أثار العقد بالنسبة للأشخاص
الإطار الخاص بالموضوع:
يرتب العقد الصحيح المستجمع لكافة أركان انعقاده جميع أثاره التي قصدها المتعاقدان، أي أن له قوة ملزمة لأطرافه.
غير أن هذه القوة ليست مطلقة بالنظر لأشخاصه بل هي نسبية ؛ حيث لا يسري العقد إلا بالنسبة للمتعاقدين ومن في حكمهم، ولا ينفذ في وجه الغير إلا على سبيل الاستثناء.
وإذا كان الأصل أن تنصرف أثار العقد إلى المتعاقدين ومن يمثلانهم في العقد كخلف عام ودائنين، فإنه قد يحصل أن حتى غير الأشخاص المذكورين في العقد المبرم تسري في حقهم أثاره وذلك في حالات خاصة اقتضتها طبيعة المعاملات، وتبناها المشرع كما في الالتزام عن الغير أو الاشتراط لمصلحة الغير .
ولعل من القواعد الكلية، أن العقد ينتج أثاره بين المتعاقدين وهو شريعة لهما. وكذلك من القواعد الكلية، أن العقد لا ينصرف أثره إلى الغير إلا على وجه استثنائي. ما يدفعنا لتناول أثار العقد بين المتعاقدين، وأثار العقد بالنسبة للغير
وتبرز أهمية الموضوع؛ في الوقوف عند أهم الأثار التي رتبها مشرع قانون الالتزامات والعقود عن قيام العقد الصحيح بالنسبة للأشخاص؛ إن المتعاقدين بدرجة أولى، أو من في حكمهم من خلف عام ودائنين، وحتى الغير في الحالات الخاصة التي سمح بها القانون كما في الالتزام عن الغير أو في الاشتراط لمصلحة الغير.
وعليه نطرح الإشكالية الأتية: كيف نظم المشرع الأحكام الخاصة بأثار العقد بالنسبة للأشخاص بين المبدأ؛ أي بالنسبة للمتعاقدين ومن في حكمهم، والاستثناء؛ أي بالنسبة للغير المشترط لصالحه أو المتعهد عنه ؟؟
ومنه نسوغ التصميم الأتي:
المطلب الّأول: أثار العقد في مواجهة أطرافه ومن في حكمهم
الفقرة الأولى: أثار العقد بالنسبة للمتعاقدين
أولا: العقد شريعة المتعاقدين
ثانيا: تنفيذ التعهد بحسن نية
ثالثا: التزام المتعاقدين بكل ملحقات الالتزام التعاقدي
الفقرة الثانية، أثار العقد في مواجهة من في حكم المتعاقدين
أولا: أثار العقد في مواجهة الخلف العام
ثانيا: أثار العقد في مواجهة الخلف الخاص
ثالثا: أثار العقد في مواجهة الدائنين
المطلب الثاني: أثار العقد في مواجهة الغير
الفقرة الأولى: الاشتراط لمصلحة الغير
أولا: أحكام الاشتراط لمصلحة الغير
ثانيا: أثار الاشتراط لمصلحة الغير
الفقرة الثانية: التعهد عن الغير
أولا: أحكام التعهد عن الغير
ثانيا: أثار التعهد عن الغير
المطلب الأول: أثار العقد في مواجهة أطرافه ومن في حكمهم
لئن كانت القاعدة والأصل أن جميع الحقوق والالتزمات التي يرتبها العقد تسري في مواجهة المتعاقدين، فإن المتعاقد قد يخلف حقوقا او التزامات مالية عقب وفاته، وقد يفوت ماله خلال حياته؛ ومنه تنصرف أثار العقد أيضا إلى من يخلف العاقد خلافة عامة بواسطة الإرث أو الوصية، وإلى من يخلفه خلافة خاصة في حدود المال الذي أل إليه وبشروط معينة. إضافة إلى هذا إن دائني المتعاقد يتأثرون بعقوده بصفة غير مباشرة، لأنهم أصحاب ضمان عام على أموال المدين، لذلك يستفيدون أو يتضررون بما يطال هذا الضمان زيادة أو نقصانا.
وعليه فإننا في هذا المطلب سنوضح مليا أثار العقد في مواجهة العاقدين، ومن في حكمهم
الفقرة الأولى: أثار العقد في مواجهة العاقدين
يقصد بالمتعاقدين؛ الأشخاص الذين كانوا طرفا في العقد طرفا في العقد بأشخاصهم أو بمن يمثلهونهم، حيث ينتج العقد أثاره إزاءهم.
ولعل أثار العقد يمكن إجمالها في القواعد التالية؛ وهي العقد شريعة المتعاقدين، ضرورة تنفيذ المتعاقدين العقدد بحسن نية، التزام المتعاقدين لا بما صرح به في العقد بل بكل ملحقات الالتزام التعاقدي.
أولا: العقد شريعة المتعاقدين
عبر المشرع في قانون الالتزامات والعقود عن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين في الفصل 230 منه بقوله: "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما مع أو في الحالات المنصوص عليها في القانون".
ومبنى هذه القاعدة؛ أن المتعاقدين ملزمان باحترام العقد الذي أبرماه فلا تستطيع إرادة واحدة أن تهدم بمفردها العقد (إلا استثناءا في حالات بوجود نص خاص)، بل حتى القاضي ملزم بتطبيقه ولا يستطيع الانحراف عنه، الذي يترتب عنه أن العقد لا يمكن نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون.
