القائمة الرئيسية

الصفحات

الإثراء بلا سبب في قانون الإلتزامات والعقود المغربي

 الإثراء بلا سبب في قانون الإلتزامات والعقود المغربي


الإثراء بلا سبب في قانون الإلتزامات والعقود المغربي

في الغالب ما يثرى شخص على حساب غيره ، بحيث يحصل توسع في الذمة المالية للأول في مقابل تقلص الذمة المالية للثاني ، ذلك مع العلم أن الأصل في هذا الإنتقال للثروات أن يكون مبررا بصورة كافية ، أي يستند إلى سبب مشروع كالتصرف القانوني الذي يأتي في شكل بيع أو هبة أو ما سواهما.

غير أن هذا الإنتقال للثروات يكون أحيانا غير مبرر ، أي دون سبب شرعي. ففي هذه الحالة يكون هناك إثراء لشخص مقابل افتقار آخر دون وجود سبب مشروع يرر الأمرين.

وكل من أثرى على حساب الغير دون سبب قانوني يلتزم بأن يرد لهذا الغير قدر ما أثرى به في حدود ما لحق الغير من خسارة. فإذا استولى شخص على ملك غيره ، دون أن يكون لهذا الإستيلاء سبب قانوني ، وأضافه إلى ملكه ولو بنية حسنة ، يكون قد أثرى دون سبب قانوني على حساب الغير ، فيلتزم برد أدنى القيمتين ، ما أثرى به وما افتقر به الغير.

وقاعدة الإثراء بلا سبب على النحو المبين أعلاه تعتبر من أولى قواعد القانون ، تمتد جذورها فتتصل مباشرة بقواعد العدالة والقانون الطبيعي. وهي في غير حاجة إلى تبرير، إذ تحمل في طياتها ما يبررها. بل لعلها أول مصدر ظهر للإلتزام في فجر التاريخ ، وهذا مبلغ حظها من البداهة القانونية. وهيعلى كل حال مصدر للإلتزام عاصر مصدر العمل غير المشروع ، وهذا هو من المصادر الأولى التي عرفها القانون.

وقد أفرد المشرع المغربي نصوصا خاصة للإثراء بلا سبب و تطبيقاته المتمثلة في دفع غير المستحق والفضالة، حيث اعتبر الإثراء بدون سبب ودفع غير المستحق حالتين من حالات أشباه العقود ، واعتبر الفضالة شبه عقد منزل منزلة الوكالة.

وهكذا تطرق قانون الإلتزامات والعقود المغربي القاعدة العامة للإثراء بلا سبب في الباب الثاني من القسم الأول المخصص لمصادر الإلتزامات وذلك في الفصول 66 و 67 و 75 و76. وتطرق لدفع غير المستحق كتطبيق للإثراء بلا سبب في الفصول 68 إلى 74.وتناول الفضالة ضمن الفصول 943 إلى 958 تحت عنوان " أشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة " وذلك في القسم السادس من الكتاب الثاني.

ونحن بدورنا سنسير على هدي المشرع المغربي ، حيث سنبحث الإثؤاء بلا سبب كمصدر عام للالتزام قائم بذاته ( المحور الأول ) ، ثم سنعرض لدفع غير المستحق والفضالة كتطبيق من تطبيقات الإثراء بلا سبب ( المحور الثاني ).

المحور الأول : الإثراء بلا سبب

تعرض ق.ل.ع للمبدأ العام في منع الإثراء بدون سبب ضمن فصلين :

  • الفصل 66 وجاء فيه " من تسلم أو حاز شيئا أو أية قيمة أخرى مما هو مملوك للغير ، بدون سبب يبرر هذا الإثراء التزم برده لمن أثرى على حسابه ".

  • الفصل 67 وهو يقضي بأنه " من استخلص بحسن نية ، نفعا من شغل الغير أو شيئه بدون سبب يبرر هذا النفع ، التزم بتعويض من أثرى على حسابه ، في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه ".

وفي ضوء هذه المقتضيات سنتناول كلا من تحقق الإثراء بدون سبب ( فقرة أولى ) وآثاره ( فقرة ثانية ).

الفقرة الأولى : تحقق الإثراء بدون سبب

لا يتحقق إثراء بدون سبب يخول الشخص المفتقر تعويضا إلا عند توافر نوعين من الشروط : شروط مادية ، وشرط قانوني.

أولا : الشروط المادية للإثراء بلا سبب

لكي يستحق الشخص تعويضا على أساس الإثراء غير المبرر لابد من توافر ثلاثة شروط مادية وهي :

  1. إثراء

  2. إفتقار

  3. علاقة سببية بين الإثراء والإفتقار

الشرط الأول : الإثراء

يقصد بالإثراء حصول الشخص على منفعة مادية أو معنوية قابلة للتقويم بالمال ، وهو قد يكون إيجابيا أو سلبيا.

فالإثراء الإيجابي هو الذي يضيف قيمة مالية إلى ذمة المثري ، ويتحقق ذلك إما بحصول الشخص على حق عيني أو شخصي جديدين ، أو بالرفع من قيمة الحق الذي كان للشخص، أو بالحصول على منفعة مال مدة معينة كسكنى منزلبدون عقد إيجار ، أو الإستفادة من عمل المفتقر.

أما الإثراء السلبي فهو الذي يؤدي إلى التقليص من الجانب السلبي للذمة المالية للشخص. وهذا ما يتحقق بإحدى طريقتين :

الأولى : تجنيبه سداد مصاريف تلزمه

الثانية : تجنيب الشخص خسارة مالية محققة.

أيضا قد يكون الإثراء مباشرا أو غير مباشر. فيكون مباشرا عندما يقع بفعل المفتقر أو بفعل المثري مباشرة ، ومن دون تدخل شخص آخر. في حين يكون الإثراء غير مباشر إذا حدث بفعل الغير.

كما قد يكون الإثراء ماديا أو معنويا. فالإثراء المادي يتمثل في كسب مادي يحصلعليه المثري. أما الإثراء المعنوي فهو الذي لا يمكن تقديره ماليا.

الشرط الثاني : الإفتقار

يراد بالافتقارهنا كل خسارة تلحق الشخص بفقده حقا عينيا أو شخصيا أو انتقاص حق له ، أو حرمانه من منفعة كان من حقه الحصول عليها.

وقد يحصل الإفتقار بدوره إما بصفة إيجابية أو سلبية ، مباشرة أو غير مباشرة ، وقد يكون إما أو معنويا تماما كما أسلفنا بخصوص الإثراء.

لكن في كل الأحوال يتوجب أن يتحقق في الإفتقار شرطان : الأول هو تخلف أي مصلحة شخصية للمفتقر. أما الثاني فهو أن لا يكون الإفتقار ناتجا عن خطأ المفتقر ، وإلا تحمل هذا الأخير وزر خطئه ، وبالتالي لا يستطيع رفع دعوى الإثراء بدون سبب.

الشرط الثالث : علاقة سببية بين الإثراء والإفتقار

لا يكفي للرجوع بدعوى الإثراء بدون سبب أن يتحقق إثراء في ذمة شخص وافتقاؤ في ذمة آخر ،وإنما يجب أن يكون بين الامرين علاقة سببية ، بحيث إن افتقار المدعي هو الذي أدى إلى إثراء المدعى عليه.

وعلاقة السببية هذه إما أن تكون علاقة مباشرة أو غير مباشرة ، فتكونمباشرة عندما يكون كل من الإفتقار والإثراء ناشئين عن واقعة واحدة. بينما تكون علاقة السببية غير ماشرة عندما يكون افتقار المدعي وإثراء المدعى عليه ناشئين عن واقعتين متتابعتين.

وللإشارة ففي الغالب ما يصعب الإستدلال على علاقة السببية غير المباشرة بين الإثراء والإفتقار ، ومع ذلك يسوغ القول بتحقق السببية إذا اتضح أن إثراء المدين ما كان لينشأ لولا افتقار الدائن ، والمسألة هنا مسألة واقع تعود لتقدير قضاة الموضوع.

ثانيا : الشرط القانوني للإثراء بدون سبب

يشترط لإمكانية رجوع المفتقر على المثري أن لا يوجد سبب قانوني يبرر إثراء المدعى عليه ،وهذا الشرط هو الشرط الأساسي الذي تقوم عليه فكرة الإثراء بلا سبب ، ذلك أنه ما من مانع يمنع أحدا من أن يثري على حساب غيره إذا كان إثراؤه يرتكز على سب صحيح. أما الذي لا يجوز أن يكون ، فهو أن يحصل الإثراء دون سبب يبرره.

والمقصود بالسبب في هذا المجال هو الواقعة القانونية التي يرتب عليها القانون نشوء حق المثري فيما أثرى به ، أو التزاما على المفتقر بأن يؤدي ما اتقر به أو بأن يتحمل ماضاع عليه من منفعة ، وبعبارة أخرى إن المقصود هو السبب المنشئ أي المصدر القانوني أو السند الحقوقي الذي يبرر كلا من الإثراء والإفتقار ، وهو قد يكون إما تصرفات قانونية أو وقائع قانونية أخرى.

المقصود بالتصرفات القانونية أعمال الإرادة عندمات تسعى إلى ترتيب آثار قانونية. وهي تبرير الإثراء سواء جاءت في صورة عقود أو تصرفات بإرادة منفردة.

فالعقود بمختلف أنواعها تشكل سببا صحيحا يجيز للمثري الإحتفاظ بما أثرى به ، وتمنع حصول المطالبة بالرد.

وللإشارة لا يتوجب في العقد الذي يحتج به باعتباره مبررا للإثراء أو الإفتقار أن يكون منعقدا بين المثري والمفتقر ، بل يسوغ أن يكون مبرما بين أحدهما وشخص أجنبي ، مادام من شأنه أن يخول المثري حقا فيما أثرى به أو يلزم المفتقر بما افتقر به.

وبالطبع يتعين أن يكون العقد الذي يتمسك به المثري لدفع دعوى الإثراء بدون سبب عقدا صحيحا ، وإلا فلا مانع يمنع من رفع هذه الدعوى مادام العقد الباطل يعتبر مجردا من كل مفعول ولا يسوغ أن يشكل سببا صحيحا مبررا للإثراء.

