القائمة الرئيسية

الصفحات

الإرداة المنفردة في قانون الإلتزامات والعقود المغربي

 الإرداة المنفردة في قانون الإلتزامات والعقود المغربي


الإرداة المنفردة في قانون الإلتزامات والعقود المغربي


المطلب الأول: أحكام الإرادة المنفردة

لعل الأصل أن تسري الأحكام المتعلقة بالالتزام العقدي على الالتزام بإرادة منفردة سواء من حيث شروط صحته أو من حيث أثاره، وذلك ضمن الحدود التي تسمح به طبيعتها، أي بما لا يتنافى مع طبيعة التصرف الناشئ عن الإرادة المنفردة.

الفقرة الأولى: شروط صحة الالتزام بإرادة منفردة

لابد لقيام الالتزام الناشئ عن إرادة منفردة من أن تتوافر فيه الأركان التالية والمنصوص عليها في إطار الفصل الثاني من ظهير الالتزامات والعقود، سيما وأن المشرع نص فقط على الأتي "الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة" دونما أن يقرر هل الأمر يتعلق فقط بالاتفاقات/العقود أم أيضا بالتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة/الإرادة المنفردة؛ ما يسمح لنا بالقول بأنها أركان تستوجبها صحة الإرادة المنفردة أيضا؛ وهي
  • الأهلية للالتزام

  • تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام

  • شيء محقق يصلح أن يكون محلا للالتزام

  • سبب مشروع للالتزام

أولا: أهلية الالتزام

فلئن كان الالتزام في ظل الإرادة المنفردة يتم بإرادة شخص واحد فقط وهو الملتزم؛ فإن المشرع تطلب في هذا الأخير ضرورة توفره على أهلية التبرع؛ وهذا ما يتحقق ببلوغ الشخص سن الرشد غير مجنون ولا سفيه ولا معتوه، أو بترشيده .
وفي هذا الصدد نعطي أمثلة للالتزامات بإرادة منفردة تطلب فيها المشرع تمتع الموجب بإرادة منفردة بأهلية التبرع تحت طائلة البطلان:

فيما يتعلق بالوقف كعقد بإرادة منفردة:
المادة 5 من مدونة الأوقاف: قرر المشرع أنه: "يجب أن يكون الواقف متمتعا بأهلية التبرع، وأن يكون مالكا للمال الموقوف، وله مطلق التصرف فيه، وإلا كان عقد الوقف باطلا" .
فضلا عن المادة 8 من مدونة الأوقاف: فيما يتعلق بالوقف الصادر من النائب الشرعي بشأن مال محجوره سواء كان قاصر أو سفيه أو معتوه، حيث قررت: "وقف النائب الشرعي مال محجوره باطل" .

أيضا فيما يتعلق بالوصية باعتبارها عقدا بإرادة منفردة :
المادة 279 من مدونة الأسرة: اشترطت صراحة الرشد في الموصي، حيث نصت على: "يشترط في الموصي أن يكون راشدا" . وعليه؛ إذا تمت الوصية من القاصر اعتبرت باطلة .
إلا أنه مع ذلك أجازت صراحة وصية الموصي السفيه أو المعتوه وحتى المجنون في حالة إفاقته ؛ في الفقرة الثانية من المادة 279 م.أس، بقولها: "تصح الوصية من المجنون في حالة إفاقته ومن السفيه والمعتوه" .