ويترتب عن ذلك:
الأصل: أن الأطراف باتفاق بينهما يمكن لهما إنهاء العقد أو تعديله؛ إذ بوسع الطرفين نقض العقد بالاتفاق فيما بينهما، إذ لهما بعد أن أبرما عقدا أن يتحللا منه بإرادتهما؛ وهذا ما يسمى بالإقالة الاختيارية التي تكون سببا لانقضاء الالتزامات التعاقدية حسب الفصل 393 " تنقضي الالتزامات التعاقدية، إذا ارتضى المتعاقدان عقب إبرام العقد، التحلل منها وذلك في الحالات التي يجوز فيها الفسخ لمقتضى القانون"، ويترتب عليها عودة المتعاقدين إلى الحالى التي كانا عليها وقت إبرام العقد حسب الفصل 397 "يترتب على الإقالة عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها وقت إبرام العقد. ويجب على المتعاقدين أن يرجع كل منهما للأخر ما أخذه منه بمقتضى الالتزام الذي وقعت فيه الإقالة"
كما بوسع الطرفين؛ بعد إبرامهما اتفاقا ما أن يعدلا في هذا الاتفاق ما أرادا. وإذا ما جرت هذه التعديلات فور إبرام العقد، فإنها لا تعتبر عقدا جديدا وإنما تعتبر جزءا من الإتفاق الأصلي وذلك مالم يصرح بخلافه، حسب الفصل 19 "والتعديلات التي يجريها الطرفان بإرادتهما على الاتفاق فور إبرامه لا تعتبر عقدا جديدا بل جزءا من الاتفاق الأصلي ما لم يصرح بخلافه".
الاستثناء: إنهاء العقد من طرف أحد المتعاقدين وذلك بنص القانون؛ فالمشرع يجيز في بعض العقود لأي من الطرفين أن يستقل بنقض العقد كما في:
إمكانية الموكل في إنهاء الوكالة متى شاء؛ وهو ما تقرر بالفصل 931 "للموكل أن يلغي الوكالة متى شاء، وكل شرط مخالف يكون عديم الأثر، بالنسبة إلى المتعاقدين وإلى الغير على حد سواء"
إمكانية الوكيل في التنازل عن وكالته بعد إخطار الموكل، وهو ما نص عليه الفصل 929 بقوله "تنتهي الوكالة: رابعا، بتنازل الوكيل عن وكالته"
حق المودع في عقد الوديعة استرداد الشيء المودع متى أراد، وهو ما تقرر بالفصل 794 "لا يجوز للمودع عنده أن يجبر المودع على استرداد الوديعة قبل الأجل المتفق عليه، ما لم تدعه إلى ذلك مبررات خطيرة. ولكن يجب عليه أن يرد الوديعة للمودع بمجرد أن يطلب هذا منه ردها ولو كان الاتفاق قد حدد أجلا معينا لرد الوديعة" .
حق الوديع/المودع عنده متى لم يحدد أجل لرد الوديعة أن يردها في أي وقت شاء، وهو ما تقرر بالفصل 796 "إذا لم يحدد لرد الوديعة أجل، كان للمستودع أن يردها في أي وقت شاء، بشرط ألا يحصل منه ذلك الرد في وقت غير لائق، وبشرط أن يمنح المودع أجلا كافيا لاسترداد وديعته أو لاتخاذ ما تقتضيه الظروف من إجراءات" .
عموما فإنه لابد في نقض العقد بإرادة منفردة من وجود نص قانوني يجيز ذلك، أما متى انتفى مثل هذا النص، فيجب الرجوع إلى القاعدة العامة القائلة بعدم جواز إقالة العقد او تعديله إلا برضاء المتعاقدين معا.
ثانيا: وجوب تنفيذ المتعاقدان العقد بحسن نية
أوجب المشرع أن تنفذ الاتفاقات بحسن نية، معبرا عن ذلك في مطلع الفصل 231 بقوله: "كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية"
وحسن النية يقتضي من المتعاقد أن يختار في تنفيذ العقد الطريقة التي تفرضها الاستقامة والنزاهة في التعامل؛ ويستحضرنا في ذلك مثال الفصل 244 حيث قرر المشرع أنه إذا باع شخص شيئا لم يعين إلا بنوعه، فلا يكون ملزما بأن يعطي ذلك الشيء من أحسن نوعه، ولكنه لا يستطيع أن يعطيه من أردئه .
ولعل حسن النية في بعض العقود يقتضي أن يقوم تعاون بين المتعاقدين في تنفيذ العقد، بحيث يجب على كل منهما الاعتداد بما يفرضه عليه هذا التعاون؛ وهو ما قرره المشرع في فصول عديدة من الكتاب الثاني في قانون الالتزامات والعقود الذي عني بمختلف العقود المسماة وفي أشباه العقود من قبيل:
في عقد البيع؛ إذا واجهت المشتري دعوى بسبب المبيع، وجب عليه أن يخطر البائع بها فورا؛ وهو ما تقرر بالفصل 537 "إذا وجهت على المشتري دعوى بسبب الشيء المبيع، وجل عليه أن يعلم البائع بدعوى الاستحقاق، عند تقديم المدعي البينة على دعواه". وإذا اكتشف المشتري عيبا في المبيع: وجب عليه أن يعمل فورا على إثبات حالته وذلك بحضور الطرف الأخر، وهو ما تقرر بالفصل 554 "إذا ظهر عيب في المبيع، وجب على المشتري أن يعمل فورا على إثبات حالته بواسطة السلطة القضائية أو بواسطة خبراء مختصين بذلك مع حضور الطرف الأخر أو نائبه إن كان موجودا في المكان، فإذا لم يقم المشتري بإثبات حالة المبيع على وجه سليم، تعين عليه أن يثبت أن العيب كان موجودا فعلا عند تسلمه المبيع."