كما أن التصرف بإرادة منفردة يشكل سببا صحيحا يمكن للمثري من الإحتفاظ بما أثرى به، ويحول دون حصول المطالبة بالإسترجاع.

وقد يكون الإثراء مبررا بالإستناد إلى واقعة قانونية أخرى يعترف لها القانون بهذا الاثر، سواء أكان ذلك عن طريق الحكم القضائي أو التحكيمي ، أو العمل غير المشروع ، أو القانون.

  • الحكم القضائي أو التحكيمي

يشكل الحكم الذي يصدره القضاء أو هيئة تحكيمية سندا قانونيا يجيز للمثري الإحتفاظ بما أثراه تنفيذا لهذا الحكم ، فإذا سبق الفصل في نزاع بين شخصين بحكم قضائي أو تحكيمي ألزم أحدهما بأداء مبلغ من النقود إلى الطرف الآخر ، وتسلم المحكوم له المبلغ المحكوم به، فلا يسوغ للمحكوم عليه في كل الأحوال رفع دعوى الإثراء بلا سبب على المحكوم له لاسترجاع كل أو بعض ما دفع ، لأن الحكم المذكور يشكل سندا صحيحا في يد المثري يمكنه من الاحتفاظ بما أثرى به.

  • العمل غير المشروع

يمكن اعتباره سندا حيحا يحول دون سماع دعوى الإثراء بدون سبب . فعند حصول التعويض عن العمل غير المشروع لا يجوز لمقترف العمل الضار أن يطالب بإرجاع جزء مما قبضه المضرور استنادا إلى منع الإثراء غير المبرر بحجة أن التعويض المقبوض يزيد عن الضرر الحاصل ، لأن إثراء المضرور يتأسس على سبب قانوني هو العمل غير المشروع.

  • القانون

ثمة عدة حالات يكون معها القانون سببا للإثراء ، والأمثلة على ذلك كثيرة من بينها:

  • الفصل 970 من ق.ل.ع الذي جاء فبه أنه " المصروفات النافعة ومصروفات الزينة والترف التي أنفقها أحد المالكين على الشياع لا تخولهم حق الإسترداد تجاه الباقين ، مالم يكونوا قد أذنوا في إنفاقها صراحة أو دلالة ".

  • المادة 87 ـ فقرة أولى ـ من مدونة الحقوق العينية "لا يسوغ لصاحب حق الإنتفاع أن يطالب عقب انقضاء مدة الإنتفاع بأي تعويض عن التحسينات التي قام بها ولو زادت من قيمة العقار ".

  • المادة 126 ـ فقرة ثانية ـ من مدونة الحقوق العينية " إذا أحدث المكتري كراء طويل الأمد تحسينات رفعت من قيمة الملك ، فلا يجوز له أن يزيلها ولا أن يطالب بأي تعويض عنها ".

  • المادة 227 من مدونة الحقوق العينية " يصبح الطمي الذي يسوقه السيل إلى أرض يملكها الغير ملكا لصاحب هذه الأرض ".

الفقرة الثانية : آثار الإثراء بلا سبب

إذا تحققت الشروط السالفة الذكر ترتب في ذمة المثري التزام بتعويض المفتقر. ولما كانت دعوى الإثراء هي وسيلة هذا الأخير في الحصول على الضمان ، فإننا سنتناول في المقام الأول بعض الأمور التي تطرحها هذه الدعوى قبل الحديث عن الضمان.

أولا : دعوى الإثراء بدون سبب

تطرح دعوى الإثراء بدون سبب عدة أمور ذات طابع مسطري على الخصوص ، كما سنوجز ذلك فيما يأتي :

  • الصفة الأصلية لدعوى الإثراء بدون سبب

إن المشرع المغربي قد خص عدة فصول للإثراء بلا سبب ولم يتطرق في أي فصل من هذه الفصول إلى الصفة الاحتياطية لدعوى الإثراء ، لا بل هو نص في الفصل 66 من ق.ل.ع على أن " من تسلم أو حاز شيئا أو أية قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء التزم برده لمن أثرى على حسابه "، مانحا بذلك للمالك صراحة حق ممارسة دعوى الإثراء لاسترداد ملكه من الحائز ، رغم أن للمالك ممارسة دعوى الإستحقاق للوصول إلى حقه ، الأمر الذي يترتب عليه أن المشرع نفى الصفة الإحتياطية عن دعوى الإثراء ، واعتبرها دعوى أصلية ، يجوز اللجوء إليها بصرف النظر عن وجود أو انتفاء وسيلة قانونية أخرى يستطيع المفتقر أن يصل إلى حقه عن طريقها.

  • الأهلية المطلوبة في طرفي دعوى الإثراء بدون سبب

ليس من الواجب توفر أهلية ما عند كل من المفتقر وهو المدعي والمثري وهو المدعى عليه.فناقص الأهلية أو عديم التمييز يمكن أن يكون مدعيا أو مدعى عليه في دعوى الإثراء، وهذا نابع من المنطق القانوني الذي يجعل من الأهلية شرطا بصحة التصرفات القانونية التي تتجه معها الإرادة نحو إلزام صاحبها ، أما مصدر التزام المثري بالرد فهو الواقعة القانونية المادية للإثراء ، لذلك لا مجال لتطلب أهلية ما فيه.

  • الإثبات في دعوى الإثراء بدون سبب

الأصل في الذمة البراءة والاستثناء هو انشغالها بالإلتزام ، لذلك يقع عبء الإثبات تبعا للأحكام العامة على كاهل المدعي وهو المفتقر ، الذي يتعين عليه إثبات ما حصل له من افتقار وما عاد على المثري من إثراء نتج عن وقوع الإفتقار ، ويمكن إثبات كل ذلك بسائر الطرق بما فيها الشهادة والقرائن ، باستثناء الإفتقار اليكون دينا ترتب في ذمة المفتقر عن تصرف قانوني ، فلا يسوغ إثباته إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها فيما يفوق عشرة آلاف درهم.

كما يتعين على المدعي إثبات تخلف سبب الإثراء عند المثري مادام الأمر يشكل شرطا قانونيا لازما لمباشرة دعوى المفتقر ، لكن وبالنظر لكون محل الإثبات هنا أمر سلبي يتعذر الإستدلال عليه مباشرة ، ولأن القضاء عادة ما يعمد في مثل هذه الفرضيات إلى تجزئة ك من الدليل وعبء الإثبات ، فكثيرا ما تكتفي المحاكم بإثبات المدعي الإفتقار والإثراء وعلاقة السببية بينهما ، في حين تكلف المدعى عليه بإثبات السبب الذي يتأسس عليه إثراؤه إذا كان يزعم أن له سببا.

  • تقادم دعوى الإثراء بدون سبب

لم ينص قانون الإلتزامات والعقود على أحكام تقادم خاصة بدعوى الإثراء بدون سبب ، لذلك فهي تخضع للقواعد العامة ، فتتقادم كسائر الدعاوى الناشئة عن الإلتزامات المدنية بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ حصول الواقعة التي ترتب عليها كل من الإثراء والإفتقار وفقا للفصل 387 من ق.ل.ع

ثانيا : ضمان الإثراء بدون سبب

يترتب على الإثراء بدون سبب رد الشيء إلى المفتقر مع التعويض عليه عند الإقتضاء ، أو التعويض على المفتقر فحسب عندما يتعذر رد الشيء لسبب من الأسباب ، أو عندما يكون الإثراء نفعا جناه المثري من عمل الغير أو شيئه.

  • إلتزام المثري برد الشيء

يترتب على المثري أن يرد العين التي حازها بدون سبب إذا كانتما زالت في حوزته. فالفصل 66 نص على أن " من تسلم أو حاز شيئا أو اية قيمة أخرى مما هو مملوك لغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء التزم برده لمن أثرى على حسابه ". وجاء الفصل 75 من ق.ل.ع مؤكدا وموضحا هذا الحكم بقوله " من أثرى بغير حق إضرارا بالغير لزمه أن يرد له عين ما تسلمه إذا كان مازال موجودا...".

وإذا كان المثري سيء النية ، التزم أيضا برد الثمار والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه أن يجنيها لو أنه أحسن الإدارة ، وذلك من يوم تسلمه الشيء بغير حق.

أما إذا كان المثري حسن النية فإنه لا يسأل إلا في حدود ما عاد عليه من نفع ومن تاريخ المطالبة ( الفصل 75 ).

ويظهر الفارق جليا بالنسبة للالتزام بملحقات العين من ثمار وغيرها بين المثري سيء النية والمثري حسن النية :

فالمثري سيء النية يكون مسؤولا عن كل ما جناه من ثمار وزيادات ومنافع ، وعما قصر في جنيه ، في حين أن المثري حسن النية لا يسأل إلا في حدود ما عاد عليه من نفع.

كما أن مسؤولية المثري سيء النية تبدأ من تاريخ تسلمه الشيء ، بينما مسؤولية المثري حسن النية لا تترتب إلا من تاريخ وقوع المطالبة.


  • إلتزام المثري بالتعويض على المفتقر

يلتزم المثري بالتعويض على المفتقر في ثلاث حالات :

  1. حالة هلاك العين أو تلفها

  2. حالة تعذر رد العين لبيعها

  3. حالة كون الإثراء نفعا جناه المثري من عمل الغير أو شيئه

الحالة الأولى : هلاك العين أو تلفها

إذا هلكت العين أو تلفت ، فيجب التفريق بين الحالة التي يكون فيها الهلاك أو التلف نتيجة فعل المثري أو خطئه ، وبين الحالة التي يكون فيها التلف أو الهلاك قد حصل نتيجة قوة قاهرة.

فإذا هلكت العين أو تلفت بفعل المثري أو خطئه ، فهو يلزم بأن يرد لصاحبها قيمتها يوم تسلمه إياها دون ما تمييز بين أن يكون المثري حسن النية أو سيء النية ، مع الإبقاء على التمييز بينهما بالنسبة للثمار والمنافع والزياداات على النحو الذي أوضحه الفصل 75 من ق.ل.ع

أما إذا هلكت العين أوتلفت نتيجة قوة قاهرة ، فالمثري سيء النية يضمن التلف أو الهلاك ، ويلزم فيهذه الحالة بأن يرد لصاحبها قيمتها في يوم تسلمه إياها مع الزيادات والثماروالمنافع التي جناها وتلك التي قصر في جنيها ، من يوم تسلمه العين حتى تلفها أو هلاكها. أما المثري حسن النية فلا يضمن التلف أو الهلاك الحاصل بقوة قاهرة ولا يسأل في هذه الحالة عن شيء باستثناء ما عاد عليه من منفعة ترتبت على هذا الهلاك أو التلف.