أما عن الوعد بجائزة والإيجاب الملزم:
فرغم عدم تطلب المشرع صراحة الأهلية فيهما؛ إلا أن الفصل 2 ينص على الإرادة المنفردة –التصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة- وبالتالي تطبق المقتضيات المؤطرة للأهلية في ظ.ل.ع في الفصول من 3 إلى 13 والتي تتماشى وخصوصية هذا الالتزام بإرادة منفردة .
ثانيا: تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام
إذ أنه لصحة تعبير الملتزم عن إرادته ينبغي أن تكون –إرادة الملتزم- صحيحة وسليمة مما قد يشوبها من عيوب الرضا المنصوص عليها في الفصل 39 من ظهير الالتزامات والعقود الذي قرر "يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن غلط، أو الناتج عن تدليس، أو المنتزع بإكراه"، ولعل هذه العيوب حتى تكون مسوغة لإبطال الالتزام بإرادة منفردة ينبغى أن تتناسب مع طبيعته. وهو ما يجعلنا نستثني عيب الغبن ما دام لا يمكن لهذه الإرادة أن ترتب أداءات متقابلة كما هو الشأن بالنسبة للعقد .
ولئن كان الالتزام بإرادة منفردة يتطلب ركن الرضا عموما لقيامه صحيحا، فإن وقت انعقاد الالتزام بإرادة منفردة يختلف حسبما يكون التعبير عن الإرادة المنفردة موجها للجمهور أو يكون موجها لشخص معين:

الحالة الأولى: كون التعبير بهذا الالتزام موجها للجمهور، كما هو الشأن بالنسبة للوعد بجائزة الموجه للجمهور أي لعامة الناس، حيث ينعقد التصرف من تاريخ صدور التعبير وينتج أثاره من هذا التاريخ.

الحالة الثانية: كون التعبير موجها لشخص معين، كما في الإيجاب الملزم؛ وهو الذي يجب إعلانه لشخص معين حتى يتحقق أثره القانوني، وبه ينعقد التصرف الصادر بإرادة منفردة في الوقت الذي يصل فيه التعبير الانفرادي عن الإرادة إلى علم من وجه إليه. وهو ما تقرر بالفصل 18 "الالتزامات الصادرة من طرف واحد تلزم من صدرت منه بمجرد وصولها إلى علم الملتزم له" .

ثالثا: شيء محقق يصلح أن يكون محلا للالتزام

حيث يشترط في محل الالتزام بإرادة منفردة كل الشروط المحددة في الفصول من 57 إلى 61، والممثلة في أن يكون المحل موجودا أو قابلا للوجود، ممكنا غير مستحيل، معينا أو قابلا للتعيين، وداخلا في دائرة التعامل .
من قبيل مثلا:

حينما يتعلق الأمر بأهم تطبيق للإرادة المنفردة؛ الوعد بجائزة؛ فيقينا أن المحل هو الجائزة الموعود بها؛ وأن هذه الجائزة بتطبيق قواعد المحل المنصوص عليه في الفصول من 57 إلى 61 ؛ يجب أن ي توفر فيها الاتي:

أن تكون الجائزة مشروعة، ولا يحرمها القانون (الفصل 57) كمثلا الإعلان عن جائزة عبارة عن أموال تم تبيضها، أو مواد مخدرة. فكلها غير مشروعة ويحرمها القانون بمقتضيات القانون الجنائي بالنسبة لجرائم غسل الأموال والتعامل بشأنها. وعن المخدرات هناك ظهير 1974 .

أن تكون الجائزة معينة أو قابلة للتعين (الفقرة 1 من الفصل 58) .

محددة أو قابلة للتحديد (الفقرة 2 من الفصل 58) .

أن تكون الجائزة غير مستحيلة بحكم طبيعتها أو القانون (الفصل 59). كأن يتم الإعلان عن أن الجائزة هي بعض الأمتار من مياه البحر (مستحيلة قانونا لأن مياه البحر ملك للجميع وللدولة المغربية) أو الجائزة عبارة عن ضوء الشمس (مستحيلة بالطبيعة لأن الشمس يستفيد منها الجميع) .

أيضا بخصوص محل عقد الوقف باعتباره يتم بإرادة منفردة؛ فمدونة الأوقاف حددت شروطا خاصة في محل الوقف (إلى جانب شروط المحل العامة)، وهي:

أن يكون ذا قيمة ومنفعة؛

وأن يكون مملوكا للواقف فعليا. حسب المادة 52 من مدونة الأوقاف على: "يجب في المال الموقوف تحت طائلة البطلان: - أن يكون ذا قيمة ومنتفعا به شرعا؛ - أن يكون مملوكا للواقف ملكا صحيحا" .

