبدأ من تاريخ حل الشركة أو من تاريخ خروج أحد الشركاء منها ، بل إن سريانه يتأخر حتى إتمام نشر حل الشركة أو نشر انفصال الشريك عنها وفقا لمقتضيات القانون.


زمرة الإستثناءات القائمة على قرينة وفاء قابلة للبينة المعاكسة :

تتميز هذه الزمرة من الإستثناءات بأن التقادم فيها يقوم على قرينة وفاء غير قاطعة بل قابلة للبينة المعاكسة ، بحيث إذا أدلى ذو المصلحة بالتقادم المسقط جاز للشخص الذي يحتج ضده بهذا التقادم أن يقيم البينة على أن ذمة المدين مازالت مشغولة بالدين رغم انقضاء مدة التقادم.

غير أن هذه البينة محصورة بطريق واحد ليس إلا وهو توجيه اليمين للمدين ليقسم أن الدين قد دفع فعلا ، أو توجيه اليمين لأرامل المدين ولورقته ولأوصيائهم إن كانوا قاصرين ليصرحوا بما إذا كانوا لا يعلمون بأن الدين مترتب على المدين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثانية من الفصل 390 من ق.ل.ع أنه " ومع ذلك يحق للأشخاص الذين يحتج ضدهم بالتقادم المنصوص عليه في الفصلين 388 و 389 المذكورين آنفا أن يوجهوا اليمين للأشخاص الذين يتمسكون به ، ليقسموا أن الدين قد دفع فعلا ، ويسوغ توجيه اليمين لأرامل هؤلاء ولورثتهم ولأوصيائهم إن كانوا قاصرين ليصرحوا بما إذا كانوا لا يعلمون بأن الدين مستحق ".

فإن استجاب من وجهت إليه اليمين وحلفها برأت ذمة المدين بصورة نهائية. وإن نكل عن حلفها ثبت الدين في ذمة المدين ووجب عليه الوفاء به ، ولا يتقادم الدين بعد ذلك إلا بخمس عشرة سنة من وقت صدور الحكم بثبوت الدين في ذمة المدين.

ومدة التقادم في هذه الزمرة من الإستثناءات ليست واحدة ، بل هي تختلف من دعوى إلى أخرى. فبعض الدعوى تتقادم بخمس سنوات ، وبعضها يتقادم بسنتين ، وبعضها يتقادم بسنة واحدة ، وثمة دعاوى يمكن أن تتقادم بمدة شهر.

  • نص الفصل 388 من ق.ل.ع على أنه تتقادم بخمس سنوات دعوى التجار والموردين وأرباب المصانع بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من أجل حاجات مهنتهم.

وتتقادم بسنتين طبقا للفصل 388 من ق.ل.ع :

  • دعوى الأطباء والجراحين والمولدين وأطباء الأسنان والبياطرة من أجل ما يقومون به من زيارات ويؤدونه من عمليات ، وكذلك من أجل ما يوردونه من أشياء وما يقدمونه من نقود ابتداء من تاريخ حصوله.

  • دعوى الصيادلة من أجل الأدوية التي يوردونها ، ابتداء من تاريخ توريدها.

  • دعوى المؤسسات الخاصة أو العامة المخصصة لعلاج الأمراض البدنية أو العقلية أو لرعاية المرضى ، من أجل العلاج المقدم منها لمرضاها والتوريدات والمصروفات الحاصلة منها لهم ، ابتداء من تاريخ تقديم العلاج أو حصول التوريدات.

  • دعوى المهندسين المعماريين وغيرهم من المهندسين والخبراء والمساحين من أجل مواصفاتهم أو عملياتهم والمصروفات المقدمة منهم ابتداء من تاريخ تقديم المواصفة أو إتمام العمليات أو إجراء المصروفات.

  • دعاوى التجار والموردين وأرباب المصانع من أجل التوريدات المقدمة منهم للأفراد لاستعمالهم الخاص.

  • دعوى الفلاحين ومنتجي المواد الأولية من أجل التوريدات المقدمة منهم ، إذا كانت قد استخدمت في الأغراض المنزلية للمدين ، وذلك ابتداء من يوم وقوع هذه التوريدات.

وورد أيضا في الفصل 388 أنه تتقادم بسنة واحدة ذات ثلاثمئة وخمسة وستين يوما :

  • دعوى المعلمين والأساتذة وأصحاب المؤسسات المخصصة لإقامة التلاميذ العامة منها والخاصة من أجل أتعابهم المستحقة على تلاميذهم وكذلك من أجل التوريدات المقدمة منهم إليهم ، وذلك ابتداء من حلول الأجل المحدد لدفع أتعابهم.

  • دعوى الخدم من أجل أجورهم وما قاموا به من مصروفات وغير ذلك من الأداءات المستحقة لهم بمقتضى عقد إجارة العمل ، وكذلك دعوى المخدومين ضد خدامهم من أجل المبالغ التي يسبقونها لم على أساس تلك الرابطة.

  • دعوى العمل والمستخدمين والمتعلمين والمتجولين ومندوبي التجارة والصناعة ، من أجل رواتبهم وعمولاتهم ، وما أدوه من مصروفات بسبب وظائفهم ، وما يستحقونه من عطلة سنوية مؤدى عنها أو ما يعوضها وذلك عن السنة الجارية وعند ثبوت الحق في عطل مجتمعة عن السنة أو السنتين الماضيتين ؛

دعوى أرباب الحرف من أجل توريداتهم ومياوماتهم وا أنفقوه بسبب تقديم خدماتهم.

دعوى المخدوم أو رب العمل من أجل المبالغ المسبقة للعمال والمستخدمين والمتعلمين والمتجولين والمندوبين من أجورهم أو عمولاتهم أو المبالغ التي أنفقوها بسبب خدماتهم.

  • دعوى أصحاب الفنادق والمطاعم ، من أجل الإقامة والطعام وما يصرفونه لحساب زبنائهم.

  • دعوى مكري المنقولات من أجل أجرتها.

وتتقادم أيضا سنة ذات ثلاثمئة وخمسة وستين يوما طبقا للفصل 389 من ق.ل.ع :

  • دعوى وكلاء الخصومة من أجل الأتعاب ، والمبالغ التي يصرفونها وذلك ابتداء من الحكم النهائي أو من عزلهم من الوكالة.

  • دعوى الوسطاء من أجل استيفاء السمسرة ، ابتداء من إبرام الصفقة.

  • دعوى المتعاقدين صد الأشخاص المذكورين فيما سبق ، من أجل ما سبقوه لهم لأداء ما أنيط بهم من أعمال ، وذلك ابتداء من نفس التاريخ لكل طائفة منهم.

  • الدعاوى التي تثبت من أجل العوار والضياع والتأخير وغيرها من الدعاوى التي يمكن أن تنشأ عن عقد النقل ، سواء أكانت ضد الناقل أو الوكيل بالعمولة أو ضد المرسل أو المرسل إليه ، وكذلك الدعاوى التي تنشأ بمناسبة عقد النقل.