الحالة الثانية : تعذر رد العين لبيعها

إذا تعذر رد العين إلى المفتقر بسبب بيعها من قبل المثري ، فقد أوضح الفصل 76 من ق.ل.ع الحكم بالنسبة للمثري حسن النية فقال " إذا كان من تسلم الشيء بحسن نية قد باعه فإنه لا يلتزم إلا برد ثمنه أو بتحويل ما له من حقوق على المشترب إذااستمر على حسن النية إلى وقت البيع ".

فالمثري حسن النية ، إذا ما باع الشيء الذي كان في حوزته ، وهو مازال على حسن نيته ، لا يسأل إلا في حدود الثمن الذي بيع به الشيء ، حتى ولو كانت قيمته تفوق ذلك. فإذا كان قبض الثمن وجب عليه رده للمفتقر ، وإذا كان الثمن مازال عالقا بذمة المشتري ، فإن المثري حسن النية تبرأ ذمته ، إذا ما حول للمفتقر الحقوق المترتبة له على المشتري. أما إذا كف المثري حسن النية عن أن يكون كذلك وقت البيع ، فإنه لا يستفيد من أحكام الفصل 76 وإنما تطبق بحقه الأحكام الواجب تطبيقها على المثري سيء النية.

الحالة الثالثة : كون الإثراء نفعا جناه المثري من عمل الغير أو شيئه

إذا كان الإثراء الذي حصل عليه المثري عبارة عن نفع جناه من عمل المفتقر أو شيئه ، فقد أوضح الفصل 67 من ق.ل.ع الحكم بالنسبة للمثري حسن النية فألزمه " بتعويض من أثرى على حسابه في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه ".

والعبرة في تقدير التعويض في حالة كون الإثراء نفعا جناه المثري حسن النية من عمل الغير أو شيئه ، هي لقيمة الإثرء الذي حصل عليه المثري حسن النية ، ولا يلزم إلا بقدر هذا الإثراء ، حتى لو كانت خسارة المفتقر تزيد عن ذلك.

المحور الثاني : حالات خاصة لمنع الإثراء بلا سبب

عمل المشرع المغربي على تنظيم بعض الحالات الخاصة لمنع الإثراء بدون سبب ، وهي تشمل بالخصوص : دفع غير المستحق ( الفقرة الأولى ) و الفضالة ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : دفع غير المستحق

دفع غير المستحق هو أن يدفع شخص لآخر أشياء أو مبالغ حالة دون أن يكون مدينا بها ، نتيجة لغلط مما يترتب عنه حق الموفي في استرداد ما دفعه ، والتزام الموفى له برد ما استوفاه.

وقد عالج المشرع المغربي أحكام دفع غير المستحق كأحد أهم تطبيقات الإثراء بلا سبب ضمن الفصول من 68 إلى 74 من ق.ل.ع وهي تندرج جميعا ضمن الباب الثاني تحت عنوان " الإلتزامات الناشئة عن أشباه العقود " ، من الكتاب الأول في مصادر الإلتزامات.

ونحن انطلاقا من مقتضيات هذه الفصول سنحدد شروط دفع غير المستحق ، ثم الآثار المترتبة عنه.

أولا : شروط دفع غير المستحق

لا يعطي دع غير المستحق الحق في رفع دعوى الإسترداد إلا بتوافر ثلاثة شروط وهي : أن يكون الدفع على سبيل الوفاء ، أن يكون الوفاء غير مستحق ، و أن يكون الوفاء قد حصل نتيجة غلط.

الشرط الأول : أن يكون الدفع على سبيل الوفاء

جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 68 من ق.ل.ع " من دفع ما لم يجب عليه...كان له حق الاسترداد على من دفعه له...".

من ثم لا مجال لإعمال أحكام دفع غير المستحق إلا إذا حصل عمل من أعمال الوفاء باعتباؤه تصرفا قانونيا يبرئ ذمة صاحبه من دين معين أيا كان مصدر هذا الدين.

فقد يكون وفاء عاديا حصل عن طريق أداء المفتقر محل الإلتزام الذي كان يعتقد أنه ملتزم به في مواجهة امثري حسبما نص عليه المشرع في الفصل المذكور.

وقد يكون عملا يعادل الوفاء كما في الوفاء بمقابل باعتباره موافقة الدائن على أن يستوفي حقه عن طريق أخذه شيئا آخر غير الشيء المذكور في الإلتزام.

وقد يتمثل ي تجديد وهو انقضاء الإلتزام في مقابل إنشاء التزام جديد يقوم مقامه.

وقد يتجسد في إنابة باعتارها تصرفا بموجبه يحول الدائن حقوقه على المدين لدائنه هو وفاء لما هو مستحق عليه. أيضا تقع الإنابة في من يكلف أحدا من الغير بالوفاء عنه ولو لم يكن هذا الغير مدينا لمن وكله على الوفاء.

كما قد يتخذ شكل مقاصة وهي تتحقق عندما يكون كل من الطرفين دائنا للآخر ومدينا له بصفة شخصية ، فيصار إلى أداء ما هو واجب على المدين لدائنه بما هو واجب له في مواجهة هذا الدائن.

أيضا يقوم مقام الوفاء في مجال دفع غير المستحق الإقرار بالدين أو إنشاء ضمان خاص يضمن الوفاء به كتخويل المدين رهنا أو كفالة لدين. وقد تطرق ق.ل.ع لبعض هذه الحالات التي تعتبر بمثابة الوفاء ، حيث جاء في الفصل 74 منه " يعادل الدفع ، في الحالات المنصوص عليها أعلاه الوفاء بمقابل وإقامة إحدى الضمانات ، وتسليم حجة تتضمن الإعتراف بدين أو أية حجة اخرى تهدف إلى إثبات وجود التزام أو التحلل منه ".

وللإشارة يتعين على طالب استرجاع المدفوع دون حق أن يقيم الدليل على أنه سلم إلى المدعى عليه شيئا أو مبلغا من النقود على وجه الوفاء.

وتطبيقا للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونية ، فإنه يتعين على المدعي إثبات واقعة الوفاء بالكتابة أو ما يقوم مقامها إذا تجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم.

فإذا تخلفت كافة أوجه الوفاء السالفة فلا يطبق الحكم الخاص بقبض غير المستحق ، وإنما يطبق الحكم العام في الإثراء بلا سبب ، كما لو تمثل الإثراء في شغل أو خدمة قدمها المفتقر للمثري.

الشرط الثاني : ألا يكون للوفاء سبب

فانعدام السبب هو الذي يجعل الوفاء دفعا لدين غير مستحق. ويستوي في ذلك أنيكون السبب غير متحقق أصلا ، أو يكون سببا مستقبلا لم يتحقق ، أو يكون قد زال بعد أن تحقق. فالإسترداد يصح في هذه الحالات جميعا. وقد أوضح المشرع المغربي ذلك إذ نص في الفصل 68 من ق.ل.ع على منح حق الإسترداد لمن دفع ما ليس مستحقا عليه ظنا منه أنه مدين به وهي الحالة التي يكون فيها الدفع لسبب غير متحقق أصلا ، ثم أضاف في الفصل 70 أنه " يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق أو لسبب كان موجودا ولكنه زال".

  • حالة عدم تحقق سبب الوفاء : في هذه الحالة يكون الدين الذي دفعه الموفي غير مستحق وقت الوفاء. ويتحقق ذلك في الصور الثلاث الآتية :

  • الصورة الأولى : إذا لم يكن هناك دين. وهذه الصورة تنطوي على فرضيات مختلفة

  • قد لا يكون للدين وجود أصلا في أي وقت بالنسبة للموفي والموفى له على حد سواء.

  • قد لا يكون للدين وجود بالنسبة إلى الموفي فحسب ، أو لا يكون للدين وجود بالنسبة للموفى له فحسب.

  • قد يكون الدين مصدره تصرف باطل لسبب من الأسباب ، حيث يجوز استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا للعقد الباطل ، على ما أوصحه الفصل 306 من ق.ل.ع.

  • الصورة الثانية : إذا كان هناك دين محتمل الوجود ويؤمل استحقاقه ولكنه لم يستحق، كما في الإلتزام المعلق على شرط واقف.

  • الصورة الثالثة : إذا كان الدين قد انقضى قبل الوفاء به.

  • حالة زوال سبب الوفاء بعد تحققه : في هذه الحالة يكون الدين الذي حصل الوفاء به واجب الأداء حين الوفاء به ، فوقع الوفاء صحيحا ، ثم حصل بعد ذلك أن زال السبب الذي كان يرتكز عليه الدين فزال تبعا لذلك سبب الوفاء ، كما في حالات الإبطال أو الفسخ.

الشرط الثالث : أن يكون الوفاء قد وقع نتيجة غلط

لا يكفي أن يقوم الشخص بالوفاء بدين غير مستحق ، بل يتعين كذلك أن يكون ضحية غلط ، أي معتقدا وقت الوفاء أن ملزم بأداء دين لا يلتزم به قانونا. ويستوي هنا أن يكون الغلط الذي حصل للموفي غلطا في القانون أو غلطا في الواقع. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 68 من ق.ل.ع " من دفع ما لم يجب عليه ظنا منه أن مدين به ، نتيجة غلط في القانون أو في الواقع، كان له حق الإسترداد على من دفعه له. ولكن هذا الأخير لا يلتزم بالرد ، إذا كان قد أتلف أو أبطل حجة الدين ، أو تجرد من ضمانات دينه أو ترك دعواه ضد المدين الحقيقي تتقادم وذلك عن حسن نية ، ونتيجة للوفاء الذي حصل له. وفي هذه الحالة لا يكون لمن دفع إلا الرجوع على المدين الحقيقي".