أما عن محل عقد الوصية؛ فيقينا أنه يكون نصيب معين أو حصة من التركة؛ والمشرع أضاف شرطا خاصا في محل الوصية وتطلبه وجوبا وهو:

أن لا تتجاوز الثلث؛ نصت المادة 277 م.أس، على: "الوصية عقدا يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته" . على أنه ما زاد عن الثلث فقرر المشرع بشأنه أن لا نفاذ له إلا بإجازة الورثة الرشداء؛ حسب المادتين 300 و 303 .
رابعا: سبب مشروع للالتزام
حيث يشترط في سبب الالتزام بإرادة منفردة الشروط التي عرضها المشرع في الفصول من 62 إلى الفصل 65؛ من أن يكون السبب موجودا وحقيقيا ومشروعا .

حينما يتعلق الأمر بأهم تطبيق للإرادة المنفردة؛ الوعد بجائزة؛ فيقينا أن السبب هو القيام بعمل أو العثور على شيء ضائع؛ وأن القيام بهذا العمل أو العثور على الضائع بتطبيق قواعد السبب المنصوص عليها في الفصول من 62 إلى 65؛ يجب أن يتوفر فيه الآتي:

أن يكون العمل الموعود لأجله بالجائزة كسبب في حد ذاته مشروعا غير مخالف للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون، ولا يحرمه القانون (الفصل 62) كمثلا الإعلان عن الوعد لمن يقوم بعمل توريد المخدرات عبر الحدود، أو بضاعة مشروعة ولكن العمل الموعود لأجله يقتضي توريدها بطريقة غير مشروعة بدون مرورها على إرادة الجمارك .. . فكلها أعمال غير مشروعة ويحرمها القانون . أو لمن تمارس البغاء فهذا السبب مخالف للقانون وللأخلاق الحميدة وللنظام العام .

أن يكون العمل أو العثور على ضائع حقيقيا ؛ (الفصل 63) .

الفقرة الثانية: أثار الالتزام بإرادة منفردة

لئن كانت الإرادة المنفردة باعتبارها تصرفا قانونيا يقوم صحيحا باستكمال جميع الأركان المنصوص عليها في إطار الفصل الثاني من قانون الالتزامات والعقود، فإن هذا التصرف الانفرادي وإن اختلف شكله "الوعد بالجائزة أو صدر على شكل إيجاب ملزم"؛ فإنه يولد أثارا مختلفة من أبرزها:
1: فالإرادة المنفردة قد تؤدي إلى إنشاء حق شخصي كالإيجاب الملزم والوعد بجائزة، كما قد تؤدي إلى إنشاء حق عيني كالوصية والوقف مثلا
2: قد تؤدي الإرادة المنفردة إلى التخلي أو التنازل عن الحق؛ من قبيل التنازل عن حق شخصي، تخلي الوكيل عن وكالته وفقا لما تقرر بالفصل 929 من ظهير الالتزامات والعقود بقوله (... رابعا –بتنازل الوكيل عن وكالته؛) والحالة هذه فالإرادة المنفردة تكون منهية للالتزام وليست منشأة له.
3: كما أن الالتزام بإرادة منفردة قد يؤدي إلى إقرار صاحب الشأن عقدا موقوفا أبرمه الغير باسمه دون حق التمثيل؛ من قبيل:

حالة الوكيل الذي يتجاوز تعليمات موكله، والذي تقرر بالفصل 927 " لا يلتزم الموكل بما يجريه الوكيل خارج حدود وكالته أو متجاوزا إياها إلا في الحالات الآتية: أولا- إذا أقره ولو دلالة."

أيضا حالة عقد الفضالة، فالفضولي يباشر أعمالا تخص الغير دون أن يكون مرخصا له في مباشرة هذه الأعمال، وفي ذلك ينص الفصل 958 من نفس القانون "إذا أقر رب العمل صراحة أو دلالة، ما فعله الفضولي، فإن الحقوق والالتزامات الناشئة بين الطرفين تخضع لأحكام الوكالة ابتداء من مباشرة العمل، أما في مواجهة الغير، فلا يكون للإقرار أثر إلا من وقت حصوله".

