القائمة الرئيسية

الصفحات

استحالة التنفيذ في قانون الالتزامات والعقود المغربي

 استحالة التنفيذ


استحالة التنفيذ في قانون الالتزامات والعقود المغربي


متى أصبح تنفيذ الإلتزام مستحيلا بسبب أجنبي ، فامتنع تنفيذ الإلتزام عينا أو عن طريق التعويض ، فإن الإلتزام ينقضي. وهذا حكم تقتضيه طبيعة الأمور إذ لا يمكن إلوام أحد على تنفيذ ما يستحيل تنفيذه.

وقد المشرع لاستحالة التنفيذ في الباب الثاني من القسم السادس المخصص لانقضاء الإلتزامات من الكتاب الأول المتعلق بمصادرالإلتزامات وذلك في الفصول 335 إلى 339 من قانون الإلتزامات والعقود.

كما عمد المشرع إلى بيان الشروط الواجب توافرها حت تتحقق استحالة التنفيذ ، ثم أوضح الآثار التي تترتب على هذه الإستحالة.

فما هي شروط استحالة التنفيذ ، وماهي الآثار التي تترتب عليها ؟

المحور الأول : شروط استحالة التنفيذ

نص الفصل 335 على أنه " ينقضي الإلتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطأه وقبل أن يصير في حالة مطل ".

فمن هذا النص يتبين أن استحالة التنفيذ التي ينقضي معها الإلتزام لابد ، حتى تتحقق ، من توافر الشروط الثلاثة التالية : أن يكون الإلتزام نشأ ممكنا ، أن يكون محله أصبح مستحيلا ، أن تكون هذه الإستحالة بسبب أجنبي.

أولا : وجوب كون الإلتزام نشأ ممكنا

الإستحالة التي من شأنها أن تؤدي إلى انقضاء الإلتزام هي الإستحالة التي تطرأ بعد نشوء التزام يكون محله ممكنا. أما إذا كان محل الإلتزام مستحيلا منذ البداية فإننا نصبح أمام التزام باطل في الأصل لأن من شروط قيام الإلتزام كون محله ممكنا. هذا جاء في الفصل 59 من ق.ل.ع " يبطل الإلتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون ".

وعليه ، يجب التمييز بين الحالة التي يكون فيها المحل مستحيلا منذ نشوء الإلتزام وبين الحالة التي يكون فيها المحل ممكنا عند نشوء الإلتزام ويصير مستحيلا بعد ذلك : ففي الحالة الأولى يجابهنا التزام باطل لم يوجد أصلا ليصح القول بانقضائه. أما في الحالة الثانية فنحن أمام التزام نشأ صحيحا واجب التنفيذ ، ثم طرأ ما جعل محله مستحيلا. فهنا يمكن القول بانقضاء الإلتزام لاستحالة تنفيذه. لذلك اشترطنا حتى تتحقق استحالة التنفيذ التي تؤدي إلى انقضاء الإلتزام أن يكون الإلتزام نشأ ممكنا.

ثانيا : وجوب كون محل الإلتزام أصبح مستحيلا

والإستحالة المقصودة هنا هي الإستحالة المطلقة التي تجعل الوفاء بالإلتزام غير ممكن البتة. أما إذا طرأت ظروف جعلت تنفيذ الإلتزام مرهقا فلا يؤدي ذلك إلى انقضاء الإلتزام بل يبقى الإلتزام واجب التنفيذ حتى لو كان ذلك يلحق بالمدين خسائر فادحة.

والمعيار في استحالة التنفيذ هو معيار موضوعي ينظر فيه لا إلى شخص المدين وإمكانياته، بل إلى الكافة ، أو بعبارة أخرى هي الإستحالة التي ترجع إلى الإلتزام في ذاته والتي تجعل تنفيذ هذا الإلتزام غير ممكن بالنسبة لأي شخص يكون في محل المدين. أما الإستحالة التي تقوم بالنسبة إلى الملتزم فقط ، فإنه لا يعتد بها ولا تجيز القول بانقضاء الإلتزام لاستحالة تنفيذه.

ثم إن العبرة في استحالة التنفيذ هي للوقت المحدد لتنفيذ الإلتزام : ففي هذا الوقت بالذات يجب أن يكون التنفيذ مستحيلا وأن تكون هذه الإستحالة نهائية.