في عقد الإيجار؛ يجب على المستأجر أن يبادر إلى إخطار المؤجر بكل واقعة تستوجب تدخله، وهو ما تقرر بالفصل 674 بنصه على "يجب على المكتري، أن يخطر المالك بدون إبطاء بكل الوقائع التي تقتضي تدخله سواء تعلقت بالإصلاحات المستعجلة أم باكتشاف عيوب غير متوقعة، أم حصول غصب، أم بإدعاء ملكية، أو غيرها من الحقوق العينية أم بالأضرار الحاصلة بفعل الغير. وإن لم يقم بذلك الإخطار وجب عليه التعويض."
على أن التزام المتعاقد بمراعاة حسن النية في تنفيذ العقد التزام يفرضه العقد نفسه. فإذا اخل بهذا الالتزام وقع تحت طائلة المسؤولية العقدية.
ثالثا: التزام المتعاقدين لا بما صرح به في العقد بل بكل ملحقات الالتزام التعاقدي
أوضح المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 231 أن المتعاقد "لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته."
ولعل لهذه القاعدة تطبيقات عديدة في الكتاب الثاني من قانون الالتزمات والعقود سيما في عقد البيع، وسنستعرض بعض النصوص التي توجب أن العقد لا يكون مقتصرا على ما صرح به، بل أيضا بملحقاته:
بيع الأرض؛ حيث قرر الفصل 517 أن البيع "يشمل ما يوجد فيها من مباني وأشجار، كما يشمل المزروعات التي لما تنبت، والثمار التي لما تعقد"
بيع البناء؛ حيث قرر الفصل 518 أنه "يشمل الأرض التي أقيم عليها، كما يشمل ملحقاته المتصلة به اتصال قرار كالأبواب والنوافذ والمفاتيح التي تعتبر جزءا متمما للأقفال. ويشمل كذلك الأريحة والأدرج والخزائن المثبتة فيه، وأنابيب المياه والمواقد المثبتة بجدرانه"
بيع العقار؛ حيث نص الفصل 519 أنه "يشمل كذلك الخرائط والمصروفات، والحجج والوثائق المتعلقة بملكيته"
بيع الحيوان؛ حيث نص الفصل 523 أنه "يشمل: 1. صغيره الذي يرضعه، 2.الصوف أو الوبر أو الشعر المتهيئ للجز"
بيع الأشجار؛ حيث قرر الفصل 524 أنه "يشمل الأرض القائمة عليها، كما يشمل ثمارها التي لم تعقد."
في عقد الإيجار؛ نص الفصل 638 أنه "يلتزم المكري بتسليم العين وملحقاتها"
فمن هذه الأمثلة جميعا يتضح أن الطرفين المتعاقدين لا يلزمان بما يصرح به في العقد فحسب، إنما يمتد التزامهما ليشمل سائر المستلزمات التي يقررها القانون أو العرف أو العدالة وفقا لما تقتضيه طبيعة الالتزام التعاقدي.
الفقرة الثانية: أثار العقد في مواجهة من في حكم المتعاقدين
لعل الأثار التي يرتبها العقد قد لا تقتصر على أطراف العقد، وتنصرف بذلك إلى من يخلف العاقد سواء الخلف العام (أولا)، و الخلف الخاص (ثانيا)، ثم قد تنصرف إلى دائني المتعاقد (ثالثا) .
أولا: أثار العقد في مواجهة الخلف العام
عرض المشرع لأثار العقد بالنسبة للخلف العام في الفصل 229 حيث قرر؛ "تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب، ولكن أيضا بين ورثتهما وخلفائهما ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام أو عن القانون. زمع ذلك فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم. وإذا رفض الورثة التركة لم يجبروا على قبولها ولا على تحمل ديونها وفي هذه الحالة ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم".
فبمقتضى هذا النص القاعدة هي أن أثر العقد ينصرف إلى الخلف العام، مع عدم الإخلال بقواعد الميراث، على أن لهذه القاعدة استثناءات ترد عليها لا يسري فيها أثر العقد على الخلف العام.
1: القاعدة العامة؛ إنصراف أثر العقد إلى الخلف العام مع عدم الإخلال بقواعد الميراث
لعل المشرع حينما قرر إنصراف أثر العقد إلى الورثة ربط ذلك بقبولهم التركة وبالتالي تحملهم التزاماتها. إلا أنه مع ذلك أجاز للورثة رفض قبول التركة، ومنع في هذه الحالة إجبارهم على قبولها، وحصر حق الدائنين بمباشرة حقوقهم في مواجهة التركة ليس إلا، دون أن يتحمل الورثة بأي التزام من التزاماتها.
إلا أن المشرع وتماشيا مع قواعد الميراث، جعل الورثة حتى في حالة قبولهم التركة؛ "لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم": وعليه ففي إطار هذه القواعد المتعلقة بالميراث، فإن أثر العقد ينصرف إلى الخلف العام كما لو كان هو العاقد، مع ملاحظة عدم إمكانية ترتيب الالتزامات عليه إلا بقدر ما يصيبه من الحقوق.
ولعل قانون الالتزامات والعقود قد حدد بعض الحالات التي ينصرف فيها أثر العقد إلى ورثة العاقد، ومن ذلك الأتي ذكره:
متى كان عقد السلف صوريا؛ سرى في حق الخلف العام العقد الحقيقي لا العقد الظاهر، وهو ما قرره الفصل 22 بقوله "الاتفاقات السرية المعارضة وغيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما" .
الأوراق العرفية تكون حجة بتاريخها على الخلف العام كما كانت بالنسبة لسلفه؛ وهو ما تقرر بالفصل 425 بقوله " المحررات العرفية دليل على تاريخها بين المتعاقدين وورثتهم وخلفهم الخاص حينما يعمل كل منهم باسم مدينه" .
انتقال خيار الفسخ الذي كان يتمتع به المتعاقد إلى ورثته من بعده؛ وهو ما تقرر بالفصل 115 بقوله" إذا مات المتعاقد الذي احتفظ لنفسه بخيار الفسخ قبل فوات الأجل المحدد لمباشرته، من غير أن يعبر عن إرادته، كان لورثته الخيار بين الإبقاء على العقد أو بين فسخه، خلال الوقت الذي كان باقيا لموروثهم" .
