القائمة الرئيسية

الصفحات

البيع على شرط الاحتفاظ بالملكية على ضوء القانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة

 البيع على شرط الاحتفاظ بالملكية على ضوء القانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة 


البيع على شرط الاحتفاظ بالملكية على ضوء القانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة



إن التطورات الاقتصادية وما أفرزته من تحرير للتجارة الدولية، في ظل مناخ تسود فيه الحرية التعاقدية أدت إلى ظهور ضمانات جديدة أخذت تغير من الأسس التي تقوم عليها الضمانات التقليدية، وبالخصوص على مستوى الضمانات العينية إذ نجد توظيف الملكية في الضمان من خلال ما يسمى بشرط الاحتفاظ بالملكية، أو نقل الملكية على سبيل الضمان، الأمر الذي جعل من الملكية تتعدى الدور التقليدي المنوط بها باعتبارها حقا عينيا أصليا، إلى دور آخر أكثر تطورا يتمثل في وظيفة الضمان.


واستنادا على ذلك غدت الملكية كضمان من بين الأساليب التأمينية التي لم يغفل المشرع أن يوليها اهتماما تشريعيا إلى جانب التأمينات العينية الأخرى في قانون الضمانات المنقولة، وقد سلطنا الضوء عليه بوجه خاص لما يحمله من حمولة تشريعية جديدة، خصوصا بإقحامه في صلب القانون المدني المغربي، واعتباره حقا يراد به تأدية وظيفة الضمان، وذلك بعدما استطاعت الممارسة الائتمانية تطويع هذا الحق بموجب أنماط تعاقدية تكفل للدائنيين فيها حماية حقوقهم في مواجهة الدائن.


ويعتبر جانب من الفقه؛ البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية بيع عادي، ينعقد صحيحا، ومن شأنه ترتيب آثاره كاملة، إلا أن أحد الأطراف يأتمن الآخر على إرجاء تنفيذ الالتزام بنقل الملكية إلى فترة محددة أو لسبب آخر.


بينما يعرفه آخر؛ باعتباره بند مكتوب في عقد بيع البضائع أو المنقولات المادية ينص على احتفاظ البائع بملكيته له حتى يقوم هذا الأخير بالوفاء بالثمن المتفق عليه كاملا .
وقد اعتبره البعض؛ أنه اتفاق بين البائع والمشتري بعدم نقل الملكية بشكل فوري لضمان قبض الثمن كاملا، فهو بمثابة بيع ائتماني، يوظف الملكية كضمان لتأدية الثمن المتفق عليه من طرف المشتري.


والمشرع؛ بصدد تنظيم هذا الشرط لم يتطرق إلى تعريفه بل اكتفى ببيان مضمونه، حيث اعتبر أنه يمكن الاتفاق على وقف نقل ملكية الشيء المبيع، بموجب شرط الاحتفاظ بالملكية، إلى حين الأداء الكامل للثمن .
ونعتبر أنه لإعطاء تعريف دقيق لابد من الرجوع إلى تعريف عقد البيع، والذي يعتبر اتفاق بموجبه ينقل أحد الأطراف ملكية شيء أو حق إلى آخر مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بأدائه له، وإذا كان عقد البيع يرتب آثاره فور إبرامه مما يتعين معه نقل ملكية المبيع إلى المشتري، فإن عقد البيع مع الاحتفاظ بالملكية يجعل ذلك الانتقال موقوفا إلى حين أداء المشتري الثمن كاملا .


وعليه؛ يمكن القول أن عقد البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ هو نموذج تعاقدي اتفاقي يقوم في جوهره على تأخير نقل الملكية إلى المشتري، حتى يتأتى للبائع استرداد الشيء المبيع باعتباره مالكا له عند تخلف المشتري على الوفاء بالحق.


كما أن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ هو عقد ذو طبيعة خاصة يرتبط ارتباطا وثيقا بالدور المنوط به، والمتمثل في إتاحة الإمكانية للممولين لمنح تسهيلات في أداء قيمة المنقولات وتعزيز ضماناتهم في الأداء، وذلك عن طريق وقف نقل ملكية الشيء المبيع إلى حين الأداء الكامل للثمن.


وعليه؛ يكون المشرع أضاف للترسانة القانونية المتعلقة بالضمانات التمويلية خصوصا للمقاولات ذات الطابع المتوسط، ضمانة جديدة أخذت بها التشريعات المقارنة منذ القدم، والتي من شأنها أن توفر بلا شك سبل تحقيق الإشعاع الاقتصادي على المستويين الدولي والوطني، وذلك لمواكبة الإفرازات الاقتصادية وتطويع نظام قانوني كفيل بمسايرتها.


وارتباطا بالإصلاحات التي جاء بها قانون الضمانات المنقولة، فإنه تمت إضافة فرع خامس/ للباب الثالث/ من القسم الأول/ من الكتاب الثاني/ من قانون الالتزامات والعقود، وذلك بمقتضى المادة الرابعة من القانون رقم 21.18 السالف الذكر، وقد جاء معنونا بــ"بيع المنقول مع شرط الاحتفاظ بالملكية"، وذلك من خلال الفصل 618 المكرر، ومن ثم يكون قد انضاف إلى مؤسسة البيع نوع جديد ذو طبيعة خاصة، الأمر الذي نحاول من خلاله الوقوف على أحكامه العامة (المحور الأول)، وكذا استجلاء شروط انعقاده وتماميته، ثم رصد الآثار القانونية التي يرتبها هذا النوع من البيع (المحور الثاني)، مع الأخذ بعين الاعتبار إبراز الدور الائتماني أو التمويلي الذي يمكن أن يحققه، خصوصا بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، باعتبار أن هذا القانون يستهدف هذه الفئة من المقاولات على وجه الخصوص.