وعليه :

لو أن الاستحالة طرأت في الفترة ما بين نشوء الإلتزام وبين الوقت المحدد للتنفيذ ثم زالت عند حلول ميعاد التنفيذ بحيث أصبح هذا التنفيذ ممكنا. فإنه لا يؤبه لها ولا تؤثر على الإلتزام الذي يبقى قائما واجب التنفيذ.

ولو أن الإستحالة وجدت في الوقت المعين للتنفيذ. ولكنها كانت استحالة موقوتة ، ومن المتوقع زوالها في فترة يجدي فيها تنفيذ الإلتزام دون أن تفوت الغاية من العقد. فإنها لا تقضي الإلتزام بل يقتصر أثرها على وقفه إلى أن يصبح قابلا للتنفيذ فينفذ.

واستحالة التنفيذ ، على ما ورد في الفصل 335 من ق.ل.ع ، يستوي فيها أن تكون استحالة مادية أو طبيعية أو أن تكون استحالة قانونية. ففي الحالتين تكون الإستحالة سببا لانقضاء الإلتزام.

فالإستحالة تكون مادية إذا كان الشيء المتعاقد عليه شيئا معينا بذاته وهلك هذا الشيء ، أو إذا كان شيئا معينا بنوعه ، وكذلك تعتبر الإستحالة مادية إذا كان محل الإلتزام القيام بعمل وأصبح تنفيذ هذا العمل غير ممكن ، أو إذا كان محل الإلتزام الإمتناع عن القيام بعمل وأصبح تنفيذه مستحيلا بأن اضطر المدين إلى القيام بالعمل الذي كان ملتزما بالإمتناع عنه.

ويعود لقاضي الموضوع تقدير الإستحالة المادية لأنها من المسائل الواقعية التي يستقل بتقديرها دون أن يخضع في تقديره لرقابة محكمة النقض.

وتكون الإستحالة قانونية إذا نجمت عن موانع قانونية حالت دون تنفيذ الإلتزام.

ثالثا : وجوب كون استحالة التنفيذ بسبب أجنبي

لا بد حتى ينقضي الإلتزام باستحالة التنفيذ ، أن تكون هذه الإستحالة بسب أجنبي لا يد للمدين فيه.

ويقصد بالسبب الأجنبي القوة القاهرة أو الحادث الفجائي ، فعل الغير ، خطأ الدائن. فإذا استحال على المدين تنفيذ التزامه نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي ، أو نتيجة فعل الغير ، أو نتيجة خطأ الدائن نفسه كأن يكون الشيء محل الإلتزام قد هلك بعد أن رفض الدائن دون سبب معتبر قانونا استيفاء الأداء المعروض عليه من المدين ، فإن المدين في مثل هذه الحالات جميعا تبرأ ذمته من الإلتزام الذي كان مترتبا عليه ، فينقضي الإلتزام ويتحلل منه المدين بصورة نهائية.

ويجب طبعا على المدين الذي يدعي انقضاء التزامه باستحالة تنفيذه ، أن يثبت هو أن استحالة التنفيذ ترجع إى سبب أجنبي لا يد له فيه.

أما إذا كانت استحالة التنفيذ ترجع إلى فعل المدين أو خطأه كأن يكون أهمل العناية بالشيء محل الإلتزام فتلف نتيجة الإهمال ، أو إذا كان السبب الأجنبي الذي ادى إلى استحالة اتنفيذ يرجع إلى خطأ المدين أو فعله كأن يكون قصر في المحافظة على الشيء ، أو إذا كان السبب الأجنبي الذي أدى إلى استحالة التنفيذ قد حصل بعد أن أصبح المدين في حالة مطل كأن يكون المدين تأخر في تنفيذ التزامه من غير سبب مقبول رغم حلول الأجل أو رغم الإنذار الصريح الذي وجهه إليه الدائن بوفاء الدين ، فإن الإلتزام لا ينقضي بل يبقى قائما. إنما بدل التنفيذ العيني الذي أضحى مستحيلا فإن المدين يجبر على تنفيذ التزامه عن طريق التعويض. وفي هذه الحالة لا يصح القول إن التزاما جديدا محله التعويض ، حل محل الإلتزام القديم الذي أصبح مستحيلا. بل إن الإلتزام القديم ذاته يبقى قائما مع استبدال التعويض بالمحل القديم الذي لم يعد تنفيذه ممكنا. فالإلتزام بالتعويض يظل مصدره العقد ، ويظل مضمونا بنفس التأمينات التي كانت تضمن التنفيذ العيني ، كما أن التقادم الذي كان يسري ضد الإلتزام في الأصل يستمر في سريانه ولا ينقطع ليحل محله تقادم جديد.