2: الحالات الاستثنائية التي لا يسري فيها أثر العقد على الخلف العام
بتمحص الفصل 229 يتضج أن أثر العقد ينحصر بالمتعاقدين وحدهما ولا يسري على الخلف العام وذلك إما احتراما لإرادة المتعاقدين أنفسهما، وإما عملا بطبيعة العقد، وإما تنفيذا لنص قانوني.
ومنه فإن هناك ثلاث حالات استثنائية أنفسهما؛
الحالة الأولى: إدارة المتعاقدين أنفسهما؛ حيث يعمد المتعاقدين إلى النص في السند المنشئ للالتزام إلى عدم إنصراف أثر العقد إلى الخلف العام، كمثلا لو اتفق الطرفان على أن الأجل الذي منحه البائع للمشتري لسداد الثمن لا يستفيد منه ورثة المشتري، حيث يكون على الورثة وفاء الثمن من التركة فورا .
الحالة الثانية: طبيعة العقد؛ فقد تأبى طبيعة العقد أن ينصرف أثره إلى الخلف العام، ومن ذلك مثلا عقد الإيراد المرتب لمدى الحياة أو الإيراد العمري فمن طبيعته يتبين أن الحق الناشئ عنه ينقضي بموت الدائن الذي رتب له الإيراد وأنه لا ينتقل بالتالي إلى الخلف العام لهذا الدائن. كذلك في الحالة التي تكون شخصية المدين محل اعتبار خاص في العقد، فلا ينصرف أثر عقده إلى ورثته وينقضي التزامه بموته .
الحالة الثالثة: نص القانون؛ فقد ينص القانون نفسه على عدم سريان أثر العقد على الخلف العام، كما في الأمثلة التالية:
أ: انتهاء عقد الوكالة؛ حيث قرر الفصل 929 "تنتهي الوكالة : -خامسا؛ بموت الموكل أو الوكيل"
ب: انتهاء عقد الشركة؛ كما قرر ذلك الفصل 1051 "تنتهي الشركة: -رابعا؛ بموت أحد الشركاء أو بإعلان فقده قضاء أو بالحجر عليه، ما لم يكن قد وقع الاتفاق على استمرار الشركة مع ورثته" .
ثانيا: أثار الالتزامات بالنسبة للخلف الخاص
تطبيقا لقاعدة "نسبية أثار العقود"؛ فإن الأصل هو عدم سريان أثار العقد الذي سبق إبرامه من طرف السلف في مواجهة الخلف الخاص، باعتباره طرفا أجنبيا عن الرابطة العقدية فهو يظل غيرا لا ينتفع ولا يتضرر من الحقوق والالتزامات المترتبة عن هذه الرابطة. لكن ترد على هذا المبدأ عدة استثناءات قرر من خلالها المشرع بنصوص خاصة لاسيما في الكتاب الثاني من ق.ل.ع تأثر الخلف الخاص بالحقوق والالتزامات المترتبة عن عقد سبق إبرامه من طرف السلف؛ من بينها:
حالة الفصل 672 : إذ يحق للمكري رفع دعوى مباشرة في مواجهة المكتري الفرعي في كل الحالات التي تثبت له في مواجهة المكتري الأصلي، وذلك ناهيك عن حقه في الرجوع على هذا الأخير، ويجوز للمكتري الأصلي دائما التدخل في الدعوى. أيضا يحق للمكري رفع دعوى مباشرة ضد المكتري لإرغامه على إرجاع العين عند انتهاء الأجل المعين .
حالة الفصل 694 : حيث لا ينتهي عقد الكراء بالتفويت الاختياري أو الإجباري، بل يحل المالك الجديد محل من تلقى الملك عنه في كافة حقوقه والتزاماته المترتبة عن الكراء المبرم، بشرطين أن يكون له تاريخ سابق عن تاريخ التفويت، وأن لا يكون هناك غش .
حالة الفصل 780 : العمال والصناع والمستخدمين في تشييد بناء أو أي عمل أخر يقع بالمقاولة لهم الحق في رفع دعوى مباشرة في مواجهة من أجري الصنع لفائدته، وذلك في حدود المبالغ التي يكون ملتزما بها للمقاول عند إجراء أحدهم حجزا صحيحا عليها وما يلتزم به له عقب هذا الحجز .
ثالثا: أثر العقد بالنسبة للدائنين
منح الفصل 1241 حق ضمان عام للدائن على أموال مدينه فقرر؛ "أموال المدين ضمان عام لدائنيه ويوزع ثمنها عليهم بنسبة دين كل واحد منهم"
وما دامت أموال المدين تعتبر الضمان العام للدائنين، كان من الطبيعي أن يتّأثر الدائن بالعقود التي يعقدها مدينه، وذاك بطريق غير مباشر من حيث أن هذه العقود قد تزيد أو قد تنقص في ضمانه العام.
ولئن كان الأصل أن للمدين كامل الحرية في التصرف في أمواله ولو بطريق التبرع، فإنه وضمانا لحقوق الدائن، خوله المشرع عادة بعض الوسائل التي من شأنها أن تكفل حمايته من تصرفات المدين الضارة.
ولعل من هذه الوسائل التي أقرها المشرع:
الدعوى الصورية: في حالة ما إذا أبرم المدين عقدا صوريا أو أي تصرف يلحق الضرر بالدائن جاز لهذا الأخير أن يطعن فيه بالصورية، كأن يكون المدين قد أقدم على تهريب كل أو بعض أمواله بعقد وهمي، فيجوز إذاك للدائن أن يطعن بهذا العقد ويعيد الأموال المتصرف بها وهما إلى ذمة مدينه المالية لتبقى داخلة في الضمان وهو ما يفهم من مقتضى الفصل 22.