المحور الأول: الأحكام العامة للبيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية

لم يحظَ عقد البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية بتنظيم تشريعي صريح في القانون المغربي، بالرغم من التنصيص عليه في العديد من التشريعات المقارنة، حيث أقر القانون الفرنسي الاحتفاظ بالملكية على سبيل الضمان بموجب القانون الصادر في 12 ماي 1980، والمشرع المغربي لم يلتحق بركب الإقرار بهذا النوع من البيوع، إلا حديثا مع صدور القانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة، فإذا كان عقد البيع ينقل بموجبه أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له. فإن الحديث عن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية المنصب على المنقول؛ (يختلف كما يبدو من خلال تسميته) إذ لا تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري فورا، بل حسب ما تم التنصيص عليه في ظل الفصل 21-618 أنه يتم وقف نقل ملكية المبيع للمشتري إلى حين الأداء الكامل للثمن.
وهو الأمر الذي يدفعنا إلى تمييزه عن بعض المؤسسات المشابهة له (الفقرة الأولى)، ثم محاولة الوقوف على طبيعته القانونية (الفقرة الثانية)، وذلك في سبيل إزالة الضبابيبة حول هذه المؤسسة الجديدة في تشريعنا المغربي.


الفقرة الأولى: تمييز البيع مع الاحتفاظ بالملكية عن غيره من العقود المشابهة

يعتبر البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ صورة من صور من البيوع الائتمانية التي تهدف إلى تحقيق الغاية المتوخاة من البيع شرط الاحتفاظ بالملكية.
وعليه؛ وحتى نلامس ماهيته القانونية، فإنه يتعين تمييزه عن بعض النظم المشابهة له، والتي يمكن أن تختلط به لاقتراب طبيعتها القانونية منه، وبالتبع نحاول تمييزه عن عقد الائتمان الإيجاري (أولا)، ثم عن عقد الإيجار التمويلي (ثانيا)، ثم عن عقد البيع بالأقساط (ثالثا)، وذلك على سبيل المثال لا الحصر لتعدد الأنظمة التي يمكن أن تشتبه مع البيع شرط الاحتفاظ بالملكية.

أولا: تمييز البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية عن عقد الائتمان الإيجاري

إن توفير مصادر التمويل لضمان الاستمرارية والتطوير والتوسع، يشكل هاجسا أوليا لكل دول العالم الاقتصادي الحديث، وفي سبيل البحث عن الائتمان وبعيدا عن الإجراءات المعقدة والبطيئة التي تصطبغ بها الضمانات التقليدية، ظهرت مكنة جديدة تسمى بالاحتفاظ بالملكية على سبيل الضمان .
وإذا كانت التشريعات المقارنة كانت سباقة إلى إقرار هذا النوع من الضمانات، فإن التشريع المغربي عرف بوادره عقب تقنين ما يسمى بعقود الائتمان الإيجارية، أولا بموجب ظهير 1993 ثم بعد ذلك بموجب الكتاب الرابع من مدونة التجارة، خصوصا وأن هذا العقد يتميز بطبيعته المركبة، باعتباره يضم كلا من عقود القرض والبيع والكراء وكذا الوعد بالبيع وأيضا عقد الوكالة؛
الأمر الذي دفع ببعض الفقه إلى تقريب عقد الائتمان الإيجاري؛ من البيوعات المعلقة على شرط الاحتفاظ بالملكية، لكون المورد أو البائع يظل محتفظا بملكية المبيع إلى حين إتمام المشتري أو المستفيد أداء الأقساط وفق دفعات مختلفة يتم الاتفاق عليها مسبقا.
ولعل أوجه الشبه؛ هنا بين عقد الائتمان الايجاري و البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية، تتجلى أساسا في كون:

أن العقدين يعتبران من العقود ذات الطابع التمويلي؛

ثم إن المبيع في كلا العقدين يظل في ملكية البائع؛ ويكون مصيره آيل إلى الانتقال إلى المشتري أو استرداده من طرف البائع حسب الأحوال.
إلا أن الوضع يختلف بين العقدين، من حيث:

أن عقد الائتمان الإيجاري؛ يتضمن فقط وعدا من المؤتمن ببيع الأشياء محل العقد إلى المستفيد، إذا أبدى رغبته في تملكه، خصوصا إذا علمنا أن هذا العقد من العقود الزمنية التي تنتهي بانتهاء المدة المتفق عليها، إذ يكون للمستفيد ثلاث خيارات إما تملك الأشياء بشرائها، أو تجديد العقد لمدة أخرى، أو رد الأشياء إلى المؤتمن .

في حين أن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ هو بيع تام، وليس فقط مجرد وعد بالبيع كما في الائتمان الإيجاري، وبالتبع فإن هذا الأخير وإن كان فيه المؤتمن يظل محتفظا بملكية الأشياء، فإن البيع شرط الاحتفاظ بالملكية هو آيل إلى التنفيذ بانتقال الملكية إلى المشتري، وليس لهذا الأخير الخيار في عدم تملكها، إلا أن البائع يحتفظ بملكية الأشياء لضمان قبض ثمنها، ولا يكون له الحق في استردادها إلا عند عدم أدائه في تاريخ الاستحقاق المتفق عليه في العقد.

