القائمة الرئيسية

الصفحات

 اتحاد الذمة


اتحاد الذمة


يتحقق اتحاد الذمة إذا اجتمع في شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة إلى دين واحد. فإذا ورث الدائن المدين أو ورث المدين الدائن ، أو تحقق أي سبب قانوني آخرر غير الميراث نقل إلى الدائن صفة المدين أو إلى المدين صفة الدائن ، واجتمع بذلك في شخص واحد صفتا الدائن والمدين ، فتعذر على هذا الشخص أن يمارس حقه إذ هو دائن ومدين فلا يستطيع أن يطالب نفسه بالدين ، انقضى الدين ، أو في الصحيح وقف نفاذه لهذا الضرب من الشلل الذي اعتراه.

ويقين من ذلك أن هناك فرقا جوهريا بين اتحاد الذمة والمقاصة. ففي اتحاد الذمة لا يوجد إلا دين واحد اجتمع في أحد طرفيه صفتا الدائن والمدين فوقف نفاذه ، أما في المقاصة فيوجد دينان لا دين واحد وهما دينان متقابلان ينقصيان معا بالمقاصة. وعى ذلك يوجد في المقاصة شخصان ، دائن هو مدين ومدين هو دائن. وفي اتحاد الذمة لا يوجد إلا شخص واحد ، هو دائن ومدين.

وقد عرض المشرع لاتحاد الذمة كسبب من أسباب انقضاء الإلتزام في الباب السادس من القسم السادس المخصص لانقضاء الإلتزامات من الكتاب الأول من قانون الإلتزامات والعقود المتعلق بمصادر الإلتزامات وذلك في الفصلين 369 و 370.

وقد عرف المشرع اتحاد الذمة في الفقرة الأولى من الفصل 369 من ق.ل.ع بقوله " إذا اجتمعت في شخص واحد صفة الدائن والمدين لنفس الإلتزام ، نتج اتحاد في الذمة يؤدي إلى انتهاء علاقة دائن بمدين ". ثم بين حالاته ، و أوضح الآثار التي تترتب على هذا السبب من أسباب انقضاء الإلتزامات.

فما هي حالات اتحاد الذمة ، وما هي الآثار التي تترتب عليه ؟

المحور الأول : حالات اتحاد الذمة

إن اتحاد الذمة يتحقق عمليا أكثر ما يتحقق عن طريق الإرث أو الوصية. ولكنه يمكن أن يحصل كذلك عن طريق التصرفات القانونية بين الأحياء.

أولا : اتحاد الذمة عن طريق الإرث

فاتحاد الذمة يتحقق عن طريق الإرث فيما إذا توفي الدائن وكان المدين هو الوارث الوحيد للدائن أو كان هو احد ورثته : فإذا كان المدين هو الوريث الوحيد للدائن انتقل إليه الدين بالكامل مع سائر عناصر التركة وتجمعت في شخصه صفتا الدائن والمدين وانقضى بذلك الدين كله عن طريق اتحاد الذمة. وإذا كان المدين هو أحد ثلاثة ورثة ورث كل منهم ثلث التركة ، فإن الدين ينتقل إليه في حدود الثلث وتتجمع صفتا الدائن والمدين في شخصه ضمن هذه الحدود فينقضي دينه بهذا القدر ويبقى ملتزما بثلثي الدين تجاه التركة.

وفي التقنينات الغربية ولاسيما في التقنين الفرنسي ، يمكن أن يتحقق اتحاد الذمة عن طريق الإرث أيضا ، فيما إذا توفي المدين ، وكان الدائن هو الوارث الوحيد للمدين أو كان هو أحد ورثته وقبل الميراث دون قيد. أما في المغرب ، فإن مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحكم نظام الإرث لا تدع مجالا لوقوع اتحاد الذمة في مثل هذه الحالة ، لأن من مقتضيات هذه المبادئ أن لا تركة قبل سداد الديون الامر الذي يتحتم معه أن يتقاضى الدائن دينه من تركة مورثه المدين ثم يرث صافي هذه التركة ، أي التركة خالية من الإلتزامات التي كانت مترتبة عليها. ففي الشريعة الإسلامية ينقضي إذن دين الدائن قبل مورثه المدين بطريق الوفاء لا بطريق اتحاد الذمة.