وتحسب مدة هذا التقادم ، في حالة الهلاك الكلي ، ابتداء من اليوم الذي كان يجب فيه تسليم البضاعة ، وفي غير ذلك من الأحوال ، ابتداء من يوم تسلم البضاعة للمرسل إليه أو عرضها عليه. وفي حالة النقل الحاصل لحساب الدولة لا يبدأ التقادم إلا من يوم تبليغ القرار الإداري المتضمن للتصفية النهائية أو للأمر النهائي بالأداء.

وتتقادم بشهر واحد طبقا للمقطع قبل الأخير من الفصل 389 من ق.ل.ع ، دعوى الرجوع التي تنشأ عن عقد النقل ممن يثبت له الضمان ضد الضامن. وتقادم الشهر هذا لا يبدأ إلا من يوم مباشرة الدعوى ضد الشخص الذي يثبت له الضمان.

وقد جاء ضمن الفقرة الأولى من الفصل 390 من ق.ل.ع المنصوص عليه في الفصلين 388 و 389 ـ وهو التقادم القصير القائم على قرينة الوفاء ـ يسري ولو حصل الإستمرار في التوريدات أو التسليم أو الخدمات أو الأعمال. ذلك أن الديون يرد عليها التقادم القصير تترتب في الغالب على عقود تقتضي نشاطا مستمرا أو متجددا ، كخدمات الأجراء ومن يزاولون المهن الحرة وتوريد البضائع وما إلى ذلك. فكل دين من هذه الديون يعتبر قائما بذاته رغم استمرار نشاط الدائن وتجدده ، ويسقط بانقضاءخمس سنوات أو سنتين أو سنة واحدة بحسب الأحوال ، بمجرد أن تكتمل ذاتيته ويصبح مستحق الأداء.

ثانيا : بدء مدة التقادم وكيفية حسابه

القاعدة العامة أن بدء سريان مدة التقادم يكون من وقت أن يكتسب الدائن الحق ويصبح بمقدوره الحصول عليه. وهذا ماا أكده المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 380 من ق.ل.ع بقوله " لا يسري التقادم بالنسبة للحقوق إلا من يوم اكتسابها ". ذلك أن الدائن يمتنع عليه قبل ذلك أن يطالب بحقه ؛ فلا يعقل إذن أن نجعل التقادم يسري عليه وإلا آلت النتيجة إلى أن الدائن يفقد حقه حتى قبل أن يتيسر له ممارسة هذا الحق.

وبعد أن نص المشرع على القاعدة العامة التي تقضي ببدء سريان مدة التقادم وقت صيرورة الحق مكتسبا مستحق الأداء ، أورد تطبيقات عديدة لهذه القاعدة في الفصل 380 من ق.ل.ع :

  • إن الحقوق المعلقة على شرط واقف لا يسري عليها التقادم إلا من وقت تحقق الشرط. ذلك أن الحق المعلق على شرط واقف لا يصبح مستحق الأداء إلا بتحقق الشرط الذي قد يتحقق وقد لا يتحقق. لذا كان طبيعيا أن لا يبدأ تقادم مثل هذا الحق إلا من وقت تحقق الشرط.

أما الحق المعلق على شرط فاسخ ، فإنه نافذ منذ وجوده ويزول بتحقق الشرط. لذا كان سريان التقادم على الحق المعلق على شرط فاسخ هو وقت نشوء الحق. فإذا اكتملت مدة التقادم سقط الحق سواء تحقق الشرط بعد ذلك أم لم يتحقق ؛ أما إذا لم تكتمل المدة وتحقق الشرط الفاسخ فإن الحق نفسه الذي كان معلقا عليه يزول من أساسه لا يبقى أثر للتقادم.

  • دعوى الضمان لا يسري عليها التقادم إلا من وقت حصول الإستحقاق أو تحقق الفعل الموجب للضمان.

  • الدعوى التي تتوقف مباشرتها على أجل ، لا يبدأ سريان التقادم عليها إلا من وقت حلول الأجل. فلو أن حق الدائن كان مربوطا بأجل واقف مثلا ، لما جاز للدائن الإدعاء بحقه إلا بعد حلول الأجل. ومن ثم فسريان التقادم على الدعوى بهذا الحق لا يبدأ إلا من ذلك الوقت.

إلا أن لقاعدة سريان مدة التقادم منذ اكتساب الحق واستحقاقه بعض الإستثناءات. وهذه الإستثناءات المقررة بنصوص خاصة على نوعين : نوع أول يجعل سريان مدة التقادم لاحقا ليوم اكتساب الحق ، ونوع ثان يجعله مقدما على هذا اليوم.

فمن النصوص التي تجعل بدء سريان مدة التقادم بعد يوم اكتساب الحق يمكننا أن نذكر على سبيل المثال ما ورد في الفصل 106 من ق.ل.ع من أن دعوى التعويض عن جرم أو شبه جرم تبدأ من اليوم الذي يبلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر من جهة ، والشخص المسؤول عن الضرر من جهة ثانية. فهذا اليوم يتأخر عن اليوم الذي كسب فيه المضرور الحق في التعويض وهو اليوم الذي وقع فيه العمل غير المشروع. وكذلك يمكننا أن نذكر ما ورد في الفصل 312 من ق.ل.ع من أن دعوى الإبطال لنقص في الأهلية أو للغلط أو التدليس أو الإكراه تتقادم بسنة واحدة تبدأ من يوم بلوغ القاصر سن الرشد أو من يوم اكتشاف الغلط أو التدليس أو من يوم زوال الإكراه ، وهو يوم يتأخر بالبداهة عن اليوم الذي نشأ فيه حق الإبطال.

أما النصوص التي تجعل بدء سريان مدة التقادم قبل يوم اكتسابها فمثالها ما قرره الفصل 376 من ق.ل.ع من أن " التقادم يسقط الدعاوى المتعلقة بالإلتزامات التبعية في نفس الوقت الذي يسقط فيه الدعوى المتعلقة بالإلتزام الأصلي ، ولو كان الزمن المحدد لتقادم الإلتزامات التبعية لم ينقض بعد ".

أما بالنسبة لكيفية حساب مدة التقادم فقد نص الفصل 386 من ق.ل.ع على أن " التقادم يحسب بالأيام الكاملة لا بالساعات. ولا يحسب اليوم الذي يبدأ التقادم منه في الزمن اللازم لتمامه. ويتم التقادم بانتهاء اليوم الأخير من الأجل ".

ففي ضوء هذا النص يمكننا تقرير القواعد التالية :

  • حساب مدة التقادم يجري بالأيام لا بالساعات. ذلك أن حساب المدة بالساعات يقتضي أن نحدد على وجه الدقة الساعة التي بدأ فيها التقادم وهو أمرغير ممكن لأن الذي ألفه الناس عند تعيين التاريخ هو الإقتصار على ذكر اليوم دون الساعة.

  • حساب المدة يجري بالأيام الكاملة. وهذا يعني وجوب حساب المدة ابتداء من منتصف الليل إلى منتصف الليل التالي. لذلك قرر المشرع عدم إدخال اليوم الذي بدأ منه التقادم في الحساب لأنه يوم ناقص ، جزء من يوم ، وليس يوما كاملا.

