القائمة الرئيسية

الصفحات

الإلتزام التخييري في القانون المغربي

 الإلتزام التخييري في القانون المغربي


الإلتزام التخييري في القانون المغربي


قد يكون للإلتزام محل واحد حيث يكون التزاما بسيطا أو التزاما ذا محل واحد. وقد يكون للإلتزام أكثر من محل واحد ، وبهذا الوصف يكون الإلتزام على ثلاثة أنواع :

  1. التزام متعدد المحل

  2. التزام بدلي

  3. التزام تخييري

فالإلتزام متعدد المحل هو التزام واحد ولكنه ذو محل متعدد . أما الإلتزام البدلي فهو التزم له محل واحد ، ولكن يستطيع المدين أن يؤدي شيئا آخر بدلا منه فيقضي بذلك التزامه. وأما الإلتزام التخييري فهو التزام متعدد المحل ، ولكن واحدا فقط من هذه المحال المتعددة هو الواجب الأداء.

وجدير بالذكر أن المشرع المغربي لم يتناول الإلتزام متعدد المحل ولا الإلتزام البدلي ، إنما أفرد بابا خاصا للالتزام التخييري لما لهذا الوصف من أثر ولما للأحكام التي يتسقل بها من أهمية.

وقد تناول المشرع الإلتزام التخييري في الباب الثالث من القسم الثاني الخاص بأوصاف الإلتزام من الكتاب الأول المتعلق بمصادر الإلتزامات وذلك في الفصول 141 إلى 152 من قانون الإلتزامات والعقود.

ونظرا للأهمية التي يكتسيها الإلتزام التخييري من حيث تقوية ضمان الدائن ومنحه مجالا أوسع للتنفيذ ، فقد عمل المشرع على بسط الشروط الواجب توافرها لقيام مثل هذا الإلتزام وعين الجهة التي يثبت لها الخيار ومصدر هذا الخيار ثم عرض أحكام الإلتزام التخيري.

ومن هنا نطرح الإشكلية التالية : متى يقوم وصف التخيير ومن له الخيار ، وماهي الأحكام التي تسري على الإلتزام التخييري ؟

للإجابة على الإشكالية المطروحة أعلاه سنتناول قيام الإلتزام التخييري ( المطلب الأول ) ثم أحكام الإلتزام التخيري ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول : قيام الإلتزام التخييري

في هذا المطلب سنبين الشروط الواجب توافرها لقيام الإلتزام التخييري ( الفقرة الأولى ) ، ثم سنعين لأي من طرفي الإلتزام يثبت الخيار ومصدر هذا الخيار ( الفقرة الثانية ).


الفقرة الأولى : شروط قيام الإلتزام التخييري

لا بد لقيام الإلتزام التخييري من توافر ثلاثة شروط وهي : تعدد محل الإلتزام ، توافر شروط المحل في كل من المحال المتعددة ، كون محل واحد من المحال المتعددة هو واجب الأداء.

أولا : تعدد محل الإلتزام

يجب لقيام الإلتزام التخييري أن يكون للإلتزام محال متعددة لا فرق بين أن تكون هذه المحال كلها عقارا ، أو جميعها منقولا ، أو أشياء غير معينة بالذات ، أو عملا ، أو امتناعا عن عمل. ويصح أن تجتمع مختلف أنواع هذه المحال أو بعضها في التزام واحد.

وعليه ، يمكننا أن نقرر بأن كل شيء يصلح أن يكون محلا للإلتزام البسيط يمكن أن يكون محلا في الإلتزام التخييري شرط أن تقترن به أشياء أخرى من نوعه أو من غير نوعه. والمهم هو أن يتعدد محل الإلتزام فلا يقتصر على محل واحد.

والجدير بالذكر أن الغالب في العمل أن يكون محل الإلتزام التخييري شيئين ، وهذا ما يفسر جنوح المشرع ، وهو يعرض لآثار الإلتزام التخييري ، إلى البحث في الإلتزامات التخييرية التي ينصب محلها على شيئين. ولكن يصح في الإلتزام التخييري أن يكون محله أكثر من شيئين ، لذلك اشترطنا لقيام مثل هذا الإلتزام تعدد المحال فيه لا فرق بين أن يكون قاصرا على محلين اثنيين فحسب أم شاملا أكثر من محلين.

