القائمة الرئيسية

الصفحات

الأركان اللازمة لتمام عقد البيع في القانون المغربي

الأركان اللازمة لتمام عقد البيع
الأركان اللازمة لتمام عقد البيع:
التراضي؛ الأهلية؛
المبيع؛ الثمن؛


الأركان اللازمة لتمام عقد البيع  في القانون المغربي


المقدمة:

وفقا لما تقضي به القواعد العامة للالتزامات فإن إبرام العقود والاتفاقات يحتاج إلى عناصر التكوين المتعارف عليها تقليديا، وهي المنصوص عليها في الفصل الثاني من قانون الالتزامات والعقود، الذي ينص على: "الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرداة هي: 1-الأهلية للالتزام؛ 2-تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام؛ 3- شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام؛ 4- سبب مشروع للالتزام"، وذلك بالإضافة إلى عنصر الشكلية متى كانت لازمة للانعقاد كما هو الشأن بالنسبة للبيوع العقارية، والمنقولات التي يمكن رهنها رسميا، وبيع العقار في طور الإنجاز.

والبين أن؛ كل شخص بلغ سن الرشد القانوني إلا وأصبح أهلا للإلزام والالتزام (المادة 3)؛ وعليه يكون كامل الحق في التصرف في ماله بالبيع أو غيره من التصرفات القانونية الأخرى طالما أن المتصرف لم يقع عليه المنع من التصرف إما لأسباب شخصية أو وظيفية.

والبيع؛ كغيره من العقود الرضائية الأخرى يحتاج إلى توافق الإرادتين على العناصر الجوهرية المكونة له، أما العناصر الثانوية لعقد البيع فيمكن أن تكون موضوعا لاتفاقات لاحقة إذا لم يكن لها تأثير على طبيعة العقد وتكييفه القانوني (الفصل 19)؛ وهو ما أكده المشرع في الفصل 488 ق.ل.ع، بقوله: "يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى".

ولا مراء؛ أنه حتى يكون الرضاء صحيحا؛ فإنه يلزم في المتعاقدين أن تكون إرادتهما خالية من عيوب التراضي التي تفسد عملية التعاقد سواء تم البيع بطريق عادي أو بشكل إلكتروني.

والبين أنه؛ فضلا عن البيوع التقليدية؛ فإن المشرع نظم البيوع الإلكترونية -المبرمة على دعامة إلكترونية- بالقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية؛ وعلى غرار العقود التقليدية الأخرى، فإن عقد البيع الإلكتروني يستلزم بالضرورة سلوك المراحل التقليدية للتعاقد بين شخصين غائبين عن مجلس العقد بطرح العرض أو الإيجاب كدلالة على الرغبة في التعاقد وانتظار الرد من الطرف الموجه إليه هذا العرض بقبوله أو رفضه أو تعديله جزئيا.

ولما كان البيع غالبا ما يمر بعدة مراحل تمهيدية تسبق إبرام البيع النهائي؛ لذلك فإن تحديد نوعية التراضي اللازم لإنشاء هذه الاتفاقات التمهيدية أمر مهم، خاصة وأنه يضيق ويتسع وفقا لنوعية القيود التي تحد من الحرية التعاقدية عموما. ويقينا أن الفترة الفاصلة بين إنشاء الاتفاقات التمهيدية وإبرام العقود النهائية؛ من شأنها منح لأطراف هذه العلاقة فرضا إضافية للتفكير في النتائج والآثار التي ستترتب عن إبرام التصرف النهائي .

ولعله هناك الكثير من هذه الاتفاقات التمهيدية المتشابهة من حيث العناصر اللازمة لإنشائها، إلا أنها تهدف لتحقيق نتيجة مشتركة ألا وهي ضمان إبرام العقد النهائي؛ ويندرج ضمن الاتفاقات التمهيدية كل من: الوعد بالبيع والمواعدة عليه، والعقود بالأفضلية، والبيع بالعربون، والعقود الابتدائية .

وبالإضافة إلى الأهلية والتراضي؛ يلزم توفر الركن الثالث وهو الشيء المبيع في عقد البيع؛ والمقصود به؛ محل التزام البائع مقابل التزام المشتري بدفع الثمن؛ وهو من أهم الركائز الأساسية التي لا يقوم البيع إلا بوجودها إلى جانب كل من الأهلية والثمن والتراضي على البيع والشراء والمبيع.

وباعتبار الشيء المبيع؛ مظهرا من المظاهر التي يتجلى فيها المحل كركن جوهري في الالتزامات التعاقدية فإنه يلزم فيه أن يكون مشتملا على نفس العناصر والشروط المتطلبة في محل الالتزامات بصورة عامة عدا ما هو من خصوصيات الشيء المبيع، وهكذا يلزم في الشيء المبيع أن يكون موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل، وأن يكون معينا أو قابلا للتعيين، ويتوجب في المبيع أن يكون مشروعا وداخلا في دائرة الأموال الجائز التعامل فيها.

وركن الثمن؛ هو الأخر يقوم بوجوده عقد البيع، ويتهاوى العقد بغيابه؛ ويقصد به؛ محل التزام المشتري، وهو بمثابة المحل الثاني في عقد البيع إلى جانب الشيء المبيع؛ فإذا غاب الثمن باعتباره ركن في عقد البيع بطل العقد.

ولعل مهمة تحديد الثمن تختلف بين؛ تحديده في إطار القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود، وتحديده في البيوع الاستهلاكية وعقود الإذعان في القانون 31.08، ونظام التسعير في إطار قانون المنافسة وحرية الأسعار في القانون 66.99 .

وتبرز أهمية الموضوع في الوقوف عند الأركان اللازمة لتمام وصحة عقد البيع انطلاقا من مقتضيات ظهير الالتزامات والعقود، فضلا عن الانفتاح على القوانين الخاصة لاسيما القانون 53.05 المتعلق بتبادل المعطيات بشكل إلكتروني، وبنفس الأهمية القانون 31.08 أيضا المتعلق بتدابير حماية المستهلك في إطار البيوع الاستهلاكية، وكذا قانون حرية الأسعار والمنافسة 66.99 .

وعليه نطرح الإشكال الآتي: ما هي الأركان اللازمة لتمام صحة عقود البيع التقليدية والإلكترونية انطلاقا من قانون الالتزامات والعقود والقانون 53.05؟؟ وما هي خصوصية أركان البيع حينما يتعلق الأمر بعقد استهلاكي على ضوء القانون 31.08 ؟

المطلب الأول: أهلية البيع والشراء

الفقرة الأولى: حالات المنع من التصرف لعوائق شخصية

أولا: حالة البيع في مرض الموت

1/ البيع الذي يعقده المريض لمصلحة الوارث

2/ البيع الذي يعقده المريض لمصلحة الغير

ثانيا: حالة المدين المحجوز عليه تحفظيا

ثالثا: حالة الشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية

الفقرة الثانية: حالات المنع من التصرف لأسباب وظيفية

أولا: الأوصياء والمقدمون

ثانيا: الوكلاء بالعمولة والسماسرة

ثالثا: ممثلو الشركات والمصفون القضائيون ومراقبو الحسابات

رابعا: القضاة والمساعدون القضائيون

المطلب الثاني: التراضي في عقد البيع

الفقرة الأولى: صحة التراضي في عقد البيع

أولا: ضرورة الفصل بي ن عيوب التراضي وعيوب المبيع

ثانيا: سلامة إرادة المتبايعين من عيوب التراضي

ثالثا: حماية التراضي في عقود الإذعان والبيوع الاستهلاكية

1/ استفادة المشتري من الحق في الإعلام

2/ استفادة المشتري من الحق في التراجع عن المشروع العقدي

الفقرة الثانية: حماية التراضي في البيوع المبرمة بطريقة إلكترونية

أولا: الحماية المقررة أثناء عقد البيع الإلكتروني

ثانيا: حماية عنصر التراضي باستغلال وسائل تقنية حديثة

1/ التوقيع الإلكتروني المؤمن

2/ تشفير المعلومات الإلكترونية

3/ المصادقة على التوقيعات الإلكترونية

الفقرة الثالثة: القيود الواردة على حرية البيع والشراء

أولا: حق الشفعة

ثانيا: حق الأفضلية/ الأولوية

ثالثا: البيع بالتراضي الناتج عن نزع الملكية

الفقرة الرابعة: الاتفاقات التمهيدية التي تسبق إبرام البيع النهائي

أولا: الوعد بالبيع والمواعدة عليه

1/ الوعد بالبيع أو بالشراء الملزم لجانب واحد

2/ الوعد بالبيع أو بالشراء الملزم لجانبين

ثانيا: الوعد بالتفضيل

ثالثا: البيع بالعربون

رابعا: عقد البيع الابتدائي

المطلب الثالث: الشيء المبيع

الفقرة الأولى: شرط وجود المبيع في الحال أو المستقبل

أولا: القاعدة العامة

ثانيا: تطبيقات عملية للبيع المستقبلي

1/ بيع السلم

2/ بيع العقار في طور الإنجاز

الفقرة الثانية: شرط تعيين المبيع أو قابليته للتعيين

أولا: شرط التعيين في بيع الأشياء القيمية

ثانيا: شرط التعيين في بيع الأشياء المثلية

ثالثا: شرط التعيين في البيع الجزافي

رابعا: شرط التعيين في بيوع الخيار

الفقرة الثالثة: شرط جواز التعامل في الشيء المبيع

أولا: أن يكون المبيع مشروعا

ثانيا: ألا يكون المبيع من الأموال المحظور بيعها بهدف المصلحة العامة أو الخاصة

ثالثا: أن يكون المبيع مملوكا للبائع

1/ حكم بيع ملك الغير

2/ أثر بيع ملك الغير بالنسبة للبائع والمشتري والمالك

المطلب الرابع: وجود الثمن

الفقرة الأولى: ضرورة وجود الثمن

أولا: تحديد الثمن بالتراضي في إطار القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود

ثانيا: تحديد الثمن في البيوع الاستهلاكية وعقود الإذعان

ثالثا: نظام التسعير في إطار قانون المنافسة وحرية الأسعار

الفقرة الثانية: عدالة الثمن وجديته

أولا: أن يكون الثمن فعليا وجديا لا صوريا

ثانيا: أن يكون الثمن عادلا لا بخسا ولا مرتفع

المطلب الأول: أهلية البيع والشراء

الأصل أن كل من بلغ سن الرشد القانوني المحدد في المادة 209 من مدونة الأسرة في 18 سنة شمسية كاملة، إلا ويكون له حق التصرف في ماله بالبيع أو غيره من التصرفات القانونية الأخرى، طالما أن المتصرف كامل في قواه العقلية ولم يثبت عليه ما يؤكد سفهه.

إلا أن هناك الكثير من الحالات التي يمنع فيها الشخص من التصرف في ماله لقصور في السن، أو خلل عقلي، أو سواء في التدبير..، الأمر الذي يستوجب الحجر القانوني أي تنصيب من يتولى تسيير أمور هؤلاء نيابة عنهم بمقتضى القانون أو الاتفاق أو بأمر من المحكمة، ويتولى القيام بهذه المهام كل من الأوصياء والمقدمون والأولياء الذين لهم حق النيابة عن القاصرين والمحجورين بحيث لا حق لهم التصرف في مال هؤلاء إلا لقدر معلوم وبالشكل الذي يحفظ لهم هذا المال. ولعله احتياطا من المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات، منع وكلاء القاصرين والمحجورين من شراء الأموال التي يتولون بيعها أو التصرف فيها لمصلحة من ينوبون عنهم قانونا أو اتفاقا .

ولعل المشرع قد حدد في قانون الالتزامات والعقود بعض الحالات التي تكرس المنع من التصرف، وهي: بيع المريض بقصد المحاباة، وكذا البيع الذي يجريه مأمورو البلديات والمؤسسات العمومية وكذا الأوصياء والمساعدون القضائيون والمقدمون والآباء الذين يديرون أموال أبنائهم وأمناء التفليسة ومصفو الشركات.

إضافة إلى قوانين أخرى نصت على حالات أخرى؛ من قبيل قانون المسطرة المدنية الذي ينظم حالة المدين المحجوز عليه، وأيضا القانون الجنائي ومنعه للشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية التصرف في أمواله إلى حين قضائه لعقوبته.

الفقرة الأولى: حالات المنع من التصرف لعوائق شخصية

هناك بعض العوائق الشخصية التي قد تحول دون إبرام التصرفات القانونية فيتقرر المنع من التصرف لعدم اكتمال الأهلية اللازمة لصحة التعاقد؛ كالتصرفات الصادرة عن المريض في مرض الموت (أولا)، وكذا تصرفات المدين المحجوز عليه (ثانيا)، والشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية (ثالثا) .

أولا: حالة البيع في مرض الموت

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 479 من ق.ل.ع نجد أنها تتعلق بالبيع المعقود من المريض في مرض موته، وقد ورد فيه بأن البيع المعقود من المريض في مرض موته تطبق عليه أحكام الفصل 344 إذا جرى لأحد ورثته بقصد محاباته كما إذا بيع له بثمن يقل كثيرا عن قيمته الحقيقية أو اشترى منه شيء بثمن يجاوز قيمته، أما البيع المعقود لغير وارث فتطبق عليه أحكام الفصل 345، على أن أحكام الفصلين 344 و345 معا تتعلق بالإبراء من الالتزام الصادر من المريض مرض الموت .

ولعله من خلال تحليل مضمون الفصل 479 من ق.ل.ع يتبين أنه يتضمن حالتين لمنع المريض من التصرف؛ أولاهما تتعلق بالبيع الحاصل من المريض بقصد محاباة بعض الورثة (1)، والثانية تخص البيع الذي يعقده المريض مع الغير حيث لا يجوز إلا في حدود ثلث ما تبقى من التركة بعد سداد الديون وأداء مصروفات الجنازة (2) .

1/ البيع الذي يعقده المريض لمصلحة الوارث

قيد المشرع المغربي من حرية المريض المتعاقد وذلك عندما جعل البيع الذي يعقده المريض لصالح أحد الورثة موقوفا على إجازة باقي الورثة الآخرين.

ولعل بيع المريض كغيره من البيوع التي يبرمها الأصحاء الأصل فيها الجواز سواء كانت معاوضة أو تبرعا غير أن هناك بعض الحالات التي يكون فيها القصد من إبرام هذه التصرفات هو محاباة المريض مرض الموت لواحد من الورثة أو الغير، وحماية لحقوق الورثة المرتبطة بأموال المريض فإن المشرع قيد من حرية هذا الأخير في التصرف حفظا لما له متى تحققت الشروط الآتية:


أن يحصل البيع من المريض في فترة مرض الموت؛ ولعل العمل القضائي وخاصة محكمة النقض استقرت على أن مرض الموت الموجب لبطلان عقد البيع هو الذي يبرمه الشخص المتعاقد المصاب بمرض مخوف أقعده الفراش واتصل بموته، أي أن الوفاة نجمت عن المرض، وأن عقد البيع أبرم مابين الفترتين، حالة المرض وواقعة الموت.

نستشهد بقرار للمجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا عدد 6742 صادر بتاريخ 29 أكتوبر 1997، جاء فيه وهو يعرف مرض الموت المعتبر لبطلان التصرفات: "من الثابت، فقها وقضاء، أن أهم شروط لاعتبار المرض مرض موت هو أن يكون هذا المرض مخوفا، أي أن يكون من الأمراض الخطيرة التي لا يرجى منها أي شفاء من الناحية الطبية، وتؤدي بصاحبها غالبا إلى الوفاة"؛ وكان يتعلق الأمر في هذه النازلة بمرض –تشمع الكبد والنزيف الهضمي- حيث وصفه المجلس الأعلى –سابقا- بأنه مرض مخوف وقاتل ويعتبر مرض موت .

وفي قرار أخر للمجلس الأعلى أكد فيه صراحة أن مرض الموت للمتعاقد عند إبرام البيع يعد معدما لأهليته كبائع ما يستوجب الحكم ببطلان التصرف. وهو قرار عدد 797 بتاريخ 27/02/2008، جاء فيه: "لكن وحيث يشترط لإبطال عقد البيع لانعدام أهلية البائع ولإبرامه في مرض الموت أن يكون البائع فاقدا لهذه الأهلية... وأن يكون المرض مخوفا وأدى إلى وفاته" .

ويقينا أن الإثبات تعلوه الشهادة الطبية إذا ما اقترنت بوسيلة إثبات أخرى؛ وهو ما أكده قرار المجلس الأعلى عدد 117 بتاريخ 22/2/2006، أكد أن: "رسم الاعتراف بالبيع المقترن بمرض الموت يستبعد عندما يكون المرض ثابتا بشهادة طبية صادرة عن أهل الطب" .

أن يكون المستفيد من هذا التصرف واحدا من الورثة؛ وهذا الشرط لا تكلف وعناء في إثباته من باقي الورثة بخلاف الشرط الأول والثالث اللذين يحتاجان لزوما لإثبات.

وأن يكون البيع أو الشراء بهدف محاباة هذا الوارث؛ والمحاباة هي البيع بأقل القيمة أو بأكثر، ولعل المشرع في الفصل 479 اعتبر المحاباة بأنها البيع بثمن يقل بكثير عن قيمة الشيء الحقيقية أو شراء بثمن يجاوز قيمته. يقينا أن معرفة وجود المحاباة في البيع لا تتم إلا بمقارنة القاضي الشيئين محلا العقد –قيمة هذين الشيئين- أي بين الأداء الموعود به من أحد الطرفين، وبين الأداء المقابل من الطرف الأخر.