ثانيا: تمييز البيع شرط الاحتفاظ بالملكية عن عقد البيع الإيجاري

يعتبر البيع الإيجاري صورة من صور البيوع التمويلية أيضا، إذ يتم في صورة اتفاق يلجأ فيه الطرفان إلى إظهار عقد إيجار الأشياء الذي يخفي في داخله عقد البيع، فيظهر من خلاله أنه عقد إيجار عادي، فهو بمثابة عقد كراء صوري، كونه يخفي في باطنه عقد بيع، فيكون المؤجر بائعا، والمستأجر مشتريا، وتعتبر الأقساط الدورية التي يدفعها المستأجر بمثابة أقساط ثمن العين، وما إن ينتهي المشتري –المستأجر- من سدادها إلا ويصبح مالكا للعين بأثر رجعي يعود إلى يوم إبرام العقد، هذا بعد دفع مبلغ رمزي متفق عليه مسبقا كمقابل لتملك محل التعاقد.


ولما كان عقد البيع الإيجاري؛ يضمن تفادي تصرف المشتري في المبيع، فإن ذلك يجعله يقترب من البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية، إلا أن وجه الاختلاف بينهما يتجلى في:

أن البيع الإيجاري؛ لا يخول للمشتري التصرف بالملكية إلى بعد سداد الأقساط.

بخلاف البيع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ إذ يخول للمشتري التصرف فيها ببيعها، على أن حقوق البائع الأول في استيفاء ما تبقى من دينه تصبح قائمة في ثمن البيع.

هذا بالإضافة إلى أن البيع الإيجاري؛ هو عقد صوري لكونه إيجار في ظاهره وبيع بالأقساط في باطنه.

بينما البيع بشرط الاحتفاظ بالملكية؛ بيع تام يرتب آثاره القانونية كاملة، ويقيد في السجل الوطني للضمانات المنقولة على هذا الأساس، ثم إن طبيعته لا تشترط أن يتم الاتفاق على أداء الثمن بالأقساط، بل يمكن الاتفاق على أدائه كاملا في ميعاد محدد.

وذلك بخلاف البيع الإيجاري؛ الذي هو عبارة أن أداء الثمن على شكل أقساط تظهر على أنها أجرة للانتفاع بالعين المؤجرة.

ثالثا: تمييز البيع شرط الاحتفاظ بالملكية عن عقد البيع بالتقسيط

كثيرا ما يعمد الشخص إلى بيع عين بأقساط، وإلى حين الوفاء بثمنها من طرف المشتري، يظل البائع محتفظا بملكية المبيع خشية إعساره، وبالتبع تعذر أدائه للثمن كاملا.
ويعتبر عقد البيع بالتقسيط؛ هو نقل ملكية شيء مقابل ثمن مؤجل يؤدى على شكل أقساط متساوية حتى ولو سلمت ملكية المبيع قبل استيفاء الثمن كاملا.
وقد عرف هذا النوع من العقود أولى تطبيقاته مع صدور القانون المتعلق ببيع السيارات بطريق القرض (ظهير 22/7/1957)، والذي جاء في مادته السادسة، أنه: "فيما يرجع لبيع السيارات بالسلف حسب ما هو منصوص عليه في الفصلين 3 و4 يحتفظ البائع بملكية المبيع وتوابعه حتى نهاية أداء كامل ثمن البيع من طرف المشتري" .
يقترن البيع بالتقسيط؛ غالبا بالاحتفاظ بالملكية، إذا يحتفظ البائع بملكية المبيع ضمانا لاستيفاء كامل الثمن المؤجل. ولعل هنا يكمن وجه الشبه، من حيث:

أنه في كلا العقدين يتم الاتفاق على الاحتفاظ بملكية الأشياء محل البيع.
أما أوجه الخلاف فتثبت من حيث:

أن البيع بالتقسيط؛ كما هو واضح من تسميته يتم عن طريق تجزيء الثمن على أقساط. وهو الأمر الذي ليس بالأمر الضروري في البيع مع الاحتفاظ بالملكية؛ إذ يمكن إرجاء الوفاء بكامل الثمن إلى حين حلول وقت معين أو تحقق واقعة معينة أو غير ذلك مما يمكن أن ينشأ عن الاتفاق.

ثم إنه بالنسبة للبيع بالتقسيط؛ يكون تملك محل المبيع بأثر رجعي يعود لتاريخ العقد، أما بالنسبة لعقد البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ فإن تملك الأشياء يكون بأثر فوري، فالملكية لا تنتقل إلا عند الوفاء بالثمن كاملا، وهو ما يستشف من صيغة الفصل 22-618 حينما تحدث عن الوفاء الجزئي، حيث اعتبر أن الوفاء الجزئي بثمن بيع الأشياء يرتب الانقضاء الجزئي لشرط الاحتفاظ بملكيتها، مع الإشارة إلى كون أثر تملك الأشياء لا يعتبر من النظام العام، وبالتبع يجوز لأطراف العقد أن يحددوا تاريخ تملك الأشياء بكل حرية.

الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية لبيع المنقول مع شرط الاحتفاظ بالملكية

تتسم الطبيعة القانونية لشرط الاحتفاظ بالملكية؛ بالكثير من الغموض والتعقيد؛
وقد تباينت الآراء الفقهية في هذا الصدد بين من يحاول إدخال الشرط المذكور داخل الإطار القانوني المنظم لأحكام الشرط والأجل، وبين من يحاول اعتباره مزيج بين مجموعة من الأنظمة القانونية المختلفة.
وعليه؛ سنحاول الوقوف على طبيعته القانونية مع مراعاة ما سار عليه الفقهاء دون أن يحيد بنا ذلك عما جاء به المشرع المغربي، وذلك بمدى إمكانية اعتباره وصفا، ثم إمكانية اعتباره ضمانا (أولا)، ثم نسلط الضوء على الطبيعة المزدوجة التي يمكن أن ينضوي تحتها شرط الاحتفاظ بالملكية في بيع المنقول (ثانيا) .