أيضا من أهم هذه الوسائل حق حبس المال؛ فالدائن له الحق في حبس ما في حوزته من أموال للمدين حتى استيفاء ما هو مستحق له قبل هذا المدين، وهو ما تقرر بالفصل 291 .
الدعوى المباشرة: حيث قررها المشرع بنصوص خاصة متعت الدائن بحق الحلول محل المدين في مباشرة دعوى مباشرة بهدف استخلاص ديونه المستحقة على الغير، وأهم مثال حالة الفصل 780 "للعمال والصناع المستخدمين في تشييد بناء أو أي عمل أخر يقع بالمقاولة الحق في إقامة دعوى مباشرة ضد من أجري الصنع لصالحه، في حدود المبالغ التي يكون ملتزما بها للمقاول عند إجراء أحدهم حجزا صحيحا عليها وما يلتزم به له بعد هذا الحجز، ولهم حق الامتياز على هذه المبالغ بنسبة دين كل واحد منهم. ويجوز لرب العمل أن يدفع لهم هذه المبالغ مباشرة، إذا صدر بذلك حكم القاضي..." .
المطلب الثاني: أثار العقد في مواجهة الغير
لعل المقصود بالغير في هذا المقام؛ الأجانب عن أطراف العقد ومن في حكمهم، أي كل الأشخاص الذين ليسوا طرفا فيه، ولا خلفا عاما أو خاصا لأحد المتعاقدين، ولا دائنا لأيهما.
فتطبيقا لقاعدة نسبية أثار العقود والاتفاقات المبدأ العام؛ أن أثار العقد من حقوق والتزامات لا تنصرف إلى الغير، وهذا الشخص الأجنبي عن حلقة المتعاقدين هو من قصده المشرع عندما أعلن في الفصل 33 أنه "لا يحق لأحد أن يلزم غيره، ولا أن يشترط لصالحه إلا أذا كانت له سلطة النيابة عنه بمقتضى وكالة أو بمقتضى القانون". وهو من قصده كذلك عندما صرح في الفصل 228 أن "الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون".
ولئن كانت القاعدة هي أن الغير لا يصبح دائنا ولا مدينا بعقد يبرمه متعاقدان آخران. فإن ثمة حالات مذكورة في القانون والمشار إليها بالفصل 228 يمكن فيها؛ على وجه استثنائي، جعل الغير يكسب حقوقا أو تترتب عليه التزامات بعقد لم يكن قد اشترك فيه.
وعليه فإننا في هذا المطلب الثاني سنتعرض للحالات التي تسري فيها أثار العقد على الغير؛ حين الاشتراط لمصلحة الغير (الفقرة الأولى)، وحالة التعهد عن الغير شريطة الإقرار (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: الاشتراط لمصلحة الغير
الاشتراط لمصلحة الغير هو تعاقد يتم بين شخصين؛ المشترط والواعد/المتعهد، حيث يشترط فيه المشترط على المتعهد أن يلتزم هذا الأخير إزاء شخص أجنبي عن التعاقد وهو المنتفع، فينشأ بذلك للمنتفع حق مباشر يستطيع أن يطالب به المتعهد.
وقد خص قانون الالتزامات والعقود للاشتراط لمصلحة الغير الفصلين 34 و 35؛ حيث خص أقر مبدأ جواز الاشتراط لمصلحة الغير ونص على شروط تقتضيها طبيعته، ثم أوضح الأثار التي تترتب على الاشتراط لمصلحة الغير سواء بالنسبة للمشترط، أم للمنتفع، أم للغير.
أولا : شروط الاشتراط لمصلحة الغير
لئن كان أساس الاشتراط لمصلحة الغير هو العقد الرابط بين المشترط والمتعهد والذي يتعين أن يستجمع الأركان والشروط المتطلبة لصحة كافة العقود من أهلية الأطراف والتراضي والمحل والسبب. فإنه يتعين أن تتوافر له شروط خاصة تقتضيها طبيعته؛ وهذه الشروط هي: أن يبرم المشترط العقد باسمه، وأن توجد مصلحة شخصية للمشترط، وأن تنصرف إرادة المتعاقدين إلى إنشاء حق مباشر للمنتفع.
الشرط الأول: أن يبرم المشترط العقد باسمه؛ يجب لقيام الاشتراط لمصلحة الغير أن يتعاقد المشترط مع المتعهد باسمه لا باسم المنتفع/المستفيد. وهذا ما يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن النيابة –القانونية أو الاتفاقية- في التعاقد، إذ بمعيتها يتعاقد النائب باسم الأصيل الذي يعتبر الطرف الثاني في العقد.
أما المشترط فهو يتعاقد باسمه ولا ينوب عن المنتفع؛ ويترتب على ذلك أن لكل شخص أن يشترط لمصلحة غيره، ما دامت له مصلحة شخصية من وراء هذا الاشتراط، وله أن يرجع عن الاشتراط بمحض إرادته إذا أراد ذلك.
الشرط الثاني: أن توجد مصلحة شخصية للمشترط؛ إذ يتعين أن يثبت للمشترط سبب دافع إلى الالتزام يتمثل في المصلحة التي يسعى إلى تحقيقها من وراء الاشتراط.
ولعل مصلحة المشترط، لا يشترط فيها أن تكون مادية أي مالية، بل يجوز أن تكون أدبية أي معنوية. بل أن وجود المصلحة لدى المشترط ليس مرهونا بترتيب التزام عليه، فقد توجد المصلحة حتى لو كان المشترط لا يلزم نفسه بشيء.