ويلزم وجوبا إثبات عنصر المحاباة في البيع، وإلا فإن المحكمة لا تستجيب لطلب البطلان حتى وإن وقع البيع حقيقة في مرض الموت؛ وفي هذا هناك قرار للمجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا عدد 6013 بتاريخ 21/11/1995 قضى بصحة البيع المريض في مرض الذي مات منه طالما لم تكن فيه محاباة، ذلك أن توفر هذه الأخيرة شرط ضروري لإبطال البيع الصادر من البائع في مرض موته.

وعموما؛ فإن هذه الشروط الثلاثة هي غير قابلة للتجزيئ، بل هي وحدة متكاملة يتم الركون لها للحكم ببطلان عقد البيع طبقا للفصل 479 في علاقته بالفصل 344 من ق.ل.ع .

2/ البيع الذي يعقده المريض لمصلحة الغير

بإحالة الفصل 479 على الفصل 345 من ق.ل.ع فإن البين أن الحكم الذي يسري على الإبراء الحاصل من المريض لمصلحة الغير هو الذي ينطبق أيضا على البيع الذي يعقده هذا المريض مع الغير.

ولعل مصير هذا النوع من التصرفات الجواز، لكن في حدود ما حدده المشرع؛ حيث جعل البيع لا يصح إلا في حدود الثلث الباقي من التركة بعد إخراج الحقوق الممتازة؛ كسداد الديون وأداء مصروفات الجنازة.

ثانيا: حالة المدين المحجوز عليه تحفظيا

يقينا أنه حسب الفصل 1241؛ أموال المدين هي ضمان عام لتسديد حقوق الدائنين، ولذلك فإنه يكون من حق الدائن المطالبة بالدين عند حلول أجل الاستحقاق وفقا لم يحدده القانون أو الاتفاق أو العرف، وأنه عند ثبوت مطل المدين وامتناعه عن أداء هذا الدين فإنه يكون من حق الدائن اللجوء إلى القضاء لإستصدار أمر أو حكم قضائي في الموضوع، ومن بين الإجراءات الوقائية التي تلجأ إليها المحكمة لضمان حقوق الدائنين قيامها بإجراء حجز تحفظي على أموال المدين بناء على أمر السيد رئيس المحكمة الابتدائية، منعا للمدين وغلا ليده من التصرف في تلك الأموال والأشياء المحجوز عليها تحفظيا، حماية لحقوق الدائنين المستفيدين من الحجز التحفظي؛

وهو ما نص عليه المشرع في قانون المسطرة المدنية؛ في القسم التاسع-طرق التنفيذ، في الباب الرابع-حجز المنقولات والعقارات، بالضبط في الفرع الأول منه –الحجز التحفظي- في الفصل 453 ق.م.م، الذي جاء فيه بأنه: "لا يترتب عن الحجز التحفظي سوى وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها، ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنيه؛ ويكون نتيجة لذلك كل تفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز باطلا وعديم الأثر".

ولعله بمفهوم المخالفة؛ متى لم يتضرر الدائن من تصرفات مدينه، فلا مجال للاجتجاج بمقتضيات الفصل 453 من ق.م.م؛ كأن تكون حقوق الدائن أصلا مضمونة برهن مسجل مثلا.

وهو ما أكده قرار للمجلس الأعلى عدد 3605 بتاريخ 26/11/2002، جاء فيه: "حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أنه اعتبر أن البيع الواقع بين الطرفين بموجب العقد المؤرخ في 3. 8. 1، باطلا بطلانا مطلقا طبقا لمقتضيات الفصل 453 من ق.م.م، في حين أن البطلان المنصوص عليه في هذا الفصل إنما يسري على التصرفات التي يجريها المحجوز عليه والضارة بالدائن الحاجز. أما بقية التصرفات التي لم يتضرر منها هذا الأخير والذي هو في النازلة البنك المغربي للتجارة والصناعة وبنك الوفاء، فإنها تبقى صحيحة ومنتجة لأثرها بين الطرفين ما دام لم يثبت إخلال أحدهما بالتزامه إخلال يستوجب التعويض للآخر. الأمر الذي يعتبر معه القرار خارقا لمقتضيات الفصل 453 المذكور مما عرضه للنقض والإبطال" .

على أنه لتطبيق مقتضيات الفصل 453 من ق.م.م القاضية بمنع المدين من التصرف في الأموال المحجوز عليها، فإنه يتعين أن يكون الدين عنه الحجز ثابتا ومحققا سواء كان ناشئا عن الاتفاق أو محكوما به من طرف المحكمة؛ وعليه فإن فرض الحجز لا يتم إلا لضمان دين محقق أو له ما يرجح جديته وتحققه.

ثالثا: حالة الشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية

نص المشرع في القانون الجنائي على عقوبات إضافية يحكم بها إلى جانب العقوبات الأصلية في الباب الثاني من الجزء الأول من الكتاب الأول. والتي من ضمنها الحجر القانوني كعقوبة تبعية تنتج عن العقوبات الجنائية وحدها، تطبق حتما دونما حاجة للنطق بها في الحكم.

والحجر القانوني عرفه الفصل 38 من ق.ج؛ بأنه حرمان المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية.

ويترتب عن الحكم بالحجر القانوني فقدان المحكوم عليه لأهلية الأداء، حيث يصبح فاقدا لأهلية التصرف في أمواله أو إدارتها بصفة شخصية، ويمنحه القانون مقابل ذلك الحق في أن يختار وكيلا ينوب عنه في مباشرة تلك الحقوق تحت إشراف الوصي القضائي المعين له في أحكام الفصل 39 .

وهكذا؛ فإن المحكوم عليه جنائيا يفتقد أهلية التصرف في ماله بسبب العقوبة التي سلبته حريته في التصرف (الحجر الجنائي) إلى غاية انتهاء العقوبة أو استفادته من عفو عام أو خاص يخفف من هذه العقوبة أو يلغيها أصلا.

ويقينا؛ أن هذه الوضعية لا تمنع المحكوم عليه من التصرف في ماله بطريقة غير مباشرة عن طريق الوكالة أو النيابة القانونية، وذلك تحت سلطة وإشراف الوصي الذي تحدده المحكمة.

الفقرة الثانية: حالات المنع من التصرف لأسباب وظيفية

بالإضافة لحالات المنع من التصرف ذات الطابع الشخصي، فإن المنع من التصرف قد يتقرر لأسباب وظيفية لها علاقة بنوعية العمل المسند للشخص الذي يسري عليه المنع.

ولعل مرد ذلك؛ في أنه حينما يكون الشخص خصما وحكما في ذات الوقت، أو عندما يحتل منصبا وظيفيا أو مركزا قانونيا حساسا يسمح له باستغلال بعض عناصر العقد الذي أؤتمن على إبرامه، فإن المنطق يفرض التزام هؤلاء لموقف الحياد حتى لا تتضارب مصالحهم بمصالح من يمثلونهم أو يتولون الدفاع عنهم. وقد عرض المشرع لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تكون تصرفاتهم مشبوهة في الفصول 480، 481، 482 من قانون الالتزامات والعقود.

حيث نص الفصل 480 على: "متصرفو البلديات والمؤسسات العامة، والأوصياء، والمساعدون القضائيون أو المقدمون والأباء الذين يديرون أموال أبنائهم، وأمناء التفليسة (السنادكة)، ومصفو الشركات، لا يسوغ لهم اكتساب أموال من ينوبون عنهم إلا إذا كانوا يشاركونهم على الشيوع في ملكية الأموال التي هي موضوع التصرف. كما أنه يجوز لهؤلاء الأشخاص أن يجعلوا من أنفسهم محالا لهم بالديون التي على من يتولون إدارة أموالهم. وليس لهؤلاء الأشخاص كذلك أن يأخذوا أموال من ينوبون عنهم على سبيل المعاوضة أو الرهن.. ."

وينص الفصل 481 على أنه: "لا يسوغ للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا، لا بأنفسهم ولا بوسطاء عنهم، الأموال المنقولة أو العقارية التي يناط بهم بيعها أو تقويمها كما أنه لا يسوغ لهم أن يأخدوا هذه الأموال على سبيل المعاوضة أو الرهن. ويترتب على مخالفة هذا الفصل الحكم بالبطلان وبالتعويضات" .

أولا: الأوصياء والمقدمون

إذ من بين حالات المنع التي أشارت إليها مدونة الأسرة؛ ما ورد في المادة 271، التي جاء فيها بأنه: "لا يجوز للأوصياء والمقدمون القيام بالتصرفات التالية إلا بعد الحصول على الإذن من القاضي المكلف بشؤون القاصرين:

بيع عقار أو منقول للمحجور تتجاوز قيمته 10000 درهم أو ترتيب حق عيني عليه؛

المساهمة بجزء من مال المحجور في شرطة مدنية أو تجارية؛

تنازل عن حق أو دعوى أو إجراء الصلح أو قبول التحكيم بشأنهما؛

عقود الكراء التي يمكن أن يمتد مفعولها إلى ما بعد انتهاء الحجر؛

قبول أو رفض التبرعات المثقلة بحقوق أو شروط؛

أداء ديون لم يصدر بها حكم قابل للتنفيذ؛

الإنفاق على من تجب نفقته على المحجور ما لم تكن النفقة مقررة بحكم قابل للتنفيذ.

وقرار القاضي بالترخيص بأحد هذه التصرفات يجب أن يكون معللا.

غير أنه استثناء من حالات المنع السبع من التصرف، فإنه يمكن للقاضي أن يأذن للوصي أو المقدم في شراء المال المملوك للقاصر إذا كانت لهذا الأخير مصلحة ظاهرة في هذا التصرف، وعلى القاضي أن يكلف من يقوم مقام القاصر ليتعاقد بالنيابة عنه حفاظا على مصلحته.

ثانيا: الوكلاء بالعمولة والسماسرة

الوكالة بعمولة؛ هي حسب المادة 422 من مدونة التجارة؛ عقد يلتزم بموجبه الوكيل بالقيام بإسمه الخاص بتصرف قانوني لحساب موكله ويخضع عقد الوكالة بالعمولة للمقتضيات المتعلقة بالوكالة وللأحكام الخاصة التي وردت في قانون التجارة. ولعل الوكيل بالعمولة في الميدان التجاري حسب المادة 423 م.ت، فحيث إنه يتعاقد باسمه الخاص لحساب موكله، فإنه يمكن للأغيار أن يحتجوا في مواجهته بكل الدفوع الناتجة عن علاقتهم الشخصية وليست لهم أية دعوى مباشرة ضد الموكل.

أما السمسرة؛ فحسب المادة 405 من مدونة التجارة؛ عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص أخر لربط علاقة بينهما قصد إبرام العقد.

ولا مراء في أن الوكيل بالعمولة أو السمسار يحتلان في المعاملان التي تتم بين البائع والمشتري، فإن المشرع أحاط ذلك بجملة من الضمانات الكفيلة بضمان مصلحة المتعاقدين، حيث ورد في المادة 428 من مدونة التجارة بأنه لا يمكن للوكيل بالعمولة أن يجعل نفسه طرفا ثانيا في العملية إلا بالإذن الصريح للموكل؛ ولعل هذا النص الخاص في مدونة التجارة ما هو إلا تكرار لمقتضى الفصل 481 من قانون الالتزامات والعقود؛ الذي قرر فيه منع هؤلاء من التصرف في الأموال المناط بهم بيعها أو تفويتها بطرق أخرى يكون القصد منها استغلال الطرف المنوب عنه أو الذي تم التوسط لمصلحته.

وفي ذات السياق؛ تنص أيضا المادة 623 من مدونة التجارة؛ على منع المدينين والمسيرين القانونيين أو الفعليين للشخص المعنوي خلال مرحلة التصفية القضائية، وكذا منع الأقرباء والأصهار حتى الدرجة الثانية من شراء أصول المقاولة المحجوز عليها بنية تصفيتها.

ثالثا: ممثلو الشركات والمصفون القضائيون ومراقبو الحسابات

ويندرج ضمن هذه الفئة كل من كانت له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتسيير الشركات والمقاولات سواء كانت مدنية أو تجارية، وهكذا فإنه لا يحق للمدراء والمسيرين التصرف في أموال المؤسسات التي يمثلونها إلا في حدود القدر الذي يجيزه القانون المنظم لهذه الشركات والمقاولات.

ولعله حسب مقتضى الفصل 1009 من قانون الالتزامات والعقود؛ فإن الشريك الذي يستخدم بدون إذن كتابي من شركائه الأموال المشتركة لفائدة نفسه أو لفائدة الغير فإنه يلزم برد المبالغ التي أخذها من الأرباح التي حصل عليها، وذلك مع الاحتفاظ للطرف المتضرر بالمطالبة بالتعويض وإثارة الدعوى الجنائية إن اقتضى الأمر ذلك، ويعبر سوء النية ركنا أساسيا في جنحة التصرف في المال المشترك بدون إذن الشريك.

ونفس هذا المنع هو الذي يتقرر في حق من أسندت إليه مهمة التصفية القضائية لموجودات الشركة أو المؤسسة الاقتصادية، وكذا من كلف بتدقيق الحسابات، فالعقود التي يبرمها كل من المصفي ومراقب الحسابات خارج نطاق اختصاصهما يكون مآلها البطلان. ويتعرض الشخص الذي تصرف في أموال الشركة أو المقاولة كما لو كانت أمواله الخاصة لجزاءات جنائية وأخرى مدنية؛ وتعد عقوبة سقوط الأهلية التجارية من أهم الجزاءات التي تلحق الشخص الذي تصرف خارج حدود التعليمات التي أعطيت له وهو مدرك لنتائج هذا التصرف، ويترتب على سقوط الأهلية التجارية؛ منع هؤلاء من أعمال الإدارة والتسيير والمراقبة التي كانت داخلة ضمن اختصاصاتهما الوظيفية.

رابعا: القضاة والمساعدون القضائيون

القضاة ومن في حكمهم من المساعدين القضائيين، كالمحامين والتراجمة والخبراء وأعوان التنفيذ والموثقين العدليين يمنعون من التصرف في الأموال التي أتمنوا عليها أو التي كانت موضوع نزاع موكول إليهم البت فيها.

فالقانون رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة؛ أكد المنع بطريقة عامة وغير مباشرة، في المادة 47 منه، جاء فيها: "يمنع على القضاة أن يمارسوا خارج مهامهم ولو بصفة عرضية أي نشاط مهني كيفما كان بطبيعته بأجر أو بدونه، غير أنه يمكن منح استثناءات فردية بموجب قرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للقضاء.." .

المطلب الثاني: التراضي في عقد البيع

لا مراء في أن البيع كغيره من العقود الرضائية الأخرى يحتاج إلى توافق الإرادتين على العناصر الجوهرية المكونة له، أما العناصر الثانوية لعقد البيع فيمكن أن تكون موضوعا لاتفاقات لاحقة إذا لم يكن لها تأثير على طبيعة العقد وتكييفه القانوني ويمكن استخلاص هذه القواعد من الفصل 19 من ق.ل.ع، الذي جاء فيه بأنه: "لا يتم الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية"، وبالإضافة إلى هذا النص العام فإن هناك نصوصا خاصة في القسم الأول المتعلق بعقد البيع تكرس نفس المعنى؛ من ذلك الفصل 488 ق.ل.ع، الذي نص على أنه: "يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى".

والبين أنه من خلال الفصلين 19 و 488 من ق.ل.ع، يلزم لإبرام عقد البيع أن يكون المتعاقدان قد تراضيا على البيع والشراء بما في ذلك تحديد المبيع والثمن؛ باعتبار أن هذه العناصر هي التي يتشكل منها عقد البيع وتميزه عن غيره من العقود المشابهة.

ويقينا أنه حتى يكون الرضاء صحيحا؛ فإنه يلزم في المتعاقدين أن تكون إرادتهما خالية من عيوب التراضي التي تفسد عملية التعاقد سواء تم البيع بطريق عادي (الفقرة الأولى)، أو بشكل إلكتروني (الفقرة الثانية)، ونظرا لأن البيع غالبا ما يمر بعدة مراحل تمهيدية تسبق إبرام البيع النهائي؛ لذلك فإن تحديد نوعية التراضي اللازم لإنشاء هذه الاتفاقات التمهيدية أمر مهم، خاصة وأنه يضيق ويتسع وفقا لنوعية القيود التي تحد من الحرية التعاقدية عموما (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: صحة التراضي في عقد البيع

يقينا أنه حتى يكون التراضي صحيحا فغنه يتعين التعبير عن إرادة المتعاقدين بنوع من الحرية التامة وأن تكون هذه الإرادة سالمة من عيوب التراضي التي تفسد عملية التعاقد، على أن هناك بعضا من الفوارق بين عيوب التراضي وعيوب المبيع وجب الوقوف عندها (أولا)،

ولعلنا وتماشيا مع كون التراضي قد يصدر في عقد فيه تكافئ بين طرفيه (ثانثا)، كما قد يصدر في عقد يطغى في جانب على أخر كما في العقود الاستهلاكية المنظمة بالقانون 31.08 (ثالثا) .