أولا: طبيعة شرط الاحتفاظ بالملكية باعتباره وصفا

نظم المشرع أوصاف الالتزام في نطاق القسم الثاني من الكتاب الأول من قانون الالتزامات والعقود، حيث اعتبر أن الالتزام قد ترد عليه أوصاف عديدة، ومن بين تلك الأوصاف ما يرد على الرابطة القانونية، وهنا نتحدث عن الشرط والأجل؛
وإذا كان الأجل؛ هو تعليق نفاذ الالتزام أو زواله على حلول أجل معين،
فإن الشرط؛ كما نص على ذلك الفصل 107 ق ل ع هو تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع نفاذ الالتزام أو زواله، والشرط أنواع متعددة؛ لكن من حيث الآثار التي يرتبها هناك الشرط الواقف؛ وهو شرط يترتب على تحققه نفاذ الالتزام وصيرورته تاما، وهناك الشرط الفاسخ؛ وهو الشرط الذي بتحققه ينقضي الالتزام ويعيد الأطراف إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.

أ: نظرية الشرط

باعتبار أن الاحتفاظ بالملكية في عقد بيع المنقول هو شرط يوقف نقل الملكية إلى حين سداد كامل الثمن، فإن جانب من الفقه الفرنسي؛ يعتبر أن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ هو بيع لا ينعقد قبل سداد المشتري الثمن باعتبار أن الملكية لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد سداد كامل الثمن.
إلا أن هذه النظرية تثير الصعوبة في تحديد نطاق سلطة المشتري على المبيع، خصوصا وأن ملكيتها لم تنتقل إليه بعد، مما يجعل المشتري مالكا لحق احتمالي معلق على أدائه للثمن من عدمه، وما يؤكد ذلك هو نص الفصل 24-618 ق ل ع الذي اعتبر أن المشتري الذي لا يؤدي الثمن كاملا عند الاستحقاق، يخول للبائع استرجاع الشيء المنقول، وهو ما دفع ببعض الفقه إلى القول بأن البيع والحالة هاته معلق على شرط فاسخ.
فالشرط الفاسخ؛ هو أيضا أمر مستقبل وغير محقق الوقوع يعلق عليه زوال الالتزام، فبتحققه يزول الالتزام ويعتبر كأن لم يكن، وباعتبار أن شرط الاحتفاظ بالملكية إلى أن يؤدي المشتري الثمن كاملا، يجعل من عقد البيع والحالة هذه التزاما موجودا نافذا إلا أنه معرض للزوال في الحالة التي لا يؤدي فيها المشتري الثمن عند الاستحقاق.
وفي هذا السياق يرى بعض الفقه؛ أن الاحتفاظ بالملكية هو شرط فاسخ معلق على عدم الوفاء من طرف المشتري بالثمن، وبالتبع فالمشتري يتملك ملكية المبيع وله أن يتصرف فيه بكافة أنواع التصرف، إلا أن هذه الملكية تنتزع منه بقوة القانون عند تحقق الشرط الفاسخ والمتمثل في عدم الوفاء بالثمن، وبالتالي يعود الأطراف إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، لكن الأخذ بهذه النظرية هو أمر مجانب للصواب، لكون اعتبار شرط الاحتفاظ بالملكية شرطا فاسخا يتناقض مع روح الشرط ذاته، فهو يجعل الملكية تنتقل إلى المشتري وليس فقط ضمان حفظها إلى حين الوفاء بثمنها، وهو أمر يترتب عنه نقل ملكيتها مرتين الأولى عند التعاقد، والثانية عند الفسخ لتحقق الشرط الفاسخ، وهي مسألة تخالف أحكام العقد ومقاصده، التي تتجلى أساسا في فكرة تحقيق الائتمان.

ب: نظرية الأجل

تقوم فكرة الأجل على تعليق نفاذ الالتزام أو زواله بمرور مدة زمنية معينة، والمشرع نظم الأجل كأحد الأوصاف التي تلحق الرابطة القانونية، إلا أنه يختلف عن الشرط في كونه أقوى وجودا من الالتزام المعلق على الشرط، فالأجل مهما طال أمده سيحل لا محالة، بخلاف الشرط الذي يبقى مدار جهالة فقد يتحقق وقد لا يتحقق.
والأجل أنواع متعددة؛ وبالنظر إلى الآثار التي يرتبها فهناك الأجل الواقف وهناك الأجل الفاسخ، وإذا كان الأجل الفاسخ مستبعد لكونه يفسخ الالتزام بحلوله، فإن شرط الاحتفاظ بالملكية أساسه ضمان أداء الثمن وليس فسخه عند عدم ذلك الأداء، وبالتبع فإن الفقهاء في إطار تحديد الطبيعة القانونية لهذا فإنه يعتبر أصحاب هذه النظرية؛ أن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية هو التزام معلق على أجل، وهو الأجل الذي يتم فيه أداء الثمن من طرف المشتري، لكون أن الملكية تنتقل إلى هذا الأخير في الوقت الذي يتم فيه الوفاء، وحقيقة بالرغم من تنصيص المشرع في الفصل 21-618 على أنه يمكن وقف نقل ملكية المبيع إلى حين الوفاء بالثمن، وهو ما يستشف منه أن الأداء يتم بعد مرور أجل معين، ومع ذلك فإن هذه النظرية تبقى مجانبة للصواب لكون أداء الثمن مسألة غير محققة الوقوع بخلاف الأجل الذي يعتبر متحققا لا محالة، وهو ما عرض هذه النظرية للنقد أيضا.
لننتقل بذلك إلى النظرية القائلة بكون شرط الاحتفاظ بالملكية هو ضمان، وذلك في الفقرة الموالية.

