فسخ العقد على ضوء ق.ل.ع
الفسخ القضائي
مقدمة:
باعتبار العقد مصدرا من مصادر الالتزام؛ تكفل المشرع المغربي على غرار التشريعات الأخرى؛ بوضع قواعد قانونية توضح شروطه وأركانه وكيفية تنفيذه والآثار المترتبة عنه.
وإذا نشأ العقد صحيحا فإنه يترتب التزامات تعاقدية، في ذمة طرف واحد إذا كان العقد ملزما لجانب واحد، وفي ذمة الطرفين إذا كان العقد ملزما للجانبين.
فإذا كان الأصل هو تنفيذ العقود اختيارا وطوعا طبقا لكون العقد شريعة المتعاقدين؛ فإن المشرع قد أورد على هذه القاعدة بعض الاستثناءات؛ إذ أجاز فيها حل الرابطة التعاقدية بإرادة منفردة إذا أخل المتعاقد الآخر بالتزاماته التعاقدية أو استحال عليه تنفيذها بسبب أجنبي، والتي بمقتضاها أجاز للدائن أن يتحلل من القوة الملزمة للعقد عن طريق الفسخ، الذي وضع المشرع قواعده العامة من خلال الفصول 259 و 260 و 338 ق.ل.ع .
فالفسخ؛ هو حق المتعاقد في العقد الملزم للجانبين في حل الرابطة العقدية إذا لم ينفذ المتعاقد الآخر التزامه، وذلك لكي يتحلل من التزامه المقابل .
لقد تضمن قانون الالتزامات والعقود على غرار باقي القوانين المقارنة، نصوصا تحدد الطرق التي ينفسخ بها العقد الملزم للجانبين؛
فنص في الفصل 259 ق.ل.ع، على أنه: "إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، ما دام تنفيذه ممكنا. فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين. ... ولا يقع الفسخ بقوة القانون، وإنما يجب على أن تحكم به المحكمة" .
ونص الفصل 260 على أنه: "إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون، بمجرد عدم الوفاء" .
ونص الفصل 335 على أنه: "ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصلح محله مستحيلا، استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطإه وقبل أن يصير في حالة مطل" .
والأصل في الفسخ أن يكون عن طريق القضاء؛ وهو ما يعرف بالفسخ القضائي، كما يمكن أن يكون عن طريق الاتفاق؛ أي ما يسمى الفسخ الاتفاقي، وقد يرجع انحلال الرابطة العقدية إلى سبب لايد للمدين فيه؛ وهنا ينحل العقد بحكم القانون وهو ما يسمى الفسخ القانوني.
ولقيام الفسخ لابد من تحقق شروط واتباع مجموعة من الإجراءات التي تختلف حسب كل من نوع من أنواع الفسخ (قضائي، اتفاقي، قانوني)، كما أن سلطة القاضي التقديرية قد تتسع (في الفسخ القضائي) أو تضيق (في الفسخ الاتفاقي) أو تنعدم (في الفسخ القانوني)، وعموما؛ فللقاضي في إطار الفسخ سلطة تقديرية حسب نوع الفسخ وحسب ظروف وقائع كل نازلة على حدة.
فالفسخ؛ قد يكون راجعا إلى المدين على ارتكابه خطأ عقديا، وقد يكون راجعا إلى سبب أجنبي عن المدين. مما يثور معه التساؤل؛ هل مجرد عدم تنفيذ موجب للتعويض كيفما كانت درجة تقصير المدين ؟؟ أم أنه يشترط ثبوت سوء نيته خصوصا أن الخطأ قد يكون مجردا وقد يكون موصوفا بأن يكون عمدا أو غشا أو خطأ جسيما أو تعسفا في استعمال الحق، كما قد يكون راجعا إلى إخلال الدائن بالتزامه .
ولعل طلب التنفيذ يكون هدفه الوصول إلى تحقيق المصلحة المتوخاة من العقد والاستفادة منه، أما طلب الفسخ فيكون بهدف التخلص من العقد والتحلل من الالتزامات المترتبة عنه .