أولا: ضرورة الفصل بين عيوب التراضي وعيوب المبيع

البين أن هناك الكثير من الحالات التي يحتد فيها الخلاف بين عناصر عيوب التراضي، وعناصر عيوب المبيع؛ كما في الحالة التي يرتبط فيها عيب المبيع (الظاهر والخفي) بالغلط أو القانون، الأمر الذي يجعل هذين العيبين يتداخلان فيما بينهما، وقد يتم التداخل أيضا بين دعوى الضمان لنقص المواصفات المشروطة من قبل المشتري أو المكفولة من طرف البائع وبين دعوى الإبطال للغلط في صفة جوهرية كانت هي الدافع إلى التعاقد، على أنه يتعين على قضاة الموضوع تكييف هذه الدعاوي بالشكل الذي يضمن حقوق الطرف المضرور ولا يتأتى ذلك إلا بفصل عيوب التراضي عن عيوب المبيع لاختلافهما من حيث الطبيعة القانونية والآثار المترتبة عنهما إزاء كل من البائع والمشتري. ولعل أهم العناصر المميزة لكل من عيب التراضي وعيب البيع الآتي:

عيوب المبيع؛ ترتبط بالشيء المتعاقد عليه لا فرق في ذلك بين كون العيب خفيا أو ظاهرا (ينص الفصل 569 من ق.ل.ع فالأصل في العيوب الظاهرة هو عدم ضمانها من قبل البائع، إلا أنه وفقا لنص الفصل 570 فإن البائع قد يلزم بضمانها إذا صرح بعدم وجودها)، أو مجرد نقص في المواصفات؛ أي أنها تصيب الشيء في حد ذاته (تصيب محل التعاقد). أما بالنسبة لعيوب التراضي؛ فهي ترتبط أصلا بإرادة المتعاقدين وليس بالشيء محل التعاقد؛ أي أنها تصيب رضا المتعاقدين (عنصر الإرادة) .

عيوب التراضي؛ تتصل بمرحلة إنشاء أو تكوين العقد. أما بالنسبة لعيوب المبيع؛ فإنها لا تظهر إلا عند مرحلة تنفيذ العقد، بالرغم من أن السبب الموجب للضمان كان موجودا قبل إبرام عقد البيع إلا أن المشتري لا يمكن في الواقع من اكتشافها إلا عندما يكون الشيء المبيع تحت يده.

نتيجة لتباين الطبيعة القانونية لكل من العيبين فإن الجزاء المترتب ليس واحدا: إذ يترتب عن العيب في التراضي؛ الحكم بإبطال العقد كجزاء مدني. أما عن العيب في المبيع؛ فيترتب الفسخ، إذا تعلق بعيوب الشيء المبيع (الفصل 556: "إذا ثبت الضمان، بسبب خلو المبيع من صفات معينة كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن، وإذا فضل المشتري الاحتفاظ بالمبيع، لم يكن له الحق في أن ينقص من الثمن".) . وينعكس ذلك على اختلاف طرق المطالبة بهما وتقادم الدعوى الناشئة عنهما ليس واحدا، إذ لكل منهما أجالا مستقلة يتعين التقيد بها.

ثانيا: سلامة إرادة المتبايعين من عيوب التراضي

ليكون عقد البيع صحيحا فإنه يتعين التعبير عن إرادة المتعاقدين بنوع من الحرية التامة، وأن تكون هذه الإرادة سالمة من عيوب التراضي التي تفسد عملية التعاقد.

فالعبرة ليست بمجرد تلقي الإيجاب والقبول على العناصر الأساسية لعقد البيع؛ إنما ينبغي وجوبا أن يكون التراضي خاليا من عيوب الرضى.

ويقينا أنه يمكن حماية الطرف الذي تعيبت إرادته سواء كان بائعا أو مشتريا بسبب الوقوع في الغلط أو التدليس أو التعاقد تحت وطأة الإكراه أو الغبن في حدود الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون (خاصة في ظل ارتباط الغبن بعنصر الثمن)، حيث يتقرر الإبطال لمصلحة المتعاقد المتضرر من إحدى عيوب الرضى؛ إلا أنه كثيرا ما يتعذر على المتضرر تقديم الدليل على تعاقده تحت وطأة هذه العيوب.

وعموما فإن عيوب التراضي المنصوص عليها في ثالثا من الفرع الثاني من الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الأول (في الفصول 39 إلى 56) لا تسعف في إطار العلاقة التي تربط البائع بالمشتري لعدة اعتبارات قانونية، منها:

صعوبة إثبات بعض هذه العيوب، خصوصا عيب الغلط في الشيء المبيع؛ إذ أن مسألة العلم والجهل بالشيء المبيع وصفاته تعد من الأمور النفسية الداخلية التي تختلف من متعاقد لآخر؛

لعل عيوب التراضي ترتبط في الأصل بزمرة العقود الرضائية التي تنبني على المساومة الحرة للمتعاقدين. ونظرا لأن هناك بعض المبايعات التي تتم بين أطراف غير متساوين من حيث مراكزهم الاقتصادية، حيث ظهر لأجل ذلك قانون جديد للاستهلاك منظورا إليه من زاوية اجتماعية صرفة هدفها حماية المستهلك كطرف ضعيف في العلاقة التعاقدية التي تربطه بالطرف الآخر (المورد/الطرف القوي) ويقينا أن هذا القانون يحد نوعا ما من هذه العيوب، بل ويلغي فرضية احتمالها في البيوع.

ثالثا: حماية التراضي في عقود الإذعان والبيوع الاستهلاكية

لما كان انعدام التوازن كليا أو جزئيا بين أطراف العلاقة التعاقدية محتمل الوقوع، نتيجة لإذعان أحد المتعاقدين لإرادة المتعاقد الأخر، أو لكون أحد أطراف العقد مستهلكا عاديا في الوقت الذي يكون فيه المتعاقد الثاني محترفا في الميدان الذي حصل فيه التعامل؛

فإن حماية المستهلك عن طريق فصول قانون الالتزامات والعقود في الفرع المتعلق بعيوب التراضي، قد لا يسعف أو لا يكون كافيا لتحقيق هذه الحماية؛ الأمر الذي دفع المشرع إلى إيجاد حماية من نوع خاص للمستهلك المتلقي للبضائع والسلع الاستهلاكية، تبدأ منذ فترة ما قبل التعاقد وتنتهي بمرحلة ما بعد الاستهلاك.

ووعيا من المشرع بعدم كفاية عيوب التراضي في حماية المشتري المستهلك في عقد البيع؛ أصبح هذا الأخير بموجب القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، يتمتع بحقوق أساسية من قبيل: الحق في الإعلام أو التبصير (1)، فضلا عن حقه في الاختيار والتراجع (2) .

1/ استفادة المشتري من الحق في الإعلام/ تبصير المستهلك

عندما تنطبق مواصفات المستهلك على المشتري الذي يتعاقد مع البائع فإنه يكون من حقه الاستفادة من واجب الإعلام الملقى على عاتق البائع تجاه المشتري. على أن تطبيق القواعد الاستهلاكية لإعلام المستهلك الواردة في القانون رقم 31.08 على العقود الاستهلاكية التي يحصل فيها التعاقد بين فئات الباعة المحترفين والمشترين المستهلكين.

ولعل الالتزام بالإعلام له ملامح في مقتضيات قانون الالتزامات والعقود، إلا أن المشرع أدرجه ضمن قائمة الالتزامات الأخلاقية فقط؛ بأن نص في الفصل 231: "كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية، وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته". وأن توجيه وتقديم النصيحة الخاطئة لا يترتب عليها مسؤولية صاحبها إلا في الحالات الاستثنائية التي حددها المشرع بمقتضى نص خاص؛ وفقا لنص الفصل 83 من ق.ل.ع فإن: "مجرد النصيحة أو التوصية لا تترتب عليها مسؤولية صاحبها إلا في الحالات الآتية..." .

إلا أنه بموجب القانون المنظم لحماية المستهلك رقم 31.08؛ أدرج حق المستهلك في الإعلام ضمن قائمة الحقوق الأساسية الثابتة للمستهلكين؛ والمشرع خصص له قسما مستقلا له؛ في الباب الأول الالتزام العام بالإعلام (المواد من 3 إلى 11)، والباب الثاني الأحكام المتعلقة بإعلام المستهلكين بآجال التسليم (المواد من 12 إلى 14). ولعل إعلام المستهلك يشمل:

المشرع أخذ بمفهوم الإعلام المزدوج؛ في فترة ما قبل وما بعد إبرام العقد؛

المشرع أوجب على المهني أن يمكن المستهلك بكل الوسائل الملائمة سمعية كانت أو بصرية من معرفة المميزات والخصائص الأساسية للسلع والمنتجات والخدمات، وأن يحدد له مصدرها وتاريخ صلاحيتها، وعلى وجه الخصوص بأسعار المتوجات والسلع مقابل الخدمات التي يتعين على المشتري دفعها للبائع المهني، وأن يوضح للمشتري طريقة استخدام واستعمال المنتوج (المادة 3 من القانون 31.08) .

حينما تكون العقود الاستهلاكية متوقفة على التسليم غير الفوري للمنتجات والسلع للمستهلكين، فيوجب على المهني أن يحدد كتابة في عقد البيع أو الفاتورة المسلمة للمشتري أو أي وثيقة أخرى تسلم للمستهلك الأجل الذي يتعين عليه فيه تسليم هذه المنتجات للمشتري، وإذا تم تجاوز هذا الأجل بسبعة أيام دون أن يعزى ذلك لقوة قاهرة أو حدث فجائي فإن العقد سينفسخ تلقائيا بقوة القانون دون حاجة إلى القضاء لإقرار هذا الفسخ (المادة 13) .

أوجب المشرع على البائع/المهني تسليم المشتري/المستهلك نظير من رسم العقد الأصلي للمشتري، فضلا عن ضرورة أن تحرر عقود البيع بشكل واضح ومفهوم، بحيث إذا ما شكك في صحة أحد بنوده فيتعين تأويل هذا الشك بالمعنى الأكثر فائدة للمشتري المستهلك (المادة 9 من القانون 31.08)

2/ استفادة المشتري من الحق في التراجع عن المشروع العقدي

خول المشرع للمشتري المستهلك حق التراجع عن المشروع التعاقدي؛ وحيث أنه جعله استثناء، فإنه ضيق من مضمون هذا الحق زمانا ومكانا، وهو ما يظهر من خلال المقتضيات المتعلقة بحق التراجع الواردة في القانون 31.08 :

حصر نطاق استفادة المستهلك من حقه في التراجع في؛ أنماط التعاقدات المبرمة عن بعد، أي العروض والعقود الحاصلة وفقا لنماذج تقنية الإتصال عن بعد (المواد 29 32 36 إلى 44)، وكذا البيوع المبرمة خارج المحلات التجارية (المواد 47 إلى 52)

تحديد المهلة المخصصة لممارسة المستهلك لحقه في التراجع كأصل عام في سبعة أيام الموالية لتاريخ تسلم السلع والبضائع، من تاريخ قبول العرض حينما يتعلق الأمر بتوريد الخدمات (المادة 36). وإذا لم يتقيد البائع/المهني بالالتزامات الملقاة على عاتقه وفقا لما هو منصوص عليه ف المادتين 29 و 32 فإن حق المشتري/المستهلك في التراجع يستمر إلى غاية الثلاثين يوما الموالية للتواريخ المشار إليها.

فضلا عن تكريس المشرع للطابع الاستثنائي لحق المستهلك في التراجع (م.36 إلى م.47)، فقد عزز هذا الاستثناء باستثناءات فرعية أخرى تكرس بعضا من القيود القانونية يتعذر معها على المشتري/المستهلك ممارسة حقه في التراجع؛ ولعل حدود حرمان المستهلك من الحق في التراجع تتراوح بين حالات المنع الكلي (المادة 42)، وحالات يتقرر فيها المنع النسبي (المادة 38) . اللهم إذا وجد شرط اتفاقي في العقد يمنح المستهلك حق التراجع .

الفقرة الثانية: حماية التراضي في البيوع المبرمة بطريقة إلكترونية

أصدر المشرع القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، كإطار جديد للتعاقد عن بعد بين شخصين غائبين عن المجلس.

وعقد البيع الإلكتروني -المبرم على دعامة إلكترونية-؛ على غرار العقود الأخرى يستلزم بالضرورة سلوك المراحل التقليدية للتعاقد بين شخصين غائبين عن مجلس العقد بطرح العرض أو الإيجاب كدلالة على الرغبة في التعاقد وانتظار الرد من الطرف الموجه إليه هذا العرض بقبوله أو رفضه أو تعديله جزئيا.

أولا: الحماية المقررة أثناء عقد البيع الإلكتروني

مراعاة للقواعد العامة المشتركة بين كافة العقود فإن المشرع أكد في القانون رقم 53.05 على ضرورة الإبقاء على الأحكام المتعلقة بحماية عنصر التراضي وفقا للقواعد العامة إذ يحق لأطراف العقد الإلكتروني الطعن في صحة العقد بالاعتماد على عيوب التراضي أو نقصان الأهلية أو انعدامها وكذا الطعن في التصرف لعدم مشروعية سببه أو محله.

إلا أنه وبهدف ضمان الحماية اللازمة لطرفي العقد؛ وبما أن عملية التعاقد بصورة عامة تبدأ بمرحلة طرح العرض أو الإيجاب المتضمن للرغبة التعاقدية لذلك، فإن المشرع كان حريصا على توضيح عناصر هذا العرض والطريقة التي يتعين سلوكها في تبليغه للطرف الآخر.

وبخصوص عروض البيع يتعين أن تكون متضمنة لعناصر محددو حصرا (تحت طائلة اعتباره مجرد إشهار)، وهي:

ذكر الخصائص الأساسية للسلع والبضائع والخدمات المعروضة للبيع؛

تحديد شروط بيع السلع والخدمات وتفويت الأصول التجارية أو أحد عناصرها؛

بيان مختلف مراحل التعاقد بشكل إلكتروني وطرق الوفاء بالالتزامات التعاقدية كعملية الأداء ومكان تسليم البضاعة أو تنفيذ الخدمة؛

بيان الوسائل التقنية التي يتمكن مستعمل هذا النمط التعاقدي من كشف الأخطاء المرتكبة أثناء تحصيل المعطيات وتصحيحها؛

ذكر اللغة المقترحة كوسيلة للتعاقد؛

تحديد طريقة حفظ العقد في الأرشيف من طرف صاحب العرض وشروط الإطلاع على العقد المحفوظ في الحالات التي يتطلب الأمر ذلك؛

بيان الوسائل الإلكترونية التي يتم بها الإطلاع على القواعد المهنية والتجارية التي يعتزم صاحب العرض الخضوع لها عند الاقتضاء؛

ثانيا: حماية عنصر التراضي باستغلال وسائل تقنية حديثة

توقيا لكل تقليد أو قرصنة للمعطيات القانونية فإن المشرع ركز في القانون 53.05 على ضرورة تأمين التوقيع الإلكتروني والتحفيز على تشفير المعلومات الخصوصية والمصادقة عليها بشكل إلكتروني.

ولعل هذه الوسائل الحديثة التي تهدف إلى ضمان سلامة المعطيات القانونية وحمايتها من كل استغلال غير مرخص به، تتمثل في التوقيع الإلكتروني المؤمن (1)، تشفير المعلومات الإلكترونية (2)، المصادقة على التوقيعات الإلكترونية (3) 

1/ التوقيع الإلكتروني المؤمن

تطلب المشرع في التوقيع حتى يكون مؤمنا الاتي:

خاص بالموقع دون غيره؛

أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ لها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية؛

أن يتضمن وجود الارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أو تغيير لاحق أدخل عليها؛

ولأجل ضمان توفر هذه العناصر الثلاث فإنه يلزم أن:

يوضع التوقيع بواسطة آلية خاصة لإنشاءه تكون صلاحيتها مثبتة بمقتضى شهادة المطابقة؛

الإشارة إلى معطيات التوقيع الإلكتروني المؤمن في الشهادة الإلكترونية المنصوص عليها في المادة 10 من القانون 53.05 ؛

أن يكون صادرا عن الجهة الرسمية التي خول لها القانون صلاحية إنشاء واستغلال هذا التوقيع وفقا للضوابط المنصوص عليها في القانون 53.05 ؛ وهذه الجهة التي تقوم بتسليم شواهد المطابقة لأصحاب التوقيعات الإلكترونية المؤمنة (وهذه الشواهد بدورها تتوفر على مجموعة بيانات لا يمكن تقليدها، فهي معلومات محمية) .

2/ تشفير المعلومات الإلكترونية

التشفير؛ هو عملية تهدف إلى إخفاء المعلومات اللازمة للاستئثار بالشفرة التقنية اللازمة للحفاظ على سرية تبادل المعطيات القانونية بشكل إلكتروني، ولضمان الاستعمال الحصري لهذه المعلومات من طرف من له الحق في ذلك فإن القانون وضع أسلوبا فريدا من نوعه لضمان سرية تبادل وتخزين المعلومات والتوقيعات الإلكترونية.

وهناك عدة وسائل تقنية للتعبير عن الشفرة الإلكترونية وفكها وبيان مضمونها فهي قد تكون في شكل:

إشارات؛

رموز؛

متفق عليها بشكل سري بين الزبون والجهة المقدمة للخدمة أو المصادقة على التوقيع.

3/ المصادقة على التوقيعات الإلكترونية

لقد أوكل القانون 53.05 إلى السلطة الوطنية مهام اعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية، وبذلك فهي تعد بمثابة الجهاز الساهر على تنظيم هذه المهام من الناحية التنظيمية والإدارية، إذ لها صلاحية اختيار مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، ومراقبة أنشطتهم المهنية ومدى موافقتها للالتزامات المنصوص عليها في القانون المذكور.