ثانيا : توافر شروط المحل في كل المحال المتعددة

يجب أن يتوافر في كل من المحال المتعددة التي ينطوي عليها الإلتزام التخييري جميع الشروط الواجب توافرها عادة في المحل المنصوص عليها في الفصول 57 إلى 61 من ق.ل.ع ، ذلك أن الاختيار قد يقع على أي من هذه المحال فيصبح هو المحل الوحيد للإلتزام ، فلا بد إذن من توافر مختلف الأركان فيه. وعليه يجب أن يكون كل من المحال المتعددة في الإلتزام التخييري : مشروعا ، ممكنا ، معينا أو قابلا للتعيين.

فإذا كان محل الإلتزام التخييري شيئين توافرت الأركان آنفة الذكر في أحدهما ولم تتوافر في الآخر ، أو كان محل الإلتزام التخييري عدة أشياء ولو تتوافر الأركان إلا في واحد منها دون الآخرى ، فإن الإلتزام يعتبر في هذه الحالات التزاما بسيطا غير تخييري محله الشيء الذي توافرت فيه الأركان.

ويجب لفت النظر إلى أن العبرة في معرفة ما إذا كانت الأركان متوافرة في المحال المتعددة للإلتزام التخييري ، هي لوقت نشوء الإلتزام. فإذا كانت الأركان متوافرة في هذا الوقت كان الإلتزام تخييريا حتى لو فقد بعضها هذه الأركان فيما بعد. وعلى العكس فإن الإلتزام يكون بسيطا إذا كانت الأركان متوافرة ي محل واحد فقط من المحال المتعددة ، ويبقى الإلتزام بيطا ولا ينقلب إلى التزام تخييري حتى لو توافرت الأركان بعد ذلك في المحال الأخرى أو في بعضها.

وجدير بالذكر أنه إذا كان الإلتزام التخييري منذ الأصل التزاما بسيطا لكون أحد محلي هذا الإلتزام مستحيلا أو غير مشروع ، أو إذا انقلب الإلتزام التخييري إلى التزام بسيط لصيرورة أحد محليه مستحيلا أو غير مشروع بعد نشوء الإلتزام ، فإن المشرع منح للدائن الخيار بين التمسك بالعقد والمطالبة بتنفيذ المحل الذي كان أو بقي تنفيذه ممكنا ، وبين المطالبة بفسخ العقد. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 147 من ق.ل.ع " إذا أصبح طريق من طرق تنفيذ الإلتزام مستحيلا أو غير مشروع ، أو كان كذلك عند نشأة الإلتزام كان للدائن أن يختار بين طرق التنفيذ الأخرى ، أو أن يطلب فسخ العقد ".

ولما كان يتبين من نص الفصل 147 من ق.ل.ع أن الخيار بين طلب الفسخ وبين طلب التنفيذ إنما هو مقرر عندما يكون أو يصبح أحد محلي الإلتزام التخييري مستحيلا أو غير مشروع ، فإنه لا يمكن منح هذا الخيار في الحالة التي يكون فيها أحد محلي هذا الإلتزام غير معين أو غير قابل للتعيين لاقتصار النص القانوني على حالتي الإستحالة وعدم المشروعية. وعليه يكون الإلتزام التخييري التزاما بسيطا منذ الأصل لكون أحد محليه غير معين أو غير قابل للتعيين ، فإنه لا يجوز للدائن المطالبة بفسخ العقد بل يبقى حقه قاصرا على المطالبة بتنفيذ المحل القابل للتنفيذ.

ثالثا : محل واحد من المحال المتعددة هو واجب الأداء

إن الإلتزام التخييري ، وإن كان ينطوي على محال متعددة ، إلا أن محلا واحدا من هذه المحال هو الواجب الأداء. وبعبارة أخرى تبرأ ذمة المدين إذا أدى المدين واحدا منها.

ويترتب على ذاك نتيجتان :

النتيجة الأولى : هي أنه قبل حصول الخيار ، يكون من الممكن طلب تنفيذ أي محل من المحال المتعددة كأن ثمة تضامنا عينيا وموضوعيا يقوم بين هذه المحال. ومن شأن هذا التضامن العيني الموضوعي تقوية ضمان الدائن الذي يكون باستطاعته ، إذا أضحى تنفيذ محل من محال الإلتزام التخييري مستحيلا المطالبة بتنفيذ محل آخر فيتوفر له بذلك مجال أوسع للتنفيذ.