على أن وجود المصلحة الشخصية للمشترط هو الذي يبرر حقه بمطالبة المتعهد بتنفيذ التزامه نحو المنتفع، حتى بعد أن يظهر المنتفع رغبته في قبول المشارطة، هذا ما لم يكن حق المطالبة بالتنفيذ قد حصر بالمنتفع وحده؛ وهو ما قرره الفصل 35 بقوله "يسوغ لمن اشترط لمصلحة الغير أن يطلب مع هذا الغير تنفيذ الالتزام ما لم يظهر منه أن طلب تنفيذه مقصور على الغير الذي أجري لصالحه"
الشرط الثالث: أن تنصرف إرادة العاقدين إلى إنشاء حق مباشر للمنتفع؛ ولعل هذا الشرط يحمل في طياته عنصرين؛
1: نية الاشتراط لمصلحة الغير
يتعين لقيام الاشتراط لمصلحة الغير أن تتجه إرادة العاقدين إلى ترتيب حق للمنتفع ينشأ مباشرة من العقد في ذمة المتعهد، بحيث لا يمر هذا الحق، قبل وصوله إليه، في ذمة المشترط. ومن ثم لا نوجد أمام اشتراط لمصلحة الغير، إذا اشترط المشترط الحق لنفسه ثم حوله للمنتفع، ولا إذا كان المتعهد قد وجه إلى الغير، تبعا لطلب المشترط، إيجابا اقترن بقبول من الغير ترتب عليه نشوء الحق له.
وتجب الإشارة إلى أنه يعود طبعا للقضاء؛ في ضوء ظروف العقد، تقرير ما إذا كانت نية الطرفين قد انصرفت إلى إنشاء حق مباشر للغير. فإذا توفرت هذه النية لدى المتعاقدين، تحقق قيام الاشتراط لمصلحة الغير وإلا فلا، لأن وجود الحق المباشر للمستفيد هو ركن أساسي في الاشتراط لمصلحة الغير.
2: تعيين المستفيد من الاشتراط
لعله وطبقا للفصل 34 من ق.ل.ع يجوز الاشتراط لمصلحة الغير ولو لم يعين وقت إبرام العقد. فالاشتراط يصح إذن لمصلحة شخص غير معين حين عقد الاشتراط، إلا ان تعيينه يبقى مستطاعا وقت أن ينتج العقد أثره.
وفي هذا الإطار نص الفصل 34 على الأتي؛ "ومع ذلك، يجوز الاشتراط لمصلحة الغير ولو لم يعين إذا كان ذلك سببا لاتفاق أبرمه معاوضة المشترط نفسه أو سببا لتبرع لمنفعة الواعد"، وبالتالي فإنه تقرر صراحة جواز الاشتراط ولو كان شخص المنتفع –طبيعيا كان أو اعتباريا- غير موجود في الحال ولكنه قابل للوجود مستقبلا عند استحقاقه الحق .
ثانيا: أثار الاشتراط لمصلحة الغير
ترتبط أثار الاشتراط لمصلحة الغير؛ بثلاثة أشخاص هم: المشترط والمتعهد والمنتفع.
ومن ثم فإن هذه الآثار تتحدد انطلاقا من ثلاث علاقات: علاقة المشترط بالمتعهد، وعلاقة المشترط بالمنتفع، وعلاقة المتعهد بالمنتفع .
العلاقة الأولى: علاقة المشترط بالمتعهد
لئن كان الطرفان (المشترط والمتعهد) يرتبطان بعقد الاشتراط الذي يستهدف تبرعا لفائدة شخص المنتفع أو معاوضة عن دين أو التزام مترتب سلفا على عاتق المشترط. فإن هذا العقد هو الذي يحكم العلاقة بينهما وهو كذلك الذي تصرف إليهما أثاره إلا ما يتعلق بالحق المشترط لمصلحة الغير .
كما تجري أحكام القواعد العامة إذا خل/قصر أحد الطرفين في تنفيذ التزاماته؛ فيحق لكل منهما المطالبة بالتنفيذ العيني عند الإمكان، أو بالمطالبة بالتعويض، كما يحق له المطالبة بالفسخ أو الدفع بعدم التنفيذ.
وبما للمشترط من مصلحة شخصية يتوقف عليها قيام الاشتراط لمصلحة الغير، فإنه يملك مراقبة تنفيذ المتعهد لالتزامه إزاء المنتفع، فإن أخل المتعهد بالتزامه جاز للمشترط أن يرفع باسمه دعوى مباشرة بذلك ما لم يظهر أن طلب الوفاء يحتكره المنتفع حصرا وهو ما ورد في الفصل 35 "يسوغ لمن اشترط لمصلحة الغير أن يطلب مع هذا الغير تنفيذ الالتزام ما لم يظهر منه أن طلب تنفيذه مقصور على الغير الذي أجري لصالحه". كما يحق للمشترط وقف تنفيذ ما أخذه على نفسه من التزامات عملا بأحكام الدفع بعدم التنفيذ الفصل 235.
بالإضافة إلى ما سبق، يحق للمشترط عند إخلال المتعهد بالتزامه نحو المنتفع أن يطلب الفسخ والتعويض وأن يدفع بعدم التنفيذ طبقا للقواعد العامة.
العلاقة الثانية: علاقة المتعهد بالمنتفع
يكتسب المنتفع من العقد المتضمن الاشتراط لمصلحته، حق دين مباشر في مواجهة المتعهد لا يتلقاه من المشترط، وإنما مصدره عقد الاشتراط.