وبالتمعن في هذا النص يتبين أن المشرع قد أرسى بهذا الخصوص مبدأ عاما تخرج عنه عدة استثناءات أقرها بموجب نصوص أخرى.

  • المبدأ العام بخصوص هذا الشرط

حتى يكون ثمة دفع غير مستحق يتعين أن يدفع الموفي ما دفع وهو يعتقد عن غلط أنه يدفع دينا مستحقا عليه ، سواء كان غلطا في الواقع أو في القانون.

فالغلط في الواقع ينصب على أمور واقعية. أما الغلط في القانون فيتعلق بالجهل بقاعدة قانونية أو تنظيم قانوني يحكم مجالا معينا. ومن قبيل ذلك ما جاء في الفصل 970 من ق.ل.ع " الشريك على الشياع الذي يدفع نصيبه من نفقات زينة وترف أنفقها شريك آخر اعتقادا منه عن خطأ أنه ملزم بها قانونا ، في حين أن القانون لا يلزمه بمثل هذه النفقات" .

أما إذا انتفى الغلط فإن الموفي لا يعتبر في حالة دفع غير المستحق ولا يحق له طلب الإستردادعلى أساس ذلك. فالشخص الذي يدفع باختياره وإرادته الواعية ما يعلم أنه غير ملزم به ، وأنه غير مستحق عليه ، لا يحق له طلب استرداده ، لأن دفعه كان عن وعي وإرادة حرة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 69 من ق.ل.ع " من دفع باختياره ما لا يلزمه ، عالما بذلك ، فليس له أن يسترد دفعه ".

  • الإستثناءات بخصوص هذا الشرط

تخرج عن المبدأ السالف استثناءات تتمثل إما في حالات لا يكون فيها للموفي حق الإسترداد رغم أن الوفاء تم نتيجة غلط ، أو في حالات أخرى يكون له فيها حق الإسترداد رغم حصول الوفاء.

الحالات التي لا يكون فيها للموفي حق الإسترداد رغم أن الوفاء تم نتيجة غلط

من بين هذه الحالات نذكر :

  • الحالة التي نص عليها الفصل 71 من ق.ل.ع بقوله " لا محل لاسترداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق ، إذا كان الدافع يعلم ، عند الدفع استحالة تحقق هذا السبب ، أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه ".

  • الحالة التي ذكرها الفصل 73 من ق.ل.ع بقوله " الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم أو لالتزام معنوي ، لا يخول الاسترداد إذا كان الدافع متمتعا بأهلية التصرف على سبيل التبرع ، ولو كان يعتقد عن غلط أنه ملزم بالدفع ، أوكان يجهل واقعة التقادم ".

وللإشارة فهذا النص يتعرض لحالة لا عبرة فيها لغلط الموفي ، الذي لا يحق له الاسترداد إذا كان متمتعا بأهلية التصرف على وجه التبرع، وقد أوفى دينا لا يعلم أنه قد سقط بالتقادم أو نفذ التزاما معنويا. بمعنى أنه إذا كان هذا الموفي وقت إنجاز الوفاء غير متمتع بأهلية التصرف على سبيل التبرع ، فإن دعوى الإسترداد تبقى قائمة ولا تنمحي.

  • الحالة التي نص عليها الفصل 68 من ق.ل.ع الذي جاء فيه " من دفع ما لم يجب عليه ، ظنا منه أنه مدين به... لا يلتزم بالرد ، إذا كان قد أتلف أو أبطل حجة الدين ، أو تجرد من ضمانات دينه أو ترك دعواه ضد المدين الحقيقي تتقادم وذلك عن حسن نية ، ونتيجة للوفاء الذي حصل له ، وفي هذه الحالة لا يكون لمن دفع إلا الرجوع على المدين الحقيقي ".

فخلافا للمبدأ العام السالف لا يجوز للشخص استرداد ما دفعه ظنا منه عن خطأ أنه مدين به ، وذلك عند تحقق شرطين وهما :

  • أن يكون المثري حسن النية ، أي جاهلا كون الموفي وقع في غلط.

  • وأن يقوم الدائن عقب الوفاء إما بإتلاف حجة الدين ، أو إبطالها ، أو أن يترك دعواه ضد المدين الحقيقي تسقط بالتفادم ، أو تجرد من الضمانات التي تؤمن دينه.

إلا أنه يلاحظ بهذا الخصوص أن الموفي إذا كان يحرم من استرداد ما أوفاه بناء على أحكام دفع غير المستحق، فإن ذلك لا يمنعه من الرجوع على المدين الحقيقي وفقا للقةاعد العامة في الإثراء بلا سبب ، حيث إن هذا المدين يعتبر مثريا بقيمة الدين الواجب عليه وذلك على حساب الموفي الذي يفتقر بنفس القيمة.

الحالة التي يكون فيها للموفي حق الإسترداد رغم حصول الوفاء بدون غلط

يحق للموفي أن يطالب باسترداد ما دفعه وفاء لالتزم يستند لى عقد باطل ـو يستند على سبب آخر غير مشروع. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 72 من ق.ل.ع " يجوز استرداد مادفع لسبب مخالف للقانون أو للنظام العام أو للأخلاق الحميدة ".

فهذا النص لا يقف عند سبب الوفاء ، بل يتخطاه ليشمل حق الموفي في الاسترداد بغض النظر عن وقوعه ضحية غلط أم لا.

ثانيا : الآثار المترتبة عن دفع غير المستحق

للإحاطة بالآثار المترتبة عن دفع غير المستحق يتعين علينا أن نتطرق لعدة أمور تتداخل فيها الأحكام المسطرية بالأحكام في آن واحد. ويمكن إجمال هذه الأمور فيما يأتي : طرفا دعوى رد غير المستحق ، و ما يجوز للموفي الرجوع به على الموفى له.

  • طرفا دعوى رد غير المستحق

طرفا دعوى رد غير المستحق هما الموفي المدعي و الموفى له المدعى عليه.

  • الموفي المدعي

يثبت الحق في استرداد غير المستحق للشخص الذي أقدم على الوفاء من ماله ولحسابه الشخصي بكافة الصور السابقة.

كما يثبت هذا الحق للشخص الذي جرى الوفاء من ماله لحساب غيره كالوكيل أو النائب الشرعي أو الكفيل إذا أوفى من ماله الخاص دينا اعتقادا منه أنه يلزم الموكل أو القاصر أو المدين الأصلي ، فإنه يستطيع أن يطلب الإسترجاع أصالة عن نفسه لا بالنيابة عمن سدد هو الدين عنه، بشرط تخلف سبب وفائه ليس في مواجهة الموفى له فقط ، بل في مواجهة الموفى عنه أيضا.

  • الموفى له المدعى عليه

توجه دعوى رد غير المستحق ضد من جرى الوفاء لحسابه أو ضد كل شخص اغتنى من هذا الوفاء.

أيضا يسوغ رفع دعوى رد المستحق ضد من تصرف إليه من استوفى غير المستحق، ولو كان المتصرف إليه قد آل إليه ذلك المقبوض دون حق معاوضة وبحسن نية ، مادام هو لم يتملك المقبوض استنادا إلى سبب قانوني.

  • ما يجوز للموفي الرجوع به على الموفى له

لم يأت المشرع المغربي بأحكام خاصة لتحديد ما يحق للموفي الرجوع به على الموفى له ، لذلك يصار هنا إلى اعتماد الأحكام العامة المنظمة للإثراء بلا سبب خصوصا من الوجوه الآتية :

  • إذا كان الموفى به شيئا لازال موجودا في حوزة الموفى له فإنه يلتزم برده بعينه

  • كما تطبق باقي الأحكام العامة التي أسلفناها بخصوص التمييز بين الموفى له حسن النية والموفى له سيء النية بخصوص كل من الإلتزام برد الثمار وهلاك الشيء أو تلفه وبيع الشيء.

الفقرة الثانية : الفضالة

الفضالة في الاصطلاح القانوني تؤخذ بمعنى أضيف مما سلف بحيث تفيد أن ينهض شخص بأمر عاجل يخص غيره بهدف إسداء خدمة لهذا الغير ، دون أن يكون ملزما بذلك أو مفوضا فيه.

ويعتبر المشرع المغربي الفضالة من قبيل أشباه العقود ، حيث تناولها ضمن الفصول من 943 إلى 958 وذلك في الباب الخامس تحت عنوان " أشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة" من القسم السادس المتعلق بالوكالة من الكتاب الثاني من ق.ل.ع

وفي ضوء ذلك سنتعرض لكل من شروط الفضالة وأحكامها.

أولا : شروط الفضالة

جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 943 من ق.ل.ع " إذا باشر شخص ، باختياره أو بحكم الضرورة ، شؤون أحد من الغير ، في غيابه أو بدون علمه ، وبدون أن يرخص له في ذلك منه أو من القاضي ، قامت هناك علاقة قانونية مماثلة للعلاقة الناشئة عن الوكالة...".

انطلاقا من ذلك لا تتحقق الفضالة إلا عند توافر ثلاثة شروط وهي :

  • مباشرة الفضولي لشأن يخص رب العمل

  • قصد الفضولي العمل لمصلحة رب العمل

  • عدم وجود التزام سابق على الفضولي بالقيام بالعمل

الشرط الأول : مباشرة الفضولي لشأن يخص رب العمل

تقتضي منا الإحاطة بهذا الشرط أن نتناول كنه العمل الذي يباشره الفصولي ، ثم وصف هذا العمل.

  • كنه العمل الذي يباشره الفضولي

.العمل الذي يباشره الفضولي يمكن أن يكون تصرفا قانونيا أو عملا ماديا. غير أن ورودها على التصرفات القانونية ينحصر على ما يجوز فيه التوكيل.

يتحقق التصرف القانوني للفضولي في الحالة التي يكون فيها وكيلا عن رب العمل فيعمد إلى تجاوز حدود الوكالة وعندها يكون في رحاب هذا التجاوز فضوليا ، كما قد يحصل أن يستمر الفضولي في العمل نيابة عن الموكل بعد انتهاء الوكالة ويستوي علمه أو جهله بانتهاء الوكالة

ولما كانت الفضالة تطبيقا من التطبيقات الخاصة لنظرية الإثراء بلا سبب جاز أن يقوم الفضولي بعمل مادي كما يقوم بالتصرف القانوني وهنا تختلف الفضالة عن الوكالة.