ثانيا : اتحاد الذمة عن طريق الوصية

يتحقق اتحاد الذمة عن طريق الوصية كأن يوصي الدائن لمدينه ، بالدين الذي له في ذمته كله أو بجزء منه ، أو كأن يوصي الدائن بجزء شائع من التركة إلى مدينه.

فإذا أوصى الدائن بدينه كله أو بجزء منه إلى مدينه ، فإن المدين الموصى له يصبح دائنا في نفس الدين بحكم الوصية وتتجمع في شخصه صفتا الدائن والمدين ، وينقضي بذلك الدين كله أو في حدود الجزء الموصى به عن طريق اتحاد الذمة.

ولا يتصور أن يوصي المدين بدينه للدائن لأن ما يمكن أن يوصى به هو الحق لا الإلتزام.

وإذا أوصى الدائن بجزء شائع من التركة إلى مدينه كأن يكون أوصى له بربع تركته مثلا ، فإن المدين الموصى له يصبح بحكم الوصية دائنا بربع الدين الذي كان مترتبا عليه للموصي ، فتتجمع صفتا الدائن والمدين فيه في حدود ربع الدين ، ويؤول ذلك إلى انقضاء هذا الربع باتحاد الذمة ويبقى مدينا بثلاثة أرباع الدين الباقية للتركة.

أما إذا كان المدين هو الذي أوصى بجزء شائع من التركة إلى دائنه كربعها مثلا فإن الدائن الموصى له يكون دائنا للتركة بمبلغ الدين وموصى له بربع التركة. فطبقا لقواعد الشريعة الإسلامية في الميراث ، يستوفي الدائن تمام دينه من التركة أولا ، ثم يأخذ ربع صافي التركة ، فالدين هنا ينقضي إذن عن طريق الوفاء لا عن طريق اتحاد الذمة.

ثالثا : اتحاد الذمة عن طريق التصرفات القانونية

قد يحصل أن اتحاد الذمة عن طريق التصرفات القانونية ما بين الأحياء. كأن تشتري شركة سندات قرض كانت أصدرتها حيث تتحد صفتا الدائن والمدين في شخص الشركة وتنطفئ هذه السندات عن طريق اتحاد الذمة. مثل ذلك أيضا أن يعمد المسحوب عليه الذي قبل الكمبيالة قبل استحقاقها فتصبح ملكه ، وبذلك يضحي دائنا لنفسه وينقضي الدين باتحاد الذمة.

المحور الثاني : آثار اتحاد الذمة

يمكن جمع الآثار التي تترتب على اتحاد الذمة حول القواعد التالية :

أولا : اتحاد الذمة يقضي الدين كليا أو جزئيا

إذا اتحدت الذمة في دين ما ، انقضى هذا الدين بالقدرالذي اتحدت فيه الذمة. وقد نبه المشرع إلى ذلك في الفقرة الثانية من الفصل 369 من ق.ل.ع بقوله " ويسوغ أن يكون اتحاد الذمة كليا أو جزئيا ، حسبما يكون متعلقا بالدين كله أو بجزء منه ". فإذا توفي المدين مثلا وآلت تركته بمجموعها إلى دائنه أو إذا أوصى الدائن بكامل الدين إلى مدينه كان اتحاد الذمة كليا وآل ذلك إلى انقضاء الدين كله. أما إذا توفي المدين عن عدة ورثة وكان دائنه من بين هؤلاء الورثة أو إذا أوصى الدائن بحصة شائعة من التركة إلى دائنه ، فإن اتحاد الذمة يصير جزئيا ويقتثصر على انقضاء الدين بقدر نصيب الوارث في التركة أو بقدر الحصة الشائعة التي أوصي له بها.