ولعل هذه العلاقة تولد أثارا قانونية مهمة:
لا يتحتم على المنتفع/المستفيد قبول الاشتراط، بل يجوز له رفضه شريطة أن يبلغ هذا الرفض للمشترط بصفة صريحة أو ضمنية. وهو ما تقرر بالفقرة الأخيرة من الفصل 34 "ويعتبر الاشتراط كأن لم يكن إذا رفض الغير الذي عقد لصالحه قبوله مبلغا الواعد هذا الرفض"
يكتسب المستفيد حقا شخصيا ذاتيا يملكه لنفسه لا بالنيابة عن المشترط، ويجوز له عند إخلال المتعهد بالتزاماته أن يطالب بتعويض عن الأضرار المترتبة على عدم الوفاء؛ وهو ما يستشف من الفقرة الثانية من الفصل 34 بقول المشرع "وفي هذه الحالة ينتج الاشتراط أثره مباشرة لمصلحة الغير، ويكون لهذا الغير الحق في أن يطلب باسمه من الواعد تنفيذه، وذلك ما لم يمنعه العقد من مباشرة هذه الدعوى أو ما لم تعلق مباشرتها على شروط معينة".
ينتقل حق المنتفع في قبول الاشتراط إلى ورثته يستعملونه عقب وفاته، وإذا حصلت الوفاة بعد القبول حل الورثة محل سلفهم في الانتفاع بالحق موضوع الاشتراط بمفهوم الفصل 229 .
حق المتعهد أن يتمسك إزاء المنتفع بكل الدفوع المترتبة عن عقد الاشتراط كالدفع ببطلان موضوع الاشتراط لعدم مشروعية سببه (الفصل 62)، أو لاستحالة محل عقد الاشتراط (الفصل 59).
العلاقة الثالثة: علاقة المشترط بالمنتفع
لعل عماد هذه العلاقة يتجسد في الأتي:
يخول الاشتراط للمستفيد حقا بمقابل أو بدونه: استنادا إلى الفصل 34 الفقرة الأولى منه "يجوز الاشتراط لمصلحة الغير إذا كان سببا لاتفاق أبرمه معاوضة المشترط نفسه أو سببا لتبرع"، يتضح أن علاقة المشترط بالمنتفع تكون إما من قبيل التبرع وإما من قبيل المعاوضة وذلك تبعا لقصد المشترط من عقد الاشتراط.
فإذا قصد المشترط التبرع؛ اعتبر ذلك هبة غير مباشرة منه إلى المنتفع (الموهوب له) بحيث تجري هنا بصورة غير مباشرة. ولعل المشرع اشترط ضرورة التوفر على أهلية التبرع في المشترط في وقت صدور عقد الاشتراط، وما دام الأمر يتعلق بهبة فإنه يترتب عليها إعطاء المشترط في وقت صدور عقد الاشتراط حق الرجوع عن الهبة حتى بعد تصريح المنتفع برغبته في الاستفادة من المشارطة، وذلك وفقا لقواعد الرجوع عن الهبة في القانون.
وإذا قصد المشترط أن يكون الاشتراط من قبيل المعاوضة؛ فتحدد العلاقة بينه وبين المنتفع إما على أساس غرض المشترط اقراض المنتفع، أو الوفاء بدين عليه للمنتفع.
ثبوت حقوق المستفيد بقبول الاشتراط بأثر رجعي: على أنه سواء كانت طبيعة العلاقة بين المشترط والمنتفع علاقة تبرع أم كانت علاقة معاوضة، فإن حق المنتفع في الاستفادة من الاشتراط متوقف على عدم رفضه الاشتراط. ذلك أن المنتفع يتمتع بحق الخيار بين قبول الاشتراط الجاري لمصلحته، وبين رفض هذا الاشتراط.
ومتى أبدى المنتفع عن رفضه الاشتراط اعتبر الاشتراط كأن لم يكن؛ وهو ما قررته الفقرة الأخيرة من الفصل 34 "ويعتبر الاشتراط كأن لم يكن إذا رفض الغير الذي عقد لصالحه قبوله مبلغا الواعد هذا الرفض" .
وما دام مصدر حق المنتفع هو عقد الاشتراط، فإنه يترتب هذا الحق بمفعول رجعي.
الفقرة الثانية: الالتزام عن الغير شريطة الإقرار
لعل الالتزام عن الغير لا يعد سوى تطبيقا لمبدأ نسبية أثار العقد. إذ أن الغير لا يلتزم إلا إذا أقر الالتزام.
وعليه يقصد بالالتزام عن الغير شرط إقراره إياه أن يبرم شخص التزاما باسم غيره مع شخص أخر، شرط أن يقر هذا الغير الالتزام الذي أبرم بإسمه. من ثم يقتضي التعهد عن الغير وجود عقدين بين ثلاثة أطراف: الأول هو العقد الرئيسي ويربط بين المتعهد والمتعهد له. أما الثاني فيجمع بين المتعهد له والمتعهد عنه وذلك عند إقراره من طرف هذا الغير. ولعل مشرع قانون الالتزامات والعقود نظم التعهد عن الغير على شرط الإقرار في الفصول 36،37،38 .
ولتوضيح الأحكام المتعلقة بالالتزام عن الغير شريطة الإقرار، يلزم تحديد شروط قيامه (أولا)، ثم أثار التعهد عن الغير شريطة الإقرار (ثانيا).
أولا: شروط الالتزام عن الغير شريطة الإقرار
لقيام الالتزام عن الغير شريطة الإقرار لابد من توافر الشروط التالية:
الشرط الأول: أن يتعاقد المتعهد باسم غيره لا باسمه هو؛ وهو ما يستنتج من مضمون مطلع الفصل 36 "يجوز الالتزام عن الغير على شرط إقراره إياه" .
الشرط الثاني: أن يكون القصد من التعهد إلزام المتعهد بنفسه لا إلزام الغير؛ إذ الغير لا يلتزم إلا إذا أقر الالتزام؛ ولعل إقرار الغير هو أساس تمام هذا الالتزام، لذلك أجاز المشرع للطرف الأخر /المتعهد عنه أن يطلب من المتعهد له تعبيره عن إقرار الالتزام أو عن رفضه له، وهو ما تقرر بالفصل 36 بقوله "وفي هذه الحالة يكون للطرف الأخر أن يطلب قيام هذا الغير بالتصريح بما إذا كان ينوي إقرار الاتفاق."