  • تنقضي مدة التقادم بانتهاء اليوم الأخير من الأجل ، أي عند منتصف ليل اليوم الذكور.

  • إذا وافق حلول آخر يوم من مدة التقادم يوم عطلة رسمية ، فإن سريان التقادم يوقف بالقوة القاهرة إلى أول يوم من أيام العمل يأتي بعده ، ولا تكتمل مدة التقادم إلا بانقضاء هذا اليوم دون أن يقطع الدائن سريانه. هذا ما أكده المشرع في الفصل 133 من ق.ل.ع بقوله " إذا وافق حلول الأجل يوم عطلة رسمية قام مقامة أول يوم من أيام العمل يأتي بعده ".

  • تحسب مدة التقادم بالتقويم الميلادي لا بالتقويم الهجري. ذلك أن المشرع صرح في الفصل 132 أن المقصود بالسنة ، عندما يكون الأجل مقدرا بالسنة ، مدة ثلاثمئة وخمسة وستين يوما كاملة ، كما أنه عندما عرض في الفصلين 388 و 389 من ق.ل.ع للحالات التي يتقادم فيها الحق بسنة واحدة أوضح أن المراد بالسنة سنة ذات ثلاثمئة وخمسة وستين يوما.

ثالثا : قطع التقادم

أسباب قطع التقادم تقضي على المدة السابقة وتجعلها كأن لم تكن ، بحيث إذا ما بدأ سريان تقادم جديد بعد انقطاعه ، وجب أن يستمر المدة الكاملة لتترتب عليه آثاره.

وقد عين المشرع أسباب قطع التقادم في الفصلين 381 و 382 من ق.ل.ع. وبالرجوع إلى هذين النصين يتبين أن أسباب قطع التقادم إما أن تصدر عن الدائن وهو ما عرض له المشرع في الفصل 381 بقوله " ينقطع التقادم :

  1. بكل مطالبة قضائيو أو غير قضائية يكون لها تاريخ ثابت ومن شأنها أن تجعل المدين في حالة مطل لتنفيذ التزامه ، ولو رفعت أمام قاض غير مختص ، او قضي ببطلانها لعيب في الشكل.

  2. بطلب قبول الدين في تفليسة المدين

  3. بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على الإذن في مباشرة هذه الإجراءات ".

وقد تصدر أسباب قطع التقادم عن المدين وذلك بإقراره بحق الدائن وهو ما عرض له المشرع في الفصل 382 من ق.ل.ع بقوله " وينقطع التقادم أيضا بكل أمر يعترف المدين بمقتضاه بحق من بدأ التقادم يسري ضده ، كما إذا جرى حسابب عن الدين أو أدى المدين قسطا منه وكان هذا الأداء ناتجا عن سند ثابت التاريخ ، أو طلب أجلا للوفاء ، أو قدم كفيلا أو أي ضمان آخر ، أو دفه بالتمسك بالمقاصة عند مطالبة الدائن له بالدين ".

إن أسباب قطع التقادم الصادرة عن الدائن هي ثلاثة : مطالبة الدائن المدين بحقه، طلب الدائن دينه في تفليسة المدين ، مباشرة الدائن أي إجراء تحفظي أو تنفيذي على أموال المدين أو تقديم أي طلب للحصول على إذن بذلك.

مطالبة الدائن المدين بحقه : ورد في الفقرة الأولى من الفصل 381 من ق.ل.ع أن التقادم ينقطع " بكل مطالبة قضائية أو غير قضائية يكون لها تاريخ ثابت ومن شأنها أن تجعل المدين في حالة مطل لتنفيذ التزامه ، ولو رفعت أمام قاض غير مختص ، أو قضي ببطلانها لعيب في الشكل ".

فمن هذا النص يتبين أن مطالبة الدائن بحقه من شأنها أن تقطع التقادم سواء كانت هذه المطالبة قضائية أم كانت غير قضائية.

إن المطالبة القضائية تقطع التقادم. ويقصد بالمطالبة القضائية الطلب الواقع فعلا للمحكمة والجازم بالحق الذي يظهر الدائن رغبته دون لبس في أنه راغب في الحصول عليه.

ولا يقم مقام المطالبة القضائية ، كسبب قاطع للتقادم ، إقامة الدعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة لاتخاذ تدبير عاجل كوصف حالة راهنة. إلا أن الإدعاء لدى القضاء الإستعجالي يمكن الإعتداد به استثناء كسبب قاطع للتقادم إذا تضمن ، ولو خطأ ، طلبا تناول جوهر الحق حيث يعتبر بمثابة دعوى رفعت إلى محكمة غير مختصة ، أو إذا كان يهدف اتخاذ تدبير لحفظ مال المدين كطلب الحراسة حيث يعتبر بمثابة إجراء تحفظي ينطبق عليه نص الفقرة الثالثة من الفصل 381 التي تجيز قطع التقادم " بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طل يقدم للحصول على الإذن في مباشرة هذه الإجراءات ".

ويلاحظ أن المشرع اعتبر المطالبة القضائية قاطعة للتقادم ولو رفعت إلى محكمة غير مختصة. كما اعتبرها قاطعة للتقادم حتى ولو قضي ببطلانها لعيب في الشكل.

وتجدر الإشارة إلى أن قطع التقادم لا يترتب على المطالبة القضائية إذا تنازل عنها صاحبها أو إذا لم يقض ببطلانها لعيب في الشكل ، بل ردت لسبب آخر كعدم صحة الخصومة أو انتفاء الصفة لدى المدعي أو كونها غير كقبولة في حالتها الحاضرة كأن تكون سابقة لأوانها، أو كونها غير محقة في الجوهر.

والمطالبة غير القضائية تقطع التقادم أيضا كالمطالبة القضائية. ويقصد بالمطالبة غير القضائية المطالبة التي يوجهها الدائن إلى المدين عن غير طريق القضاء شرط أن يكون لها تاريخ ثابت وأن يكون من شأنها أن تجعل المدين في حالة مطل لتنفيذ التزامه. ومثل المطالبة غير القضائية القاطعة للتقادم، المطالبة التي تحصل بإنذار يوجهه الدائن إلى المدين. مثلها أيضا الإنذار الذي يرسله الدائن ببرقية أو رسالة مضمونة إلى الدائن على ما ورد في الفصل 255 من ق.ل.ع

طلب الدائن قبول دينه في تفليسة المدين : ورد في الفقرة الثانية من الفصل 381 من ق.ل.ع أن التقادم ينقطع " بطلب قبول الدين في تفليسة المدين ". ذلك أن المطالبة الفردية يمتنع إجراؤها منذ شهر الإفلاس ، ويحل محلها تثبيت الدائن دينه في التفليسة. لذا كان طبيعيا أن يعتبر الطلب الذي يقدمه الدائن بقبول دينه في تفليسة المدين قاطعا للتقادم لأنه يقوم في الواقع مقام المطالبة القضائية.