ويندرج ضمن نفس السياق، ما يتعلق ببيع ملك الغير، والذي يقرر بخصوصه الفصل 485 ما يأتي: "بيع ملك الغير يقع صحيحا: 1) إذا أقره المالك؛ "

وينطبق نفس الحكم على رهن ملك الغير، حيث يقرر الفصل 1173: "رهن ملك الغير صحيح: أولا- إذا ارتضاه مالك الشيء أو أقره، وعندما يكون الشيء مثقلا بحق للغير، تجب موافقة هذا الغير أيضا؛" .
4: وقد تعمل الإرادة المنفردة على تصحيح عقد قابل للإبطال عن طريق إجازته أو التصديق عليه من طرف المتعاقد الذي لا يرتبط به سبب الإبطال أي الطرف الذي يمنحه القانون حق المطالبة بإبطال العقد المشوب بعيب معين.
ولئن كان الالتزام بإرادة منفردة يتطلب نفس الأركان والشروط المتطلبة لصحة الالتزام الناشئ عن العقد، فإن الأمر يفرض مبدئيا أن الآثار المترتبة عن الالتزام بإرادة منفردة هي نفس الآثار المترتبة عن الالتزام التعاقدي، وذلك في حدود ما تسمح به طبيعته كتصرف أحادي الجانب/انفرادي. ولعل أهم هذه الآثار تتجلى فيما يلي:

فالالتزام بإرادة منفردة يخضع لنفس القوة الملزمة للالتزام، ولأثاره النسبية التي لا تتعدى الطرف الملتزم بإرادته المنفردة؛ وهي الآثار المنصوص عليها في إطار القسم الرابع من الكتاب الأول المعنون بآثار الالتزامات، لاسيما الباب الأول منه الخاص بآثار الالتزامات بوجه عام؛ حيث أن التصرف بإرادة منفردة تسري عليه الأحكام المضمنة في الفصل 228 "الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون".

ثم إن الملتزم بإرادة منفردة يجب عليه أن ينفذ تعهده بحسن نية طبقا للفصل 231 "كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية"، ولعل حسن النية يفترض دائما ما لم يثبت العكس حسب الفصل 477 .

كما أن التصرفات المبرمة بإرادة منفردة تخضع لنفس أحكام البطلان (306 إلى 310) والإبطال (311 إلى 318) المنظمة في إطار القسم الخامس من الكتاب الأول من ظهير الالتزامات والعقود.
إلا أنه مع سريان العديد من الآثار التي تترتب على العقد، حتى على التصرف القانوني بإرادة منفردة، تغيب إمكانية ترتيب أثار أخرى من قبيل الدفع بعدم التنفيذ حسب الفصل 235 المتعلق بالالتزامات التبادلية/الملزمة لجانبين. أيضا ما يتعلق الإقالة الاختيارية مادام التصرف ينقضي بالإقالة في الحالة التي يرتضي الطرفان معا التحلل من التزاماتهما (393 إلى 398) وهو ما يتناسب والتصرف بإرادة منفردة.