الشرط الثالث: أن يصدر الإقرار داخل أجل معقول؛ لعل المشرع أراد أن يحدد أجل الإقرار في مدة ليست بالطويلة حتى لا يكون هناك تماطل من جانب الغير/المتعهد له، فنص بذلك في الفقرة الأخيرة من الفصل 36 على "ولا يبقى هذا الطرف ملتزما إذا لم يصدر الإقرار داخل أجل معقول، على أن لا يتجاوز هذا الأجل خمسة عشر يوما بعد الإعلام بالعقد."
الشرط الرابع: حصول الإقرار بالالتزام عن الغير بغض النظر عن صيغته؛ فالمشرع اشترط حصول الإقرار، لكن سمح بأن يعبر عنه فضلا عن التعبير صراحة، بأن يجيء ضمنيا، كما يسوغ أن يستنتج من السكوت. حيث نص في الفصل 37 "يعتبر الإقرار بمثابة الوكالة، ويصح أن يجيء ضمنيا وأن ينتج من قيام الغير بتنفيذ العقد الذي أبرم باسمه"، أيضا الفصل 38 "يسوغ استنتاج الرضى أو الإقرار من السكوت، إذا كان الشخص الذي يحصل التصرف في حقوقه حاضرا أو أعلم بحصوله على وجه سليم، ولم يعترض عليه من غير أن يكون هناك سبب مشروع يبرر سكوته."
ثانيا: أثار الالتزام عن الغير شريطة الإقرار
المبدأ القانوني في الالتزام شرط إقراره إياه، أن ذلك الغير الذي أبرم الالتزام باسمه له الحرية المطلقة في أن يرفض هذا الالتزام أو أن يقبل به.
1: بإمكان الغير رفض الالتزام المبرم باسمه: حيث يستطيع الرفض ولا حرج في ذلك لأنه غير ملزم بشيء أصلا ولا يمكن إلزامه رغم إرادته؛ ولا يترتب في هذه الحالة أي مسؤولية على الملتزم عن الغير إزاء الطرف الأخر، لان التعاقد وقع في الأصل على شرط أن يحظى بإقرار الغير المتعاقد باسمه، وأن الملتزم عن الغير لم يتعهد إزاء متعاقده بالحصول على هذا الإقرار .
2: وبإمكان الغير إقرار الالتزام الذي أبرم باسمه: إنما يجب أن يقع هذا الإقرار خلال فترة معقولة، وفي سبيل ذلك أعطى المشرع للطرف الأخر الحق في أن يطلب من الغير إعلان موقفه من الالتزام الذي أبرمه باسمه، ويتحلل هذا الطرف من التزامه إذا لم يعلن الغير عن قبوله خلال خمسة عشر يوما على الأكثر بعد حصول الإخطار بالعقد، وبهذا المعنى قرر الفصل 35 أنه في حالة الالتزام عن الغير شرط إقراره إياه "يكون للطرف الأخر أن يطلب قيام هذا الغير بالتصريح بما إذا كان ينوي إقرار الاتفاق. ولا يبقى هذا الطرف ملتزما إذا لم يصدر الإقرار داخل أجل معقول على أن لا يتجاوز هذا الأجل خمسة عشر يوما بعد الإعلام بالعقد".
ولعل إقرار الالتزام لا يشترط أن يصدر صراحة، إذ يعتد به حتى وإن حصل بصورة ضمنية، كما لو قام الغير بتنفيذ العقد الذي أبرم لحسابه؛ وهو ما تقرر بالفصل 37 في فقرته الأولى "يعتبر الإقرار بمثابة الوكالة، ويصح أن يجيء ضمنيا وأن ينتج عن قيام الغير بتنفيذ العقد الذي أبرم باسمه". أيضا يمكن استنتاج الإقرار من السكوت في الحالة التي يكون الغير حاضرا في مجلس العقد ولم يبد أي معارضة؛ وهو ما تقرر بالفصل 38 "يسوغ استنتاج الرضى أو الإقرار من السكوت إذا كان الشخص الذي يحصل التصرف في حقوقه حاضرا أو أعلم بحصوله على وجه سليم ولم يعترض عليه، من غير أن يكون هناك سبب مشروع يبرر سكوته"، على سبيل المثال لو أن بعض الشركاء على الشيوع باعوا حصصهم في مال شائع والتزموا عن شريك لهم ببيع حصته أيضا شرط إقراره ذلك، وكان هذا الشريك حاضرا مجلس العقد الذي جرى فيه الالتزام عنه ولم يعترض على تصرف شركائه بحقه، فإن سكوته هذا يعتبر إقرارا للبيع، ما لم يكن هناك سبب مشروع يبرر هذا السكوت، كأن يكون عرضة للتهديد والوعيد إن هو اعترض واضطر أن يلتزم السكوت تحت وطأة الإكراه، فلا يعتد عندها بسكوته.
3: الأثر الرجعي للإقرار يبقى محصورا فيما بين المقر والمتعاقد الأخر: ومن ثم ينتج أثره في حق المقر فيما يرتبه له أو عليه من تاريخ إبرام التصرف الذي حصل إقراره، ما لم يصرح بخلاف ذلك، أما في مواجهة الغير فلا يكون للإقرار أثر إلا من تاريخ حصوله، وهو ما أكده المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 37 "وينتج الإقرار أثره في حق المقر فيما يرتبه له وعليه من وقت إبرام العقد الذي حصل إقراره ما لم يصرح بغير ذلك، ولا يكون له أثر تجاه الغير، إلا من يوم حصوله" .
تعليقات
إرسال تعليق