على أنه حق الخيار لا يثبت للدائن وحده، بل كذلك حق المدين في التنفيذ المتأخر، بعد إقامة الدعوى من طرف الدائن .
والبين؛ أنه تترتب عن الفسخ آثار فيما بين عاقديه وكذا بالنسبة للغير، وهي نفس الآثار بالنسبة لجميع أنواعه (القضائي، الاتفاقي، القانوني) عدا ما يتعلق بالتعويض الذي لا يمكن أن يقضى به في الفسخ القضائي .
وتبرز أهمية الموضوع؛ في كونه يعرض بكثرة على القضاء، وفي كون تدخل القضاء لمراقبة وإعمال الفسخ فيه تحقيق للتوازن في العلاقة العقدية بين الطرفين، ومنع لتعسف الدائن في استخدام حق الفسخ .
وعلى هذا الأساس؛ تطرح الإشكالية الآتية: ما مدى الحماية التي وفرها المشرع للدائن في إطار نظرية الفسخ ؟؟ وإلى أي حد يمكن للقاضي في إطار سلطته التقديرية أن يحقق التوازن بين طرفي العلاقة التعاقدية ؟؟
المبحث الأول: الفسخ القضائي
نص المشرع في الفصل 259 ق.ل.ع، على أنه: "إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، ما دام تنفيذه ممكنا. فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين. ... ولا يقع الفسخ بقوة القانون، وإنما يجب على أن تحكم به المحكمة" .
والبين؛ من خلال هذا الفصل أن فسخ العقد قد يكون أمام القضاء؛ والمقصود بالفسخ القضائي ضرورة لجوء الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ إلى القضاء من أجل المطالبة بحل العلاقة التعاقدية وبالتالي التحلل من التزاماته نحو المتعاقد الآخر الذي لم يقم بتنفيذ ما رتبه العقد من التزامات على عاتقه.
وعليه؛ لا مراء ولا جدال في أنه يحق للدائن الذي لم يحصل على تنفيذ الالتزام المتفق عليه في العقد أن يطالب قضاء بالتحلل من التزاماته، فالفسخ كجزاء للإخلال بالالتزامات التعاقدية، ولتحققه لابد من شروط معينة لا يمكن الاستعاضة عن إحداها، والتي لوحدها غير كافية إذ يلزم اتباع إجراءات شكلية(المطلب الأول)، وحتى في حالة تحقق هذه الشروط والإجراءات تبقى للقاضي سلطة تقديرية في الاستجابة لطلب الفسخ كليا أو جزئيا أو رفضه ومنح المدين أجلا للقيام بتنفيذ التزامه (المطلب الثاني) .
وإذا كان فسخ العقد لا يتم إلا بعد تحقق الشروط والإجراءات، ولا يقع إلا بحكم قضائي -بالنسبة للفسخ القضائي- فإنه يطرح التساؤل حول مدى خيار المتعاقدين في طلب الفسخ (المطلب الثالث) .
المطلب الأول: شروط الفسخ القضائي وإجراءاته
يعتبر الفسخ جزاء مدنيا؛ يمس المراكز القانونية للأطراف المتعاقدة ويمتد أثره إلى الغير لذلك علق على تحقق شروط (الفقرة الأولى)، واتباع مجموعة من الإجراءات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: شروط الفسخ القضائي
لكي يكون الفسخ قائما من الناحية القانونية، وحتى يثبت للدائن حق المطالبة به، ينبغي توفر ثلاثة شروط؛ الشرط الأول أن لا يكون العقد ملزما لجانبين (أولا)، الشرط الثاني أن يخل أحد المتعاقدين بالتزاماته (ثانيا) وكلاهما يستنتجان من نص الفصل 259 من ق.ل.ع، والشرط الثالث تقتضيه طبيعة المطالبة بالفسخ وهو أن يكون طالب الفسخ مستعدا للقيام بالتزاماته وقادرا على إعادة الحالة إلى أصلها (ثالثا) .
أولا: أن يكون العقد ملزما لجانبين
لا مجال لإعمال الفسخ إلا في العقود الملزمة للجانبين كالبيع والكراء، لأنها وحدها ترتب التزامات متقابلة ومتبادلة، إذ يشكل كل التزام منها سببا للالتزام الذي يقابله، وعند إمساك أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه يزول سبب التزام الطرف الأخر ويصبح متحللا منه.