أما النتيجة الثانية : فهي . أنه بعد اختيار المحل الواجب الأداء يصبح هذا المحل وحده محلا للإلتزام وينقلب الإلتزام التخييري إلى التزام بسيط محله الشيء الذي وقع عليه الخيار. وهذا ما أوضحه الفصل 142 من ق.ل.ع بقوله " عند حصول الخيار يعتبر الإلتزام أنه منذ الأصل لم يكن له محل إلا الشيء الذي وقع عليه الخيار ".

الفقرة الثانية : صاحب خيار التعيين ومصدر الخيار

سنبين أولا لمن يثبت خيار التعيين ، ثم سنحدد مصدر الخيار.

أولا : صاحب خيار التعيين في الإلتزام التخييري

ورد في الفصل 141 من ق.ل.ع أنه " في الإلتزام التخييري ، يسوغ لكل من المتعاقدين أن يحتفظ لنفسه بخيار التعيين لأجل محدد ".

فمن هذا النص يتبين أن خيار التعيين في الإلتزام التخييري يمكن أن يكون لكل من الطرفين المتعاقدين.

ولئن كان الخيار يعطى غالبا للمدين ، فإنه يجوز للطرفين الإتفاق على أن يكون الخيار للدائن لا للمدين. وفي كل حال يجب أن يكون الإتفاق صريحا. فإذا كان الخيار للمدين استطاع أن يعرض الوفاء بالمحل الذي يختاره هو من محال الإلتزام المتعددة وتبرأ ذمته براءة تامة بأداء هذا المحل. أما إذا كان الخير للدائن فلا يستطيع المدين أن يعرض ما يختاره هو ، بل يجب عليه أن يقوم بوفاء المحل الذي يقع عليه اختيار الدائن.

وفي حالة عدم تعيين الطرف الذي يعود له خيار التعيين بصورة صريحة في العقد ، فإن الإلتزام التخييري يقع باطلا. وهذا ما نص عليه المشرع في القصل 141 بقوله " وأما الإلتزام الذي لم يبين فيه الطرف المحفوظ لصالحه خيار التعيين فيكون باطلا ".

ثانيا : مصدر خيار التعيين في الإلتزام التخييري

إن مصدر خيار التعيين هو العقد في الغالب ، حيث يلتزم المدين بإرادته ، بتأدية شيء من أشياء متعددة يختاره هو أو يختاره الدائن حسبما يكون الخيار قد قرره الإتفاق له أو للدائن.

ورغم اقتصار نص الفصل 141 من ق.ل.ع على ذكر العقد كمصدر لخيار التعيين ، فإن القانون يعتبر كذلك مصدرا لهذا الخيار. والأمثلة على الخيار الذي ينشأ بمقتضى نص قانوني كثيرة في التشريع المغربي ، ويمكننا أن نذكر منها الحالات التالية :

  • إذا أصبح الشيء المرهون عرضة للتلف أو الهلاك وبيع بإذن من القاضي ، فإنه يسوغ للمدين إما أن يطلب إيداع هذا الثمن في خزينة عامة وإما أن يأخذه لنفسه في مقابل أن يسلم للدائن شيئا آخر يحمل الرهن بدل الشيء الذي رهن في الأصل. وهذا ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 1206 من ق.ل.ع " ويحل المبلغ المحصل عليه من البيع محل الأشياء المرهونة التي كانت مهددة بالتعيب أو الهلاك. غير أنه يجوز للراهن أن يطلب إيداع هذا المبلغ بصندوق المحكمة ، أو أن يحتفظ به مقابل تسليم أشياء أخرى للدائن المرتهن ، شريطة أن تساوي قيمتها مبلغ الأشياء المرهونة في الأصل ".

  • ما نص عليه الفصل 1208 من ق.ل.ع من أنه " في الحالة المنصوص عليها في الفصل السابق ، وفي جميع الحالات الأخرى التي يسيء فيها الدائن استعمال الشيء المرهون أو يهمله أو يعرضه للخطر ، يكون الخيار للمدين بين :

  1. أن يطلب وضع المرهون في يد أمين مع حفظ حقه في الرجوع على الدائن بالتعويض؛

  2. أو أن يجبر الدائن على إعادة المرهون إلى الحالة التي كان عليها عند إنشاء الرهن؛

  3. أو أن يسترد المرهون ، مع قيامه بأداء الدين ولو قبل حلول أجله ".