المطلب الثاني: تطبيقات الإرادة المنفردة

يترتب على اعتبار الإرادة المنفردة مصدرا ثانويا للالتزام أنها لا تلزم صاحبها إلا في حالات محددة نص عليها القانون صراحة؛ وهو ما يستفاد ضمنيا من الفصل 14 الذي قرر "مجرد الوعد لا ينشئ التزاما".
ولعل تطبيقات الالتزام بإرادة منفردة عديدة؛ منها ما هو خارج ظهير الالتزامات والعقود كالوصية، والوقف، ثم ما هو منصوص عليه في قانون الالتزامات والعقود من الإيجاب الملزم المنصوص عليه في إطار الفصل 29 من الظهير المذكور باعتباره ذلك الإيجاب الذي يصدر ملزما لصاحبه متى كان مقترن بأجل للقبول، إذ يبقى الموجب ملتزما تجاه الطرف الأخر خلال المدة التي حددها للقبول؛ إذ يكون والحالة هذه مصدر التزامه هو إرادته المنفردة.
إلا أن أهم تطبق للإرادة المنفردة والذي يجد تنظيمه من قبل المشرع في الفرع المتعلق بالتعبير الصادر من طرف واحد؛ هو الوعد بجائزة.
وعموما فإننا سنقف عند تطبيقات الإرادة المنفردة المنصوص عليها في ظ.ل.ع (الفقرة الأولى) ثم تطبيقات الإرادة المنفردة في القوانين الخاصة (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى : تطبيقات الإرادة المنفردة في ظ.ل.ع

أولا: الوعد بجائزة

لئن كان الوعد بجائزة هو ذلك الإعلان الموجه إلى الجمهور يتضمن التزاما بمنح جائزة لمن يقوم بعمل معين. فإنه يعتبر على هذا الأساس معاوضة متى كانت فائدة النشاط الذي يبذله الغير لاستحقاق الجائزة تعود على الواعد، بينما يعتبر تبرع متى كانت الفائدة تعود على مستحق الجائزة دون الواعد.
وباعتبار الوعد بجائزة تصرف قانوني كامل في ذاته؛ فقد عرض المشرع إليه في الفرع الثاني من الباب الأول من القسم المتعلق بالالتزامات بوجه عام؛ في أولا التعبير الصادر من طرف وحد في الفصول 15 و 16 و 17 حيث عين شروطه، وأوضح أثاره.
1/ شروط الوعد بجائزة :
عرض الفصل 15 من ظهير الالتزامات والعقود لشروط الوعد بجائزة فنص على: "الوعد عن طريق الإعلانات أو أي وسيلة أخرى من وسائل الإشهار بمنح جائزة لمن يعثر على شيء ضائع أو يقوم بأي عمل أخر، يعتبر مقبولا ممن يأتي بالشيء أو يقوم بالعمل ولو فعل ذلك وهو جاهل الوعد. وفي هذه الحالة يلتزم الواعد من جانبه بإنجاز ما وعد به."
ففي ضوء مقتضى الفصل 15 يتطلب الوعد بجائزة توافر الشروط التالية:

من حيث الإرادة:
فهناك مجموعة من الشروط الواجب تحققها في إرادة الواعد؛

يجب أن تصدر هذه الإرادة من شخص كامل الأهلية، وأن لا يشوبها أي عيب من عيوب الرضا كالغلط والتدليس

يتعين أن تكون إرادة جدية وباتة، وإلا لن ترتب التزاما.

يلزم أن يوجد التعبير عن الوعد إلى الجمهور، وليس إلى شخص معين بذاته. وإلا خرج من نطاق الوعد وأصبح مجرد إيجاب لا ينشئ التزاما إلا بعد اقترانه بقبول.

التعبير عن الوعد بطريقة تتوافر فيها العلانية إلى الحد الذي يكفي لأن يعلم به عدد من الناس، على أن هذه العلانية تتحقق بكل وسيلة من وسائل الإعلام وغير محصورة بطريقة قانونية معينة.

من حيث المحل:
لعل للوعد بجائزة محل مزدوج: المحل الأول؛ العمل الموعود عليه. ثم المحل الثاني؛ الجائزة الموعود بها

العمل الموعود عليه: هذا المحل المتعلق بالعمل الموعود عليه يجب أن تتوفر فيه شروط المحل مع مراعاة طبيعة هذا التصرف بإرادة منفردة؛

أن يكون معينا: بمعنى أن تحدد طبيعته سواء أكان العثور على شيء ضائع أو القيام بعمل معين .

أن يكون غير مستحيل.

أن يكون مشروعا أي داخلا في دائرة التعامل.