وفي كل الأحوال يتعين أن يكون تدخل الفضولي عبارة عن تدخل إيجابي يتعلق بأحد عناصر الذمة المالية لرب العمل ، أي بخصوص حق مالي أو دين قائم في تلك الذمة ، سواء كان ذلك يهدف إلى الحفاظ على حق موجود في الذمة أو استعماله أو التصرف فيه ، أو أي عمل آخر بشأن مال معين مملوك للغير ، أو تجسد في أداء التزام في ذمة الغير.

ولا يتطلب أن يكون التدخل متعلقا بعنصر قائم فعلا في الذمة ، بل يسوغ أن يكون بجلب حق جديد للغير أو بإنشاء التزام في ذمته.

كذلك ليس مطلوبا أن يتعلق التدخل بأحد عناصر الذمة المالية ، أي بحق مالي أو دين حاضر أو مستقبل ، وإنما يكفي أن يتعلق التدخل بحفظ أحد الحقوق غير المالية التي تتعلق بشخص الإنسان ( الحقوق الشخصية ) مثل الحق في الحياة وفي الحرية وفي الإسم وفي السمعة.

  • وصف العمل الذي يباشره الفضولي

يبدو في الظاهر أن ق.ل.ع ينظر لموضوع الفضالة نظرة أوسع ، فهي تسوغ سواء أقبل الفضوي على العمل لمصلحة صاحب الشأن باختياره أو للضرورة تبعا لمنطوق الفصل 943 من ق.ل.ع

لكن عند إمعان النظر يتضح أن ق.ل.ع قد قيد نطاق الفضالة بمعيار آخر أخف هو معيار "المنفعة " ، فهي لا تجوز إلا إذا كان العمل الذي باشره الفضولي نافعا لرب العمل. فبخلاف الوكالة التي يتعين معها تعويض الوكيل ولو لم يكن قد باشر لحساب موكله تصرفات قانونية نافعة ، مادام قد احترم تعليماته ، فإن أحكام الفضالة لا تلزم رب العمل بتعويض الفضولي وتحمل الآثار القانونية الناتجة عن الأعمال التي أنجزها لحسابه إلا إذا كانت هذه الأعمال نافعة له. وهذا ما يستفاد من خلال مضمون نصين وردا في ق.ل.ع ، الفصل 949 الذي جاء فيه " إذا باشر الفضولي العمل في مصلحة صاحبه على وجه ينفعه، كسب هذا الأخير كل الحقوق وتحمل كل الإلتزامات التيتعاقد الفضولي عليها لحسابه..." ، والفصل 947 الذي يقضي بأن " الفضولي الذي يتدخل في شؤون غيره خلافا لرغبته المعروفة أو المفترضة ، أو الذي يجري عمليات تخالف رغبته المفترضة ، يسأل عن كل ما يلحق رب العمل من ضرر نتيجة فعله ولو لم يكن هناك خطأ يعزى إليه ".

ولمعرفة ما إذا كانت أعمال الفصالة نافعة لرب العمل يتعين الأخذ بعين الإعتبار تاريخ مباشرة هذه الأعمال وهو تاريخ دخول النفع في ذمة المتفضل عليه.

كما يتعين تقدير منفعة الفضالة بمعيار موضوعي لا ذاتي ، فلا يمكن للمتفضل عليه أن يحتج بكونه مهملا لشؤونه ، لذلك لم يقدم له الفضولي أية خدمة ، ولم يكن عليه في الأصل أن يباشر عمل التفضل ، بل يتعين أن نبحث ما إذا كان الفضولي د تصرف تصرف الشخص العادي الحريص على شؤونه الخاصة ، وهذا ما يستفاد من منطوق الفصل 945 من ق.ل.ع الذي جاء فيه " على الفضولي أن يبذل في مباشرته العمل عناية الحازم الضابط لشؤون نفسه...".

الشرط الثاني : قصد الفضولي العمل لمصلحة رب العمل

ما دامت الفضالة تشكل نوعا من الوكالة الخاصة ، فإنه لا يكفي مجرد تدخل الفضولي في شأن يخص الغير ، بل يتعين أيضا أن يستهدف إسداء خدمة لذلك الغير ، أو على الأقل أن يكون مطلعا على أنه يقوم بأمر لفائدة أو لحساب غيره.

وبتعبير آخر ، إن نية التفضيل تشكل عاملا أساسيا في الفضالة ، بحيث يتعين أن تتحقق لدى الفضولي نية العمل لحساب أو لفائدة رب العمل ،جاء بهذا الخصوص ضمن قرار أصدره المجلس الأعلى بتاريخ 26 أبريل 2000 " لكن حيث إن الفضالة حسب أحكام الفصل 943 من ق.ل.ع تقتضي قيام الفضولي بشأن فيه مصلحة شخصية لشخص آخر ، فلا تتوافر شروطها في النازلة لانصراف إرادة السيد زروق للعمل لمصلحته الشخصية. ولما كانت المحكمة غير ملزمة بالوصف الذي يخلعه الأطراف على أنفسهم فإنها حينما اعتبرت أن العقد ربط الطرف المذكور شخصيا لعدم ثبوت قيام الشخص المعنوي " أنترناسيونال كوربورسيوان " مع المطالبة تكون قد ردت ضمنيا عما أثير في اوسيلة واعتبرت بالتالي انعدام أركان الفضالة من جهة وعدم توفر صفة الأجير عند الشخص المذكور من جهة أخرى فالوسيلة على غير أساس ".

ومرجع ذلك أن الفضولي يحظى بحماية قانونية أكبر مما يحظى به من يحصل له افتقار يؤدي إلى إثراء غيره ، بحيث يجوز له أن يستوفي تعويضا كاملا عما أنفقه بغض النظر عن قدر الإثراء أو الإفتقار ، فما دام قصد الإحسان إلا ويتعين أن ينال مكافأة وافية تشجيعا له ولغيره على مد يد المعونة لكل شخص عندما تقتضي الضرورة ذلك.

لكن إذا تخلف هذا الشرط عومل المتدخل في شأن غيره طبقا لحكم الإثراء بلا سبب ، بحيث لا يحصل إلا على أقل القيميتين : قيمة الإثراء أو قيمة الإفتقار.

ومتى تحققت نية التفضل عند المتفضل اعتبر عمله فضالة ، ولو حصل له غلط في شخص المتفضل عليه ، لأن العبرة بقصد التفضل بقطع النظر عن شخص المتفضل عليه الذي تتعلق به آثار الفضالة. وهذا ما قرره الفصل 955 من ق.ل.ع بقوله " إذا غلط الفضولي في شخص رب العمل ، فإن الحقوق والإلتزامات الناشئة من مباشرة العمل تقوم بينه وبين رب العمل الحقيقي ".

ولكن إذا باشر شخص شأنا اعتقادا منه أنه يخصه ، ثم اتضح أنه يخص غيره فإنه يجوز له الرجوع على هذا الغير طبقا لقاعدة الإثراء بلا سبب حسبما يستفاد من الفصل 956 من ق.ل.ع

الشرط الثالث : عدم وجود التزام سابق على الفضولي بالقيام بالعمل

طبقا للفصل 943 من ق.ل.ع يتعين لاعتبار العمل فضالة أن يكون الفضولي قد قام به من دون ترخيص من قبل صاحب الشأن أو القاضي.

فما دامت الفضالة تشكل استثناء واردا على أهلية الشخص لمباشرة شؤونه بنفسه ، إلا ويتعين اعتمادها في نطاق ضيق ، وبالتالي تفسير الترخيص المذكور تفسيرا واسعا يشمل انعدام التفويض أو النهي من جانب رب العمل ، وانعدام الإلتزام بالنهوض بواجب قانوني من جانب الفضولي.

  • انعدام التفويض من جانب رب العمل

لا تتحقق الفضالة إذا كان تدخل الفضولي بتفويض من قبل صاحب الشأن ، ذلك مع العلم أنه في الغالب مايستند هذا التفويض إلى عقد وكالة. فلو عمل المتدخل بموجب توكيل صحيح ، وفي حدود الوكالة ، فإن رجوعه يكون على أساس هذا العقد لا على أساس أحكام الفضالة ، ويمكن أن هذا التوكيل صريحا أو ضمنيا.

وباعتبار أن الإقرار اللاحق كالتوكيل السابق ، فإنه إذا أقر رب العمل تدخل الغير في أموره الخاصة ، سواء استجمع تدخل الغير أركان الفضالة أم لا فإنهيصبح بهذا الإقرار وكيلا ، وهذا ما نص عليه الفصل 958 من ق.ل.ع بقوله " إذا أقر رب العمل صراحة أو دلالة ، ما فعله الفضولي ، فإن الحقوق والإلتزامات الناشئة بين الطرفين تخضع لأحكام الوكالة ابتداء من مباشرة العمل ، أما في مواجهة الغير ، فلا يكون للإقرار أثر إلا ابتداء من وقت حصوله ".

وللإشارة قد يكون هذا الإقرار صريحا أوضمنيا يستفاد من ظروف الحال ـ لكن مجرد علم رب العمل بالعمل الذي باشره الفضولي لا يشكل إقرارا ، لأن العلم في ذاته لا يفيد القبول ، كما أن السكوت لا يعتبر في الأصل تعبيرا عن الإرادة.

  • انعدام النهي من جانب رب العمل

إذا علم رب العمل بتدخل الفضولي ونهاه عن القيام بالعمل أو الإستمرار فيه ، فلم ينته ، فلا يعتبر المتدخل فضوليا ، ويتعين عليه الإمتناع عن التدخل ، وإلا جاز لصاحب الشأن الرجوع عليه بتعويض الضرر على أساس المسؤولية التقصيرية طبقا للفصل 947 من ق.ل.ع الذي نص على أن " الفضولي الذي يتدخل في شؤون غيره ، خلافا لرغبته المعروفة أو المفترضة ، أو الذي يجري عمليات تخالف رغبته المفروضة ، يسأل عن كل ما يلحق رب العمل من ضرر نتيجة فعله ولو لم يكن هناك خطأ يمكن أن يعزى إليه ".