  • ما جاء في المادة 190 من مدونة الحقوق العينية من أن " إذا هلك الملك المرهون أو تعيب بخطأ من الراهن كان للمرتهن أن يطلب وفاء دينه فورا أو تقديم ضمان كاف لدينه ".

المطلب الثاني : أحكام الإلتزام التخييري

يثير الإلتزام التخييري من حيث الأحكام التي تسري عليه موضوعين : أولهما كيف يتم تعيين المحل الواجب الأداء من بين المحال المتعددة للالتزام التخييري ، وثانيهما الحكم في حالة هلاك المحال المتعددة كلها أو بعضها قبل أن يتم تعيين المحل الواجب الأداء.

الفقرة الأولى : تعيين المحل الواجب الأداء

يتم تعيين المحل بإعلان صاحب الخيار عن إرادته في أنه اختار محلا معينا من المحال المتعددة للإلتزام التخييري. وهذا التعبير عن الإرادة ، ككل تعبير من جانب واحد موجه إلى شخص معين ، لا يحدث أثره إلا إذا وصل إلى علم الطرف الآخر. وهذا ما نص عليه الفصل 142 من ق.ل.ع بقوله " يتم الخيار بمجرد التصريح به للمتعاقد الآخر ". وعليه إذا اختار صاحب الخيار محلا ما ، ، وقبل أن تتصل هذه الإرادة بعلم الطرف الآخر ، عدل عن إرادته واختار محلا غير المحل الأول ، فإنه يعمل بإرادته الجديدة شرط أن تصل هذه الإرادة الجديدة إلى علم الطرف الآخر قبل وصول الإرادة الأولى.

وكذلك يمكن أن يكشف صاحب الخيار عن إرادته في تعيين المحل عن طريق التنفيذ الفعلي. فإذا كان الخيار للمدين وعمد إلى الوفاء بمحل من المحال المتعددة لالتزامه التخييري ، أو إذا كان الخيار للدائن وعمد إلى قبض محل معين من هذه المحال أو إلى المطالبة بأداء محل معين ، فإن هذا التنفيذ يعتبر بمثابة إعلان عن إرادة الاختيار ويتعين على هذا النحو المحل الواجب الأداء.

ويعتبر التنفيذ الجزئي من قبل المدين أو الدائن لمحل معين من المحال بمثابة التنفيذ الكلي من حيث إعمال حق الخيار ، فلا يستطيع المدين بعد أن نفذ جزء من محل معين ولا الدائن بعد أن قبل التنفيذ الجزئي في محل من المحال إلا المضي في تنفيذ المحل حتى النهاية دون إمكان العدول عن تنفيذ المحل الذي شرع في تنفيذه إلى تنفيذ محل آخر.

ويجب أن يتناول تعيين صاحب الخيار محلا من المحال المتعددة للإلتزام التخييري ، فلا يختار شيئا آخر خارجا عن نطاق هذه المحال. وكذلك يجب أن يختار محلا بأكمله فلا يسوغ له أن يختار جزء من محل وجزء من محل آخر. وقد نص المشرع على هذا الحكم بالنسبة لخيار المدين والدائن على حد سوا. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 146 من ق.ل.ع " تبرأ ذمة المدين بأداء أحد الشيئين الموعود بهما. ولكنه لا يستطيع إجبار الدائن على أن يأخذ جزء من أحدهما وجزء من الآخر.

ليس للدائن إلا الحق في الأداء الكامل لأحد الشيئين الموعود بهما وليس له أن يجبر المدين على أن يؤدي له جزء من أحدهما وجزء من الآخر ".

غير أنه إذا كان الإلتزام التخييري التزاما ينفذ في آجال دورية فإن الفصل 143 من ق.ل.ع قد نص على أنه " ومع ذلك ، ففي الأداءات الدورية الواقعة على أشياء يثبت الخيار بينها ، فإن الخيار الذي يتبع عند حلول أحد الآجال لا يمنع صاحب الحق من أن يغير اختياره عند حلول أجل آخر مالم ينتج عكس ذلك من السند المنشئ للإلتزام ".