ثانيا: طبيعة شرط الاحتفاظ بالملكية باعتباره ضمانا

إن الطبيعة الاستثنائية لشرط الاحتفاظ بالملكية؛ التي تشكل خروجا عن القواعد العامة لانتقال الملكية، دفعت بالفقه إلى ضرورة تأصيله ورده إلى نظام قانوني معين، وإذا كانت المحاولات السابقة حاولت إدراجه ضمن أنظمة الشرط والأجل، فإن هناك من ربط الطبيعة القانونية للبيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية مع الوظيفة الرئيسية التي يهدف إليها ألا وهي الضمان، إلا أن أصحاب هذه النظرية انقسموا بين فريق يعتبره ضمانا اتفاقيا (أ)، وفريق آخر يعتبره ضمانا عينيا (ب).

أ: شرط الاحتفاظ بالملكية باعتباره ضمانا اتفاقيا

فقد اعتبر البعض أن البيع مع الاحتفاظ بالملكية هو ضمان اتفاقي، وذلك بناء على الأساس التعاقدي الذي ينبني عليه، فمصدره هو إرادة البائع واتفاقه مع المشتري ابتداءا على ذلك، وبالتبع فإنه يرتب التزامات متقابلة بين الأطراف، ثم إن العقد شريعة المتعاقدين ولا نص يمنع من تشديد الضمان أو تخفيفه.
إلا أن حصر الطبيعة القانونية لهذه المؤسسة في الأسس التعاقدية التي تقوم عليها، تجعلها قاصرة عن الإحاطة بها، خصوصا وأن تحديد طبيعتها القانونية تستدعي بالضرورة إرجاعها إلى المجموعة الحقيقية التي تنتمي إليها، والاقتصار على مصدر نشوئها دون الرجوع إلى الوظيفة المستحدثة من أجلها، وهو ما يجعل من هذا الرأي محل نظر، وفي حاجة إلى نوع من التصويب.
ب: شرط الاحتفاظ بالملكية باعتباره ضمانا عينيا
ومن ثم جاء الفريق الثاني الذي اعتبر أن البيع شرط الاحتفاظ بالملكية هو بمثابة ضمان عيني، ففكرة الضمان تعبر عن وظيفة اقتصادية أكثر منها قانونية، وتوظيف الملكية في مجال المعاملات المالية فيه تحقيق لنوع من الضمان.
فهو يعتبر ضمانا عينيا كونه يرد على حق عيني أصلي وهو حق الملكية، وهذه الأخيرة لم تعد غاية في حد ذاتها فقط، وإنما أضحت وسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي الضمان، وباعتبار أن جوهر عقد البيع يقوم على نقل هذا الحق من البائع إلى المشتري، ولا يتصور بيع دون نقل الملكية، فإن شرط الاحتفاظ بها يوفر الضمان لحق البائع في الثمن، وعليه فهو ضمان عيني ذو طابع إرادي يخضع لاتفاق الأطراف على إنشائه فيما بينهم مسبقا.

ثالثا: الطبيعة المركبة لشرط الاحتفاظ بالملكية

يكشف الوقوف على النظريات الفقهية التي حاولت تحديد الطبيعة القانونية للبيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية، عن صعوبة إضفاء التكييف القانوني المناسب له، وهو ما دفعنا إلى العودة إلى النص القانوني، وكذا ما أنجز من أشغال في سبيل إخراجه إلى حيز الوجود؛
فالبرجوع إلى تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية حول مشروع القانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة، والذي تم إعداده عقب الانتهاء من دراسة المشروع، حيث عرفت المناقشة التفصيلية تسجيل عدد من الملاحظات والشروحات والتفسيرات، والتي انصبت على نصوص القانون أعلاه، وتحديدا ما يتعلق بالبيع مع الاحتفاظ بالملكية نجد أنه تم إدراجه ضمن الاصلاحات التي عرفها الرهن، فبعد أن تم توسيع مجال الرهن بدون حيازة تم إقرار عمليات تعتبر في حكم الرهن بدون حيازة، ومن بينها البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية.
وبالتبع يمكن القول أن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ هو عقد ذو طبيعة خاصة يرتبط ارتباطا وثيقا بالدور المنوط به، والمتمثل في إتاحة الإمكانية للممولين لمنح تسهيلات في أداء قيمة المنقولات وتعزيز ضماناتهم في الأداء، وذلك عن طريق وقف نقل ملكية الشيء المبيع إلى حين الأداء الكامل للثمن.
وعليه؛ يكون المشرع أضاف للترسانة القانونية المتعلقة بالضمانات التمويلية خصوصا للمقاولات ذات الطابع المتوسط، ضمانة جديدة أخذت بها التشريعات المقارنة منذ القدم، والتي من شأنها أن توفر بلا شك سبل تحقيق الإشعاع الاقتصادي على المستويين الدولي والوطني، وذلك لمواكبة الإفرازات الاقتصادية وتطويع نظام قانوني كفيل بمسايرتها.