وقد تطلب المشرع في الجهة المرشحة لنيل الاعتماد توفرها على جملة من الشروط التي لها ارتباط ب:

الكفاءة المهنية؛

حفظ السر المهني؛

التوفر على نظام دقيق لضمان السلامة لمعاملات الزبناء؛

فضلا عن إبرام الجهات المقدمة لهذه الخدمات عقد تأمين لتغطية مخاطر المسؤولية المدنية عن الأضرار التي قد تنشأ عن أخطائها المهنية.

ويقينا أنه كلها ضمانات تصب في اتجاه واحد؛ هو مضاعفة أوجه الحماية المخصصة للمتعاقدين في إطار هذا النظام التعاقدي الجديد الذي يتم فيه البيع والشراء بطريقة إلكترونية.

الفقرة الثالثة: القيود الواردة على حرية البيع والشراء

بالرغم من مبدأ الحرية إلا أن المشرع يتدخل ليضع بعض القيود على حرية البيع والشراء؛ ويتعلق الأمر بحق الشفعة (أولا)، حق الأولوية (ثانيا)، وكذا البيع بالتراضي الناتج عن نزع الملكية (ثالثا) .

أولا: حق الشفعة

حق الشفعة؛ هو مؤسسة لاحقة للعقد يتم بمقتضاها حلول الشفيع محل المشتري بعد إبرام البيع.

فالشفعة؛ أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها، بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء.

والمشرع نظم حق الشفعة في قانون الالتزامات والعقود، في (القسم السابع: الاشتراك) (الباب الأول: الشياع وشبه الشركة) في الفصول من 974 إلى 976. وأيضا في مدونة الحقوق العينية في المادة 292 .

كما أن المشرع وضع شروطا للتمسك بهذا الحق، وهي:

في قانون الالتزامات والعقود: يسقط الحق في ممارسة الشفعة بمضي سنة من علمه بالبيع الحاصل من المالك معه، ما لم يثبت أن عائق مشروعا منعه منها الإكراه (الفصل 976) .

في مدونة الحقوق العينية القانون 39.08 : حسب المادة 304 نميز بين ثلاث حالات:

الحالة الأولى:

1/ المشتري بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في مطلب التحفيظ؛

2/ يبلغ نسخة من عقد شرائه إلى من له الحق في الشفعة؛

3/ يسقط حق الشفيع في الشفعة إن لم يمارسه خلال أجل 30 يوم كاملة من التوصل بالتبليغ شخصيا له؛

الحالة الثانية: التبليغ تحت طائلة البطلان يتضمن؛

1/ بيان عن هوية كل من البائع والمشتري؛

2/ بيان الحصة المبيعة وثمنها والمصروفات ورقم الرسم العقاري؛

3/ يسقط حق الشفعة إن لم يقع التبليغ:

يسقط بمضي سنة من التقييد (إذا كان العقار محفظ)؛

يسقط بمضي سنة على العلم (إذا كان العقار غير محفظ) .

الحالة الثالثة: إذا لم يتحقق العلم؛

فيسقط الحق بمضي 4 سنوات من إبرام العقد .

وفيما يتعلق بالحق في ممارسة شفعة الحصة المبيعة، نستشهد بقرارات لمحكمة النقض:

قرار محكمة النقض عدد 859/9 بتاريخ 28/12/2017، يتعلق بالعلم بتاريخ البيع في العقارات غير المحفظة- وإثباته، جاء فيه: "العلم بتاريخ البيع لممارسة حق الشفعة في العقارات غير المحفظة يمكن أن ينتج من أي دليل تستخلصه المحكمة من الحجج المعروضة أمامها بما في ذلك الإقرار" .

قرار محكمة النقض عدد 604/9 بتاريخ 25/10/2018، يتعلق بأن أخذ الشريك بالشفعة لا يتوقف على تخلي باقي الشركاء عن ذلك مسبقا، جاء فيه: "شفعة الشريك بقدر حصته لا تتم إلا إذا تعدد الشفعاء، فإن لم يباشر باقي الشركاء حقهم في الشفعة تعين على من يرغب في الشفعة أن يشفع الحصة المبيعة بكاملها دون أن يتوقف ذلك على إثبات عدم رغبتهم في الأخذ بها تفاديا لمواجهته بقاعدة عدم جواز التبعيض ودون حاجة لاستدعائهم" المقصود بالتبعيض؛ هو تقسيم الحصة المشفوعة بين كل الشفعاء، في حين أن ذلك لا يجوز مطلقا، فالشفعة يأخذ بها أحد الشركاء على الشياع وتكون الحصة المبيعة بكاملها دون تجزيئ لها، بعد أن يدفع للمشتري الثمن والمصاريف وكل التكاليف التي تحملها" .

قرار محكمة النقض عدد 152/9 بتاريخ 4/2/2019، يتعلق ب لزوم إدخال البائع في دعوى الشفعة- لا، المشفوع منه لا مصلحة له بالدفع بذلك (لأن ذلك في حد ذاته إقرار للشفيع بحقه في الشفعة)، جاء فيه: "حيث أن الصفة في الدعوى تستمد من موضوعها ولما كان الطلب انصب على استحقاق شفعة الشق المبيع فإن طرفيها هما الشفيع والمشفوع منه فضلا على إدخال البائع فيه مصلحة للشفيع لا للمشفوع منه إذ الأول من يحل محل الثاني وتنتقل إليه حقوقه بما في ذلك مواجهة البائع بأثار البيع وبالتالي لا صفة ولا مصلحة للمشفوع منه بالدفع بعدم قبول دعوى الشفعة لعدم إدخال البائع والمحكمة التي ردت الدفع بأن عدم إدخال البائع في الدعوى لا يسم مصلحة المشفوع منهم تكون قد ركزت قضاءها على أساس" .

ثانيا: حق الأفضلية/ الأولوية

حق الأفضلية؛ هو مؤسسة سابقة للبيع تسند الملكية إلى شخص بتفضيله عن الآخرين، فتمارس أولا قبل العقد.

ولعله بمجرد توفر شروط حق الأولوية يتم تفضيل بعض الأشخاص في استحقاق حق عيني أو شخصي .

ثالثا: البيع بالتراضي الناتج عن نزع الملكية

معلوم أن حق الملكية محمي بالقانون (الفصل 35 من الدستور)؛ إلا أن هناك بعض الحالات التي يتم فيها نزع ملكية معينة اقتضتها متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وفق الإجراءات التي ينص عليها القانون. على أن تحديد الثمن في هذه الحالة يتم من طرف اللجنة الإدارية.

الفقرة الرابعة: الاتفاقات التمهيدية التي تسبق إبرام البيع النهائي

إن العقود التي تكون على جانب من الأهمية غالبا ما تكون مسبوقة بجملة من الاتفاقات والتعهدات الأولية التي يتم بها التمهيد لإبرام العقود النهائية، ويقينا أن الفترة الفاصلة بين إنشاء الاتفاقات التمهيدية وإبرام العقود النهائية؛ من شأنها منح لأطراف هذه العلاقة فرضا إضافية للتفكير في النتائج والآثار التي ستترتب عن إبرام التصرف النهائي .

ولعله هناك الكثير من هذه الاتفاقات التمهيدية المتشابهة من حيث العناصر اللازمة لإنشائها، إلا أنها تهدف لتحقيق نتيجة مشتركة ألا وهي ضمان إبرام العقد النهائي؛ ويندرج ضمن الاتفاقات التمهيدية كل من: الوعد بالبيع والمواعدة عليه (أولا)، والعقود بالأفضلية (ثانيا)، والبيع بالعربون (ثالثا)، والعقود الابتدائية (رابعا).

أولا: الوعد بالبيع والمواعدة عليه

الوعد بالبيع أو بالشراء؛ هو من الاتفاقات التمهيدية التي تسبق إبرام العقد النهائي، إذ غالبا ما يسبق إبرام العقد النهائي وعدا يعرب فيه أحد المتبايعين أو كلاهما (البائع والمشتري) عن رغبته في التعاقد النهائي.

وعلى خلاف جل التشريعات المدنية التي نظمت مؤسسة الوعد بالبيع، اكتفى المشرع المغربي بمجرد الإشارة لهذه المؤسسة بمقتضى نصوص قانونية متفرقة يكتنفها الإبهام في معظم الحالات. وعموما فسنتناول الوعد بالبيع والشراء الملزم لجانب واحد (1)، ثم الوعد بالبيع والشراء الملزم لجانبين (2) .

1/ الوعد بالبيع أو بالشراء الملزم لجانب واحد

الوعد الملزم لجانب واحد، هو أن يتوعد الطرف إما بالبيع أو بالشراء، في حين يحتفظ الطرف الأخر بكامل الحرية وبرضائه إلى غاية العقد النهائي؛ إذ أن هذا المستفيد من الوعد له الخيار إما في اكتساب موضوع الوعد أو التنازل عنه.

ولما كان الوعد بالبيع أو بالشراء يكون بإرادة منفردة؛ وجب التمييز بين الوعد بالبيع (أ)، والوعد بالشراء (ب) .

الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد

الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد؛ هو تصرف قانوني يلتزم بمقتضاه شخص يسمى الواعد ببيع شيء معين سواء كان منقولا أو عقارا أو غيرهما بثمن محدد لشخص أخر يدعى المستفيد. ويترتب عنه أن البائع يلزم لوحده، أما المشتري المستقبلي يستفيد من حق ممارسة الخيار .

وهذا الوعد بالبيع له خصائص، وله شروط، وله نتائج:

1.3 بالنسبة لخصائصه:

الوعد إذا اقتصر على البيع دون الشراء فإنه يندرج ضمن التصرفات القانونية الملزمة لجانب واحد؛

الوعد بالبيع وإن كان يمهد في الأصل لإبرام العقد النهائي إلا أنه يمتاز بخصوصيات العقد الكامل لا من حيث العناصر ولا من حيث الشكل الذي يرد فيه، عدا ما هو من خصوصيات العقد النهائي للبيع؛

الوعد بالبيع من العقود المؤقتة التي يتم بها التمهيد لإبرام عقد البيع النهائي، لذلك فهو وسيلة قانونية تحضيرية قد يترتب عنها إبرام العقد النهائي؛

الوعد بالبيع من العقود التي تنبني على منح الخيار للمشتري قصد تقرير مصير العقد النهائي بالإجازة أو بالرفض داخل الأجل المحدد وهو بذلك يختلف عن بيع الثنيا (الفصل 585)، وبيع الخيار (الفصل 601) اللذين يعتبران من العقود التي تخول للبائع أو المشتري أو هما معا إمكانية التحلل من البيع باسترداد المبيع ورد الثمن إذا تضمن العقد شرطا يجيز ذلك.

بالنسبة للشروط:

الشروط الموضوعية: تتمثل في:

تحديد الشيء محل الوعد (المبيع)؛

تحديد الثمن (ولو بصورة تقريبية في هذا العقد التمهيدي)؛

يتعين أن يكون الواعد أهلا للالتزام، أي أن يتمتع بأهلية التصرف في الشيء محل الوعد.

وبمفهوم المخالفة فإن الوعد بالبيع إذا جاء مجردا من غير تحديد لمضمونه فإنه يكون عديم الأثر؛ وهذا ما أكده المشرع في الفصل 14 بقوله مجرد الوعد لا ينشئ التزاما .

وفي هذا الصدد نستحضر قرار لاستئنافية تازة بتاريخ 24/12/1986: "الوعد بالتعاقد عقد تمهيدي لا ينعقد صحيحا إلا إذا توافرت فيه جميع العناصر الجوهرية للعقد النهائي المراد إبرامه" .

فضلا عن شرط آخر؛ وهو أن يكون الوعد بالبيع مبنيا على منح فرصة الاختيار للمشتري بين قبول مضمون الوعد بالبيع أو رفضه داخل أجل محدد، أما إذا لم يتم تحديد هذا الأجل في صلب العقد التمهيدي فإن الواعد لا يمكن له التحلل من وعده إلا بوضع الطرف الموعود الذي هو المشتري في حالة مطل وذلك بعد إعطاءه مهلة مناسبة للتعبير عن موقفه من موضوع الوعد بالقبول أو الرفض (والمشرع لم يقيد حق الخيار بأجل معين، مما يبقي الفرضيتين قائمتين إما تحديد أجل أو عدم تحديده) .

الشروط الشكلية:

الرضائية؛

مع مراعاة مقتضيات الإثبات .

بالنسبة للآثار:

التزامات البائع: الواعد بالبيع لا يخضع إلا للالتزام عدم القيام بعمل؛ إذ لا يمكنه التصرف في الشيء محل الوعد لمصلحة الغير، وإذا ما قام بتصرف لمصلحة الغير يتحمل الواعد بالبيع المسؤولية العقدية؛ ويظل هو بمثابة المالك الحقيقي .

على أنه إذا تعذر على الواعد لتصرف الإرادي في الشيء الموعود به، الوفاء به أمام الشخص الموعود/المشتري، فعليه أن يتحمل التعويض الذي لحق الطرف المستفيد من الوعد نتيجة لعدم تمكنه من الوفاء بالتزاماته إزاءه،

أما إذا تعذر عليه الوفاء به لأسباب قاهرة فإنه يتحلل من وعده تلقائيا لتخلف عنصر المحل؛ ويمكن استخلاص هذا الحكم العام من نص الفصلين 788 و 789 المتعلقين على التوالي يوعد المودع لديه والمعير حيث لا يعفيان من الوفاء بوعدهما إلا إذا أثبتا أن أسبابا مشروعة أو أحداثا غير متوقعة قد حالت بينهما وبين عدم تنفيذ موضوع وعدهما .

في حالة تفويت الواعد/البائع لشيء محل الوعد للغير:

هذا التصرف يكون صحيحا بالنسبة للغير؛

المستفيد/المشتري له حق مواجهة المالك بحق التعويض دون إمكانية المطالبة بهدم التصرف الذي تم لمصلحة الغير حماية للغير.

ولا يستحق الغير الحماية:

إذا كان على علم بوجود الوعد؛

تلقي الغير هذا الشيء محل الوعد بشكل مجاني.

حقوق المستفيد/الموعود: خلال مدة انتظار المشتري/الموعود فإنه لا يتحمل أي التزامات مقابلة لكون العقد ملزم لجانب واحد فقط (للبائع وحده)، فالمستفيد يتمتع بحق شخصي ويثبت له في مواجهة الواعد دون أن يكون له حق عيني، إذ يمكن له ممارسة حق الخيار بين إجازة موضوع الوعد أو رفضه، وبالرغم من أن حق الخيار يثبت للمشتري/الموعود إلا أن ذلك لا يمنعه من حق نقل حقه إلى الغير عن طريق حوالة هذا الحق اللهم إذا كان هناك شرط يمنعه من ذلك.

فضلا عن أنه وعلى غرار الحقوق الأخرى ينتقل للورثة في حالة موت المستفيد من الوعد باعتبارهم خلفاء عامين للشخص الموعود؛ ويمكن استخلاص هذا الحق في قانون الالتزامات والعقود عن طريق إعمال القياس من نص الفصل 610 من ق.ل.ع المتعلق ببيع الخيار: "إذا مات من له الخيار قبل أن يختار انتقل الخيار إلى ورثته وإذا فقد أهلية التعاقد عينت له المحكمة مقدما خاصا ويجب على هذا المقدم أن يعمل على النحو الذي يكون أكثر اتفاقا مع مصالح ناقص الأهلية" .

وعموما؛ الموعود له يكون أمام وضعيتين: إما ممارسة الخيار، أو عدم ممارسته؛

عدم ممارسة المستفيد الخيار:

يمكن للمستفيد أن لا يمارس الخيار، ويستوي في ذلك أن يكون صريحا أو ضمنيا؛

لا يلتزم المستفيد بأي تعويض كأصل في حال امتناعه عن الخيار؛

يلتزم استثناء المستفيد بتعويض ما يسمى تعويض الحوالة، مقابل لالتزام الواعد عدم القيام بعمل .

ممارسة الخيار:

للمستفيد الحق في ممارسة الخيار ما دام الوعد ساريا ومدته لم تنتهي؛

لا يخضع الخيار مبدئيا إلى أي شكلية خاصة؛ إلا أنه من مصلحة المستفيد تحديده لشكلية معينة لتبيان أنه مارس حقه بالخيار في المدة المحددة .

مدة الوعد: تحدد المدة من طرف الأطراف؛ لأجل ممارسة الخيار الممنوح للمستفيد خلالها .

الوعد بالشراء الملزم لجانبين

في حالة الوعد بالشراء يتقرر الآتي:

الواعد هو المشتري؛ الذي يلتزم بشراء الشيء إذا أقر المالك؛

يتم تحديد الشيء محل الوعد –الثمن-؛

الواعد/المشتري لابد أن تتوفر فيه الأهلية؛

المستفيد/البائع الذي لا يلتزم بالبيع لا يشترط فيه الأهلية، إلا في لحظة ممارسته للخيار؛ إذ لابد أن تكون لديه الأهلية اللازمة .

2/ الوعد بالبيع أو بالشراء الملزم لجانبين

للوعد بالبيع أو الشراء الملزم لجانبين خصائص، وأثار:

خصائصه:

عقد تمهيدي يمهد لإبرام عقد تام؛

عقد ابتدائي لأنه يتضمن عناصر العقد الأساسية واتفاقات أطرافه؛ إلا أن هناك شرط اتفق عليه المتعاقدين وهو عدم إبرام العقد بصورة نهائية إلا بعد إكمال جميع الإجراءات؛

عقد يرتب التزامات على الطرفين (الواعد والموعود له) .