أما العقود الملزمة لجانب واحد؛ فهي لا تنشئ التزامات متقابلة، بل تستقل فيها التزامات كل من المتعاقدين، ويترتب على ذلك أنه لا فائدة من طلب الفسخ بالنسبة للدائن، إذ ليس في ذمته أي التزام يتحلل منه بالفسخ، بل مصلحته هي أن يبقى متمسكا بالعقد ويطالب بتنفيذه .
وإذا كانت العقود الملزمة للجانبين هي وحدها التي يرد فيها الفسخ؛ فإن الفسخ من جهة أخرى يرد عليها جميعا سواء كانت فورية أو زمنية .
ثانيا: أن يخل أحد المتعاقدين بالتزاماته
يعتبر عدم تنفيذ أحد طرفي العقد لالتزاماته شرطا أساسيا لإعمال نظام الفسخ، ويجب أن يكون عدم التنفيذ راجعا إلى سبب يعزى إلى فعل المدين، حيث يصبح تنفيذ الالتزام: مستحيلا، أو أنه لا يزال ممكنا ولم يقم بالتنفيذ نتيجة خطإ متعمد أو إهمال.
أما إذا كان عدم التنفيذ يرجع إلى سبب أجنبي فإن التزام المدين ينقضي وينقضي بذلك الالتزام المقابل له، وينفسخ العقد بقوة القانون.
ويستوي في الإخلال أن يكون صادرا عن المتعاقد الأول أو الثاني بشرط أن يتم التقيد باحترام قواعد الأولوية في تنفيذ الالتزامات.
ففي عقد البيع مثلا؛ فإن المشتري هو الذي يتعين عليه المبادرة بأداء الثمن حتى يحصل على المبيع وليس العكس، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، وهذا يعين أن المشتري لا يكون له الحق في طلب فسخ العقد إلا إذا كان قد أدى الثمن الذي التزم به أو على الأقل عرض الأداء وفقا للقانون (عرض تنفيذ الالتزام وإيداع قيمته؛ الفصول 275 إلى 287) أو العرف أو الاتفاق.
وقد يكون تنفيذ التزام أحد الطرفين متوقفا على تنفيذ الطرف الآخر لالتزامه؛ ففي هذه الحالة لا مجال للقول بوجود إخلال بالالتزام؛ وهو ما أكده قرار المجلس الأعلى رقم 1900 بتاريخ 16/02/1983، جاء فيه أنه: "لا يجوز لأحد أن يباشر الدعوى الناجمة عن الالتزام إلا إذا أثبت أنه أدى أو عرض أن يؤدي كل ما كان ملتزما به حسب العقد" .
وفي قرار أخر بتاريخ 25/02/1983، ذهب المجلس إلى أبعد من ذلك؛ حينما قرر أنه: "على المدين أن يقوم بالعرض والإيداع حتى في حالة غيبة الدائن لأن مشاركة الدائن ليست ضرورية في هذه الحالة ولا تشكل غيبته وحدها عذرا لإعفاء المدين من القيام بذلك" .
ويتخذ عدم التنفيذ أشكالا متعددة فقد يكون إيجابيا وسلبيا، وقد يكون كليا أو جزئيا، ويعتبر مجرد التأخير في التنفيذ سببا كافيا للحكم بالفسخ؛ كما نص الفصل 254 ق.ل.ع؛ "يكون المدين في حالة مطل إذا تأخر عن تنفيذ التزامه كليا أو جزئيا من غير سبب مقبول" .
وباعتبار الفسخ –كالمسؤولية العقدية- جزاء لخطإ تعاقدي فليس من اللازم تحقق تدليس أو سوء نية المدين بالالتزام، بل فقط خطأ من جانبه تجسد في عدم الوفاء بتعهداته العقدية.
وفي حالة إقامة دعوى الفسخ وادعاء المدعى عليه تنفيذ الالتزام فإنه يكون ملزما بإثبات ذلك وفقا لوسائل الإثبات المنصوص عليها قانونا، وإلا اعتبر مخلا بالتزامه التعاقدي، وحق للقاضي إيقاع الفسخ.