المحور الثاني : آثار استحالة التنفيذ

تتجمع آثار استحالة التنفيذ بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه حول القواعد الثلاث التالية :

أولا : انقضاء الإلتزام وتوابعه

يترتب على استحالة تنفيذ الإلتزام بسبب أجنبي لا يد للمدين انقضاء الإلتزام. هذا إذا كانت الإستحالة كاملة كأن يهلك الشيء محل الإلتزام ، ولا يبقى له أثر. أما إذا كانت الإستحالة جزئية فقد قرر الفصل 336 من ق.ل.ع أنه " إذا كانت الإستحالة جزئية لم ينقض الإلتزام إلا جزئيا ". على أن المشرع أورد في الفصل 336 نفسه حالة ما إذا كان الإلتزام بطبيعته لا يقبل الإنقسام إلا مع ضرر للدائن ، حيث قرر في هذه الحالة أن للدائن " الخيار بين أن يقبل الوفاء الجزئي وبين أن يفسخ الإلتزام في مجموعه ".

وانقضاء الإلتزام بسبب استحالة تنفيذه يستتبع انقضاء جميع التأمينات التي كنت تضمن الوفاء به ، لأن هذه الضمانات هي بحكم التابع والتابع يتبع المتبوع وجودا وعدما. فإذا كان الإلتزام مضمونا بكفالة شخصية أو عينية انقضت هذه الكفالة تبعا لانقضاء الإلتزام الأصلي وبرأت ذمة الكفيل ، وإذا كان يوجد ثمة رهن حيازي أو رسمي فإن الرهن ينقضي كذلك ويجب رد المرهون إلى الراهن أو شطب قيد الرهن الرسمي في السجل العقاري.

وتجدر الملاحظة إلى أن الإلتزام إذا كان مترتبا في ذمة مدينين متضامنين ، واستحال تنفيذه لسبب أجنبي لا يد لأحدهم فيه انقضى في مواجهتهم جميعا وبرأت ذمة كل واحد منهم. أما إذا استحال التنفيذ بخطأ أحد المدينين المتضامنين ، فإن هذا المدين يكون مسؤولا وحده عن تنفيذ الإلتزام بطريق التعويض ، أما بقية المدينين المتضامنين فينقضي التزامهم وتبرأ ذمتهم منه إذ تعتبر استحالة التنفيذ بالنسبة إليهم ناجمة عن فعل الغير وعائدة بالتالي لسبب أجنبي لا يد لهم فيه.

كذلك إذا استحال على المدين تنفيذ التزام مترتب لمصلحة عدة دائنين متضامنين لسبب أجنبي لا يد له فيه ، فإن الإلتزام ينقضي في مواجهة جميع الدائنين وتبرأ ذمة المدين تجاه كل واحد منهم.

ثانيا : انتقال حقوق ودعاوى المدين إلى الدائن عند الإقتضاء

إذا انقضى التزام المدين لاستحالة تنفيذه بسبب أجنبي لا يد له فيه ، فإن عليه أن ينزل للدائن عما عسى يترتب له من حقوق ودعاوى قبل الغير. فلو استحال تسليم الشيء للدائن بسبب هلاكه ، وكان هذا الشيء للدائن بسبب هلاكه ، وكان هذا الشيء مؤمنا عليه لدى شركة تأمين ، أو كان هلاك الشيء بفعل الغير وترتب على هذا الغير تعويض الضرر الناجم عن الهلاك ، فإن على المدين أن يتنازل للدائن عن حقه في التأمين أو التعويض. وقد وجد المشرع أن يثبت هذا الحكم بنص صريح فنص في الفصل 337 من ق.ل.ع على أنه " إذا انقضى الإلتزام لاستحالة تنفيذه ، بغير خطأ المدين فإن الحقوق والدعاوى المتعلقة بالشيء المستحق والعائدة للمدين تنتقل منه للدائن ".