أثاره:

مبدئيا تتشابه أثار الوعد الملزم لجانبين بآثار عقد البيع، من حيث:

على مستوى تكوين الوعد الملزم لجانبين يخضع لنفس شروط عقد البيع؛ من حيث الأهلية اللازمة للبيع والشراء، ومن حيث الشيء المبيع معين ومحدد؛

حوالة الوعد الملزم لجانبين تخضع لنفس أحكام حوالة العقد؛

تنفيذ الوعد الملزم لجانبين يسمح أيضا باتخاذ تدابير التنفيذ الجبري (طبقا لمبدأ القوة الملزمة للعقد)؛ لاسيما إذا رفض البائع توقيع العقد الرسمي (فالمحكمة تجبره تحت غرامة تمهيدية) .

الوعد الملزم لجانبين؛ كتعهد مزدوج لا يمنح للبائع ولا للمشتري أي خيار للعدول عن التعاقد عند تحقق الشروط أو الأجال أو الشكليات التي يتوقف عليها، فالتزاماتهما نهائية، وعند عدم الوفاء بها فإنه يكون من حق الطرف المتضرر أن يطالب بإتمام عقد البيع كاختيار أساسي أو المطالبة بفسخ العقد كاختيار ثانوي مع إمكانية المطالبة بالتعويض عن الأضرار في كلا الحالتين (الفصلين 259، و 260 من ق.ل.ع ) .

وفي إطار الوعد الملزم لجانبين هناك قرار عن الغرفة المدنية للمجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا عدد 3557 بتاريخ 22/10/2008، يتعلق الأمر ب: "بوعد بالبيع لصالح المشتري الذي أدى جزءا من ثمن المبيع (مجموعة عقارات) والتزم بأداء باقي الثمن عند استكمال إبرام العقد النهائي وثبوت خلو العقارات المبيعة من الضرائب والتكاليف التي قد تثقلها وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام العقد، إلا أن البائعة تهربت من إتمام العقد بدعوى عدم وفاء المشتري بالتزاماته العقدية تجاهها، وبعد أن استجابت محاكم الموضوع لطلبها الرامي لفسخ الوعد بالبيع فإن المجلس الأعلى قرر نقض الحكم الاستئنافي بدعوى أن قرار المحكمة القاضي بفسخ البيع لعدم أداء المشتري لباقي الثمن داخل الأجل المتفق عليه ناقص التعليل لكون أنها لم تتأكد من كون البائع قد وفى بنصيبه من الالتزام وأنجز الإجراءات القانونية اللازمة لانتقال الملكية للمشتري داخل الأجل المتفق عليه لذلك فإنها تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا يوازي انعدامه مما يجعله عرضة للنقض" .

ثانيا: الوعد بالتفضيل

الوعد بالتفضيل؛ هو اتفاق يتعهد بمقتضاه أحد الطرفين ويسمى الواعد، إذا ما قرر مستقبلا إبرام عقد معين للتصرف في العين المبيعة، بتفضيل الطرف الآخر الذي هو الموعود له على سائر الراغبين في التعاقد، ويكون الثمن في هذه الحالة هو الثمن الذي يعرضه الغير ويرضى به الواعد . مثلا: التاجر الذي يخشى من تملك أحد منافسيه لمحل مجاور له فيحصل من مالك العقار على وعد بالتفضيل .

وعلى هذا الأساس؛ فالوعد بالتفضيل هو حق شرطي، أي يبقى معلقا على شرط واقف وهو رغبة المالك في البيع إذا ما قرر مستقبلا إبرام العقد .

ولعل الوعد بالتفضيل لا يكون فقط مجرد عقد بيع، بل يمكن أن يكون إيجار أو مقايضة أو غير ذلك..، والمشرع المغربي نص على عدة حالات كرس فيها تفضيل بعض الأشخاص في استحقاق حق عيني أو شخصي، من ذلك:

حالة المكتري الذي يضطر لإفراغ العين المكتراة بسبب الهدم وإعادة البناء حيث خول له المشرع حق الأسبقية على غيره في الرجوع للعقار بعد إصلاحه أو إعادة بناءه، وهذا ما أكدته المادة 50 من القانون رقم 12-67 المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى والاستعمال المهني؛

حالة الملاك المجاورين للمسيل الذي هجرته المياه بفعل تغير مجرى هذا المسيل يخول حق الأفضلية لهؤلاء الملاك في اقتناء الأراضي التي هجرتها المياه كلها في حدود النسبة التي كان يجاور بها المسيل القديم ويتم تحديد ثمن هذا المسيل من قبل الخبراء الذين يعينهم رئيس المحكمة المختصة بطلب من الإدارة وإذا رفض هؤلاء الملاك عرض الإدارة بالأثمان المحددة من قبل الخبراء داخل ثلاثة أشهر من تاريخ الإشعار بالعرض فإنه يتم بيع المسيل القديم وفق القواعد التي يتم لها بيع أملاك الدولة (الفصل 4 من ظهير 16/8/1995 المعتبر بمثابة قانون للمياه .

حالة أفضلية أعضاء الاتحاد في الملكية المشتركة في الحلول محل الشريك الذي باع شقته لشخص أجنبي عن الاتحاد وبالرغم من أن أفضلية هؤلاء الأعضاء مجتمعين أو منفردين في استحقاق العقار بالشراء قد تقرر بناء على ممارستهم لحق الأولوية الذي يخوله الفصل 27 من ظهير 16/11/1946 (وهذا الحالة هي تطبيق لحق شفعة العقار) . إلا أن هذا الحق لم يبقى قانونيا بل أصبح مجرد حق اتفاقي بموجب قانون الملكية للعقارات المبنية رقم 00-18 الصادر في 3/10/2002، الذي نص في المادة 39 منه على: "يمكن للملاك بأغلبية ثلاثة أرباع أصوات الملاك المشتركين الحاضرين أو الممثلين أن ينشؤوا حق الأفضلية فيما بينهم في جميع التصرفات الناقلة للملكية بعوض والتنصيص على كيفية ممارسة هذا الحق وآجاله في نظام الملكية المشتركة" .

ثالثا: البيع بالعربون

العربون هو قدر من المال يدفعه أحد المتعاقدين للطرف الأخر عند التعاقد؛

وهو على هذا الأساس؛ هو بمثابة أداة قانونية هامة لحماية حقوق المتعاقدين من عبث بعضهم أو أحدهم، فهو يشكل أداة رادعة للمتعاقد المخل بالتزاماته.

والمشرع المغربي تطرق لأحكام العربون في الفرع الأول من الباب الرابع المتعلق ببعض وسائل ضمان تنفيذ الالتزامات (من القسم الرابع من الكتاب الأول في ق.ل.ع) في الفصول من 289 إلى 290 . وبتفحص هذه الفصول يتضح الآتي:

العربون هو ما يقدمه المشتري للبائع ضمانا لتنفيذ تعهده بالشراء؛

العربون هو بمثابة دفعة أولية من الثمن الإجمالي المتفق عليه؛

العربون أداة تأكيد للبيع، وليس وسيلة للتراجع عنه، وبذلك فهو خطوة جدية نحو تنفيذ العقد، وبالتالي أي عدول أو تراجع انفرادي بدون موافقة الطرف الآخر إلا ويعد إخلالا بالالتزام الرابط بينه وبين الطرف الآخر؛

المشتري بتقديمه للعربون يضمن تنفيذ تعهده بالشراء؛

العربون يلزم البائع ولا يمكنه التراجع؛

العربون يحفظ حق المشتري في العدول مقابل تعويض البائع، والتعويض يخضع لسلطة المحكمة حين تقديرها لمدى تعسف المتراجع كخطأ عقدي؛

العربون حق من حقوق البائع يمكن أن يحتفظ به ولا يلزم برده إلا بعد أخذ تعويض من المحكمة إن اقتضى الأمر؛

وبالرغم من أن المشرع خول للمحكمة في إطار سلطتها التقديرية أن تحدد التعويض الذي تراه مناسبا لإنصاف الطرف المضرور من جراء العدول عن إتمام العقد (الفصل 290 ق.ل.ع)، إلا أن ذلك لم يمنعه من الخروج عن هذه القاعدة في بعض الحالات الخاصة وبمقتضى نص قانوني خاص كما هو الشأن بالنسبة لمضمون الفصل 210 من قانون المسطرة المدنية؛ الذي يتعلق بالمزاد العلني الذي يرسو على من يشتري عقارات القاصرين فيمتنع عن إتمام العقد بعد تسبيقه للعربون؛ حيث نص على: "إذا لم ينفذ من رسا عليه المزاد شروط السمسرة أنذر بتنفيذها فإن لم يستجب لهذا الإنذار داخل أجل ثمانية أيام بيع العقار ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل السابق، ولا يمكن في هذه الحالة للمشتري المتخلف أن يسترجع العربون الذي قد يكون دفعه" . ويمكن استنتاج نفس المقتضى من مضمون المادة 68 من مدونة الأوقاف التي أجازت لإدارة الأوقاف فسخ عقد المعاوضة تلقائيا في حالة عدم أداء المعاوض له مبلغ المعاوضة كاملا خلال الأجل المنصوص عليه في المادة 66 من نفس المدونة ولا حق للمعاوض له (المشتري) في استرداد الصوائر ومبلغ الضمان (ويدخل ضمن هذا المفهوم كل المبالغ التي يبادر المشتري بتسبيقها للبائع/أي وزارة الأوقاف بقصد ضمان الوفاء بتنفيذ تعهده تجاهها ويعد العربون واحدا من المبالغ التي ينطبق عليها هذا المفهوم) .

رابعا: عقد البيع الابتدائي

العقد الابتدائي؛ هو مرحلة وسطى بين المفاوضات التمهيدية والعقد النهائي، فهو يعتبر مشروعا متكاملا للتعاقد.

ولعل العقد الابتدائي قد يكون الهدف من وراءه إما حفظ حق أحد الطرفين في استحقاق الأولوية في التعاقد، وقد يكون مجرد عقد مؤقت يتم به التمهيد لإبرام العقد النهائي لعدم كفاية الضمانات المقدمة من طرف المشتري الشيء الذي يمكن البائع من الاحتفاظ بملكية المبيع خلال الفترة الفاصلة بين العقدين الابتدائي والنهائي.

والبين أن هناك من المظاهر التعاقدية التي يتم إبرامها في القانون المغربي على مرحلتين، من أبرزها:

حالة الإيجار المفضي إلى تملك العقار؛ بالقانون 00-51 صدر في 11/11/2003 ؛ ينبني التعاقد على إبرام عقد أولي تمهيدي يتم الاتفاق فيه على العناصر الجوهرية لمشروع التعاقد على أن يتحول في مرحلة لاحقة إلى عقد نهائي ناقل للملكية إذا مارس المكتري حقه في الخيار المنصوص عليه في المادة 15 من قانون الإيجار المفضي إلى التملك.

بيع العقار في طور الإنجاز؛ بالقانون 00-44 صدر في 03/10/2002 وعدل بالقانون 107.12؛ ينبني التعاقد على إبرام عقد أولي تمهيدي يتم الاتفاق فيه على العناصر الجوهرية لمشروع التعاقد على أن يتحول في مرحلة لاحقة إلى عقد نهائي ناقل للملكية إذا أدى المشتري للمبلغ الإجمالي للعقار أو الجزء المفرز منه حسب ما هو منصوص عليه في العقد الابتدائي .

وحفظا لحقوق أطراف العقد التمهيدي، فإن المشرع أوجب على هؤلاء الأطراف المبادرة إلى تسجيل مضمون عقودهم الابتدئية لدى المحافظ على الأملاك العقارية إذا كان موضوع المعاملة عقارا محفظا أو الاكتفاء بتسجيلها في السجلات المخصصة لذلك لدى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بالدائرة التي يوجد بها العقار إذا كان غير محفظ . (المواد 5 و6 من القانون 00-51) (الفصل 618.4 من القانون 107.12) .

و هناك نماذج أخرى للعقود الابتدائية من قبيل:

شراء السيارات عن طريق السلف ينظمها ظهير 17/7/1936 المتعلق ببيع السيارات بالسلف

حالات الإئتمان الإيجاري في المجال التجاري (المواد 431 إلى 442 من مدونة التجارة)؛ حيث يظل المكري أو البائع محتفظا بملكية الشيء على سبيل الضمان لانطواء هذه الأنماط التعاقدية على شرط ضمني بمنع المدين من التصرف إلى غاية تحول العقد الابتدائي لعقد نهائي .

المطلب الثالث: الشيء المبيع

الشيء المبيع هو محل التزام البائع مقابل التزام المشتري بدفع الثمن؛ وهو من أهم الركائز الأساسية التي لا يقوم البيع إلا بوجودها إلى جانب كل من الأهلية والثمن والتراضي على البيع والشراء والمبيع.

وباعتباره مظهرا من المظاهر التي يتجلى فيها المحل كركن جوهري في الالتزامات التعاقدية فإنه يلزم فيه أن يكون مشتملا على نفس العناصر والشروط المتطلبة في محل الالتزامات بصورة عامة عدا ما هو من خصوصيات الشيء المبيع، وهكذا يلزم في الشيء المبيع أن يكون موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل (الفقرة الأولى)، وأن يكون معينا أو قابلا للتعيين (الفقرة الثانية)، ويتوجب في المبيع أن يكون مشروعا وداخلا في دائرة الأموال الجائز التعامل فيها (الفقرة الثالثة)

الفقرة الأولى: شرط وجود المبيع في الحال أو المستقبل

إذا كانت القاعدة تقضي بوجوب وجود الشيء المبيع في الحال (1)، فإن هناك استثناءات ترد عليها مقررة بالقانون (2) .

أولا: القاعدة العامة

الأصل هو ضرورة وجود الشيء المبيع عند العقد؛ إذ لا ينعقد البيع إلا إذا كان موجودا في الحال.

ومقتضى هذا الشرط أن المبيع إذا كان معدوما أو وهميا فإنه لا مجال لانعقاد البيع، وهذا ما ينطبق أيضا على حالات البيع التي يكون فيها المبيع شيئا موجودا ولكنه غير مقدور على تسليمه لتجاوزه حدود الطاقة البشرية في التعامل كما نص على ذلك في الفصل 59 من ق.ل.ع "يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون".

وتجب الإشارة إلى أن شرط الوجود في المبيع لا يستلزم بالضرورة أن يكون المبيع حاضرا في مجلس العقد فقد يتم الاكتفاء أثناء التعاقد بذكر مواصفات المبيع التي تغني عن المعاينة الحسية له من طرف المشتري، وهذا ما ينطبق على البيوع المثلية التي تتحدد بذكر نوعها ومواصفاتها دون ضرورة لحضورها في مجلس التعاقد.

على أنه قد يحصل وأن يكون الشيء المتعاقد عليه موجودا أثناء مفاوضات البيع وعند الإقبال على إبرام البيع النهائي يتبين أن المبيع قد هلك أو ضاع من صاحبه ويسري على هذه الأحوال من أحكام ما يسري على المبيع غير الموجود أصلا؛ على أن بطلان البيع يتقرر في مثل هذه الحالات، إذ يقتصر على الأوضاع التي يكون فيها الهلاك أو الضياع قد حصل قبل إبرام العقد، أما إذا حصل ذلك بعد هذا الإبرام فإن مصير هذا العقد هو القابلية للفسخ وليس البطلان .

ثانيا: تطبيقات عملية للبيع المستقبلي

صحيح أن القاعدة تقضي بوجوب وجود الشيء المبيع في الحال، إلا أنه يصح الاتفاق على بيع أشياء غير موجودة حالا إلا أنها ممكنة الوجود في المستقبل.

إذ إن التعاقد بالبيع لا يقتصر على الأشياء الموجودة أثناء إبرام التصرف وإنما يشمل أيضا الأشياء المستقبلية إذا كانت قابلة للوجود في فترة معينة ومعقولة، وقد أجاز المشرع المغربي هذا النوع من التعاقد في الفصل 61 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه: "يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون ومع ذلك لا يجوز التنازل على تركة إنسان على قيد الحياة ولا إجراء أي تعامل فيها أو في شيء مما تشتمل عليه ولو حصل برضاه وكل تصرف مما سبق يقع باطلا بطلانا مطلقا"

وهناك تطبيقات يتجسد فيها بيع الشيء المستقبلي سواء في المنقولات أو العقارات، ويعتبر بيع سلم أحد تطبيقاته بالنسبة للمنقولات (1)، وبيع العقار في طور الإنجاز بالنسبة للعقارات (2) .

1/ بيع السلم

السلم؛ هو عقد بمقتضاه يعجل أحد المتعاقدين (المسلم) مبلغا محددا (رأس المال) للمتعاقد الأخر (المسلم إليه) يلتزم من جانبه بتسليم مقدار معين من الأطعمة أو غيرها من الأشياء المنقولة (المسلم فيه) في أجل متفق عليه .

نظمه المشرع في الفرع الثالث (بيع السلم) من الباب الثالث (في بعض أنواع خاصة من البيوع) من القسم الأول (البيع) من الكتاب الثاني (في مختلف العقود المسماة وفي أشباه العقود) في الفصول 613 إلى 618 .

بخصوص دفع الثمن في بيع السلم:

يجب لزوما دفع الثمن كاملا للبائع، وبمجرد إبرام عقد بيع السلم (الفصل 614) .

بخصوص الشيء محل بيع السلم: نميز بين:

إذا كانت الأشياء المبيعة مما يعد ويوزن؛ يجب في هذه الحالة أن تكون الأطعمة وغيرها من الأشياء التي يرد العقد عليها، معينة مقدارا وصنفا ووزنا أو كيلا، بحسب طبيعتها ، تحت طائلة بطلان البيع (الفقرة الأولى من الفصل 616) .