الجائزة الموعود بها: هذا المحل المتعلق بالجائزة يجب أيضا أن يكون مستوفيا من الناحية القانونية كل شروط المحل، ليأخذ صفة جائزة موعود بها؛

تعين الجائزة تعيينا كافيا: وقد تكون هذه الجائزة مبلغا من النقود، أو شيئا أخر له قيمة مالية، ويصح أن تكون قيمة الجائزة أدبية.

ممكنة غير مستحيلة وداخلة في دائرة التعامل.
ج. من حيث السبب:
فسبب التزام الواعد متمثل في الحصول على فائدة من العمل الذي خصص الجائزة لأجله؛ سواء كان السبب هو العثور على شيء ضائع أو القيام بعمل معين. إضافة إلى الباعث الدافع إلى الوعد يشترط أن يكون مشروعا غي مخالف للنظام العام .
2/ أثار الوعد بجائزة
إذا تحققت الشروط أعلاه بكل عناصرها قام التزام الواعد وترتبت عنه أثار معينة؛ إلا أن أثار هذا الالتزام -الوعد بجائزة- تختلف باختلاف الأحوال؛ بين الحالة التي يكون فيها الواعد قد حدد أجلا لانجاز العمل الموعود بالجائزة من أجله، وبين الحالة التي لم يحدد فيها أجلا لانجاز هذا العمل. ثم إن حالة تعدد الأشخاص الموعود لهم ترتب أثار معينة

أثار الوعد بجائزة المقيد بأجل محدد؛ متى حدد الواعد أجلا اشترط أن يتم العمل خلاله، فإنه يتعين عليه أن يلتزم بوعده خلال المدة التي حددها؛ إذ لا يبقى بمقدوره ولا يسوغ له العدول عن وعده قبل انقضاء هذا الأجل. وهو ما أوضح المشرع في الفصل 16 "يفترض فيمن حدد أجلا لانجاز ذلك الفعل أنه تنازل عن حقه في الرجوع عن وعده إلى انتهاء ذلك الأجل".
يستفاد من ذلك أنه إذا قام شخص ما بالعمل محل الوعد بجائزة خلال المدة المعينة من قبل الواعد، فإنه يصبح صاحب الحق في الجائزة، ويستحقها سواء كان عالما بالوعد الصادر وقام بالعمل بقصد الحصول على الجائزة، أو لم يكن له علم به؛ وهذا ما أكد عليه الفصل 15 بقوله "الوعد عن طريق الإعلانات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الإشهار... يعتبر مقبولا ممن يأتي بالشيء أو يقوم بالعمل، ولو فعل ذلك وهو جاهل الوعد، وفي هذه الحالة يلتزم الواعد من جانبه بإنجاز ما وعد به".
لكن إذا انقضى الأجل دون أن يقوم أحد بالعمل المطلوب انقضى التزام الواعد، ومتى قام بعد ذلك شخص بهذا العمل فلا يلتزم الواعد بأداء الجائزة التي كان وعد بها، وإنما يمكن أن يلتزم على أساس الإثراء بلا سبب إذا ما توافرت شروطه.

أثار الوعد بجائزة عند عدم تحديد أجل له: إذا أصدر الواعد الوعد بجائزة مطلقا؛ أي دون أن يحدد أجلا لإنجاز العمل خلاله، ففي هذه الحالة يظل الواعد ملتزما بإرادته المنفردة، على أنه يبقى له الحق في الرجوع عنه بنفس العلانية التي توفرت في الوعد أي بواسطة الإعلان في الصحف أو المجلات أو الإذاعة أو التلفزة أو وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة، ومن ثم لا عبرة بالعدول عن الوعد من غير إعلانه بنفس طريقة الإعلان عنه.
غير أن الرجوع/العدول لا يكون له أي مفعول إذا شرع أحد الأشخاص في تنفيذ العمل ولو لم ينجزه بعد؛ حيث يستحق هذا الشخص الجائزة الموعود بها في هذه الحالة حتى ولو باشر هذا العمل دون أن يقصد الحصول على الجائزة، أو قام به وهو يجهل أمر الجائزة، أو قام به قبل الإعلان عنها. وهو ما يستفاد من الفقرة الأولى من الفصل 16 "لا يجوز الرجوع في الوعد بجائزة بعد الشروع في تنفيذ الفعل الموعود بالجائزة من أجله".
ج. أثار إنجاز العمل الموعود عليه بالجائزة من قبل عدة أشخاص أو اشتراك عدة أشخاص في إنجازه؛ عرض المشرع في الفصل 17 من ظهير الالتزامات والعقود للحالات التي ينجز فيها العمل الموعود عليه بالجائزة من قبل عدة أشخاص في وقت واحد أو في أوقات مختلفة، أو يشترك في إنجازه عدة أشخاص كل منهم بقدر، وبين الآثار المتولدة عن كل حالة من خلال كيفية استحقاق الجائزة.
حيث انه بمقتضى الفصل 17 تتبع الأحكام التالية كآثار تترتب عن تعدد الأشخاص المستحقين للوعد؛