لكن إذا ما أسفر التدخل على نفع لفائدة صاحب العمل أو غيره ، فإنه بإمكان المتدخل أن يرجع عليه بدعوى الإثراء بلا سبب عند تحقق شروطها.

  • انعدام الإلتزام بالنهوض بواجب قانوني

لا فضالة إلا إذا كان تدخل شخص في شأن يخص غيره قد تم بموجب حكم القانون. وهذا ما يتحقق في عدة حالات نذكر من بينها :

  • كون مال الغير موضوعا تحت حراسة المتدخل بموجب حكم قضائي يخول الحارس إجراء بعض الاعمال المتعلقة بهذا المال ، خصوصا أعمال إدارته والتصرف فيه عند الضرورة.

  • أن يتعلق الأمر بالغيبة كأحد عوارض الاهلية ، وهي تستوجب تعيين مسير لإدارة أموال الغائب الذي لم يعين نائبا عنه قبل غيبته ، وذلك بهدف المحافظة على حقوق كل من الغائب وورتثه المحتملين ودائنيه عند وجودهم.

  • أن يتعلق الأمر بنيابة قانونية تثبت إما للولي أو الوصي أو المقدم الذي يجوز له إجراء التصرفات القانونية لمصلحة محجوره القاصر طبقا لأحكام مدونة الأسرة.

  • أن يتصل الأمر بصلاحيات يمارسها السنديك المعين بحكم قضائي طبقا لأحكام صعوبات المقاولة كما نظمها الكتاب الخامس من مدونة التجارة.

ففي هذه الحالات وما شابهها كثير لا يمكن الحديث عن أعمال فضالة لأن التفويض تم بموجب نصوص قانونية خاصة ، تكون هي سند رجوع المتدخل بالتعويض عند الإقتضاء على صاحب الشأن.

ثانيا : أحكام الفضالة

الفضالة عبارة عن عمل مادي أو تصرف قانوني يباشره الفضولي لمصلحة غيره ، فيرتب عليه القانون بالضرورة مجموعة التزامات لا يتوقف نفاذها على إقرار رب العمل.

ويتعلق الأمر هنا بالتزامات من جانب الفضولي ، والتزامات من جانب رب العمل ، إضافة إلى أمور مشتركة بينهما.

  • إلتزامات الفضولي

يفرض ق.ل.ع على الفضولي ثلاثة التزامات أساسية وهي :

  1. الإستمرار في العمل الذي شرع فيه حتى يستطيع رب العمل مباشرته بنفسه ( الفصل 944 من ق.ل.ع )

  2. بذل عناية الشخص العادي في النهوض بالعمل ( الفصل 945 من ق.ل.ع ).

  3. تقديم الحساب عن تدخله ورد ما قبضه بسبب الفضالة ( 946 من ق.ل.ع ).

الإلتزام الأول : مضي الفضولي في العمل الذي شرع فيه حتى يستطيع رب العمل الاستمرار فيه بنفسه

جاء بهذا الخصوص في الفصل 944 من ق.ل.ع " على الفضولي أن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من الإستمرار فيه بنفسه ، أذا كان من شأن انقطاع العمل أن يضر برب العمل ".

تبعا لذلك إذا تولى فضولي شأنا يخص غيره وعلى نحو مقبول ، فهو لا يملك أن يتوقف عنه حين يريد ووفقا لمشيئته ، بل يتعين عليه أن يستمر فيما شرع فيه حتى يبلغ غاياته أو حتى يستطيع رب العمل مباشرته بنفسه ، كما يتعين عليه أن يمضي في صرف ما يجب للنهوض بالعمل الذي شرع فيه ، ولا يحق له أن يتوقف عن الإنفاق عليه عند مستوى محدد متذرعا بعدم تقديره ذلك أو سوء تقديره.

فلو كان العمل الذي شرع فيه الفضولي عملا ماديا لتعين عليه المضي فيه إلى النهاية ، مالم يستطيع رب العمل توليه بنفسه قبل تمامه. ولو كان عملا قانونيا لتعين عليه أن يباشر ما يلزم من إجراءات لترتيب آثاره ونفاذها.

وبخلاف الوكالة التي تكون معها التزامات الوكيل مرسومة الحدود من قبل الموكل الذي يملك أن يدرج ضمنها كل ما يعتبره من توابع العمل الموكل فيه أو يخرجها منه ، فإن التزامات الفضولي أوسع من ذلك ، لأنه تدخل من تلقاء نفسه ، لذلك لا ينحصر التزامه في الاستمرار في العمل الذي شرع فيه لحساب غيره ، بل يشمل أيضا كل ما يقتضيه هذا العمل أو يعتبر ضروريا لصيانته وحفظ فائدته ، وذلك بحسب تقدير الفضولي الذي يأخذ بعين الإعتبار ظروف تدخله.

الإلتزام الثاني : بذل عناية الشخص العادي في النهوض بالعمل

جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 945 من ق.ل.ع " على الفضولي أن يبذل في مباشرة عمله ، عناية الحازم الضابط لشؤون نفسه ، وأن يسير فيه على مقتضى رغبة رب العمل المعروفة منه أو المفترضة ، وهو مسؤول عن كل خطأ يقع منه ، ولو كان يسيرا ، أما إذا كان تدخله بقصد دفع ضرر حال وكبير كان يهدد رب العمل ، أو بقصد إتمام واجبات وكالة كانت لموروثه فإنه لا يسأل إلا عن تدليسه أو خطئه الفاحش ".

لا يعتبر التزام الفضولي التزاما بتحقيق نتيجة ، بل هو التزام ببذل عناية ، بحيث يتعين عليه أن يبذل في تدخله في أمر غيره مثل العناية المنتظرة من الرجل العادي الموجود في مثل الظروف الظاهرة التي قد توحي إلى الغير أنه سيقف موقفا معينا.

فباعتبار أنه يفترض في الفضولي التدخل لفائدة رب العمل ليس غير ، والنهوض بعمل ضروري لهذا الأخير ، ما كان هذا يتواني عن القيام به ، فقد أوجب الفصل 945 من ق.ل.ع على الفضولي أن يهتم بما يباشره اهتمام الحازم في أموره ، وأن يستحضر فيه مقاصد صاحبه سواء كانت معلومة أو متوقعة.

فضلا عن ذلك فقد حدد المشرع درجة الخطأ الموجب لمسؤولية الفضولي بالنظر لطبيعة التفضل ، فإذا تدخل في شؤون غيره تدخلا نافعا فحسب فهو مطالب ببذل عناية الرجل العادي كما يكون مسؤولا عن كل خطأ يقترفه ولو كان يسيرا ، أما إذا تدخل في شؤون غيره تدخلا ضروريا لدفع مضرة متوقعة أو لإتمام واجبات وكالة كانت لموروثه فلا يطالب إلا بما يترتب عن تدليسه أو خطئه الفاحش.

بل قد يتحمل الفضولي المسؤولية بدون خطأ عندما يتدخل في شؤون غيره خلافا لرغبته المعروفة أو المفترضة ، أو ينجز عمليات تخالف رغبته المفترضة مما يلحق الضرر به حسبما يستفاد من الفصل 947 من ق.ل.ع

الإلتزام الثالث : تقديم الفضولي الحساب عن تدخله ورد ما قبضه بسبب الفضالة

جاء في هذا الشأن في الفصل 946 من ق.ل.ع " يتحمل الفضولي بنفس الإلتزامات التي يتحمل بها الوكيل بالنسبة إلى تقديم الحسابات ورد كل ما يتسلمه نتيجة مباشرة العمل. وهو يتحمل بكل الإلتزامات الأخرى الناشئة عن الوكالة الصريحة ".

من ثم يكون المشرع قد أحال بهذا الخصوص على نفس الإلتزامين اللذين يتحمل بهما الوكيل طبقا للفصل 908 من ق.ل.ع الذي جاء فيه " على الوكيل أن يقدم لموكله حسابات عن أداء مهمته ، وأن يقدم له حسابا تفصيليا عن كل ما أنفقه وما قبضه ، مؤيدا بالأدلة التي يقتصيها العرف أو طبيعة التعامل ، وأن يؤدي له كل ما تسلمه نتيجة الوكالة أو بمناسبتها".

والملاحظ أن هذين الإلتزامين اللذين يتحمل بهما الفضولي لا ينفصلان سواء تعلق الأمر بأعمال مادية أو أعمال إدارة أو أعمال تصرف.

  • التزام الفضولي بتقديم الحساب عن تدخله

رغم أن الفضالة تقوم اختيارا أو بحكم الضرورة عند غيبة الغير أو دون علمه ولا ترخيص منه ، فقد أخضعها المشرع لأحكام الوكالة ، سيما من حيث التزام الفضولي شأن الوكيل بتقديم الحساب على كل ما دخل ذمته لحساب رب العمل أو ما التزم به بمقتضى الفضالة إزاءه من أصل وفوائد. وكل ما يجوز للفضولي أن يرجع به على رب العمل من نفقات أو التزامات يتحملها إزاء الغير ، أو فوائد مبالغ أنفقها في شؤون الفضالة ، كما يتعين ان يكون هذا الحساب مؤيدا بالحجج لأنه لا ادعاء بلا إثبات ولا جرد بلا حجة.

لكن لا مانع يمنع الفضولي من الإستدلال بالشهود والقرائن والمعاينات والخبرات ، لأن الغالب في عمل تفضله أن يشمل وقائع مادية يجوز إثباتها بمختلف الوسائل.

وللإشارة إذا كان الحساب الذي يقمه الفضولي يشكل جمعا غير قابل للانقسام ، فإنه يجوز لرب العمل أن يناقش وأن يطلب الدليل المؤيد لكل منها.

ويستند التزام الفضولي بتقديم الحساب إلى مبدأين : الأول عدم جواز الإثراء غير المبرر على حساب الغير ، والثاني عدم مخالفة مشيئة رب العمل لتبربر طلب استرداد النفقات التي أجبر الفضولي على صرفها.

  • التزام الفضولي برد ما قبضه بسبب الفضالة

إذا باشر الفضولي عملا حصل منه مالا ، تعين عليه أن يعيد إلى رب العمل عين ما حصله أو قيمته النقدية.