كما يجب أيضا أن يتم تعيين المحل خلال المدة التي حددت في العقد لاستعمال الخيار. ذلك أن قانون الإلتزامات والعقود أوجب تعيين ميعاد لخيار التعيين على ما يتبين من الفصل 141 الذي جاء فيه أنه " يسوغ لكل من المتعاقدين أن يحتفظ لنفسه بخيار التعيين لأجل محدد ". فصاحب الخيار ملزم إذن بإعلان اختياره خلال المدة المعينة في العقد.

وفي هذا السياق نص الفصل 145 من ق..ل.ع على أنه إذا مات من ثبت له الخيار قبل أن يختار ،انتقل الخيار إلى ورثته ، في حدود الوقت الذي كان باقيا للمورث. وإذا أشهر إفلاسه ثبت الخيار لمجموع دائنيه.

وإذا لم يتمكن الورثة أو الدائنون من الإتفاق فيما بينهم ، ساغ للطرف الآخر أن يطلب تحديد أجل لهم عن طريق القضاء ، حتى إذا انقضى هذا الأجل ثبت الخيار له.

وبالنسبة لحكم مطل الدائن في ممارسة حق الخيار فقد قرر المشرع في الفصل 144 من ق.ل.ع أنه " إذا ماطل الدائن في الإختيار ، كان للطرف الآخر أن يطلب من المحكمة أن تمنحه أجلا معقولا يتخذ فيه قراره. فإذا انقضى هذا الأجل من غير أن يختار الدائن ثبت الخيار للمدين ".

وجدير بالذكر أن لتعيين المحل أثر رجعي يستند إلى تاريخ نشوء الإلتزام. فأيا كان الطرف الذي احتفظ لنفسه بخيار التعيين ، فإنه متى استعمل حقه واختار المحل الواجب الأداء ، أصبح هذا المحل وحده هو محل الإلتزام ، وانقلب الالتزام التخييري التزاما بسيطا ذا محل واحد هو المحل الذي وقع عليه الاختيار.

ولهذا التعيين أثر رجعي ، بمعنى أن المحل الذي اختير يعتبر هو المحل الوحيد للإلتزام منذ نشوئه لا من تاريخ ممارسة حق الإختيار. وهذا ما نص عليه المشرع صراحة في الفصل 142 من ق.ل.ع بقوله " عند حصول الخيار يعتبر الإلتزام أنه منذ الأصل لم يكن له محل إلا الشيء الذي وقع عليه الخيار ".

ويترتب على هذ الأثر الرجعي نتائج هامة نخص بالذكر منها النتائج التالية :

  • تتحدد طبيعة الإلتزام التخييري منذ البدء ، بالتعيين الذي سيتم وقت ممارسة الخيار. فإذا كانت محال الإلتزام التخييري بعضها عقارا وبعضها منقولا مثلا ، ووقع الخيار على محل عقاري ، اعتبر الإلتزام التخييري منذ الأصل التزاما بسيطا عقاريا.

  • إذا كانت محال الإلتزام التخييري نقل ملكية أشياء متعددة ووقع الخيار على شيء من هذه الأشياء مما تنتقل ملكيته بمجرد التعاقد كما في المنقول المعين بالذات ، فإن ملكية الشيء الذي وقع عليه الخيار تعتبر قد انتقلت منذ نشوء الإلتزام التخييري ويعتبر الدائن مالكا لهذا الشيء منذ ذاك الوقت لا منذ ممارسة الخيار. وعليه إذا ما أشهر المدين إفلاسه ما بين نشوء الالتزام التخييري وممارسة حق الخيار ، فإن الدائن لذي يعتبر مالكا للمنقول منذ نشوء الإلتزام التخييري ، يستطيع استرداد المنقول من التفليسة دون أن يشاركه فيه الدائنون.

  • إذا تصرف الدائن في محل من المحال التي ينطوي عليها الإلتزام التخييري وذلك في الفترة ما بين نشوء الإلتزام و ممارسة حق الخيار ، ثم وقع الخيار على المحل المتصرف فيه ، اعتبر تصرف الدائن تصرفا باتا لأنه من قبيل تصرف المالك في ملكه.