ثانيا : انقضاء الدين عن طريق اتحاد الذمة أقرب إلى شل طلب التنفيذ منه إلى انقضاء حقيقي

إن انقضاء الدين عن طريق اتحاد الذمة هو أقرب إلى شل طلب تنفيذ هذا الدين منه إلى انقضاء حقيقي : فالدين الذي يطاله اتحاد الذمة لا ينقضي كما ينقضي عن طريق الوفاء أو التجديد أو المقاصة حيث يزول الدين حقيقة ولا يعود له وجود ، وإنما هو يصبح غير قابل للنفاذ لقيام عقبة طبيعية تقف في وجه هذا النفاذ ، إذ اتحدت صفتا الدائن والمدين في شخص واحد وأصح من المستحيل أن يطالب هذا الشخص نفسه بالدين.

اتحاد الذمة يقتصر إذن أثره على إنهاء علاقة الدائن بالمدين وشل طلب تنفيذ الدين. ولكنه لا يحول دون الإعتداد بالدين من نواح عديدة أهمها النواحي التالية :

  • يعتد بالدين ، رغم انقضائه باتحاد الذمة ، في حساب الضريبة المترتبة على التركة وفي حساب نصاب الثلث المسموح بالوصية به طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، كما يعتد به من حيث تحديد حصة كل وارث في التركة أو حصة الموصى له بجزء شائع منها.

  • إذا اتحدت ذمة الكفيل والدائن بأن مات الدائن وورثه الكفيل ، فإن التزام الكفيل ينقضي باتحاد الذمة ولكن الدين الأصلي لا ينقضي بل يبقى مترتبا في ذمة المدين تجاه الدائن ويكون من حق الكفيل ، الذي أصبح هو الدائن ، أن يطالب المدين بوفاء هذا الدين.

  • إذا اتحدت ذمة الكفيل والمدين الأصلي بأن مات المدين وورثه الكفيل أو مات الكفيل وورثه المدين ، انقضت الكفالة. ومع ذلك إذا كان لهذا الكفيل كفيل ، فإن التزام كفيل الكفيل يبقى قائما بالإستناد إلى التزام الكفيل رغم انقضاء التزام الكفيل باتحاد الذمة ، كما أن الضمانات التي كان حصل عليها الدائن لضمان الوفاء التزام الكفيل تستمر قائمة وذلك رغم انقضاء الكفالة. وقد نص المشرع صراحة على هذا الحكم في الفقرة الثانية من الفصل 1156 بقوله " اتحاد الذمة الحاصل بين المدين الأصلي وبين الكفيل عندما يرث أحدهما الآخر ، ينهي الكفالة ، ولا يبقى إلا الإلتزام الأصلي. غير أن الدائن يحتفظ بدعواه ضد كفيل الكفيل ، كما يحتفظ بالضمانات التي حصل عليها لضمان الوفاء بالتزام الكفيل".

  • إذا اتحدت الذمة بين الدائن وأحد مدينيه المتضامنين بأن ورث أحد المدينين المتضامنين الدائن فإن الدين لا ينقضي إلا بالنسبة إلى حصة هذا المدين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 175 من ق.ل.ع " اتحاد الذمة الحاصل بين الدائن وبين أحد مدينيه المتضامنين لا ينهي الإلتزام إلا بالنسبة إلى حصة هذا المدين ". وعليه فإن للمدين المتضامن الذي ورث الدائن واتحدت ذمته بذمته في حدود حصته من الدين ، أن يرجع على كل من المدينين المتضامنين الآخرين بالباقي من الدين بعد استنزال حصته في الدين.

أما إذا ورث الدائن أحد المدينين المتضامنين ، فإن مبادئ الشريعة الإسلامية ، تحول دون وقوع اتحاد الذمة في مثل هذه الحالة لأن المبادئ المذكورة تقضي بأن لا تركة قبل سداد الديون. وعليه يبقى للدائن أن يطالب تركة المدين المتضامن المتوفى كما يبقى له أن يطالب أي مدين متضامن آخر بكامل الدين.