أما إذا باشر عملا قانونيا ، فإنه يتحمل بنفس ما يتحمل به الوكيل ، أي أن يرجع آثار هذا العمل القانوني كلها إلى رب العمل ، وكل ما توصل به عن طريق إدارته أو بموجب تدخله في أموره.

فلو كان الفضولي قد أبرم العقد باسم رب العمل ، لترتبت آثار التعاقد مباشرة في ذمة الأخير ، ولم يتحمل الفضولي برد أي شيء ، ما لم يكن قد استخلص بعض حقوق رب العمل التي تمخضت عن ذلك العقد ، فيتعهد بردها إلى رب العمل ولا يسوغ له أن يستعمل ما حصله لفائدة نفسه.

وإذا كان الفضولي قد أبرم العقد باسمه الشخصي ، لترتبت آثار التعاقد في ذمته هو ، ووجب عليه نقلها إلى رب العمل ، فإذا كان قد نفذ هذه الآثار كلها أو بعضها واستخلص من ذلك شيئا تعين عليه نقله إلى رب العمل.

  • التزامات رب العمل

جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 949 من ق.ل.ع " إذا باشر الفضولي العمل في مصلحة صاحبه وعلى وجه ينفعه ، كسب هذا الأخير كل الحقوق وتحمل مباشرة بكل الالتزامات التي تعاقد الفضولي عليها لحسابه. ويجب عليه أن يبرئ الفضولي من كل العواقب المترتبة على مباشرته العمل ، وأن يعوضه عن المبالغ التي سبقها وعن المصروفات التي أنفقها والخسائر التي تحملها ، وفقا لأحكام الفصل 914. وتعتبر مباشرةالعمل حسنة ، أيا ما كانت نتيجته ، إذا كان عند إجرائه مطابقا لقواعد الإدارة الحسنة ، وفقا لما تقتضيه ظروف الحال".

كما ورد ضمن الفصل 914 المحال عليه " على الموكل "

أولا : أن يدفع للوكيل ما اضطر إلى تسبيقه من ماله وإلى إنفاقه من المصروفات من أجل تنفيذ الوكالة ، في حدود ما كان لازما لهذا الغرض ، وأن يدفع له أجره عندما يكون مستحقا، أيا ما كانت نتيجة المعاملة ، مالم يكن هناك فعل أو خطأ يعزى إليه

ثانيا : تخليص الوكيل من الالتزامات التي اضطر إلى التعاقد عليها نتيجة تنفيذه لمهمته أو بمناسبتها ، وهو لا يسأل عن الإلتزامات التي يتحمل بها الوكيل ولا عن الخسائر التي تلحقه نتيجة فعله أوخطئه أو من أجل أسباب أخرى بعيدة عن الوكالة ".

يتبين من هذين النصين أن رب العمل يتحمل من جانبه بعدة التزامات وهي :

  1. تنفيذ التعهدات التي عقدها الفضولي بالنيابة عنه

  2. تعويض الفضولي عن التعهدات التي عقدها باسمه

  3. رد النفقات الضرورية والنافعة التي أنفقها الفضولي

  4. تعويض الفضولي عن الضرر الذي أصابه بسبب قيامه بالفضالة

التزام رب العمل بتنفيذ التعهدات التي عقدها الفضولي بالنيابة عنه

يرتبط هذا الإلتزام بوضعية الفضالة التي تنطوي على فكرة النيابة القانونية ، وهي تتحقق في حالتبن : حالة قصد الفضولي منذ البداية إبرام تصرف قانوني لحساب رب العمل مع توفر كل شروط الفضالة سالفة الذكر ، وحالة إقرار رب العمل لهذا التصرف عقب إجرائه، ومعها تنقلت الفضالة إلى وكالة تطبيقا لقاعدة الإقرار اللاحق كالوكالة السابقة.

ففي الحالتين معا تترتب آثار التصرفات التي أبرمها الفضولي مباشرة في ذمة رب العمل ، وذلك بناء على أحكام عقد الوكالة التي أوردها ق.ل.ع ضمن الفصول الآتية :

  • الفصل 921 الذي جاء فيه " الوكيل الذي يتعاقد بصفته وكيلا في حدود وكالته ، لا يتحمل شخصيا بأي التزام تجاه من يتعاقد معهم ، ولا يسوغ لهؤلاء الرجوع على الموكل ".

  • الفصل 922 الذي ينص على أنه " ليس للغير أية دعوى على الوكيل بوصفه هذا ، من أجل إلزامه بتنفيذ الوكالة ، مالم تكن الوكالة قد أعطيت له لمصلحتهم أيضا ".

  • ثم الفصل 926 الذي ورد فيه " يلتزم الموكل مباشرة بتنفيذ التعهدات المعقودة لحسابه من الوكيل في حدود وكالته. التحفظات والعقود السرية المبرمة بين الوكيل والموكل والتي لا تظهر من الوكالة نفسها ، لا يجوز الإحتجاج بها على الغير ، مالم يقم الدليل على أنهم كانوا يعلمون بها عند العقد ".

يتضح من خلال ذلك أن التصرفات القانونية التي يبرمها الفضولي على أساس فكرة النيابة القانونية تسري مباشرة في ذمة رب العمل الذي يلتزم بتنفيذ كل التعهدات التي تفرضها عليه تلك التصرفات لا إزاء الفضولي فحسب ، بل أيضا إزاء من تعاقد معه الفضولي ، بحيث يكون ذلك المتعاقد هو الدائن لرب العمل بهذه التعهدات ، ويتعين الوفاء بها إليه ، ويثبت له بمرده حق استيفائها من رب العمل.

التزام رب العمل بتعويض الفضولي عن التعهدات التي عقدها باسمه

يتعلق هذا الإلتزام بحالة الفضالة دون نيابة قانونية ، وهي تتحقق عندما يقدم الفضولي على إبرام تصرف باسمه شخصيا لحساب رب العمل ، بحيث تسري آثار التعاقد في ذمته هو ، ويتعين عليه نقلها إلى رب العمل ، فإن كان حصل من ذلك شيئا تعين عليه نقله إليه ، وإن كان تحمل بالتزام جاز له الرجوع عليه بالتعويض. وفي كل ذلك يكون مصدر التزام رب العمل هو العمل النافع المكون للفضالة.

التزام رب العمل بتعويض الفضولي عن المبالغ التي أنفقها

يتلزم رب العمل بأن يرد إلى الفضولي كل ما أنفقه هذا الأخير في مصلحته من نفقات ضرورية ومن نفقات نافعة سوغتها الظروف ، شريطة الإعتدال في صرف هذا النوع الأخير من النفقات ، بمعنى أن المعيار بهذا الخصوص هو أن تكون هذه النفقات المطالب بها في حدود ما هو لازم لمباشرة عمل الفضالة ، أما مازاد عن هذا الحد فلا يلزم رب العمل به ، بل يلتزم الفضولي بالتعويض عند الإقتضاء. جاء في الفصل 947 من ق.ل.ع " الفضولي الذي يتدخل في شؤون غيره خلافا لرغبته المعروفة أو المفترضة ، أو الذي يجري عمليات تخالف رغبته المفترضة يسأل عن كل ما يلحق رب العمل من ضرر نتيجة فعله ولو لم يكن هناك خطأ يمكن أن يعزى إليه ". تستثنى من ذلك الفرضيتين اللتين نص عليهما الفصل 948 من ق.ل.ع بقوله " غير أنه لا يجوز الإحتجاج بمخالفة رغبة رب العمل ، إذا اضطر الفضولي لأن يعمل على وجه السرعة ما يقتضيه :

أولا : الوفاء بالتزام يتحمل به رب العمل ويتطلب الصالح العام تنفيذه.

ثانيا : الوفاء بالتزام قانوني بالنفقة أو بالمصروفات الجنائزية أو بالتزامات أخرى من نفس طبيعتها ".

وكما أسلفنا فإن التزام رب العمل بتعويض الفضولي عن النفقات الضرورية التي تحملها مقيد بتقديم هذا الأخير للحسابات المفصلة مع أدلة الإنفاق.

وعند تعدد أرباب العمل المستفيدين من عمل فضالة واحد ، فهم لا يلتزمون بالتضامن إزاء الفضولي ، بل يلتزمون على النسبة إزاءه. جاء في هذا الشأن ضمن الفصل 950 من ق.ل.ع " إذا كان العمل مشتركا بين عدة أشخاص ، التزم هؤلاء تجاه الفضولي بنسبة مصلحة كل منهم فيه...".

كما يجوز للفضولي حبس الأشياء المملوكة لرب العمل الواحد أو المتعدد لاستخلاص المبالغ التي أجبر على صرفها ما لم تكن خلافا لرغبته. جاء في الفصل 951 من ق.ل.ع " للفضولي حق حبس الأشياء المملوكة لرب العمل ، من أجل ضمان المبالغ التي يمنحه الفصل 949 حق استرداده. وليس له ذلك إذا تدخل في أمر صاحب الحق كرها عليه ". لكنه يستطيع إزالة ما قام به خلافا لرغبة رب العمل الممتنع عن التعويض وفقا لسياق الفصل 952 من ق.ل.ع الذي نص على أنه " في جميع الحالات التي لا يلتزم فيها رب العمل بأن يدفع للفضولي ما أنفقه من المصروفات ، يسوغ لهذا الأخير أن يزيل ما أجراه من التحسينات ، بشرط أن يمكنه ذلك من غير ضرر ، أو أن يطلب من رب العمل تسليمه الأشياء التي اشتراها له إذا لم يقبلها " ، وكما يبدو فإن حق الإزالة مقيد بعدم الإضرار برب العمل ، والحكم يختلف بحسب الحالات ، وبالطبع لا عبرة بالضرر اليسير ، وعند الخلاف يكون للقضاء السلطة التقديرية في ضوء خبرة في الموضوع.