المحور الثاني: شروط انعقاد البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية وآثاره

شرط الاحتفاظ بالملكية؛ ما هو إلى نتاج لمجموعة من التطورات التي فرضتها الحياة العملية والعلمية، حيث أضحى هاجس البحث عن وسيلة لضمان تنفيذ الالتزام هو مسعى كل التشريعات الحديثة، إذ تمكن من خلالها هذه الوسائل، مواجهة المخاطر التي تهدد أحد مراكز العقد على رأسها عدم الوفاء بالالتزامات، وفي نفس السياق تبلور حماية قانونية تستجيب للتقلبات والتطورات الاقتصادية المتسارعة في الميدان التجاري.
وعليه؛ فإن قانون الضمانات المنقولة أحاط البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية، بسياج من الشروط (الفقرة الأولى) وذلك حتى يرتب آثاره القانونية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:شروط بيع المنقول مع شرط الاحتفاظ بالملكية

للحديث عن الشروط الواجب توافرها لتمام البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية، نجد أن المشرع قد حصره في نطاق المنقولات دون العقارات، ذلك أن بيع العقارات شرط الاحتفاظ بملكيتها خارج عن نطاق تطبيق القانون المتعلق بالضمانات المنقولة، وذلك لعدة اعتبارات:

أولها هو التوجه من خلال هذا القانون بصفة حصرية إلى المقاولات التي لا تمتلك إلا الأموال المنقولة؛

ثانيها لارتباطه بالضمانات المنقولة دون الضمانات العقارية التي تبقى خاضعة للنصوص التشريعية الخاصة بها، بخلاف البيع العادي الذي يجوز أن ينصب على العقار والمنقول معا؛
وبالتبع فإنه يشترط أن يكون المبيع منقولا، وذلك ليتأتى إخضاعه لإجراءات الشهر الواردة بهذا القانون، والمتمثلة في التقييد بالسجل الالكتروني للضمانات المنقولة، وهذا يجعل البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية ينصب على:

المنقولات المادية من سلع وتجهيزات ومعدات أو غيرها من الأشياء؛

وكذلك على المنقولات المعنوية كالأصل التجاري والقيم المنقولة من سندات وأسهم وغيرها.. .
وباعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين فإن ذلك لا يمنع من اللجوء الى الاحتفاظ بالملكية على سبيل الضمان في البيوع العقارية دون أن يخضع للقانون موضوع الدراسة.
وقد استهل المشرع في ظل الفصل 21-618 الحديث عن كيفية انعقاد البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ حيث اعتبر أنه يمكن الاتفاق على وقف نقل ملكية الشيء المبيع، بموجب شرط الاحتفاظ بالملكية، إلى حين الأداء الكامل للثمن، والاتفاق كما هو تعبير عن إرادتين أو أكثر لإنشاء التزام قانوني معين، ويشترط لانعقاد الاتفاق أو العقد، مجموعة من الأركان التي نص عليها الفصل الثاني من قانون الالتزامات والعقود، وهي الأهلية للالتزام، وتعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام، وشيء محقق يصلح أن يكون محلا للالتزام ثم سبب مشروع للالتزام.
ولما كان الأصل في العقود والاتفاقات أنها رضائية، بمعنى أنها تنعقد وترتب آثارها القانونية بمجرد حصول التراضي، أي بصدور الإيجاب والقبول وتطابقهما تمام المطابقة، فإن المشرع وعلى غرار أغلب التشريعات اشترط في عقود بيع المنقول مع شرط الاحتفاظ بالملكية، أنه يجب أن يتم الاتفاق على شرط الاحتفاظ بالملكية كتابة، إلا أن المشرع لم يوضح طبيعة الكتابة المتطلبة في العقد موضوع الدراسة، الأمر الذي يدفعنا إلى القول أنه يبقى للأطراف الاختيار بين أن يكون العقد رسميا أو عرفيا، أو حتى بواسطة أي وثيقة أخرى تصلح أن تكون دليلا كتابيا، طالما أن عبارة الكتابة الواردة في الفصل أعلاه جاءت بصيغة العمومية، وأما عن دور الشكلية في النص الذي بين أيدينا فهي شكلية انعقاد، وذلك وذلك ما نستشفه من صيغة الوجوب التي ورد بها النص، ويمكن في اعتبارها شكلية إثبات في آن واحد، خصوصا وأن ذلك يفيد في تفادي ما يمكن أن يحدث من نزاعات بين الأطراف.
ولما كان المشرع قد اشترط الكتابة لانعقاد الاتفاق على بيع المنقول مع شرط الاحتفاظ بالملكية، فإنه اعتبر أن ذلك الاتفاق لا يكتسي الحجية القانونية تجاه الأغيار، إلا بعد تقييده في السجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة المحدث بموجب التشريع الجاري به العمل، وهو ما تؤكده الفقرة الأخيرة من الفصل 21-618 السالف ذكره، وبالتبع فإنه لا يمكن الاحتجاج بالبيع مع الاحتفاظ بالملكية المنصب على المنقول إلا بعد اتباع إجراءات الشهر القانوني، مع ما يترتب عن ذلك من حماية سواء لمصلحة الأطراف بحفظ حقوق كل منهم، وكذا حماية الغير من خلال تمكنه من معرفة الوضعية القانونية للمنقولات التي تكون محل البيع، مع الأخذ بعين الاعتبار المسؤولية القانونية التي يتحملها الطرف الذي يقوم بالتقييد، عن البيانات التي يدلي بها لدى السجل المذكور.