  • إذا اتحدت الذمة بين أحد الدائنين المتضامنين وبين المدين بأن ورث المدين أحدهم فإن اتحاد الذمة لا يقضي الإلتزام إلا بقدر حصة هذا الدائن المتضامن. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثانية من الفصل 156 من ق.ل.ع " اتحاد الذمة الحاصل بين أحد الدائنين المتضامنين وبين المدين لا يترتب عليه انقضاء الإلتزام إلا بالنسبة لهذا الدائن ". وعليه ومادام أن هذه الحصة وحدها هي التي يصبح فيها الدائن المتضامن مدينا ودائنا في وقت واحد ، فإن أيا من الدائنين المتضامنين الآخرين يستطيع أن يرجع على المدين بالدين بعد استنزال حصة الدائن المتضامن المتوفى.

أما إذا ورث أحد الدائنين المتضامنين المدين فإنه يجب استبعاد وقوع أي اتحاد ذمة عملا بالمبدأ القاضي بأن لا تركة قبل سداد الدين ويبقى من حق كل من الدائنين المتضامنين ، بما فيهم الدائن الوريث أن يستوفي من تركة المدين المتوفى الدين كله.

ثالثا : زوال سبب اتحاد الذمة يعيد الدين إلى الوجود

إن الأثر الذي يترتب على اتحاد الذمة من حيث انقضاء الدين أو على الأصح من حيث شل تنفيذه يبقى مستمرا مادام السبب الذي أدى إلى هذا الإتحاد قائما. أما إذا زال السبب المذكور فإن الدين الذي كان قد انقضى وأصبح بح تنفيذه مشلولا يعود إلى الظهور.

ولا بد من التمييز بين أن يكون السبب الذي أدى إلى اتحاد الذمة قد زال بأثر رجعي أم زال بأثر غير رجعي :

فإذا زال السب بأثر رجعي ، اعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن بالنسبة للكافة وعاد الدين إلى الوجود والنفاذ بجميع مقوماته وخصائصه ، وعادت معه جميع التأمينات التي كانت تضمن تنفيذه. وهذا ما أكد عليه المشرع في الفصل 370 من ق.ل.ع بقوله " إذا زال السبب الذي أدى لاتحاد الذمة ، عاد الدين بتوابعه في مواجهة جميع الأشخاص ، واعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن أبدا ".

فإذا ما أوصى الدائن بدينه للمدين وأدى موت الدائن إلى انقضاء الدين باتحاد الذمة ، ثم ظهر بعد ذلك أن الوصية باطلة أو قابلة للإبطال وتقرر فعلا بطلانها أو إبطالها ، فإن الدين الذي انقضى باتحاد الذمة يعود إلى الوجود بصفاته وتوابعه وضماناته ، ويكون للورثة الحق في مطالبة المدين بأداء هذا الدين كما يكون لهم الإستفادة عند الإقتضاء من سائر التأمينات التي كانت تضمن الوفاء به.

أما إذا زال السب بأثر غير رجعي كأن يبيع الوارث التركة بما لها من ديون ومن ضمن هذه الديون الدين الذي كان مترتبا عليه للمورث ، فإن الدين يعود إلى الظهور في ذمة الوارث باعتباره مدينا ويكون للمشتري الحق في مطالبته بأداء هذا الدين . ولكن الغير لا يضار بعودة الدين إلى الوجود على هذه الصورة. فلو كتن الدين الذي انقضى باتحاد الذمة مضمونا بالكفالة مثلا ، فإن هذه الكفالة التي انقضت بانقضاء الدين الأصلي تبقى منقضية ولا تعود بعودة الدين مجددا بعد أن زال بأثر غير رجعي السبب الذي أدى إلى انقضائه. وعليه لا يستطيع مشتري النركة الرجوع على الكفيل لأن هذا الكفيل قد برأت ذمته من الكفالة ولا يمكن أن يتأثر بالإتفاق الذي تم بين الوريث المدين وبين مشتري التركة والذي ينحصر أثره بالطرفين المتعاقدين ولا يتعداه إلى الغير.



تعليقات

التنقل السريع