إذا كانت الأشياء المبيعة مما لا يعد ولا يوزن؛ في الحالة التي لا تكون الأطعمة وغيرها من الأشياء التي يرد العقد عليها، قابلة للعد أو للوزن، فحينئذ يكتفى بتحديد صنفها وبدقة تامة (الفقرة الثانية من الفصل 616) .

بخصوص زمان تنفيذ عقد بيع السلم:

الأصل أن يحدد بين الأطراف ميعاد التسليم، وإذا لم يحدد افترض أنهما ارتضيا الركون إلى العرف المحلي (الفصل 615) .

بخصوص مكان التنفيذ/التسليم :

الأصل أن يحدد بين الأطراف مكان التسليم، وإذا لم يحدد وجب إجراؤه في محل إبرام العقد (الفصل 617) .

على أنه إذا منع المدين بسبب قوة قاهرة من تسليم ما وعد به، بغير قصد منه ولا مطل؛ جاز للدائن الخيار حسب الفصل 618 من ق.ل.ع بين:

بين فسخ العقد واسترداد ما عجله من ثمن؛

وبين الانتظار حتى السنة التالية؛ وهنا نميز بين: إذا وجد الشيء المبيع، وجب على المشتري تسلمه ولا يبقى له الحق في فسخ العقد، ويسري نفس الحكم كذلك إذا كان قد سبق للمشتري تسلم جزء من المبيع. أما إذا لم يوجد الشيء المبيع خلال هذه السنة الموالية فثبت له الخيار بين الفسخ وبين الانتظار للسنة الموالية أيضا .

2/ بيع العقار في طور الإنجاز

بيع العقار في طور الإنجاز جاء بالقانون 00-44 وغير وتمم بالقانون 12-107 ؛

ولعله حمل جملة من المستجدات التي تنطوي في حقيقتها على مقتضيات حمائية، من بينها:

إمكانية إبرام عقد جديد يسمى "عقد التخصيص"؛ والذي أوجب المشرع ضرورة كتابته دون فرض نوع معين من الكتابة.

المشرع جاء بضمانتين فيما يتعلق بعقد التخصيص هما:

البيانات التي ينبغي أن يتضمنها عقد التخصيص (الفصل 618.3)؛

اشتراط الحصول على رخصة البناء قبل إبرام عقد التخصيص؛

يحق للمشتري التراجع على عقد التخصيص داخل أجل شهر ابتداء من إبرام عقد التخصيص؛

يجب على البائع في حالة تراجع المشتري عن عقد التخصيص أن يرجع للمشتري المبلغ مدفوع كامل داخل أجل 7 أيام؛

صلاحية عقد التخصيص 6 أشهر غير قابلة للتجديد تؤدي لزوما لإبرام عقد البيع الابتدائي أو التراجع عن عقد التخصيص واسترجاع المبالغ المؤداة؛

يودع المبلغ المؤدى من طرف المشتري عند إبرام عقد التخصيص في حساب بنكي في اسم البائع، ويتسلم المشتري وصله بالإيداع؛

إمكانية إبرام العقد الإبتدائي بمجرد الحصول على رخصة البناء؛ وذلك لتمكين البائع من تلقي التسبيقات لتمويل مشروعه، (سابقا كان لا يمكن إبرام العقد الابتدائي إلا بإنهاء الأشغال الأساسية على مستوى الطابق الأرضي) .

المشرع جعل بيع العقار في طور الإنجاز عقد شكلي: فبيع العقار في طور الإنجاز هو عقد شكلي سواء في صيغته الابتدائية أو النهائية:

في صيغته الابتدائية: شكلي من حيث أنه يجب أن:

يرد في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ، يتم توقيعه من طرف مهني؛

متضمنا لبيانات معينة.

في صيغته النهائية: يتضمن بيانات حددها المشرع، وتحريره يتوقف على:

الإدلاء برخصة السكن؛

استخراج الرسوم العقارية الفرعية (المحفظة)؛

أداء المشتري للثمن المتبقي كما هو محدد في عقد البيع الإبتدائي .

المشرع اعتبر بيع العقار في طور الإنجاز عقد استهلاكي كقاعدة عامة: فهو عقد استهلاكي يربط بين: -مهني في مجال البناء والعقار؛ -ومشتري مستهلك كطرف ضعيف؛ وبالتالي وجود علاقة غير متوازنة . والمشرع شمله بمقتضيات حمائية، تهم:

البيانات التي أوجب تضمينها في العقد: والتي تعد تبصير أو إعلام للمشتري؛

تدخل المشرع في تقدير التعويض تفاديا لكل شرط جزائي: محدد في:

1 في المئة عن كل شهر من المبلغ الواجب تأديته؛

على أن لا يتجاوز 10 في المئة في السنة؛ وهذا التعويض لا يطبق على الطرف المخل إلا بعد مرور شهر من التأخر.

إمكانية إجراء المشتري بعد إبرام العقد الابتدائي لتقييد احتياطي: بشرطين؛

متى كان العقار محفظا؛

وتجاوزت التسبيقات 50 في المئة من الثمن الإجمالي للمبيع .

إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه يخول للمتعاقد الاخر:

المطالبة بالتنفيذ العيني متى كان ممكنا مع التعويض؛

المطالبة بفسخ العقد الابتدائي مع التعويض .

الفقرة الثانية: شرط تعيين المبيع أو قابليته للتعيين

بالإضافة إلى شرط وجود المبيع أو قابليته للوجود مستقبلا، فإنه يلزم في الشيء المبيع أن يكون معينا أو قابلا للتعيين؛ ونظرا لأن التعيين يقتضي التحديد، لذلك فإنه يتوجب على المتعاقدين أن يقوما بتحديد موضوع البيع ولو بصورة تقريبية دفعا لكل إبهام أو جهالة بخصوص الشيء المتعاقد عليه.

غير أن هذا التحديد يختلف تبعا لطبيعة الموضوع المتعاقد عليه؛ وعليه وجب تمييز هذا الشرط؛ بين الأشياء القيمية (أولا)، والأشياء المثلية (ثانيا)، والبيوع الجزافية (ثالثا)، وبيوع الخيار (رابعا) .

أولا: شرط التعيين في بيع الأشياء القيمية

إذا كان البيع من الأشياء القيمية التي ليس لها مقابل في السوق؛ كبيع قطعة أرضية أو لوحة أثرية، فإنه ومراعاة لهذه الخصوصيات يتوجب على المتعاقدين أن يحددا مواصفاتها بالشكل الكافي حتى لا تختلط بغيرها من الأشياء المشابهة لها. والتحديد يجب أن يكون على قدر كافي من التدقيق .

مثلا: إذا كان المبيع قطعة أرضية؛ فإنه يتوجب على البائع أن يبين حدودها ومساحتها الإجمالية وباقي العناصر الأخرى التي من شأنها أن تساعد على تحديد هوية هذا العقار وتميزه عن غيره من العقارات الأخرى؛

وفي هذا الصدد نستحضر قرار للمجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا عدد 265 بتاريخ 21/1/2009، جاء فيه: "بالرجوع إلى الحكم الابتدائي المؤيد بالقرار المطعون فيه يتبين أن المحكمة قدرت عقد البيع بما لها من سلطة تقديرية واستخلصت عدم تبيان حدود العقار المدعى فيه وقضت وفق طلب المدعين معللة ذلك أن العقد أشير فيه إلى أن القطعة توجد بطريق سيدي موسى حي بني مراح مساحتها 2.200 متر بحصص بيعت بثمن إجمالي قدره 13.000 درهم لذلك فإن البائع يلزم بتعيين هذه القطعة حتى ولو كانت حدودها غير معلومة".

مثلا: إذا كان المبيع عبارة أن أسهم أو حصص مالية في شركة؛ فإنه يتعين تحديد حجم ونوعية هذه الأسهم والحصص المالية بشكل دقيق؛

وفي هذا الصدد هناك قرار للمجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا عدد 947 بتاريخ 18/5/1983، قضى فيه: "برفض طلب العارض لعدم تحديد محل البيع الذي كان عبارة عن نسبة معينة من الأسهم فتضاربت أقوال كل من البائع والمشتري بخصوص النسبة المشمولة بالبيع، ونظرا لأنه لم يتأكد لمحكمة الموضوع من خلال الوثائق المدلى بها ما يفيد أن البيع كان منحصرا في نسبة معينة من أسهم الشركة لذلك فإن العقد يكون غير ذي محل لعدم تعيينه مما يجعل البيع غير منعقد بين الطرفين" .

ثانيا: شرط التعيين في بيع الأشياء المثلية

عندما يرد البيع على أشياء مثلية فإنه يتوجب أن يكون الشيء محددا بالنوع أو الوزن أو القياس أو العدد أو الصنف أو المقدار؛ حيث ينص الفصل 486 من ق.ل.ع على أنه: "يسوغ أن يرد البيع على شيء غير محدد إلا بنوعه. ولكن البيع لا يصح في هذه الحالة إلا إذا ورد على أشياء مثلية محددة تحديدا كافيا، بالنسبة إلى العدد والكمية والوزن أو المقياس والصنف، على نحو يجيء معه رضى المتعاقدين على بينة وتبصر" .

عرفت محكمة النقض الأشياء المثلية في قرارها عدد 1622 بتاريخ 28/10/2009، بأنها: "الأشياء المثلية هي تلك التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء والتي تقدر عادة في التعامل بين الناس بالعدد أو القياس أو الوزن مثل القمح أو البن أو غيرها" .

غير أنه بالرغم من هذا التحديد؛ فإن هناك بعض الحالات التي يحصل فيها الاختلاف بين المتعاقدين بخصوص بيع الأشياء المثلية، عندما يتم الاكتفاء بذكر بعض مواصفات هذه الأشياء دون بعضها الآخر. وفي هذا الصدد صدر قرار عن المجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا عدد 1622 بتاريخ 28/10/2009، جاء فيه: " الأشياء المثلية هي تلك التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء والتي تقدر عادة في التعامل بين الناس بالعدد أو القياس أو الوزن مثل القمح أو البن أو غيرها. وأن المحكمة التي اقتصرت على وصف الآلة المبيعة بأنها شيء مثلي وقضت بإلغاء الحكم المستأنف القاضي بفسخ عقد البيع وإرجاع الثمن، والحكم من جديد بعدم قبول الطلب بدعوى أنه مادام محل المبيع من الأشياء المثلية فلا موجب للفسخ، وإنما يجبر البائع على تسليم المبيع خاليا من كل عيب دون أن تبين العناصر التي اعتمدتها في إطلاق الوصف المذكور على محل البيع مع ما له من تأثير على نتيجة قضائها، يكون قرارها ناقص التعليل يوازي انعدامه مما يعرضه للنقض" .

ففي هذا القرار يتضح:

أن المحكمة الابتدائية قضت في حكمها بفسخ عقد البيع وإرجاع الثمن للمشتري؛ لعدم تسليم الآلة المبيعة وفق المواصفات المتفق عليها.

ومحكمة الاستئناف؛ ألغت الحكم الابتدائي بعلة وصفها للآلة المبيعة بكونها شيء مثلي، وقضت بعدم قبول الطلب، بدعوى أن محل المبيع من الأشياء المثلية وبالتالي فلا موجب للفسخ، وقضت بإجبار البائع على تسليم المبيع خاليا من كل عيب.

أما محكمة النقض؛ اعتبرت قرار محكمة الاستئناف الملغي للحكم الابتدائي مجانب للصواب، لنقصه في التعليل؛ لكونها لما قضت بإجبار البائع على تسليم المبيع خاليا من كل عيب؛ لم تبين العناصر التي اعتمدتها في إطلاق الوصف المذكور على محل البيع؛ فألغت محكمة النقض لهذا القرار لاعتباره ناقص التعليل ما يوازي انعدامه ويعرضه للنقض .

على أن المشرع وتحسبا منه لوقوع حالات لا يتم الاتفاق بين البائع والمشتري على عنصر الجودة، نص في الفصل 244 من ق.ل.ع، على أنه: "إذا لم يعين الشيء إلا بنوعه لم يكن المدين ملزما بأن يعطي ذلك الشيء من أحسن نوع كما لا يمكنه أن يعطيه من أردئه" .

وفي ذات السياق أيضا؛ اعتبر المشرع على أنه إذا كان اسم العملة الوارد في التزام معين يسري على نقود عديدة متداولة قانونا ولكنها مختلفة القيمة كان للمدين عند الشك أن يبرئ ذمته بالدفع بالنقود الأقل قيمة، ومع ذلك ففي العقود التبادلية فإنه يفترض في المدين أنه ملزم النقود الأكثر استعمالا، فإن كانت العملات على قدم المساواة في الاستعمال وجب إبطال العقد وذلك حسب الفصل 247 من ق.ل.ع .

ثالثا: شرط التعيين في البيع الجزافي

عرف المشرع البيع الجزافي في الفصل 490 بكونه؛ البيع الذي يرد بثمن واحد على جملة أشياء دون أن يعتبر، أو يحدد عددها أو وزنها أو قياسها إلا لأجل تعيين ثمن المجموع، ويكون البيع الجزافي تاما بتراضي الطرفين على المبيع والثمن 

ففي هذا النوع من البيوع؛ فإن تعيين المبيع يتم بطريقة إجمالية في شكل صفقة غير قابلة للتجزئة؛ مثلا: كأن يقول البائع للمشتري بأن البيع يشمل الكمية الموجودة في المنزل أو المخزن من البضاعة المرغوب في بيعها بثمن إجمالي واحد.

على أنه يسوغ أن يقتصر البيع الجزافي على نسبة معينة من البضاعة محل التعاقد؛ مثلا: نصفها أو ربعها، دون الاضطرار إلى عدها أو قياسها أو تحديدها بالوزن .

وعموما فالبيع الجزافي يمكن الطرفين من الاتفاق على شراء غلة أو محصول زراعي مثلا بثمن إجمالي حتى ولو كانت هذه الغلة فوق رؤوس الأشجار كل ما هنالك أنه يتوجب على أطراف العقد تعيين جنس المبيع ونطاقه (قرار محكمة النقض بخصوص البيع الجزافي لغلة البرتقال في الملف المدني 196556 بتاريخ 21/1/1976) وأيضا (قرار محكمة النقض بخصوص غلى الزيتون فوق رؤوس الأشجار في الملف المدني 76945 بتاريخ 30/7/1980) .

ويتخذ البيع الجزافي أكثر من صورة، فهو قد يرد على:

قد يرد على الأشياء المثلية؛

وقد يقتصر على الأشياء القيمية،

وقد يكون وارد على النوعين معا.

ويترتب على تعيين المبيع جزافيا عدة أثار قانونية منها:

أن ملكية الشيء المبيع تنتقل إلى المشتري بمجرد تمام العقد؛ الأمر الذي يمكن المشتري من التصرف في المبيع ولو قبل حصول التسليم؛

في مقابل ذلك يتحمل المشتري تبعة الهلاك أو الضياع ولو قبل حصول التسليم؛ ينص الفصل 493، على أنه: "بمجرد تمام البيع يتحمل المشتري الضرائب وغيرها من الأعباء التي يتحملها الشيء المبيع ما لم يشترط غير ذلك. ويقع على عاتقه أيضا مصروفات حفظ المبيع وجني ثماره. وعلاوة على ذلك، يتحمل المشتري تبعة هلاك المبيع، ولو قبل حصول التسليم، ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك".

على أنه وحسب ما قرره المشرع في الفصل 558 من ق.ل.ع، فإذا بيعت عدة أشياء مختلفة في صفقة واحدة بثمن إجمالي واحد، كان للمشتري ولو بعد التسليم، أن يطلب:

إذا كانت الأشياء مما يقبل التجزئة؛ كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع بالنسبة إلى الجزء المتعيب وحده من هذه الأشياء ورد ما يقابله من الثمن.

أما إذا كانت الأشياء المبيعة مما لا يمكن تجزئته بغير ضرر كالأشياء المزدوجة؛ فإن المشتري لا يكون له أن يطلب الفسخ إلا بالنسبة إلى مجموع الصفقة .

رابعا: شرط التعيين في بيوع الخيار لمصلحة المشتري

بيوع الخيار؛ هي التي تمكن أحد المتعاقدين من إجازة العقد أو نقضه.

عموما ففي ميدان عقد البيع قد يتقرر الخيار ل:

قد يتقرر الخيار للبائع ؛ فنكون أمام بيع الثنيا (585 إلى 600) ينص الفصل 585: "البيع مع الترخيص للبائع في استرداد المبيع".

قد يتقرر الخيار للمشتري أو البائع أو هما معا؛ فنكون أمام بيع الخيار المعلق على شرط واقف لمصلحة أحد المتعاقدين (الفصل 601) الذي ينص: "يسوغ أن يشترط في عقد البيع ثبوت الحق للمشتري أو للبائع في نقضه خلال مدة محددة. ويلزم أن يكون هذا الشرط صحيحا، ويجوز الاتفاق عليه إما عند العقد وإما بعده في فصل إضافي" .

إلا أن شرط التعيين في بيوع الخيار نقصد تلك التي تهم المشتري فقط وتكون مقررة لمصلحته؛ فيكون البيع معلقا على شرط واقف يخول للمشتري إمكانية الخيار بين إجازة البيع أو رفضه.

ولعل هناك الكثير من المظاهر القانونية المجسدة لبيوع الخيار، والتي لا يتحدد فيها المبيع إلا عند تحقق الشرط الواقف الذي تضمنه العقد، وهو ينطبق على

البيع بالعينة أو بالنموذج: فإذا كان البيع وفقا لعينة معينة أو وفقا نموذج معين؛ فإنه يتعين/يتوجب على البائع أن يسلم المشتري مبيعا يتوفر على نفس مواصفات الأنموذج أو العينية المتفق عليها مسبقا. وإذا هلك النموذج فإنه يتعين على صاحب المصلحة أن يقدم الدليل على مطابقة المبيع للنموذج أو عدم مطابقته له.

