الإقالة الإختيارية
يسوغ للمتعاقدين ، بعد إبرامهما عقدا ما ، الإتفاق على إقالة هذا العقد والتحلل من الالتزامات التي نشأت عنه.
فالعقد في الأصل قد انعقد بإرادتهما المشتركة والالتزامات التي نجمت عنه قد قبلا التحمل بها بتراضيهما. فليس هناك ما يمنع ، إذا اقتضت مصلحتهما ذلك ، أن يعمدا إلى فسخ هذا العقد بإرادتهما المشتركة والتحلل مما رتبه عليهما من التزامات. فإذا جنحا إلى ذلك ، انهدم العقد وزالت ، تبعا لانهدامه ، الالتزامات التي نشأت عنه. وهذا ما أوضحه المشرع في الفصل 393 من ق.ل.ع بقوله " تنقضي الالتزامات التعاقدية ، إذا ارتضى المتعاقدان ، عقب إبرام العقد ، التحلل منها وذلك في الحالات التي يجوز فيها الفسخ بمقتضى القانون ".
فالإقالة هي إذن سبب غير مباشر لانقضاء الإلتزامات التعاقدية ، يحصل عن طريق فسخ المتعاقدين اختياريا للعقد الذي كان مصدرا لها ، والذي يستتبع فسخه زوال ما كان مترتبا عليه من التزامات.
وقد تناول المشرع الإقالة الإختيارية في الباب الثامن من القسم السادس الذي خصصه لانقضاء الإلتزامات من الكتاب الأول المتعلق بمصادرالإلتزامات وذلك في الفصول 393 إلى 398 من قانون الالتزامات والعقود.
وهكذا بين المشرع مختلف صور الإقالة ، وأشار إلى مبدأ خضوع الإقالة من حيث صحتها للقواعد العامة المقررة للالتزامات التعاقدية ، ثم حدد الآثار التي تترتب عليها.
فما هي صور الإقالة ، وما الشروط الواجب توافرها حتى تقع صحيحة، وما هي الآثار التي تترتب عليها ؟
المحور الأول : صور الإقالة وشروط صحتها
سنبين مختلف صور الإقالة الإختيارية ، ثم سنتطرق إلى مبدأ خضوع الإقالة من حيث صحتها للقواعد العامة المقررة للالتزامات التعاقدية.أولا : صور الإقالة
يمكن أن تتخذ الإقالة الإختيارية إحدى صورتين : فهي قد تقع بصورة صريحة ، وقد تتم بصورة ضمنية.فهي تقع بصورة صريحة كأن يبرم البائع والمشتري أو المؤجر والمستأجر اتفاقا لاحقا لعقد الببع أو الإيجار يصرحان فيه أنهما أقالا البيع أو الإيجار وجرداه من كل أثر.
وتتبع في إثبات الإقالة الصريحة القواعد العامة في الإثبات. فلا بد إذن من حجة كتابية أو بدء حجة كتابية معززة بالشهادة والقرائن إذا كانت الإقالة تتناول عقدا تفوق قيمته عشرة آلاف درهم أو عقدا مكتوبا ولو كانت قيمته تقل عن هذا المبلغ طبقا لمقتضيات الفصلين 443 و 447 من ق.ل.ع
وتقع الإقالة بصورة ضمنية عندما تستنتج من عمل أو موقف يفيد حتما إرادة المتعاقدين في إقالة العقد الذي كانا أبرماه قبلا. وقد عرض المشرع للإقالة الضمنية في الفصل 394 من ق.ل.ع حيث أقر سواغيتها ومثل عليها بما يفيذ إقالة عقد البيع فقال " يجوز أن تقع الإقالة ضمنيا ، كما هي الحال إذا قام كل من المتعاقدين بعد إبرام عقد البيع بإرجاع ما أخذ من مبيع أو ثمن للآخر ".