الفقرة الثانية : حكم الهلاك

عرض المشرع المغربي في الفصول 147 إلى 152 من ق.ل.ع لهلاك محال الإلتزام التخييري كلها أو بعضها قبل أن يتم اختيار المحل الواجب الأداء ، وبين الأحكام واجبة الإتباع في أكثر الصور التي يمكن أن تطرأ عمليا في هذا الصدد ، مكتفيا بالنسبة للصور الأخرى بالقواعد العامة التي يمكن عن طريق تطبيقها الوصول بيسر وسهولة إلى الحل الملائم.

وقد عالج المشرع الموضوع في أكثر نواحيه على أساس أن محل الإلتزام التخييري شيئان معينان بالذات وأن شيئا منهما قد هلك أو الشيئين معا قد هلكا.

وعليه يقتضي الإلمام بحكم الهلاك التمييز بين حالتين : حالة هلاك الشيئين معا ، وحالة هلاك أحد الشيئين فقط دون الآخر.

أولا : هلاك الشيئين معا

لا بد لمعرفة الحكم الذي يترتب على هلاك الشيئين معا من التمييز بين فرضيات ثلاث حسبما يكون الهلاك بسبب أجنبي لا يد للطرفين فيه ، أم يكون بخطأ المدين أو بعد مماطلته، ام بخطأ من الدائن.

الفرضية الأولى : هلاك الشيئين بسبب أجنبي

إذا كان هلاك الشيئين معا يعود لسبب أجنبي لا يد للطرفين فيه وقبل أن يثبت المطل على المدين ، فإن الإلتزام التخييري ينقضي لاستحالة تنفيذه سواء كان الخيار للدائن أم كان الخيار للمدين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 148 من ق.ل.ع " ينقضي الإلتزام التخييري إذا أصبح الأمران المكونان لمحله مستحيلين في نفس الوقت وبدون خطأ المدين ، وقبل أن تثبت مماطلته ".

ولا يختلف الحكم إذا هلك الشيئان بسبب أجنبي الواحد بعد الآخر. ففي هذه الحالة كما في حالة هلاك الشيئين في وقت واحد ، ينقضي التزام المدين لاستحالة التنفيذ وإن كان من الناحية النظرية يصبح الإلتزام بسيطا في الحالة الأولى بهلاك أحد الشيئين ثم ينقضي وهو بهذا الوصف بهلاك الشيء الثاني ، في حين أنه في حالة هلاك الشيئين في وقت واحد ينقضي الإلتزام وهو تخييري دون أن يتحول إلى التزام بسيط قبل انقضائه.

الفرضية الثانية : هلاك الشيئين بخطأ المدين أو بعد مماطلته

إذا هلك الشيئان معا بخطأ من المدين أو بعد ثبوت مماطلته ، فالحكم يختلف بين أن يكون الخيار للدائن وبين أن يكون الخيار للمدين.

فإذا كان الخيار للدائن فقد أعطاه المشرع الحق في أن يلزم المدين بتأدية قيمة أي من الشيئين الذي يقع عليه اختياره. وهذا ما ورد في الفصل 149 من ق.ل.ع " إذا أصبح الامران اللذان يشملهما الالتزام مستحيلين في نفس الوقت بخطأ المدين أو بعد مماطلته ، وجب عليه أن يدفع قيمة أيهما ، وفق ما يختاره الدائن ".

أما إذا كان الخيار للمدين ، فيجب عملا بالأحكام العامة ، منح المدين الحق في أن يختار دفع قيمة أي من الشيئين إذا كان هلاكهما حصل في وقت واحد. وإلزامه بأداء قيمة الشيء الذي طرأت عليه استحالة التنفيذ أخيرا، إذا كان الهلاك قد حصل في وقتين مختلفين.



الفرضية الثالثة : هلاك الشيئين بخطأ الدائن

إذا هلك الشيئان معا بخطأ من الدائن فالحكم يختلف كذلك بين أن يكون الخيار للمدين وبين أن يكون الخيار للدائن.

فإذا كان الخيار للمدين فقد قرر المشرع في الفصل 152 من ق.ل.ع أن " إذا أصبح أحد الشيئين مستحيلين بخطأ الدائن ، وجب عليه أن يعوض المدين عن آخر ما استحال منهما ، إذا كانت استحالتهما في وقتين مختلفين ، وعن نصف قيمة كل منهما إذا استحالا في وقت واحد ".