مباشرة الدائن أي إجراء تحفظي أو تنفيذي على أموال المدين أو تقديم طلب للحصول على إذن بذلك : نصت الفقرة الثالثة من الفصل 381 من ق.ل.ع على أن التقادم ينقطع " بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على الإذن في مباشرة هذه الإجراءات ". فحجز أموال المدين حجزا تنفيذيا أو تحفظيا أو وضع الأختام على هذه الأموال أو حجز ما للمدين لدى الغير تنفيذيا أو تحفظيا ، أو قيد الدائن المخول رهنا جبريا هذا الرهن على عقار المدين كل ذلك يعتبر من الأسباب القاطعة للتقادم. كذلك يعتبر سببا قاطعا للتقادم كل طلب يقدم للحصول على إذن في مباشرة هذه الإجراءات كطلب الدائن المساعدة القضائية لاتخاذ إجراء من هذا النوع أو طلب الترخيص للنائب الشرعي باتخاذ إجراءات تحفظية أو تنفيذية باسم القاصر أو ناقص الأهلية ، أو طلب تسجيل قيد مؤقت في السجل العقاري لأجل حفظ حق يدعى به على عقار محفظ ، ولا سيما من أجل حفظ الرهونات الجبرية.

وإلى جانب أسباب قطع التقادم الصادرة عن الدائن ، يمكن أن يقطع التقادم بأسباب صادرة عن المدين وذلك بأن يقر بالحق المترتب في ذمته لمصلحة الدائن. وقد عرض المشرع لقطع التقادم بإقرار المدين في الفصل 382 من ق.ل.ع بقوله " وينقطع التقادم أيضا بكل أمر يعترف المدين بمقتضاه بحق من بدأ التقادم يسري ضده ، كما إذا جرى حساب عن الدين ، أو أدى المدين قسطا منه وكان الأداء ناتجا عن سند ثابت التاريخ ، أو طلب أجلا للوفاء ، أو قدم كفيلا أو أي ضمان آخر ، أو دفع بالتمسك بالمقاصة عند مطالبة الدائن له بالدين ". فالمدين الذي انقضت مدة على استحقاق دينه دون أن يكتمل التقادم ، ويقر بترتب الدين في ذمته ، يكون بإقراره هذا نزل عن المدة المنقضية. ولما كان النزول عن التقادم كله بعد اكتمال مدته جائزا ، فإنه من باب أولى أن يكون باستطاعة المدين التنازل عن جزء من مدة التقادم بعد انقضائها عن طريق إقراره بالدين.

لذا فكل إقرار بالدين يصدرعن المدين يكون سببا لانقطاع التقادم ويترتب عليه عدم الإعتداد بالمدة المنقضية حتى صدور هذا الإقرار وابتداء تقادم جديد يسري من ذاك الوقت.

وإقرار المدين إما أن يكون صريحا وإما أن يكون ضمنيا.

فالإقرار الصريح ينجم عن كل تعبير عن إرادة المدين يفيد اعترافه بترتب الدين في ذمته. ولا يشترط فيه شكل خاص.فقد يظهر في صورة اتفاق يكون المدين أحد طرفيه ، وقد يرد في رسالة يسطرها المدين إلى دائنه أو إلى شخص آخر ؛ وقد يثبت في محضر قسمة أو في محضر جرد تركة أو شركة ، وقد يكون بتصريح إرادي منفرد يصدر عن المدين.

أما الإقرار الضمني فهو الذي يستخلص من أي عمل يقوم به المدين أو من أي موقف يقفه يحمل معنى الإعتراف بالدين المترتب في ذمته. ومن أمثلة الإقرار الضمني القاطع للتقادم ما جاء في الفصل 382 " إذا جرى حساب عن الدين ، أو أدى المدين قسطا منه وكان هذا الأداء ناتجا عن عن سند ثابت التاريخ ، أو طلب أجلا للوفاء ، أو قدم كفيلا أو أي ضمان آخر ، أو دفع بالتمسك بالمقاصة عند مطالبة الدائن له بالدين ".

ويترتب على قطع التقادم عدة آثار يمكن جمعها حول القواعد التالية :

  • إن المدة المنقضية قبل حصول السبب الذي أدى إلى قطع التقادم ، يزول كل أثر لها وتهدر من حساب مدة التقادم إذا ما عاد إلى السريان من جديد. وقد نص المشرع على هذه القاعدة في مطلع الفصل 383 من ق.ل.ع بقوله " إذا انقطع التقادم بوجه صحيح ، لا يحسب في مدة التقادم الزمن السابق لحصول ما أدى إلى انقطاعه ".

  • يبدأ سريان تقادم جديد من وقت زوال السبب الذي أدى إلى قطع التقادم. وهذا ما نبه إليه المشرع في الفصل 383 من ق.ل.ع حيث بعد تنصيصه على وجوب عدم احتساب الزمن السابق على حصول قطع التقادم ، أضاف أنه " تبدأ مدة جديدة للتقادم من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الإنقطاع ".

  • الأصل أن مدة التقادم الجديد تكون نفس مدة التقادم القديم الذي انقطع.

  • الأصل أن انقطاع التقادم ينحصر أثره بطرفي الإلتزام الذي انقطع تقادمه. وعليه إذا آل دين لعدة ورثة وانقسم فيما بينهم وقطع أحدهم التقادم ضد المدين ،فإن أثر هذا القطع ينحصر أثره به وحده ولا يتعداه إلى بقية الورثة الذين يبقى التقادم ساريا عليهم ؛ وكذلك إذا قطع الدائن التقادم ضد الكفيل فلا يقطعه ضد المدين الأصلي ؛ وإذا قطعه بانسبة إلى أحد المدينين المتضامنين فلا ينقطع بالنسبة للآخرين حيث جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 176 من ق.ل.ع " قطع التقادم بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين لا يقطعه بالنسبة للآخرين...".

ولما كان ورثة الدائن وخلفاؤه حكمهم حكم الدائن نفسه ، فقد كان طبيعيا أن يمتد أثر قطع التقادم إليهم. لهذا قرر المشرع في الفصل 385 من ق.ل.ع أنه " يسوغ التمسك بانقطاع التقادم في مواجهة ورثة الدائن وخلفائه ".

ولكن ثمة استثناءات توجد لهذا الأصل يمتد فيها أثر الإنقطاع إلى غير طرفي الإلتزام الذي انقطع تقادمه. من ذلك ما نص عليه الفصل 384 من ق.ل.ع من أن " انقطاع التقادم ضد الوارث الظاهر أو غيره ممن يحوز الحق ، يسري على من يخلفه في حقوقه ".

ومن ذلك أيضا الأفعال التي تقطع التقادم لصالح أحد الدائنين المتضامنين أو لصالح أحد الدائنين بالتزام غير قابل للانقسام طبقا للفصلين 159 و 185 من ق.ل.ع . وأن قطع التقادم إذا حصل ضد أحد المدينين بالتزام غير قابل للانقسام أنتج أثره ضد الباقين طبقا للفصل 185 من ق.ل.ع ، وأن قطع التقادم بالنسبة للمدين الأصلي يمتد إلى الكفيل طبقا للفصل 1158 من ق.ل.ع

ولكن امتداد أثر التقادم إلى غير طرفي الإلتزام الذي انقطع تقادمه يظل أمرا استثنائيا. وتبقى القاعدة الأصلية التي يجب الرجوع إليها أن قطع التقادم لا يتعدى أثره حلقة الدائن والمدين في هذا الإلتزام.