وللإشارة يسقط حق الفضولي في طلب استرجاع الصوائر عندما يباشر العمل تطوعاعلى وجه الهبة التي يعتد بها بصورة صريحة أو ضمنية ، كما يستفاد من معنى الفصل 954 من ق.ل.ع " لا يلتزم رب العمل بدفع أي مبلغ ، إذا كان الفضولي قد باشر العمل بدون قصد استرداد مايسبقه ، وهذا القصد يفترض :

  1. إذا كان العمل قد أجري برغم إرادة صاحب الحق ، ما استثناء الحالة المنصوص عليها في الفصل 948

  2. في جميع الأحوال التي يظهرفيها بوضوح من الظروف أنه لم يكن لدى الفضولي قصد استرداد تسيقاته

التزام رب العمل بتعويض الفضولي عن الضرر الذي أصابه بسبب قيامه بالفضالة

قد يصاب الفضولي بضرر خلال مباشرته العمل. ولايقوم التزام رب العمل بتعويض الفضولي عما أصابه من ضرر بسبب الفضالة على أساس أحكام الفعل الضار كما يعتقد ، وإنما على أساس الفعل النافع الذي باشره الفضولي. فبالنظر لأن الضرر الذي لحقه بسبب الفضالة يشكل أحد عناصر تكاليف الفضالة التي تفضي إلى افتقار الفضولي ، فإنه لا يشترط في التزام رب العمل بهذا التعويض أن يكون اقترف خطأ نتج عنه ما لحق الفضولي من ضرر. وهو في هذا يشبه التزام الموكل المقرر في الفقرة الأخيرة من الفصل 915 من ق.ل.ع " ومع ذلك ، فللقاضي السلطة لتقدير ما إذا كان يجب ، وفقا لظروف الحال ، منح الوكيل تعويضا ، لاسيما إذا لم تعقد الصفقة لسبب شخصي يتعلق بالموكل ، أو بسب قوة قاهرة ".

غير أن الضرر الذي يلتزم رب العمل بتعويضه هو الذي لا يستطيع الفضولي تجنبه ببذل العناية المألوفة ولم يكن ناتجا عن خطئه.

  • أحكام مشتركة بين كل من الفضولي ورب العمل

ندرس هنا كلا من أهلية الطرفين وأثر الموت والتقادم على التزامات كل منهما.

  • أهلية طرفي الفضالة :

  • أهلية الفضولي :

يتعين التمييز بين أهلية الفضولي لمباشرة التصرفات القانونية وبين أهليته للقيام بالأعمال المادية.

فإذا باشر الفضولي تصرفا قانونيا ،فهو قد يعقده باسمه أويعقده باسم رب العمل.

فلو عقده باسمه لوجب أن تتحقق لديه الاهلية الكاملة لهذا التصرف ، وإلا وقع التصرف باطلا والتزم رب العمل طبقا لأحكام منع الإثراء بلا سبب.

أما لو عقده باسم رب العمل ، هو يأخذ حكم الوكيل ، بحيث تكفي فيه أهلية الإدارة ببلوغ سن التمييز وسلامة قواه العقلية وعدم الحجر عليه لجنون أو سفه أو عته. وهذا ما نص عليه الفصل 880 من ق.ل.ع بقوله "...ولا تلزم نفس الأهلية في الوكيل ، حيث يكفي أن يكون متمتعا بالتمييز وبقواه العقلية ، ولو لم تكن له صلاحية إجراء التصرف في حق نفسه، فيسوغ للشخص أن يجري باسم الغير ما لا يستطيع أن يجريه بالأصالة عن نفسه ".

وإذا باشر الفضولي عملا ماديا ، فيشترط أن تتحقق لديه نية العمل لفائدة رب العمل ، وبالتالي يكفي فيه أن يكون مميزا ، وذلك مع العلم أن كل الأعمال التي يقوم بها الفضولي ، ولو كانت تصرفات قانونية معقودة باسمه أو باسم رب العمل ، تعتبر في مواجهة هذا الأخير من قبيل الأعمال المادية.

  • أهلية رب العمل

لا تشترط الأهلية ولا التمييز عند رب العمل ، الذي تلزمه أحكام الفضالة ولو لم يبلغ سن التمييز أو الرشد ، أو بلغ هذا السن الأخير وكان محجورا عليه لجنون أو سفه أو عته. والسر في ذلك أن الالتزامات التي تفرضها الفضالة تجاه الفضولي لا تستند إلى الإرادة أو العمل القانوني.

ويسري هذا الحكم حتى لو عقد الفضولي تصرفا قانونيا لحساب رب العمل ، بحيث لا تشترط في هذا الأخير أية أهلية ولا تمييز مادام يخضع لنيابة قانونية ، يفرضها القانون عند تحقق ظروف وشروط معينة لا تشمل إرادته.

يستثنى فقط حالة ما إذا أراد رب العمل أن يقر عمل الفضولي ، حيث يلزم لصحة إقراره أن يكون متوفرا على الأهلية المطلوبة لكل عمل مما يتضمنه الإقرار.

  • أثر الموت على التزامات طرفي الفضالة

ندرس بهذا الخصوص مدى تأثر الفضالة بموت كل من الفضولي ورب العمل.

  • مدى تأثر الفضالة بموت الفضولي

جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 957 من ق.ل.ع " موت الفضولي ينهي الفضالة ، وتخضع التزامات ورثته لأحكام الفصل 941 ". كما جاء في الفصل المحال عليه " في حالة موت الوكيل ، يجب على ورثته ، إن كانوا على علم بالوكالة أن يبادروا بإعلام الموكل به. كما أنه يجب عليهم أن يحافظوا على الوثائق وغيرها من المستندات التي تخص الموكل. ولا يسري هذا الحكم على الورثة ، إن كانوا قاصرين ، طالما لم يعين لهم وصي "

من ثم فبموت الفضولي تنقضي الفضالة كما تنقضي الوكالة بموت الوكيل ، لكن انقضاء الفضالة بموت الفضولي لا يعدم الإلتزامات التي كانت مترتبة على عاتق كلا الطرفين.

فالتزامت رب العمل تستمر في ذمته ، بحيث ينتقل عقب موت الفضولي استيفائها إلى ورثته ، فيحق لهم مطالبة رب العمل بالنفقات والتعويضات التي كانت مستحقة لمورثهم.

أما التزامات الفضولي ، فما لا يقتضي منه عملا شخصيا يستمر في تركته ويتعين تنفيذه في حدود ما خلف من أموال. أما ما يقتضي منه عملا شخصيا كالإستمرار في العمل الذي شرع فيه وبذله عناية الشخص العادي ، فإنه ينقضي بموته.

كما يتعين على ورثة الفضولي متى كانوا عالمين بالفضالة أن يبادروا بإخبار رب العمل بواقعة الوفاة ، وأن يحافظوا على ما بأيديهم من الأشياء والوثائق التي تخصه. أمت عند تخلف علمهم او كونهم قاصرين لم يعين بعد نائبهم الشرعي فلا حرج عليهم.

ويسأل ورثة الفضولي مسؤولية المودع عنده عما بحوزتهم لرب العمل ، كما في العلاقة بين الوكيل والموكل ، فهم خلفه العام ، والخلف العام يحل محل سلفه. جاء في الفصل 909 من ق.ل.ع " الوكيل مسؤول عن الأشياء التي يتسلمها بمناسبة وكالته ، وفقا لأحكام الفصول 791 و 792 و 804 و 813 ". والفصل 229 ـ فقرة أولى ـ من ق.ل.ع أورد " تنتج الإلتزامات أثرها ين المتعاقدين فحسب ، ولكن أيضاين ورثتهما وخلفائهما ، مالم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الإلتزام أو عن القانون، ومع ذلك ، فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم ".

وللإشارة يأخذ وارث الفضولي حكم المودع عنده لو أقدم على تفويت الأشياء المنقولة المملوكة لرب العمل ، الذي يحق له كمودع أن يختار بين أحد الأمرين : الإسترداد من الغير ولو حصل التفويت بحسن نية بين الوارث والغير ، أو الرجوع بالقيمة على الوارث المفوت. وهذا ما أجمله الفصل 811 من ق.ل.ع بقوله " إذا فوتوارث المودع عنده ، بحسن نية ، الشيء المودع عى سبيل المعاوضة أو التبرع ، كان للمودع أن يسترده من بين يدي المفوت إليه ، مالم يفضل الرجوع بقيمته على الوارث المفوت. ويلتزم الوارث أيضا بالتعويضات إن كان سيء النية " ، وعندما يكون الوارث المفوت أو الغير سيء النية ، فهو يخضع إضافة للإسترداد أو الرجوع بالقيمة للتعويض و المتابعة الزجرية عند الإقتضاء.

  • مدى تأثر الفضالة بموت رب العمل

وقفا للفصل 929 من ق.ل.ع تنقضي الوكالة بموت الموكل أو الوكيل ، وذلك لأنها رابطة اتفاقية تستند إلى الثقة الشخصية ، فلا مجال لاستمرارها عقب وفاة هذا الطرف أو ذاك.

أما الفضالة فلا تستند إلى اتفاق ، ولا تتأسس على اختيار من قبل رب العمل ولا على ثقته في شخص الفضولي ، وإنما تنشأ بعمل إرادي يباشره الفضولي وحده ، من ثم فهي لا تنقضي بوفاة رب العمل ، بحيث نص الفصل 957 من ق.ل.ع على انقاء الفضالة بموت الفضولي ولم ينص على انقضائها بموت رب العمل.

وعليه فلو توفي رب العمل فإن التزاماته تبقى عالقة بتركته ، ويتعين على ورثته أن يسددوها إلى الفضولي من محصول هذه التركة. كما يظل الفضولي ملتزما تجاه الورثة بالإستمرار في العمل الذي شرع فيه وببذل عناية الشخص العادي ، وبإرجاع ما استولى عليه وبتقديم الحساب بخصوص إدارته . وعلاوة على ذلك يلتزم بإخطار الورثة بالفضالة كي يبادروا إلى القيام بالعمل بأنفسهم.

  • تقادم الإلتزامات المترتبة عن الفضالة

يخلو ق.ل.ع من أية أحكام خاصة بتقادم الإلتزمات المترتبة عن الفضالة ، لذلك فالمرجع هو الأحكام العامة التي تقضيبتقادم عموم الإلتزامات بمضي خمس عشرة سنة تحتسب في موضوع الفضالة من يوم حصول واقعة التفضل طبقا للفضل 387 من ق.ل.ع

تعليقات

التنقل السريع