الفقرة الثانية: آثار بيع المنقول شرط الاحتفاظ بالملكية

تكمن أهمية شرط الاحتفاظ بالملكية في نطاق المعاملات الائتمانية، باعتبارها آلية لضمان الوفاء بحقوق الدائنين، وباعتباره ضمانة ائتمانية جاء بها المشرع المغربي، من شأنها أن تحقق للمقاولات:

سهولة الولوج إلى التمويل؛

وكذلك طمأنينة الدائنين حول أداء ديونهم؛
وذلك من خلال ما توفره من ائتمان، وحركية لرؤوس الأموال وتداول للسلع والتجهيزات، والذي ينعكس إيجابا على تحقيق الرواج الاقتصادي، وكذا توطيد أسس الائتمان التي تقوم عليها حياة المال والأعمال.
وبالتبع فإن هذا العقد يرتب مجموعة من الآثار القانونية من الأهمية بمكان، وهذه الأخيرة التي تختلف بحسب ما إذا تم الوفاء بالثمن من عدمه، وعليه نتطرق إلى الحالات المتعلقة بأداء ثمن الأشياء المنقولة (أولا)، ثم نتطرق إلى الحالات المتعلقة بالتصرف في الشيء المنقول (ثانيا).

أولا: الحالات المتعلقة بأداء ثمن الأشياء المنقولة

باعتبار أن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية؛ يشكل نوعا من البيوع الائتمانية التي تسعى إلى ضمان أداء الثمن المستحق من جهة، وتوفير فرص الحصول على التمويل المادي من جهة أخرى، فإن ذلك يتطلب الثقة التي تضطلع بها المعاملات المالية، ومن ثم فإنه تكريسا لهذه الثقة فإنه يتعين أداء الثمن وفق الشروط المتفق عليها بين الأطراف وقد تطرق المشرع لحالات من الوفاء، وهي:

حالة الأداء الجزئي لثمن الأشياء المنقولة: ينص الفصل 22-618 على أنه "يترتب عن الأداء الجزئي لثمن بيع الأشياء القابلة للاستهلاك، الانقضاء الجزئي لشرط الاحتفاظ بملكية هذه الأشياء، وذلك في حدود الثمن المؤدى، ما لم يشترط غير ذلك"، ويتحدث هذا النص عن أداء المشتري لجزء من ثمن الأشياء، فالأداء الجزئي حسب النص أعلاه يرتب الانقضاء الجزئي أيضا لشرط الاحتفاظ بملكية الأشياء، وبالتبع فإننا نستشف أن المشرع تعامل بنوع من المرونة مع طبيعة هذا النوع من البيوع، فكلما أدى المشتري قسطا من الثمن كلما تلاشى حق الاحتفاظ بملكية الأشياء بالنسبة للبائع، والأصل كما هو معلوم هو الوفاء الكلي بالالتزامات، إلا أن ذلك لا يمنع من الاتفاق على تجزيء الوفاء به إن كان يحتمل ذلك؛
فالمشرع وسع من هامش الحرية التعاقدية بالنسبة للأطراف، وإذا كان قد تحدث عن الوفاء الجزئي، فإنه عاد وأكد في الفقرة الأخيرة من الفصل أعلاه، أن ذلك ما لم تذهب إرادة الأطراف بخلافه، ففي الحالة هاته يتعين أن يتم الأداء كليا لثمن الأشياء محل العقد.

حالة عدم أداء ثمن الأشياء المنقولة: قد يحصل أن لا يؤدي المشتري ما بذمته من ثمن الأشياء المنقولة، فإن المشرع نص في إطار الفرع المتعلق ببيع المنقول شرط الاحتفاظ بالملكية أنه إذا لم يتم أداء الثمن كاملا عند الاستحقاق، يجوز للبائع استرجاع الشيء المنقول، وهو أمر طبيعي يرجع في أساسه وجوهره إلى كون الدائن في هذه الحالة يعد مالكا للمال المنقول المطالب باسترداده لاحتفاظه بملكيته، مما يجنب الدائن الدخول في حالة التزاحم مع باقي الدائنين لحظة استيفاء الحقوق.
وبالتبع فعدم الأداء سواء أكان كليا أو جزئيا، فإن المشرع خول للبائع إمكانية استرجاع الأشياء من حوزة المشتري، وقد حدد المشرع في ذات الفصل طرق الاسترجاع، هذا الأخير الذي قد يكون:

الاسترجاع اتفاقيا؛ إذ يمكن والحالة هذه استرجاع الشيء المنقول وفق الشروط المتفق عليها بين الطرفين، وذلك في إطار الحرية التعاقدية المخولة للأطراف.

وإما أن يكون هذا الاسترجاع قضائيا؛ وذلك عند تعذره اتفاقيا، حيث يتعين على البائع أن يستصدر أمرا قضائيا بإرجاع هذا الشيء، وقد جعل المشرع لاختصاص ينعقد لرئيس المحكمة، بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، بإصدار الأمر بإرجاع الشيء المنقول بعد معاينة واقعة عدم الأداء.
لكن ما يعاب على النص هو تحدثه عن إمكانية الاسترجاع دون التنصيص على مكنة التعويض، فالأشياء القابلة للاستهلاك كيف السبيل إلى استرجاعها إن تم استهلاكها، ثم كذلك الأشياء المنقولة التي لا تستهلك بشكل آني، فإنها حتما تفقد قيمتها في السوق مع مرور الزمن، لكون أن المشتري يكون قد استغلها خلال فترة الاحتفاظ بملكيتها واستعملها لصالحه، وبالتبع نلاحظ على النص القانوني عدم تحدثه عما يمكن أن يترتب من آثار، في الحالة التي لا يكون فيها للاسترجاع محل أو يكون فيها هذا الأخير في غير صالح البائع.