رابعا : وقف التقادم

عرض المشرع لأسباب وقف التقادم في الفصول 378 و 379 و 380. وبالرجوع إلى هذه النصوص يتضح أن أسباب وقف التقادم ليست من طبيعة واحدة : بعضها مستمد من اعتبارات تتعلق بشخص الإنسان ، وبعضها يرجع إلى ظروف مادية اضطرارية.

أسباب وقف التقادم التي تتعلق بالشخص :

قرر المشرع وقف التقادم لمصلحة الأشخاص الآتي بيانهم : الدائن الذي يكون مرتبطا بالمدين برابطة الزوجية ، أو البنوة أو الأبوة ، أو الأمومة ، أو الولاية الشرعية ، القاصرين وناقصي الأهلية ، المفقود والغائب ، الدائن الذي يقوم مانع أدبي يتعذر معه عليه أن يطالب بحقه.

وقف التقادم لمصلحة الدائن الذي يكون مرتبطا بالمدين برابطة الزوجية أو البنوة أو الأبوة أو الأمومة أو الولاية الشرعية : إن قيام رابطة الزوجية ، أو البنوة ، أو الأبوة ، أو الأمومة ، أو الولاية الشرعية بين الدائن والمدين يجعل الدين غير قابل للتقادم ، إذا كان الدين قد نشأ ومثل هذه الرابطة قائمة بينهما. وهذا ما نص عليه المشرع في الفصل 378 من ق.ل.ع بقوله " لا محل لأي تقادم :

  1. بين الأزواج خلال مدة الزواج

  2. بين الأب أو الأم وأولادهما

  3. بين ناقص الأهلية أو الحبس أو غيره من الأشخاص الإعتبارية والوصي أو المقدم أو المدير مادامت ولايتهم قائمة ولم يقدموا حساباتهم النهائية ".

وقف التقادم لمصلحة القاصر و ناقص الأهلية: ورد في الفصل 379 من ق.ل.ع أن " التقادم لا يسري ضد القاصرين غير المرشدين ونااقصي الأهلية الآخرين إذا لم يكن لهم وصي أو مساعد قضائي أو مقدم ، وذلك إلى ما بعد بلوغهم سن الرشد أو ترشيدهم أو تعيين نائب قانوني لهم ".

لقد اشترط المشرع لوقف التقادم لمصلحة القاصرين غير المرشدين وناقصي الأهلية ، أن لا يكون لهم نائب شرعي يعنى بشؤونهم. أما إذا كان إلى جانبهم ولي أو وصي أو مقدم فإن التقادم يسري بحقهم كما يسري بحق الراشدين. وعلى النائب الشرعي أن يبادر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لقطع التقادم أو للمطالبة بحق القاصرين أو ناقصي الأهلية وإلا كان مسؤولا عن الأضرار التي تلحق بهم.

وقد قرر المشرع وقف التقادم لمصلحة القصر وناقصي الأهلية الذين ليس لهم نائب شرعي بصورة مطلقة ، لا فرق بين تقادم عادي مدته خمس عشرة سنة وبين تقادم قصير مدته خمس سنوات أو سنتين أو سنة واحدة.

ووقف التقادم يستمر بالنسبة للقاصر حتى يرشد وإلا فحتى بلوغه سن الرشد ، ويستمر بالنسبة لناقص الأهلية حتى زوال سببه. هذا كله مالم يعين للقاصر أو ناقص الأهلية نائب قانوني قبل ذلك. حيث بمجرد تعيين هذا النائب القانوني يزول أثر الوقف ويعود التقادم إلى السريان.

وقف التقادم لمصلحة المفقود والغائب : نصت الفقرة الرابعة من الفصل 380 من ق.ل.ع على أن " التقادم لا يسري ضد الغائبين إلى أن يثبت غيابهم ويعين نائب قانوني عنهم. ويعتبرفي حكم الغائب من يوجد بعيدا عن المكان الذي يتم فيه التقادم ".

إن ما قصده المشرع بهذا النص هو تقرير وقف التقادم لمصلحة المفقود. ويعد مفقودا كل شخص غاب وانقطع خبره ولم يعلم مكان وجوده ، سواء كانت غيبته ظاهرها الهلاك أو كان ظاهر غيبته السلامة. وإلى أن يتثبت القاضي من فقدان الشخص أصولا ويعبن له نائبا شرعيا ، يقف التقادم عن السريان في حقه. ويعتبر بحكم المفقود " الغائب " أي الشخص الذي يوجد بعيدا عن المكان الذي يتم فيه التقادم ويمتنع عليه بسبب هذا البعد المطالبة بحقه أو على الأقل اتخاذ الإجراءات اللازمة لقطع تقادم هذا الحق. فالتقادم يقف سريانه بحق الغائب إلى أن تتهيأ له أسباب العودة إلى مباشرة أعماله.

وقف التقادم لمصلحة الدائن الذي يقوم مانع أدبي يتعذر معه عليه أن يطالب بحقه : نص المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 380 على أن التقادم " لا يسري إذاوجد الدائن الفعل في ظروف تجعل من المستحيل عليه المطالبة بحقوقه خلال الأجل المقرر للتقادم ".

وهذا المبدأ العام الذي أعلنته الفقرة الأخيرة من الفصل 380 يتسع لشمول حالات عديدة غير الحالات القانونية التي خصها المشرع بالذكر. ومثلها علاقة الموكل بالوكيل في حدود أعمال الوكالة ومادامت الوكالة قائمة. وعلاقة الخادم بالمخدوم مادام عقد الإستخدام قائما.

وتقدير وجود مثل هذه الظروف التي تقوم معها حالات يقف فيها التقادم عن السريان متروك لسلطان القاضي الذي له ان يعتبرها سببا موقفا للتقادم وله أن لا يرى فيها شيئا من ذلك. خلاف ما عليه الأمر بالنسبة لحالات وقف التقادم القانونية التي عددها المشرع والتي لا يستطيع القاضي ، إذا وجدت واحدة منها ، إلا أن يرتب عليها وقف التقادم.

والاضي في تقديره لحالات وقف التقادم المستمدة من ظروف تجعل من المستحيل على الدائن أن يطالب بحقه لا يخضع لرقابة محكمة النقض.

أسباب وقف التقادم العائدة لظروف مادية اضطرارية : إن ما أورده المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 380 من ق.ل.ع من أن التقادم لا يسري بحق الدائن الذي يوجد بالفعل في ظروف تجعل من المستحيل عليه المطالبة بحقوقه خلال الأجل المقرر للتقادم ، لا يقتصر على الحالات التي يمتنع فيها على الدائن المطالبة بحقه لاعتبارات معنوية تتعلق بالشخص ، بل هو يتسع للحالات التي يرجع فيها المانع من ممارسة الحق إلى ظرف مادي اضطراري يقترب من القوة القاهرة.