ثالثا : تبعة الإستحالة على الدائن في العقود غير التبادلية وعلى المدين في العقود التبادلية

إذا استحال تنفيذ الإلتزام بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه انقضى التزام هذا المدين وبرأت ذمته. وبذلك يتعذر على الدائن استيفاء حقه عينا كما يتعذر عليه الحصول على أي تعويض.

وعليه :

إذا كان الإلتزام الذي انقضى قد نشأ عن عقد غير تبادلي ، فإن الذي يتحمل تبعة الإستحالة ليس هو المتعاقد الذي استحال تنفيذ التزامه بل المتعاقد الآخر ، صاحب الحق الذي يضيع عليه حقه. في الوديعة مثلا ، إذا استحال رد الشيء المودع لهلاكه بسبب أجنبي لا يد للمودع عنده فيه ، برأت ذمة المودع عنده وتحمل المودع تبعة هذه الإستحالة. من هنا كانت القاعدة أن تبعة الإستحالة في العقود غير التبادلية تقع على الدائن

أما إذا كان الإلتزم الذي انقضى قد نشأ عن عقد تبادلي ، فإن انقضاء هذا الإلتزام يفضي إلى انقضاء الإلتزام المقابل له المترتب في ذمة المتعاقد الآخر. ومن ثم فتبعة الإستحالة في العقد التبادلي تقع على المدين بالإلتزام الذي استحال تنفيذه. ذلك أن المدين يهلك حينئذ محل التزامه دون أن يستطيع مطالبة الطرف الآخر بشيء فيكون هو الذي تحمل الخسارة. ففي البيع مثلا ، إذا هلك المبيع قبل نقل ملكيته وتسليمه نتيجة قوة قاهرة ، انقضى التزام البائع ، وانقضاء التزام البائع يفضي إلى انقضاء التزام المشتري بتأدية الثمن ، بحيث يتحمل تبعة هلاك المبيع ، البائع الذي هو المدين بالإلتزام الذي أصبح تنفيذ التزامه مستحيلا. من هنا كانت القاعدة أن تبعة الإستحالة في العقود التبادلية تقع على المدين.

وقد أيد المشرع هذه القاعدة في الفقرة الأولى من الفصل 338 من ق.ل.ع بقوله " إذا كان عدم تنفيذ الإلتزام راجعا إلى سبب خارج عن إرادة المتعاقدين وبدون أن يكون المدين في حالة مطل ، برأت ذمة هذا الأخير ، ولكن لا يكون له الحق في أن يطلب أداء ما كان مستحقا على الطرف الآخر ".

ويترتب على هذه القاعدة أن أحد الطرفين المتعاقدين في العقد التبادلي ، إذا كان قد فعلا التزامه إلى الطرف الآخر الذي برأت ذمته لاستحالة التنفيذ بسبب أجنبي لا يد له فيه ، فإن من حق الطرف الذي أدى التزامه أن يسترد ما أداه كلا أو جزء بحسب الأحوال ، لأن ما أداه يعتبر بمثابة غير المستحق. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثانية من الفصل 338 من ق.ل.ع " فإذا كان الطرف الآخر قد أدى فعلا التزامه ، كان له الحق في استرداد ما أداه، كلا أو جزء بحسب الأحوال ، باعتبار أنه غير مستحق ".

غير أن استحالة تنفيذ التزام أحد الطرفين المتعاقدين في العقد التبادلي ، إذا كانت راجعة إلى فعل الطرف الآخر أو إلى سبب يعزى إليه ، بقي للطرف الذي استحال تنفيذ التزامه الحق في أن يطلب تنفيذ الإلتزام المقابل المستحق له ، شرط أن يرد الطرف الآخر ما وفره بسبب عدم تنفيذ التزامه أو ما استفاده من الشيء محل الإلتزام. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 339 من ق.ل.ع " إذا كانت استحالة التنفيذ راجعة إلى فعل الدائن أو إلى أي سبب آخر يعزى إليه بقي للمدين الحق في أن يطلب تنفيذ الإلتزام بالنسبة إلى ما هو مستحق له على شرط أن يرد للطرف الآخر ما وفره بسبب عدم تنفيذ التزامه أو ما استفاده من الشيء محل الالتزام ".



تعليقات

التنقل السريع