وقد عرض المشرع لهذا النوع من البيع وهو بصدد الحديث عن ضمان العيب الخفي في الفصل 551 من ق.ل.ع، الذي جاء فيه بأنه: "في البيوع التي تنعقد على مقتضى أنموذج، يضمن البائع توفر صفات الأنموذج في المبيع. وإذا هلك النموذج أو تعيب وجب على المشتري أن يثبت أن البضاعة غير مطابقة له" .

البيع بشرط التجربة والبيع على أساس المذاق: إذ يبقى للمشتري الحق في الخيار عند تجربة المبيع أو تذوقه ومدى مناسبته له، حيث إن تحديد المبيع لا يتم إلا عند تذوق المشتري للشيء المبيع أو تجربته.

ولعل بيع المذاق: يهدف إلى التثبت من مدى موافقة المبيع لذوق ومزاج المشتري، فهو يقوم على اعتبارات شخصية. وشرط المذاق لا يورث ولا ينتقل إلى الغير إلا برضى المشتري.

بينما بيع التجربة: فالقصد منه هو اليقين من صلاحية المبيع للاستعمال الذي أعد له، فهو يقوم على اعتبارات موضوعية. وشرط التجربة يسري عليه ما يسري على باقي البيوع المبنية على الخيار كانتقال هذا الحق إلى الوارث الشرعي في حالة الموت أو نقصان الأهلية.

وقد عرض المشرع لهذا النوع من البيع وهو بصدد الحديث عن آثار البيع بصورة عامة؛ حيص نص في الفصل 494 من ق.ل.ع، على أنه: "إذا وقع البيع بالقياس أو الكيل أو العد أو على شرط التجربة أو على شرط المذاق أو على أساس مجرد الوصف، فإن البائع يبقى متحملا بتبعة هلاك المبيع، مادام لم يجر قياسه أو كيله أو عده أو تجربته أو مذاقه أو فحصه ولم يحصل قبوله من المشتري أو من نائبه، وذلك حتى ولو كان المبيع موجودا بالفعل في يد المشتري" .

وعليه يتبين؛ أن البيع على شرط المذاق أو التجربة يعتبر من البيوع التي لا تنتقل فيها الملكية للمشتري إلا بعد تحقق هذا الشرط، لذلك فإن تحمل تبعات الهلاك قبل مذاق الشيء أو تجربته تكون ملقاة على عاتق البائع وليس المشتري .

الفقرة الثالثة: شرط جواز التعامل في الشيء المبيع

لكي يكون البيع صحيحا فإنه يتعين في الشيء المبيع أن يكون قابلا للتعامل في بأن يكون مشروعا في حد ذاته (أولا)، وأن يكون المبيع من الأموال المحظور بيعها بهدف المصلحة العامة أو الخاصة (ثانيا)، وأن يكون مرخصا له في تفويته غير ممنوع من التصرف فيه (ثالثا) .

أولا: أن يكون المبيع مشروعا

يلزم في الشيء أو المال المبيع أن يكون مشروعا غير مخالف للنظام العام، فالمشرع منع الأفراد من التعاقد على الأشياء المضرة بالصحة والأمن العامين كبيع المخدرات والمواد السامة التي تشكل خطرا على صحة وسلامة الإنسان.

فضلا عن إن عدم المشروعية قد يستند إلى وجود حالات للتحريم الديني بالنسبة للمسلمين؛ كعدم جواز التعامل في بعض الأشياء مراعاة لاعتبارات دينية، وهذا ما ينطبق مثلا على بيع الخمور وباقي الأشياء الخارجة عن دائرة التعامل بمقتضى التحريم الديني؛ حيث أكد المشرع في الفصل 484 من ق.ل.ع، بأنه: "يبطل بين المسلمين بيع الأشياء المعتبرة من النجاسات وفقا لشريعتهم مع استثناء الأشياء التي تجيز هذه الشريعة الاتجار فيها كالأسمدة الحيوانية المستخدمة في أغراض الفلاحة.

وقد يكون الشيء أو المال مشروعا في ذاته إلا أن المشرع أضفى عليه نوعا من الحظر والمنع، فيدخل في عداد الأشياء أو الأموال غير القابلة للتعامل فيها، وهذا ما ينطبق على الأشياء المخصصة للمنفعة العامة التي لا يمكن لأحد أن يستأثر بحيازتها: كماء البحر، وأشعة الشمس.. مثلا.

ثانيا: ألا يكون المبيع من الأموال المحظور بيعها بهدف المصلحة العامة أو الخاصة

قد يكون الشيء أو المال قابلا للتعامل فيه لمشروعية محله إلا أنه تقرر بخصوصه المنع من التصرف لأسباب شخصية أو وظيفية؛

وهو ما نص عليه المشرع في الفصلين 480 و 481 من قانون الالتزامات والعقود:

نص الفصل 480 على: "متصرفو البلديات والمؤسسات العامة، والأوصياء، والمساعدون القضائيون أو المقدمون والأباء الذين يديرون أموال أبنائهم، وأمناء التفليسة (السنادكة)، ومصفو الشركات، لا يسوغ لهم اكتساب أموال من ينوبون عنهم إلا إذا كانوا يشاركونهم على الشيوع في ملكية الأموال التي هي موضوع التصرف. كما أنه يجوز لهؤلاء الأشخاص أن يجعلوا من أنفسهم محالا لهم بالديون التي على من يتولون إدارة أموالهم. وليس لهؤلاء الأشخاص كذلك أن يأخذوا أموال من ينوبون عنهم على سبيل المعاوضة أو الرهن.. ."

ونص الفصل 481 على أنه: "لا يسوغ للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا، لا بأنفسهم ولا بوسطاء عنهم، الأموال المنقولة أو العقارية التي يناط بهم بيعها أو تقويمها كما أنه لا يسوغ لهم أن يأخدوا هذه الأموال على سبيل المعاوضة أو الرهن. ويترتب على مخالفة هذا الفصل الحكم بالبطلان وبالتعويضات" .

ثالثا: أن يكون المبيع مملوكا للبائع عند البيع كأصل عام

لا يصح البيع إلا إذا كان المبيع مملوكا لصاحبه لا فرق في ذلك بين أن تكون الملكية تامة وبين أن تكون معلقة على شروط أو مرتبطة بسلوك إجراءات معينة؛ فالبيع في مثل هذه الحالات يبقى مشروطا بدوره بضرورة تحقق هذه الشروط أو تمام هذه الإجراءات.

أما إذا كان المبيع غير مملوك للبائع وتجرأ على بيعه؛ فإننا نكون أمام ما يسمى ببيع ملك الغير؛ ويقصد به تلك الأحوال التي يقبل فيها البائع على بيع شيء معين بالذات مملوكا لغيره دون أن يكون مرخصا له بالتصرف فيه .

وعليه سنقف عند حكم بيع ملك الغير (1)، ثم أثر بيع ملك الغير بالنسبة للبائع والمشتري والمالك (2) .

1/ حكم بيع ملك الغير

نظم المشرع أحكام بيع ملك الغير في الفصل 485 من ق.ل.ع كما يلي: "بيع ملك الغير يقع صحيحا:

1- إذا أقره المالك؛

2- إذا كسب البائع فيما بعد ملكية الشيء.

وإذا رفض المالك الإقرار كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع وزيادة على ذلك يلتزم البائع بالتعويض إذا كان المشتري يجهل عند البيع أن الشيء مملوك للغير، ولا يجوز إطلاقا للبائع أن يتمسك ببطلان البيع بحجة أن الشيء مملوك للغير" .

والبين؛ أن المشرع حسب الفصل 485؛ أقر الفسخ كجزاء لبيع ملك الغير في حالة عدم إقرار المالك الحقيقي لهذا البيع .

2/ أثر بيع ملك الغير بالنسبة للبائع والمشتري والمالك

يترتب على علاقة البائع بالمشتري في إطار بيع ملك الغير عدة نتائج قانونية، منها:

بالنسبة للمشتري:

إلى غاية المطالبة بفسخ العقد فإن المشتري يتمتع بكافة الحقوق المشروعة المترتبة عن عقد البيع عدا ما يتعلق منها بانتقال الملكية باعتبار أن هذا الالتزام يتوقف على إرادة المالك الحقيقي للشيء المبيع؛

يتمتع المشتري بحقين بارزين في إطار العلاقة، وهما:

المشتري له حق المطالبة بالفسخ؛ حتى ولو كان عالما بأن الشيء المبيع مملوك للغير، وبمفهوم مخالفة الفقرة الأولى من الفصل 485 التي تقضي بأن بيع ملك الغير يقع صحيحا إذا أقره المالك أو إذا كسب البائع فيما بعد ملكية المبيع؛ فإن هذا العقد يكون قابلا للفسخ لمصلحة المشتري إذا لم يقره المالك أو تعذر على البائع الجمع بين صفتي المالك والبائع قبل ممارسة المشتري لدعوى الفسخ؛ وهذا يعني أن دعوى الفسخ تتلاشى بزوال المانع أو السبب الذي كان يهدد المشتري باستحقاق الشيء المبيع منه.

المشتري له الحق في طلب التعويض؛ فضلا عن حق المشتري في دعوى الفسخ فله أيضا الحق في المطالبة بالتعويض إن كان حسن النية؛ بأن كان يجهل أن الشيء مملوك للغير؛ ويقينا أن حسن النية يخول له التعويض وليس الاحتفاظ بالشيء المبيع؛ في قرار للمجلس الأعلى- محكمة النقض في الملف المدني عدد 94305 بتاريخ 20/1/1985، اعتبر فيه: "بيع ملك الغير ملزم للمالك وأن حسن نية المشتري لا أثر له لإنقاذ مصير هذا البيع" . وقرار أخر عدد 2462 بتاريخ 16/4/1996 اعتبر فيه المجلس، أن "حسن نية المشتري في بيع ملك الغير لا يعد مبررا كافيا للإبقاء على عقد البيع" . أما إذا كان سيء النية بأن كان يعلم أن الشيء المبيع لغير البائع فإن حقه يقتصر على طلب الفسخ دون التعويض.

بالنسبة للبائع:

المشرع المغربي منع البائع من التمسك ببطلان البيع بحجة أن الشيء المبيع مملوك للغير لانعدام الصفة لديه.

والاجتهاد القضائي مجمع على استبعاد البائع من الاستفادة من الدفع المشار إليه في الفقرة الثانية من نص الفصل 485 من ق.ل.ع لمجافاة ذلك العدل والمنطق القانونيين؛

قرار المجلس الأعلى عدد 1409بتاريخ 14/4/1994، قضى: بنقض القرار الاستئنافي لعلة أنه لا يحق للبائع التمسك ببطلان البيع بحجة أنه مملوك للغير.

قرار عدد 726 بتاريخ 15/6/1989، ورد فيه: بأنه بمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 485 من ق.ل.ع فإنه لا يجوز للطاعن الذي هو البائع أن يتمسك ببطلان البيع بحجة أن الشيء مملوك للغير.

بالنسبة للمالك:

مالك الشيء المبيع يعتبر غيرا بالنسبة لأحكام الفصل 485 من ق.ل.ع لكونه لا يعد طرفا في عقد البيع الرابط بيه البائع والمشتري، إلا أن دوره حاسم في جواز أو عدم جواز هذا البيع، لأنه يعتبر بمثابة الطرف الوحيد الذي يملك سلطة إقرار هذا البيع أو عدم إقراره.

فإذا أقر المالك هذا البيع صراحة أو ضمنا انقلب صحيح منتجا لكافة أثاره القانونية، ويترتب على هذا الإقرار نتيجتان هما:

ملكية المبيع لا تنتقل إلى المشتري إلا من تاريخ حصول هذا الإقرار؛

بحصول الإقرار فإن حق المشتري في طلب الفسخ يسقط نتيجة لهذا الإقرار، وأنه بزوال سبب الفسخ لا يكون هناك موجب لإثارة هذا الدعوى من قبل المشتري (عملا بقاعدة: الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة).

أما إذا رفض مالك الشيء إجازة هذا البيع وإقراره، فهذا يعني أن له الحق في:

حقه في استرداد ملكه الذي بيع بغير موافقته مع التعويض إن كان له محل؛

على أنه قد يقتصر حق المالك على طلب التعويض فقط؛ إذا كان المشتري قد تملك المبيع بالتقادم المكسب بالنسبة للعقارات (غير المحفظة فقط)، أو الحيازة الهادئة عن حسن نية بالنسبة للمنقولات، عدا في الحالات الاستثنائية التي مكن فيها المشرع بعض الأشخاص من ممارسة دعاوى الاسترداد في ميدان المنقولات بنص خاص؛ كما هو الشأن بالنسبة للفصل 456 مكرر من ق.ل.ع، الذي مكن: "من ضاع منه شيء أو سرق له من استرداده خلال ثلاث سنوات من يوم الضياع أو السرقة ممن يكون هذا الشيء موجودا بين يديه" .

المطلب الرابع: وجود الثمن

القاعدة أن لا بيع بدون ثمن؛ ومؤداها أن البيع لا يتم إلا بوجود هذا المقابل الذي يلتزم المشتري بدفعه للبائع؛

ويتعين في هذا المقابل أن يكون مبلغا نقديا، لا فرق بين أدائه ناجزا أو عن طريق تمكين البائع من استخلاصه بواسطة شيك بنكي أو حوالة بريدية أو أية وسيلة أخرى تضمن استخلاص هذا المبلغ النقدي؛ وفي هذا نستحضر قرارين للمجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا : (قرار بتاريخ 14/9/1994، جاء في القرار أن: "إعطاء الثمن بشيك مع النص في العقد على التخالص به ويوجب اعتبار هذا الشيك وسيلة وفاء بالثمن") و (قرار رقم 1037 بتاريخ 23/3/1994، جاء فيه: "لما كانت الطاعنة قد تمسكت أمام المحكمة بأن الشيك المحرر بتاريخ (24/10/1997) لا علاقة له ببقية ثمن البيع وإنما يتعلق بمعاملة أخرى وأنه حرر بتاريخ سابق عن تاريخ الوعد ويختلف ثمنه عن بقية الثمن فإن المحكمة عندما اعتبرت أنه يتعلق ببقية الثمن رغم الاختلاف الواضح المشار إليه فإنها لم تجعل لقضائها أساس من القانون") .

والثمن بهذا الشكل؛ هو عنصر/وشرط أساسي في البيع، وهو بمثابة المحل الثاني في عقد البيع إلى جانب الشيء المبيع؛ فهو محل التزام المشتري. فإذا غاب الثمن باعتباره ركن في عقد البيع بطل العقد.

ولما كان وجود الالتزام واجب (الفقرة الأولى)، وجديته وعدالته أيضا (الفقرة الثانية) فإننا سنتطرق لذلك في الآتي من موضوعنا .

الفقرة الأولى: ضرورة وجود الثمن وتحديده

القاعدة أنه لا بيع بدون ثمن؛ وإذا ما تم الاتفاق على إسقاط الثمن صراحة أو ضمنا فإننا لا نكون أمام عقد بيع أصلا. وقد أكد المشرع على ضرورة توافر هذا الركن تحت طائلة البطلان، في عدة فصول من قانون الالتزامات والعقود:

الفصل 478: البيع عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له.

الفصل 487: يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا. ولا يسوغ أن يعهد بتعيينه إلى أحد من الغير، كما أنه لا يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير ما لم يكن هذا الثمن معروفا من المتعاقدين . ومع ذلك يجوز الركون إلى الثمن المحدد في قائمة أسعار السوق، أو إلى تعريفة معينة أو إلى متوسط أسعار السوق، إذا ورد البيع على بضائع لا يتعرض ثمنها للتقلبات. أما إذا ورد البيع، على البضائع، يتعرض ثمنها للتقلبات، فيفترض في المتعاقدين أنهما ركنا إلى متوسط الأسعار التي تجري بها الصفقات.

الفصل 488: يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه، أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى.

ولعل مهمة تحديد الثمن تختلف بين؛ تحديده في إطار القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود (أولا)، وتحديده في البيوع الاستهلاكية وعقود الإذعان (ثانيا)، نظام التسعير في إطار قانون المنافسة وحرية الأسعار (ثالثا) .

أولا: تحديد الثمن بالتراضي في إطار القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود

القاعدة أن تحديد الثمن يتم بالتراضي: باعتبار أن البيع عقد رضائي كأصل عام، لذلك فإن مهمة تحديد الثمن غالبا ما يتم بطريقة رضائية على غرار رضائية التعاقد، وهذا ما يستنتج من نص الفصل 488 من ق.ل.ع، الذي ورد فيه: "يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه، أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى".

وهناك عدة صور لحصول التراضي على الثمن بين المتعاقدين؛ فقد تتم مناقشته وبعد أخذ ورد يتوصلان إلى التحديد النهائي للثمن الواجب أداؤه للبائع، لا فرق في ذلك بين الحالات التي تكون فيها مبادرة عرض الثمن صادرة من البائع أو المشتري طالما أن الطرف الآخر أتيحت له فرصة مناقشته وقبل به.