ففي هذه الحالات وما شابهها يتوقف التقادم عن السريان طالما الظرف الإضطراري المانع من المطالبة بالحق قائما.

وتترتب على وقف التقادم آثار يمكن جمعها حول القاعدتين التاليتين :

إذا وقف التقادم لسبب وجيه ، فإن سيره يتعطل ولا يعود إلى السريان إلا من وقت زوال هذا السبب. وإذا زال السبب الموقف وعاد التقادم إلى السريان ، فإن المدة التي كان وقف خلالها لا تحتسب ضمن مدة التقادم، ولكن المدة السابقة تؤخذ بعين الإعتبار وتضاف إلى المدة التالية لزوال السبب الواقف.

والأصل أن وقف التقادم ينحصر أثره بالشخص الذي تقرر الوقف لمصلحته ولا يستفيد من ذلك أحد سواه. فلو وقف التقادم لمصلحة أحد الورثة بسبب قصره ، فإن أثر هذا الوقف لا يمتد إلى الورثة الراشدين. وكذلك لا يستفيد دائن متضامن من وقف التقادم بسبب نقص أهلية دائن متضامن آخر. وإذا وقف سريان التقادم بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين ، فلا يسوغ للدائن أن يتمسك بذلك إزاء باقي المدينين طبقا للفقرة الثانية من الفصل 176 من ق.ل.ع

على أن لهذا الأصل ثمة استثناءات منها أن التقادم إذا وقف بالنسبة إلى أحد المدينين في التزام غير قابل للإنقسام ، فإن طبيعة عدم تجزئة المحل تقتضي وقف سريان التقادم بالنسبة إلى باقي المدينين. ومنها كذلك أن التقادم إذا وقف لصالح أحد الدائنين في التزام غير قابل للانقسام ، انتفع بذلك سائر الدائنين نظرا لما تقتضيه طبيعة عدم التجزئة.

ولكن امتداد أثر وقف التقادم غلى غير الشخص الذي تقرر لمصلحته يبقى أمر استثنائيا وتبقى القاعدة الأصلية في هذا الخصوص أن وقف التقادم يجب حصره بالشخص الذي قام به السبب الواقف.

خامسا : الإتفاقات المعدلة لمدة التقادم القانونية

عرض المشرع للإتفاقات المعدلة لمدة التقادم في الفصل 375 من ق.ل.ع حيث قال " لا يسوغ للمتعاقدين ، بمقتضى اتفاقات خاصة ، تمديد أجل التقادم إلى أكثر من الخمس عشرة سنة التي يحددها القانون ".

ورغم أن النص ورد قاصرا ، كما هو ظاهر ، على مدة التقادم الطويل ، فإنه مما لا ريب فيه أن الحكم الذي ينطوي عليه يجب تطبيقه على سائر مدد التقادم والقول بمنع أي اتفاق يتضمن تمديد مدة التقادم ، لا فرق بين أن يكون هذا التقادم عاديا مدته خمس عشرة سنة أم قصيرا مدته خمس سنوات أو سنتان أو سنة واحدة. ذلك أن الإتفاق على إطالة مدة التقادم بصورة مسبقة يحمل معنى التنازل مقدما عن التقادم ويتعارض مع نص الفصل 373 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه " لا يسوغ التنازل مقدما عن التقادم ".

أما الإتفاقات الرامية إلى تقصير مدة التقادم فليس ثمة ما يمنعها قانونا ، لا بل إن نص الفصل 375 من ق.ل.ع إذ منع الإتفاقات التي تتضمن تمديد أجل التقادم ، يكون عن طريق مفهوم المخالفة ، قد أقر ضمنا جواز الإتفاقات التي تهدف تقصير هذا الأجل.

وعليه ، ففي التشريع المغربي نميز بين الإتفاق على إطالة مدة التقادم فيقع باطلا ، وبين الإتفاق على تقصير هذه المدة فيكون صحيحا منتجا آثاره.

ولا بد لنا من سوق الملاحظتين التاليتين :

  • قد يحصل أن يجيز القانون على سبيل الإستثناء الإتفاق على زيادة مدة التقادم. فهكذا مثلا بعد أن حدد الفصل 573 من ق.ل.ع تقادم الدعوى الناشئة عن العيوب الموجبة للضمان أو عن خلو المبيع من الصفات الموعود بها بمدة 365 يوما بعد التسليم بالنسبة للعقارات وبمدة 30 يوما عد التسليم بالنسبة للمنقولات والحيوانات ، أضاف أنه " يسوغ تمديد هذه الآجال أو تقصيرها باتفاق المتعاقدين ". وبديهي أنه في حالة وجود نص صريح كهذا النص يعتبرالإتفاق على زيادة مدة التقادم اتفاقا صحيحا وذلك استثناء من القاعدة العامة القائلة ببطلان مثل هذا الإتفاق.

  • إن منع تمديد مدة التقادم يقصد به حظر الإتفاق على تمديد مدة التقادم مسبقا وقبل أن يبدأ. ولكنه لا يتناول الإتفاق الذي يهدف وقف سريان التقادم بصورة مؤقتة ريثما ينجلي أمر يتعلق بوجود الدين الذي بدأ يتقادم. قمثل هذا الإتفاق يعتبر صحيحا.

فوقف التقادم يتم إذن بإرادة الإنسان كما يحصل بإرادة المشرع ، وليس في الإتفاق على الوقف أي معنى للتنازل المسبق ، مادام يقع في وقت يكون فيه التقادم بدأ يسري ، ووجد الطرفان ، تحقيقا لمصلحة مشتركة ، إعاقته عن المضي بصورة مؤقتة.



المطلب الثاني : إعمال التقادم المسقط وآثاره

إذا اكتملت مدة التقادم المسقط بالنسبة لالتزام ما ، فإن هذا الإلتزام لا ينقضي من تلقاء نفسه بل لا بد للمدين من التمسك بالتقادم. وقد يرى المدين بدل التمسك به أن يتنازل عنه ويحول بذلك دون ترتيب الآثار التي كان يمكن أن تترتب عليه.

الفقرة الأولى : إعمال التقادم المسقط

سنتطرق إلى وجوب التمسك بالتقادم ، ثم التنازل عن التقادم بعد اكتمال مدته.

أولا : وجوب التمسك بالتقادم

نص الفصل 372 على أن " التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون ، بل لا بد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به. وليس للقاضي أن يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه ".

فمن هذا النص يتبين بوضوح أن التقادم لا يسقط الدعوى إلا إذا تمسك به ذو المصلحة. ويعني ذلك أن التقادم لا يكون بصورة دعوى يقيمها المدين بقصد إعلان سقوط حق دائنه بالتقادم ، بل هو يتخذ صورة دفع يتقدم به المدعى عليه ردا على دعوى المدعي ليتحقق له رد هذه الدعوى.