ثانيا: حالة التصرف في الشيء المنقول

قد يحصل أن يتم التصرف من طرف المشتري بالأموال المنقولة قبل سداد الثمن المتفق عليه في العقد، فالمشرع المغربي في إطار تنظيمه لعقد البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية، تعامل بنوع من الليونة فيما يتعلق الأشياء المنقولة إذ سمح للمشتري أن يتصرف بالمبيع ببيعه مرة أخرى ولو قبل أدائه الثمن، وذلك ما يكفل تحقيق الغاية المنشودة من البيع مع الاحتفاظ بالملكية كوسيلة للتمويل، خصوصا وأن إيقاف التصرف من شأنه أن يجعل المشتري عاجزا عن تحقيق مآرب مقاولته بواسطة تلك الأشياء المنقولة.
غير أن تفويت المشتري للمنقولات ببيعها، يرتب أثرا هاما، فبالرجوع إلى الفصل 25-618 نجده ينص على أنه "في حالة قيام المشتري ببيع الشيء المنقول، تصبح حقوق البائع الأول في استيفاء ما تبقى من دينه قائمة في ثمن البيع، أو في التعويض الذي ستؤديه شركة التأمين للمشتري، عند الاقتضاء"، مما يستشف معه أنه إذا ما قام المشتري ببيع المنقول محل العقد، فإن البائع يحتفظ بحقه في الرجوع على المشتري –باعتباره بائعا ثانيا- بما تبقى له من حقوق في ثمن البيع، وهي إشارة من المشرع على أن الاحتفاظ بالملكية لا يوقف التصرف فيها من طرف المشتري، وإنما يمكنه ذلك في مقابل ترتيب حقوق البائع في الأداء على ما يستوفيه المشتري من ثمن البيع الثاني؛
وهنا يكون هذا العقد قد ساهم في حل معضلتين، الأولى تتجلى في حل إشكالية التمويل التي كانت تعترض المقاولين الصغار في الحصول على التمويل، والثانية في ضمان الإمكانية للتصرف في الأموال المنقولة بما يخدم مصالحهم الاقتصادية.
كذلك قام المشرع بالتنصيص على مسألة في غاية الأهمية ترتبط بالمنقولات ذات الطابع الاستهلاكي، وهي كل الأشياء التي تستهلك باستعمالها أو استغلالها، حيث نص الفصل 26-618 أنه "يمارس حق ملكية الأشياء القابلة للاستهلاك، في حدود الدين الذي لا يزال مستحقا، على الأشياء التي بحوزة المشتري أو لحسابه والتي تكون من نفس النوعية ونفس الجودة"؛ وبذلك يحتفظ البائع بحقين:

الأول حق الملكية على الأشياء التي لازالت لم تستهلك بعد؛

والثاني يرتبط بالحق في الأداء بالنسبة للأشياء التي تم استهلاكها، على أنه يظل محتفظا بحق الملكية على الأشياء المستهلك إن قامت مقامها أشياء أخرى من نفس النوع والجودة.
كما أن الطبيعة الخاصة التي تتسم بها الأعمال التجارية، فإنه قد يتم شراء مجموعة من السلع التي يمكن أن تكون محل إدماج، وعليه فقد اعتبر المشرع في ظل الفصل 23-618 أنه "لا يحول إدماج الأشياء المنقولة الخاضعة لشرط الاحتفاظ بملكيتها، مع أشياء أخرى، دون تمتع الدائن بحق الملكية، شريطة إمكانية فصل هذه الأشياء دون إحداث ضرر بها"؛ ومن تم فإن المشرع اعتبر أن حق ملكية المنقول ثابت بحكم القانون بالرغم من اتحادها مع أشياء أخرى، غير أنه إذا كان من شأن فصل هذه الأشياء سيسفر عنه حدوث ضرر بها، فإن المشرع لم يتحدث عن الآثار الممكن ترتيبها، وبالتبع يمكن القول بصدد هذه النقطة، أنه يمكن في حالة عدم الأداء من طرف المشتري، وكان من شأن الاسترجاع الذي سيؤدي إلى الانفصال بين الأشياء وبالتبع حصول ضرر للمشتري، فإنه يمكن اللجوء إلى وسائل تحقيق الضمانات المقررة في هذا القانون قصد الحصول على الحق في الأداء دون إمكانية استرداد الأشياء.
خاتمة:
على امتداد خطوات هذه الأسطر، يمكن القول أن إقرار البيع شرط الاحتفاظ بالملكية يشكل خطوة تشريعية جريئة لمن شأنها أن تساهم في إحياء المقاولات الصغرى والمتوسطة عبر تمكينها من الولوج إلى وسائل التمويل المتاحة لديها، وذلك عبر تحفيزها من خلال إستحداث ضمانات جديدة متعددة الأغراض والصور، بحسب ما يحتاجه المجتمع الاقتصادي المغربي اليوم، ثم إن ذلك التشجيع سوف لن يقتصر على المقاولات الضخمة ذوي الثروات، بل إنه كذلك يشمل حتى الطبقة المتوسطة والصغرى منها، وذلك عبر مجموعة من الأفكار الحديثة، التي تقوم على فكرة "ديموقراطية التمويل".
وإن تحقيق هذا الهدف النبيل لمن شأنه أن يعيد للمقاولة الصغيرة والمتوسطة دورها الريادي في البلاد على ضوء الرهان الذي تسعى جل الدول المتقدمة إلى كسبه من خلال إقرار توازن اقتصادي بينها وبين المقاولات ذات الطابع التمويلي الضخم، لتساهم جلها في تحقيق ما يسمى بالإقلاع الاقتصادي.

تعليقات

التنقل السريع