عدم جواز تحديد الثمن من قبل الغير أو الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير: فالمشرع المغربي منع ذلك مطلقا؛ وهو ما يستنتج من مضمون الفصل 487 من ق.ل.ع، الذي ورد فيه بأنه: "يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا ولا يسوغ أن يعهد بتعيينه إلى أحد من الغير كما أنه لا يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير ما لم يكن الثمن معروفا من المتعاقدين".

وعليه فالمشرع أوكل تحديد الثمن للمتعاقدين ومنع صورتين من صور التحديد، هما:

منع أن يعهد بتعيينه إلى أحد من الغير؛ تفاديا لإمكانية محاباة هذا الغير للبائع أو المشترين، فالمشرع عمم حكم المنع بخصوص هذا النوع من التحديد .

منع أن يتم الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير؛ اللهم إذا كان ثمن الشراء إذا معروفا لدى المتعاقدين فإن البيع سيكون صحيحا لانتفاء علة المحاباة، وهذا ما يتحقق في الحالات التي يتم فيها الركون إلى القوائم غير الموثوق بها المحددة لأسعار السوق أو إلى تعريفة غير رسمية تضبط هذه الأسعار .

ثانيا: تحديد الثمن في البيوع الاستهلاكية وعقود الإذعان

عندما يكون البيع من صنف العقود الاضطرارية التي تقل أو تنعدم فيها أسس المساومة الحرة، فالمشرع لم يترك الحرية للمتعاقدين في تحديدهم للثمن وإنما تدخل بنفسه في ذلك، من خلال:

عندما يتعلق الأمر بالبيع الذي يتم عن طريق المزاد العلني؛ فإن الثمن الذي رسا به المزاد يعد بمثابة ثمن البيع الذي يتعين أداؤه من قبل المشتري، وعادة ما يستند هذا الثمن إلى مرجع الثمن الأساسي المحدد للسمسرة الوارد في دفتر التحملات أو العروض المقترحة من طرف الجهة المعنية بتنظيم البيع بالمزاد العلني؛ نص الفصل 477 من قانون المسطرة المدنية، بأنه: "إذا حل اليوم والساعة المعينان لإجراء السمسرة ولم يؤد المنفذ عليه ما بذمته قام عون التنفيذ بعد التذكير بالعقار الذي هو موضوع السمسرة وبالتكاليف التي يتحملها والثمن الأساسي المحدد للسمسرة في دفتر التحملات أو عند الاقتضاء العروض الموجودة... بإرساءه على المزايد الأخير الذي قدم أعلى عرض.."

أما بخصوص البيوع الواردة على أملاك الدولة ومن في حكمها؛ فإنه حينما يتعلق الأمر بالبيع المقرر للمصلحة العامة المترتب عن نزع الملكية أو تفويت الملك العام؛ فإن الثمن يكون من اقتراح اللجن التي تسند إليها مهمة هذا التحديد بالاعتماد على بعض الضوابط المتعارف عليها في هذا المجال.

وإذا كان البيع من صنف البيوع التي تنعدم فيها المساواة بين المراكز الاقتصادية للمتعاقدين؛ فنكون بذلك أمام صورة من صور العقود الاستهلاكية التي يستغل فيها المهني موقعه وتفوقه لإخضاع المستهلك لسلطانه، فإن هذا الأخير عادة ما يستأثر بتحديد ثمن البيع انطلاقا من نفوذه الاقتصادي القوي، فضلا عن أنه قد يلجأ لتضمين عقود البيع شروطا مجحفة تضر بمصلحة المشتري المستهلك. ولما كان الأصل هو تحديد الثمن بالتراضي، فإن الاستثناء هو التسعير أي تدخل المشرع لتحديد سعر السلع والخدمات مراعاة منه لمصلحة المستهلك العادي؛ وهو ما تم بالقانون 08-31 حيث أولى المشرع عناية خاصة للثمن في البيوع الاستهلاكية بحيث ألزم المهني بضرورة إعلام المستهلك بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات (المادة 3 من قانون تدابير حماية المستهلك) .

وفضلا عن تأكيد المشرع بخصوص البيوع الاستهلاكية، على ضرورة إعلام المستهلك بهذه البيانات الأولية المتعلقة بالثمن، فإنه وضح مضمون الالتزام في المادة 5 من ذات القانون؛ التي تلزم المهني بضرورة بيان مبلغ الثمن الإجمالي الذي يتعين على المشتري المستهلك أداؤه للبائع بما في ذلك واجب الضريبة على القيمة المضافة وباقي الرسوم الأخرى والتكاليف الإضافية الملقاة على عاتق المشتري.

وبالنظر لكون هذه الحماية هي استثنائية مقررة لفائدة المستهلك؛ فإن المشرع جعل هذه الأحكام من النظام العام (المادة 20 من القانون 08-31)؛ وكل اتفاق على خلاف هذا الحد الأدنى من الحماية إلا ويكون مصيره البطلان المطلق، ولعله في القسم الثالث من القانون المتعلق بحماية المستهلك من الشروط التعسفية، أكثر من مثال لسريان هذا البطلان؛
من ذلك ما ورد في الفقرة 12 من المادة 18 من القانون 08-31 اعتبر فيها المشرع بمثابة شرط تعسفي يوجب البطلان؛ "كل تنصيص على أن سعر أو تعريفة المنتوجات والسلع والخدمات يحدد وقت التسليم أو عند بداية تنفيذ الخدمة أو تخويل المورد حق الزيادة في أسعارها أو تعريفتها دون أن يكون للمستهلك في كلتا الحالتين حق مماثل يمكنه من فسخ العقد عندما يكون السعر أو التعريفة النهائية مرتفعة جدا مقارنة مع السعر أو التعريفة المتفق عليها وقت إبرام العقد" .

ثالثا: نظام التسعير في إطار قانون المنافسة وحرية الأسعار

أصدر المشرع القانون رقم 99-06 المتعلق بالمنافسة وحرية الأسعار بتاريخ 5/6/2000؛ والذي رمى منه المشرع فتح باب المنافسة على مصراعيه كطريق مؤدية لتحرير الأسعار، فضلا عن أن هذا القانون جاء بمثابة خليط من الأحكام الهادفة لضبط قواعد المنافسة وتنشيط الحركة الاقتصادية بنوع من الشفافية.

وحاصل الأمر الذي يهمنا في هذا المقام (تحديد الثمن)؛ هو الاتي:

الإدارة ستظل متمسكة بتوجيه وتحديد الأسعار؛ لمدة لا تقل عن الخمس سنوات من تاريخ دخول هذا القانون حيز النفاذ بعد مرور سنة من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بالنسبة لبعض المناطق التي تنعدم فيها روح المنافسة بسبب أوضاعها الجغرافية النائية أو نتيجة لصعوبات تعترض تموينها بكيفية منتظمة أو بسبب شيوع مظاهر الاحتكار الفعلي أو القانوني فيها؛ يحق للإدارة أيضا في إطار مهمتها الحمائية أن تتدخل بعد استشارة مجلس المنافسة (المواد 14 إلى 41) باتخاذ كل التدابير اللازمة لمقاومة كل الارتفاعات والانخفاضات الفاحشة في الأسعار المترتبة عن الحوادث غير المتوقعة كالكوارث والحروب وانقطاع التموين نتيجة للأزمات الدولية؛

وفي إطار مهمة التحديد التوافقي لأثمان السلع والبضائع في الحالات المنصوص عليها في المادتين 3 و 4 المشار إلى مضمونها سابقا فإنه يحق لكل من الإدارة والمنظمات المهنية الممثلة لأهم القطاعات الاقتصادية أن تشترك في مهمة هذا التحديد بعد مناقشة الأسباب الاستثنائية التي تبرر الخروج عن الأصل العام كما أنه يمكن حينئذ أن يحدد سعر السلعة أو المنتوج أو الخدمة المعنية بكل حرية ضمن الحدود المقررة في الاتفاق الحاصل بين الإدارة والمنظمات التمثيلية المهنية
في حالة عدم احترام هذا الاتفاق من قبل هذه المنظمات فإن الإدارة بما تملكه من سلطة لها الحق في أن تحدد أسعار هذه المنتجات والخدمات وفق الشروط المحددة بنص تنظيمي .

مراعاة لبعض المواد والسلع المدعومة من طرف الدولة ارتأى المشرع استثناءها من سياسة التحرير، وهذا ما أكده في المادة 83 من هذا القانون مشددا على ضرورة بقاءها خاضعة لمقتضيات القانون رقم (71-008) المتعلق بتنظيم الأسعار ومراقبتها وشروط حيازة المنتوجات والبضائع وبيعها وقد تم الإبقاء في اللائحة الملحقة بمرسوم (17/1/2001) المتعلق بتطبيق القانون رقم 06.99 على بعض المواد والخدمات التي لازالت خاضعة للتسعير الجبري بتدخل مباشر من الإدارة أو بدعم غير مباشر من طرف صندوق المقاصة .

الفقرة الثانية: عدالة الثمن وجديته

بالرغم من أن الأصل في تحديد الثمن هو تركه لإرادة المتعاقدين وفقا لمبدأ سلطان الإرادة إلا أنه يتعين في هذا التحديد أن يتم في إطار متوسط الأسعار الجاري بها العمل في السوق وفقا لقواعد العرض والطلب، وكيفما كانت التقلبات التي يخضع لها نظام هذا السوق فإن الثمن يتوجب فيه أن يكون فعليا وجديا لا صوريا (أولا)، وأن يكون ثمنا عادلا لا بخسا (ثانيا) .

أولا: أن يكون الثمن فعليا وجديا لا صوريا (مضمونه ذاتي)

الثمن الجدي؛ هو الثمن المعقول الذي يتناسب مع متوسط الأسعار إذا ورد البيع على بضائع لا يتعرض ثمنها للتقلبات، أما إذا كانت البضاعة أو السلعة مما يتأثر بتقلبات السوق فإن الثمن يكون جديا إذا كان في حدود متوسط الأسعار التي يتم بها إجراء الصفقات بصورة عامة، وهو ما يؤكده نص الفصل 487 من ق.ل.ع، بقوله: "يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا. ولا يسوغ أن يعهد بتعيينه إلى أحد من الغير، كما أنه لا يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير ما لم يكن هذا الثمن معروفا من المتعاقدين . ومع ذلك يجوز الركون إلى الثمن المحدد في قائمة أسعار السوق، أو إلى تعريفة معينة أو إلى متوسط أسعار السوق، إذا ورد البيع على بضائع لا يتعرض ثمنها للتقلبات. أما إذا ورد البيع، على البضائع، يتعرض ثمنها للتقلبات، فيفترض في المتعاقدين أنهما ركنا إلى متوسط الأسعار التي تجري بها الصفقات" .

إلا أن هناك بعض الأوضاع الاستثنائية التي يتم فيها الاتفاق على إسقاط الثمن أو الزيادة فيه أو الإنقاص منه فنكون أمام ما يسمى بعقد البيع الصوري الذي يتم فيه إخفاء الثمن الحقيقي، وتوجد عدة أسباب ودوافع تجعل المتعاقدين يفضلان إخفاء الثمن مثل:

رغبتهما في التهرب الضريبي وأداء رسوم التسجيل القانونية في حدودها الدنيا؛

وقد يكون الهدف من رفع الثمن هو حرمان الشريك من ممارسة حق الشفعة الفصل 974 و 975 من ق.ل.ع .

وقد يكون البيع ساترا للوصية أو الهبة؛ وفي هذا الصدد نستحضر قرار لمحكمة التمييز السورية بتاريخ 7/4/1987، التي قضت: "أن احتفاظ البائع بحيازة المبيع بعنصريها القانوني والمادي وركون المحكمة إلى شهادة شاهد العقد الذي أكد أن عقد البيع نظم ظاهريا لتأمين الزوج زوجته بعد الوفاة إنما يستر وصية مضافة إلى ما بعد الموت وأنه لا يوجد بيع أصلا، لأن البيع الذي يستر وصية ليس إلا عقدا واحدا هو وصية مستترة تسري عليها أحكام الوصية" .

وعموما فالبائع في إطار البيع الصوري، يعمد إلى الاعتراف بثمن صوري لا وجود له من حيث الواقع؛ وفي هذا الصدد نستحضر قرار صادر عن المجلس الأعلى- سابقا، عدد 664 بتاريخ 28/3/1995، بخصوص قضية تتعلق بشخص مريض تصدق ببعض أملاكه وباع بعضها الآخر لبنته القاصرة التي لا تتجاوز ست سنوات من عمرها فتم الطعن في هذا التصرف الأخير انطلاقا من الصورية في الثمن باعتبار أن البنت قاصرة لا مال لها، إلا أن المجلس الأعلى- محكمة النقض؛ اعتبر البيع صحيحا لعدم وجود ما يثبت خلاف الأصل الذي هو الملاءة؛ بقوله: "وبالنسبة للدفع المتعلق بعدم توفر البنت المشترية على مال يسمح لها بالشراء فتجدر الإشارة إلى أن الأصل في الإنسان الملاءة وهذا المبدأ لا سبيل لهدمه بمجرد إثارة هذا الدفع بل لابد لمن يهمه ذلك أن يثبت العكس وذلك حفاظا على استقرار المعاملات بين الناس" .

وفي قرار أخر عدد 1163 بتاريخ 20/10/2004 في الملف التجاري عدد 1506، قضى المجلس الأعلى بأنه: "إذا كان العقد الحقيقي مكتوبا فإن من يدعي الصورية من طرفه يلزم بإثباتها بمقتضى عقد كتابي وخاصة إذا كان المبلغ الذي يتضمنه الالتزام يتجاوز 250 درهما (عشرة ألاف درهم بعد التعديل) ".

وعموما؛ فالثمن يلزم فيه أن يكون جديا لا صوريا، وان الاتفاقات السرية التي يكون القصد منها إخفاء حقيقة الثمن لا يكون لها أثر فيما بين المتعاقدين وخلفائهما العامين، إذ ينص المشرع في الفصل 22 من ق.ل.ع، على أن: "الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها إلا فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما فلا يحتج بها على الغير إذا لم يكن له علم بها ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل". أما الغير والخلف الخاص فيحق له الاستفادة من دعوى الصورية عند توافر عناصرها؛ فيثبت له الخيار بين التمسك بالعقد الظاهر أو الأخذ بمضمون العقد السري إذا كان حسن النية (والأصل حسن النية؛ حسب الفصل 477 الذي ينص: "حسن النية يفترض دائما ما دام العكس لم يثبت".)، أما إذا كان هذا الغير عالما بالثمن الصوري فإن مقتضيات هذا الثمن هي التي تسري عليه إذ أنه يسري عليه ما يسري على المتعاقدين في هذه الحالة .

ولعل الصورية في الثمن غالبا ما يلجأ إليها لمنع الشفيع من ممارسة حقه في الشفعة؛ إذ يتفق البائع والمشتري (المشفوع منه) بإيراد الثمن الصوري المرتفع في العقد الظاهر، أما الثمن الباطن فهو أقل منه.

وفي هذا الصدد نستشهد بقرار لمحكمة النقض عدد 440/4 بتاريخ 21/9/2020، يتعلق ب شفعة - منازعة الثمن – اليمين، إذ أن الشفيع ادعى أن الثمن الظاهر في العقد كان صوريا، وأنه يريد الحكم له باستحقاق الشفعة بالثمن الحقيقي الباطن بين البائع والمشتري، وليس الثمن الظاهر، ومعلوم أن المحكمة في هذه الحالة توجه اليمين للبائع بأن يحلف على صدق الثمن وحقيقته، وفي هذه النازلة البائع كان قد توفي وبما أن اليمين مسألة شخصية وتعذر أدائها لوفاة المعني بها البائع، المحكمة قضت للشفيع بالشفعة بالثمن الظاهر في العقد. جاء فيه: "أن منازعة الشفيع في الثمن، لا توجب غير اليمين فيما يشبه لمن يتهم".

ثانيا: أن يكون الثمن عادلا لا بخسا ولا مرتفعا (مضمونه موضوعي)

لا يكون الثمن عادلا؛ إلا إذا كان في مستوى القيمة الحقيقية للشيء المبيع، ولا يتحقق ذلك في الواقع إلا إذا:
كان الثمن محددا وفقا لنظام التسعير الجبري وفقا للقوانين والمراسيم الجاري بها العمل في هذا المجال؛
أما عندما يتم تحديد الثمن بالتراضي فإنه غالبا ما يتراوح بين الحدين الأدنى والأقصى لقيمة المثل، بحيث لا ينقص ذلك من عدالة الثمن إلا إذا وصل حد الغبن الموجب للإبطال؛ والغبن في الثمن بهذا الشكل هو الذي ينطبق عليه وصف البيع بالثمن البخس/ أو بالثمن غير الكافي (المادة 56 من قانون حرية الأسعار والمنافسة)، ولعل الثمن البخس يختلف حتما عن الشراء بالثمن التافه الذي لا يعد إلا ثمنا رمزيا لا غير (كما في الثمن التافه في الهبة المستترة/ عقد بيع ساتر للهبة) .
وعليه؛ فلا يعتد بالثمن إلا إذا كان جديا وعادلا ولو بصورة تقريبية.
ولعل المشرع لم يحدد معيار موحد يضبط المقياس المعتمد لإعمال دعوى الإبطال للغبن، فالغبن في إطار التشريع المغربي لا يعتبر سببا لإبطال التصرفات القانونية بالنسبة للراشدين إلا أن هناك حالات استثنائية يتقرر فيها الإبطال بمقتضى نص خاص كالغبن اللاحق بالقاصرين (الفصل 56 ق.ل.ع) وكذا الحالات التي يرتبط فيها الغبن بالتدليس (الفصل 55 من ق.ل.ع) .

تعليقات

التنقل السريع