والدفع بالتقادم ليس من متعلقات النظام العام. لذا وجب على ذي المصلحة أن يثيره من نفسه ليحكم به القاضي. أما إذا أهمل المدعى عليه الإدلاء بالتقادم فإنه يمتنع على القاضي الأخذ به من تلقاء ذاته ، لأن رد الدعوى بالتقادم ، كردها بقوة الشيء المقضي به ، لا يحكم به إلا بطلب من الخصوم.

ثم إن الدفع بالتقادم لييس من الدفوع الشكلية ، بل هو دفع في الجوهر. وعليه ، لا يستطيع المدعي الذي ردت دعواه على أساسه ، أن يجدد الدعوى ولو غير في المبررات وفي الأسلوب.

وقد ورد في الفصل 372 من ق.ل.ع أن لذي المصلحة التمسك بالتقادم. والأصل أن المدين هو الذي له التمسك بالتقادم ليبرئ ذمته من الدين الذي يطالب به الدائن. فالمدين ، الذي يعلم أن ذمته بريئة ، يفضل بدل أن يتحمل عبء إثبات براءة ذمته ، الإدلاء بالتقادم.

وخلف المدين حكمه حكم المدين بالذات من حيث التمسك بالتقادم. ويستوي الخلف العام والخلف الخاص في ذلك. فإذا طولبت تركة المدين بالدين ، جاز للورثة دفع هذه المطالبة عن طريق الإدلاء بالتقادم ولا سيما إذا كان تعذر عليهم وجود وثائق تثبت براءة ذمة المورث وكانوا يعلمون أن مورثهم أدى الدين الذي تطالب به تركته. وإذا طولب المحال عليه بالدين ، وكانت ذمة المحيل بريئة من هذا الدين ، استطاع المحال عليه ، بوصفه خلفا خاصا للمحيل أن يدلي بالتقادم شأنه شأن المحيل نفسه.

وغني عن البيان أن الترة التي انقضت من أصل مدة التقادم ، والدين في ذمة السلف ، تضاف إلى المدة التي تمر بعد انتقال الحق إلى الخلف.

وتجدر الإشارة إلى أن للكفيل التمسك بتقادم الدين في كل حال ولو تنازل عنه المدين الأصلي. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 374 من ق.ل.ع " يسوغ...للكفيل أن يتمسك بالتقادم ولو تنازل عنه المدين الأصلي ".

ويجوز لذي امصلحة التمسك بالتقادم في أي مرحلة من مراحل الدعوى أمام محاكم الموضوع. فله الدفع بالتقادم أمام محكمة الدرجة الأولى ولو بعد الإدلاء بدفوع أخرى شكلية أو موضوعية ، شرط طبعا أن يقع ذلك قبل قفل باب المرافعة لأنه يمتنع على الخصوم الإدلاء بأي طلب أو دفع بعد ذلك. وإذا فاته التمسك بالتقادم أمام المحكمة الإبتدائية فله أن يستدرك الأمر في طور المحاكمة الإستئنافية ويدلي بالتقادم لأول مرة أمام محكمة الإستئناف وفي أية حال كانت عليها الدعوى شرط ، هنا أيضا ، أن يقع ذلك قبل قفل باب المرافعة.

ولكن ليس لذي المصلحة ، إذا لم يسبق له أن أدلى بالتقادم في المرحلتين الإبتدائية و الإستئنافية ، أن يتمسك بالتقادم لأول مرة أمام محكمة النقض في معرض الطعن بالنقض. ذلك أن محكمة النقض لا تنظر إلا في الدفوع أثيرت أمام محاكم الموضوع ما لم يكن من الدفوع المتعلقة بالنظام العام ، والدفع بالتقادم ليس له مساس بالنظام العام.

إلا أن محكمة النقض ، إذا نقضت الحكم أو القرار المطعون فيه لسبب من الأسباب وأحال القضية على محكمة من محاكم الموضوع ، فإن لذي المصلحة الإدلاء بالتقادم أمام محكمة الإحالة لأنها محكمة موضوع ، والتمسك بالتقادم جائز أمام محاكم الموضوع في أية حالة كانت عليها الدعوى.

ثانيا : التنازل عن التقادم

ورد في الفصل 373 من ق.ل.ع أنه " لا يسوغ التنازل مقدما عن التقادم ، ولكن يسوغ التنازل عنه بعد حصوله ".

ففي هدي هذا النص يجب التمييز بين حالتين : حالة التنازل عن التقادم مقدما قبل ثبوت الحق فيه ، وحالة التنازل عن التقادم بعد حصوله وثبوت الحق فيه.

  • التنازل عن التقادم مقدما قبل ثبوت الحق فيه :

يمنع القانون صراحة التنازل عن التقادم بصورة مسبقة قبل ثبوت الحث فيه. فلا يستطيع إذن الدائن والمدين الإتفاق على أن لا يثير المدين تقادم الحق مهما طال الزمن بين نشوئه وبين وقوع المطالبة به وبالتالي على أن الحق لن يتقادم ولو اكتملت مدة تقادمه القانونية. ذلك أنه لو جاز مثل هذا الإتفاق لاشترط كل دائن على مدينه عدم تقادمالدين ، وتعميم هذا الإشترط في التعامل يهدم نظام التقادم من أساسه.

لذا فكل اتفاق على التنازل عن التقادم مقدما يعتبر باطلا ، ومن حق المدين ، إذا طولب بالدين أن يدفع بالتقادم إذا ما اكتملت مدته ، رغم ارتباطه بمثل هذا الإتفاق.

وحظر الإتفاق على التنازل عن التقادم مقدما يشمل جميع أنواع التقادم لا فرق بين تقادم قصير تكتمل مدته بخمس سنوات أو سنتين أو سنة واحدة ، وبين تقادم عادي مدته خمس عشرة سنة.

  • التنازل عن التقادم بعد حصوله وثبوت الحق فيه :

لئن كان لا يجوز التنازل عن التقادم مقدما ، فإنه يسوغ التنازل عنه بعد حصوله وثبوت الحق فيه. ذلك أن التمسك بالتقادم حق يتمتع به المدين ، وهذا الحق ليس له مساس بالنظام العام ، ومن ثم فليس هناك ما يمنع المدين من أن يتنازل عنه.

والتنازل عن التقادم يمكن أن يتخذ إحدى صورتين : فهو إما أن يكون صريحا وإما أن يكون ضمنيا.

فالتنازل الصريح ينجم عن كل تعبير عن الإرادة يفيد هذا المعنى. ولا يشترط فيه شكل خاص أو عبارات معينة بذاتها. إنما يجب في إثباته اتباع القواعد العامة في الإثبات. وعليه إذا كان الحق المتنازل عنه تفوق قيمته عشرة آلاف درهم وجب إثبات التنازل عن التمسك بتقادمه بحجة كتابية أو ببدء حجة كتابية معززة بالشهادة والقرائن طبقا للفصلين 443 و 447 من ق.ل.ع

أما التنازل الضمني عن التقادم فيستنتج من أي موقف يقفه المدين ويستخلص منه ما يستفاد حتما أنه نزل عن الدفع بالتقادم. مثل ذلك أن يقوم المدين ، رغم اكتمال مدة التقادم ، بطلب أجل من الدائن للوفاء بدينه ، أو بدفع جزء من أصل الدين أو بدفع فوائد الدين كلها أو بعضها، أو بتقديم كفالة أو رهن. فمثل هذه الأمور تحمل في طياتها إقرارا بترتب الدين في ذمة المدين رغم اكتمال مدة تقادمه وبالتالي تعتبر تنازلا ضمنيا عن التقادم.