إذا أنجز أشخاص متعددون في وقت واحد الفعل الموعود عليه بالجائزة؛ قسمت الجائزة بينهم بالتساوي.

إذا أنجز أشخاص متعددون الفعل الموعود عليه بالجائزة في أوقات مختلفة؛ كانت الجائزة لأسبقهم تاريخا.
ج- إذا اشترك عدة أشخاص في إنجاز الفعل، كل منهم بقدر فيه؛ قسمت عليهم الجائزة بنفس النسبة.
إلا أنه متى كانت الجائزة التي استحقها عدة أشخاص لا تقبل القسمة بحكم طبيعتها، ولكنها تقبل البيع –سيارة مثلا- ففي هذه الحالة تباع الجائزة ويقسم ثمنها على مستحقيها.
ومتى كانت الجائزة شيئا ليست له قيمة في السوق –وسام مثلا-، أو كانت شيئا لا يمكن منحه وفقا لنص الوعد إلا لشخص واحد –درع تقديري- ؛ يرجع حينذاك للقرعة .

ثانيا: الإيجاب الملزم

يقصد بالإيجاب الملزم؛ الإيجاب الذي يحدد فيه الموجب ميعادا للقبول .
حيث يصدر الإيجاب ملزما لصاحبه إذا صدر وهو مقترن بأجل للقبول، إذ يبقى الموجب ملتزما تجاه الطرف الأخر خلال المدة التي حددها للقبول؛ حيث يكون مصدر التزامه هو إرادته المنفردة.
وقد قرر المشرع الإيجاب الملزم في الكتاب الأول، القسم الأول، الباب الأول، الفرع الثاني، ثانيا؛ الاتفاقات والعقود بالضبط في الفصل 29 الذي جاء فيه "من تقدم بإيجاب مع تحديد أجل للقبول بقي ملتزما تجاه الطرف الأخر إلى انصرام هذا الأجل. ويتحلل من إيجابه إذا لم يصله رد بالقبول خلال الأجل المحدد" .
الفقرة الثانية: تطبيقات أخرى للإرادة المنفردة خارج قانون الالتزامات والعقود
يترتب على اعتبار الإرادة المنفردة مصدرا ثانويا للالتزام أنها لا تلزم صاحبها إلا في حالات محددة بنص القانون صراحة، وهذا ما يستفاد ضمنيا من الفصل 14 من ق.ل. الذي جاء فيه: "مجرد الوعد لا ينشئ التزاما" .
ومن بين أهم تطبيقاته خارج قانون الالتزامات والعقود؛ نجد الوصية (أولا)، و الوقف (ثانيا).
أولا: الوصية
تعرف الوصية؛ بأنها تمليك يضاف إلى بعد الموت، وتتم عن طريق ترك الموصي للموصى له مال أو منفعة وتعد من التصرفات القانونية التي تصدر من جانب واحد، وتنتج آثارها بعد وفاة الموصي .
تتحقق الوصية بالإرادة المنفردة للموصي؛ جاء بهذا الخصوص ضمن المادة 284 من مدونة الأسرة أنه: "تنعقد الوصية بإيجاب من جانب واحد وهو الموصي" .
وعليه؛ فالوصية هي عقد تنشئه الإرادة المنفردة للموصي، ولا يتطلب صدور القبول إلا بعد وفاة الموصي، وهذا ما جعلها من العقود الجائزة وليس من العقود اللازمة، إذ يجوز لمنشئها الرجوع عنها متى شاء .