أما إذا كان الخيار للدائن ، فيجب عملا بالأحكام العامة ، إعطاء الدائن الحق في أن يختار استيفاء لحقه أحد الشيئين فتبرأ بذلك ذمة المدين . وبما أن الدائن مسؤول عن هلاك الشيء الذي لا يقع عليه اختياره ، فإنه يتعين عليه أداء قيمته للمدين.

ثانيا : هلاك أحد الشيئين

يتطلب بيان الحكم الذي يترتب على هلاك أحد الشيئين دون الآخر ، التمييز بين نفس الفرضيات الثلاث : فرضية هلاك هذا الشيء بسبب أجنبي لا يد للطرفين فيه ، وفرضية هلاكه بخطأ من المدين أو بعد مماطلته ، وفرضية هاكه بخطأ من الدائن.

الفرضية الأولى : هلاك أحد الشيئين بسبب أجنبي

إذا هلك أحد الشيئين بسبب أجنبي لا يد للطرفين فيه فالحكم يختلف بين أن يكون الخيار مقررا للدائن وبين أن يكون الخيار مقررا للمدين.

فإذا كان الخيار مقررا للدائن ، فإن له أن يختار بين استيفاء الشيء الذي لم يهلك وبين أن يطلب فسخ العقد. وقد نص على ذلك الفصل 147 من ق.ل.ع بقوله " إذا أصبح طريق من طرق تنفيذ الإلتزام مستحيلا...كان للدائن أن يختار بين طرق التنفيذ الأخرى ، أو أن يطلب فسخ العقد ".

أما إذا كان الخيار مقررا للمدين ، فيسقط هذا الخيار ولا يكون له إلا الوفاء بالشيء الباقي لأن الإلتزام انقلب من التزام تخييري إلى التزام بسيط له محل واحد هي الشيء الذي لم يهلك.

الفرضية الثانية : هلاك أحد الشيئين بخطأ من المدين أو بعد مماطلته

إذا هلك أحد الشيئين بخطأ من المدين أو بعد مماطلته ، وجب التمييز بين الحالة التي يكون فيها الخيار للدائن وبين الحالة التي يكون فيها الخيار للمدين.

فإذا كان الخيار للدائن ، فإن المشرع منحه الخيار بين أن يطلب إما أداء الشيء الذي مازال أداءه ممكنا وإما التعويض عن استحالة أداء الشيء الآخر. وهذا ما جاء في الفصل 150 من ق.ل.ع " إذا كان الخيار ممنوحا للدائن ، ثم أصبح أحد الأمرين اللذين يسملهما الالتزام مستحيلا بخطأ المدين ، أو بعد مماطلته ، ساغ للدائن أن يطلب إما أداء الأمر الذي ما زال ممكنا أو التعويض عن استحالة الأمر الآخر ".

وأما إذا كان الخيار للمدين ، فلا مناص من اعتبار الشيء الذي هلك بخطئه هو الشيء الذي لم يختره ، فلا يبقى أمامه إلا الشيء الباقي الذي يتعين عليه الوفاء به حتى لا يفيد من خطئه.

الفرضية الثالثة : هلاك أحد الشيئين بخطأ الدائن

إذا هلك أحد الشيئين بخطأ من الدائن ، ترتب كذلك التمييز بين أن يكون الخيار للدائن وبين أن يكون الخيار للمدين.

فإذا كان الخيار للدائن ، فقد أوجب المشرع اعتباره قد اختار هذا الشيء الذي هلك بخطئه ، بحيث لا يسوغ له أن يطلب الشيء الباقي. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 151 من ق.ل.ع " أذا أصبح أحد الشيئين اللذين يشملهما الإلتزام مستحيلا بخطأ الدائن وجب اعتبار الدائن أنه اختاره ، ولم يسغ له أن يطلب الشيء الباقي ".

أما إذا كان الخيار للمدين ، فبمقتضى الأحكام العامة ، يجب أن يكون له الخيار بين الوفاء بالشيء الباقي للدائن مع الرجوع عليه بقيمة الشيء الذي هلك بخطئه وبين اعتبار الشيء الذي هلك بخطأ الدائن هو الشيء الواجب الأداء فتبرأ ذمة المدين من الإلتزام ولا يرجع على الدائن بشيء.

تعليقات

التنقل السريع