والإستخلاص الضمني متروك في كل حال لتقدير قاضي الموضوع ، ولا معقب عليه في ذلك من محكمة النقض.

ويجدر لفت الإنتباه إلى أن التنازل عن التقادم سواء كان صريحا أم كان ضمنيا يتطلب صدوره ممن هو أهل للتصرف بحقوقه. ذلك أن التنازل عن التقادم يؤول إلى استبقاء الذمة مشغولة بدين كان يمكن أن ينقضي لولا هذا التنازل. فهو إذن يخرج عن أعمال الإدارة المألوفة ويعتبر عملا من أعمال التصرف. وعليه لا يجوز وقوعه من القاصر أو ناقص الأهلية. كما لا يجوز أن يقوم به النائب الشرعي من ولي أو وصي أو مقدم إلا بإذن المحكمة.

الفقرة الثانية : آثار التقادم

إن التقادم إذا اكتملت مدته لا يسقط الدعوى بقوة القانون ، بل لا بد لمن له مصلحة فيه ـن يدلي به. وهذا ما جاء في الفصل 372 من ق.ل.ع " التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون، بل لا بد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به ".

فعلينا إذن ، للإحاطة بآثار التقادم على الإلتزام الذي اكتمل تقادمه ، أن نميز بين المرحلة السابقة على تمسك ذي المصلحة بالتقادم ، وبين المرحلة التي تعقب ذلك.

أولا : آثار التقادم الذي اكتمل في المرحلة السابقة على التمسك به

إن الإلتزام الذي اكتملت مدة تقادمه لا ينقضي بمجرد اكتمال هذه المدة ، بل يظل التزاما مدنيا ملزما للمدين إلى أن يدفع بتقادمه.

ويترتب على ذلك نتائج عديدة نخص بالذكر منها ما يلي :

  • إذا وفى المدين بالتزامه فلا يستطيع استرداد ما دفع بحجة أن التزامه قد انقضى بالتقادم وأنه دفع غير المستحق ، وذلك حتى لو كان وفى بالإلتزام وهو يجهل وقوع التقادم. فالفصل 73 من ق.ل.ع نص صراحة على أن " الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم...لا يخول الإسترداد...ولو كان الدافع يجهل واقعة التقادم ".

  • إذا كان المدين رغم علمه بتقادم دينه ، قدم كفالة أو أي ضمان آخر ، فإنه يعتبر قد تنازل ضمنا عن الإدلاء بالتقادم وصحت الكفالة كما صح الضمان. أما إذا كلن يجهل كون دينه قد تقادم وقت تقديمه للكفالة أو الضمان ، فإنه يستطيع الطعن في هذه التصرفات للعلط في القانون إذا توافرت الشروط التي يتطلبها القانون لإبطال الإلتزام لغلط في القانون ، كما يستطيع أن يدلي بعد ذلك بانقضاء دينه بالتقادم.

  • إذا أصبح الدائن مدينا لمدينه بدين توافرت فيه شروط المقاصة ، وتمسك الدائن بالمقاصة قبل أن يتمسك المدين بالتقادم انقضى الدينان بمجرد تلاقيهما ، لأن الدين الذي اكتملت مدة تقادمه يبقى قائما رغم اكتمال هذه المدة ، ومن حق الدائن إجراء المقاصة بينه وبين دين ترتب عليه لمصلحة مدينه والتمسك بهذه المقاصة ، ما دام وقع ذلك في وقت لم يكن المدين قد تمسك بعد بالتقادم.

ثانيا : آثار التقادم الذي اكتمل في المرحلة اللاحقة للتمسك به

إذا اكتملت المدة وتمسك المدين بالتقادم ترتب الأثران التاليان : انقضاء الإلتزام وامتناع سماع الدعوى به ، تخلف التزام طبيعي في بعض الأحيان عن الإلتزام المدني الذي انقضى بالتقادم.

انقضاء الإلتزام وامتناع سماع الدعوى به :

إذا تمسك امدين بالتقادم انقضى الإلتزام وامتنع على الدائن مقاضاة المدين وإلزامه على الوفاء به. وهذا ما نص عليه المشرع في الفصل 371 من ق.ل.ع بقوله " التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الإلتزام ".

وانقضاء الإلتزام لا يقتصر على الأصل ، بل هو يشمل سائر توابع هذا الأصل. وهذا ما قرره المشرع في الفصل 372 بقوله " التقادم يسقط الدعاوى المتعلقة بالإلتزامات التبعية في نفس الوقت الذي يسقط فيه الدعوى المتعلقة بالإلتزام الأصلي ، ولو كان الزمن المحدد لتقادم الإلتزامات التبعية لم ينقض بعد ".

تخلف التزام طبيعي في بعض الأحيان عن الإلتزام المدني الذي انقضى بالتقادم :

إذا تمسك المدين بالتقادم وأدى ذلك إلى سقوط الإلتزام ، فإنه قد يتخلف عن الإلتزام الذي تقادم التزام طبيعي في ذمة المدين. ذلك أن المدين قد يدلي بالتقادم دون أن يكون أدى فعلا ما هو مترتب في ذمته. ففي هذه الحالة لئن كانت ذمته تبرأ من الإلتزام المدني فإنها تبقى مشغولة بالتزام طبيعي قد يعمد يوما إلى الوفاء به. أما إذا كان المدين أدى فعلا دينه وأدلى بالتقادم المسقط ليخفف عنه عبء الإثبات ليس إلا ، فإن أي التزام طبيعي لا يتخلف في ذمته.

ومن مميزات الإلتزام الطبيعي الذي قد يتخلف عن الإلتزام المدني الساقط بالتقادم ، أنه لا جبر في تنفيذه. فالمدين بالتزام طبيعي يستطيع ، إن شاء ، الوفاء به ، ولكنه إذا ما أبى ، فلا سبيل لالزامه على ذلك.

وفي الحالة التي يعمد فيها المدين إلى الوفاء بالإلتزام الطبيعي المتخلف في ذمته ، فإن هذا الوفاء لا يعتبر دفعا لغير مستحق بل يكون مبنيا على سبب مشروع ويمتنع على الموفي استرداد ما دفع.

ويسوغ كذلك اعتبار الإلتزام الطبيعي سببا لإنشاء التزام مدني جديد غير الإلتزام الذي تقادم. فالمدين الذي بدل أن يفي بدينه الطبيعي ، يتعهد لدائنه بالوفاء بهذا الدين ، يرتب على نفسه التزاما مدنيا صحيحا ، يكون من حق الدائن ، في حالة عدم تنفيذه رضاء ، المطالبة بتنفيذه جبرا عن طريق القضاء.


تعليقات

التنقل السريع