وبما أن عقد الوصية من العقود الجائزة بالإرادة المنفردة؛ فإنه يمكن لمنشئها وهو الموصي أن يبادر خلال حياته إلى إلغاء الوصية كلا أو بعضا أو تعديلها بإرادته المنفردة، أو أن يدخل على وصيته كل التغييرات التي يراها؛ وذلك بإضافة شروط لفائدة غيره، أو إضافة موصى له اخر، أو إلغاء بعض الوصية، أو الزيادة فيها أو انتقاصها بحسب ما يبدو له، وليس لذلك وقت معين حتى ولو على فراش الموت. نصت المادة 286 من مدونة الأسرة على: "للموصي حق الرجوع في وصيته وإلغائها، ولو التزم بعدم الرجوع فيها، وله إدخال شروط عليها وإشراك الغير فيها، وإلغاء بعضها كما شاء وفي أي وقت يشاء، في صحته أو مرضه" .
وعليه؛ يتبين أن الموصي يبقى مالكا طيلة حياته الحق في إعادة النظر في الوصية، حيث لا تصبح لازمة إلا بعد صدور القبول إثر وفاة الموصي الذي لم يتراجع عن وصيته .
أيضا يجوز للموصى له بإرادته المنفردة أن يرد الوصية عقب وفاة الموصي؛ طبقا للمادتين 289 و 290 من مدونة الأسرة .
حيث تنص المادة 289 على: "الوصية لشخص معين ترد برده، إذا كان كامل الأهلية، ويرث ورثته هذا الحق عنه" . وعليه؛ يحق للموصى له إذا كانت الوصية لشخص معين كامل الأهلية أن يردها، إما بالتعبير صراحة أو ضمنا، وإذا توفي الموصى له بعد موت الموصي وقبل التعبير عن إرادته بالقبول أو الرد فينتقل هذا الحق إلى ورثته .
ونصت المادة 290 على: "لا يعتبر رد الموصى له إلا بعد وفاة الموصي" . وعليه؛ فبما أن الوصية من العقود غير اللازمة في حق الموصي إلا بعد وفاته، وبالتالي له حق الرجوع عنها أو تعديلها ما دام على قيد الحياة، فإن قبول الموصى له أو رده لا يتبعر إلا بعد وفاة الموصي .

ثانيا: الوقف

عقد الوقف؛ هو عقد بموجبه يتخلى الواقف عن ملكية مال معين بصفة نهائية أو عن منفعته لفائدة إحدى جهات البر (أو لأشخاص طبيعيين) لتنتفع بها طيلة مدة وجودها أو لمدة معينة، مع اعتبار أن الرقبة ما تزال مملوكة لصاحبها .
وقد عرف المشرع الوقف في المادة 1 من ظهير 23 فبراير 2010 بمثابة مدونة الأوقاف، على أنه: "الوقف هو كل مال حبس بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة. ويتم إنشاؤه بعقد، أو بوصية، أو بقوة القانون" .
وعليه؛ فالوقف أو الحبس تصرف بإرادة منفردة ينعقد بإيجاب الواقف، حيث يكون هذا الإيجاب إما صريحا أو ضمنيا شريطة أن يفيد معنى الوقف بما اقترن به من شروط.
ويتم الإيجاب في الوقف بما يدل عليه من كتابة أو إشارة مفهومة أو فعل دال عليه؛ حسب المادة 17 من مدونة الأوقاف، التي تنص على: "ينعقد الوقف بالإيجاب. ويكون الإيجاب إما صراحة أو ضمنيا شريطة أن يفيد معنى الوقف بما اقترن به من شروط" .

تعليقات

التنقل السريع