ثانيا : تطبيق القواعد العامة لصحة الإلتزامات التعاقدية على الإقالة
لما كانت الإقالة تصرفا قانونيا تعاقديا ، بات من الطبيعي أن تخضع من حيث صحتها للقواعد اعامة المتطلبة لصحة العقد. لذا أوضح المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 395 من ق.ل.ع أن " الإقالة تخضع من حيث صحتها للقواعد العامة المقررة للالتزامات التعاقدية".وعليه لا بد أن يكون طرفا الإقالة متمتعين بأهلية التصرف ، ولا بد أن يكون رضاهما سليما خاليا من عيوب الإرادة ، ولا بد أن يكون للإقالة محل مشروع وأن تحمل على سبب غير مخالف للقانون أو للنظام العام أو الآداب العامة.
وفي هذا السياق ، عرض المشرع للإقالة التي تقع من النائب الشرعي أو الوكيل فاشترط لصحتها أن يكون للنائب الشرعي أو للوكيل صلاحية إجرائها وأن يتم إبرامها وفق الإجراءات المتطلبة قانونا للقيام بها وأن تتحقق منفعة لمن يتولى أمرهم النائب الشرعي أو الوكيل. وقد جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثانية من الفصل 395 من ق.ل.ع أن " الأوصياء والمديرين وغيرهم من الأشخاص الذين يعملون باسم غيرهم لا يسوغ لهم أن يتقايلوا إلا في الحالات ووفقا للإجراءات الواجبة للقيام بالتفويتات التي تخولها لهم ولايتهم. ويشترط أن تكون هناك منفعة للأشخاص الذين يعملون باسمهم ".
المحور الثاني : آثار الإقالة
يجب التفريق بين آثار الإقالة بالنسبة للطرفين المتقايلين وبين آثارها بالنسبة للغير.أولا : آثار الإقالة بالنسبة للطرفين
ففيما يتعلق بالطرفين ، القاعدة الأساسية أن الإقالة تعيدهما إلى الحالة التي كانا عليها وقت إبرام العقد. فالعقد الذي كان أبرمه المتعاقدان يعتبر إذن بعد الإقالة كأن لم يكن. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الأولى من الفصل 397 من ق.ل.ع " يترتب على الإقالة عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها وقت إبرام العقد ".وتترتب على هذه القاعدة الأساسية النتائج التالية :
يجب على كل من الطرفين أن يعيد للآخر ما أخذه منه بمقتضى العقد الذي وقعت فيه الإقالة. هذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 397 من ق.ل.ع " ويجب على المتعاقدين أن يرجع كل منهما للآخر ما أخذه منه بمقتضى الإلتزام الذي وقعت فيه الإقالة ".
إذا كان العقد شيئا معينا بالذات وهلك هلاكا تاما ، امتنعت الإقالة إذ لا سبيل في هذه الحالة لإرجاع الشيء ، وبالتالي لإعادة الطرفين إلى الوضع الذي كانا عليه وقت إبرام العقد.
وكذلك تمتنع الإقالة مبدئيا إذا تعيب الشيء ، أو حصل له بصنع الإنسان تغيير في طبيعته ، أو إذا استحال على المتعاقدين لأي سبب آخر أن يرجع أحدهما للثاني ما أخذه منه بالضبط. على أن للمتعاقدين الإتفاق على أن يعوض أحدهما الثاني الفرق الناجم عن تعيب الشيء ، أو تغيره ، أو تعذر إعادة ما أخذ بالضبط لسبب من الأسباب ، فعندها تصح الإقالة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 396 من ق.ل.ع " لا أثر للإقالة :
إذا كان محل العقد شيئا معينا بالذات ، وهلك أو تعيب أو حصل له بصنع الإنسان تغير في طبيعته.
إذا استحال على المتعاقدين ، لأي سبب آخر ، أن يرجع أحدهما للثاني ما أخذه منه بالضبط ، إلا إذا اتفق المتعاقدان في الحالتين السابقتين على تعويض الفرق ".
إذا تضمن عقد الإقالة تعديلا للعقد الأصلي ، فإن الإقالة تفسد وتحول إلى عقد جديد يحل محل العقد الأول. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثالثة من الفصل 397 من ق.ل.ع " كل تعديل يجري على العقد الأصلي يفسد الإقالة ويحولها إلى عقد جديد ".
تعليقات
إرسال تعليق