وللمحكمة أن تتخذ أي إجراء من إجراءات تحقيق الدعوى من أجل التحقق من واقعة عدم التنفيذ؛ هناك قرار لاستئنافية مراكش رقم 773 بتاريخ 29/04/2010، جاء فيه: "... وحيث تمسك المستأنف عليه بأنه حول لفائدة بنك المكري المبلغ المذكور الشيء الذي نفاه هذا الأخير. وحيث أفادت الخبرة التي أمرت بها المحكمة حسما لهذا النزاع أن المكري لم يقم بتحويل المبلغ الذي وقعت مطالبته به والذي ادعى تحويله لفائدة المكري، وحيث بناء عليه يكون التماطل ثابتا في حقه... " .
ثالثا: أن يكون طالب الفسخ مستعدا للقيام بالتزاماته وقادرا على إعادة الحالة إلى أصلها
ويجب أن يكون طالب الفسخ مستعدا للقيام بالتزامه الناشئ عن العقد المراد فسخه؛ فليس من العدل أن يخل بالتزاماته ثم يطلب الفسخ لعدم قيام المدين بتنفيذ ما في ذمته من التزام.
وما دام الفسخ يقتضي إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، فلابد للحكم بالفسخ أن يكون الدائن الذي طلب ذلك قادرا على رد ما أخذ. فإن كان قد تسلم شيئا بمقتضى العقد وباعه إلى آخر؛ فالتزامه بالضمان يحرمه من حق المطالبة بالفسخ، لأنه لا يستطيع أن ينزع الشيء من يد المشتري ليرده إلى من تعاقد معه إذ في هذا إخلال بالتزام الضمان .
أما إذا كان المدين هو الذي استحال عليه أن يرد الشيء إلى أصله؛ فإن ذلك لا يمنع من الفسخ، ويقتضي في هذه الحالة بالتعويض .
وعموما؛ فإن الفسخ لا يكون صحيحا إلا بتوافر الشروط الثلاث، ورغم هذا، فإن تحقق هذه الشروط لا يكفي لفسخ العقد، وإنما يعطي المتعاقد الحق في طلب الفسخ من القضاء بعد اتباع إجراءات قانونية معينة .
الفقرة الثانية: إجراءات الفسخ القضائي
يقتضي إعمال الفسخ القضائي اتباع إجراءات تتمثل في إنذار المدين (أولا)، ورفع دعوى الفسخ (ثانيا)، واستصدار حكم يقضي بالفسخ (ثالثا).
أولا: توجيه إنذار لتحقق المطلب
يجب أن تكون دعوى الفسخ مسبوقة بتوجيه إنذار لجعل لمدين أو الدائن في حالة مطل، وذلك في الحالة التي يكون فيها الالتزام غير محدد المدة ، أما إذا كان الالتزام مقترنا بأجل معين للوفاء فإن مطل المدين يتحقق بمجرد حلول هذا الأجل؛
وهو ما قرره الفصل 255، الذي نص على أنه: "يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام. فإن لم يعين للالتزام أجل لم يعتبر المدين في حالة مطل، إلا بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذار صريح بوفاء الدين، ويجب أن يتضمن هذا الإنذار: 1- طلبا موجها إلى المدين بتنفيذ التزامه في أجل معقول؛ 2- تصريحا بأنه إذا انقضى هذا الأجل فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه مناسبا إزاء المدين. ويجب أن يحصل هذا الإنذار كتابة، ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاض غير مختص" .
وتتجلى أهمية الإنذار؛ في أنه يعتبر دلالة قاطعة على إخلال المدين بالتزامه، وبالتالي يخول للدائن الحق في مطالبة المدين بالتعويض عن الأضرار التي لحقته بسبب عدم التنفيذ وذلك من يوم الإنذار (الفصل 259)، إضافة إلى أنه يجعل القاضي أسرع في الاستجابة إلى طلب الفسخ .
وإذا كان توجيه إنذار للمدين وعدم تنفيذ هذا الأخير لالتزامه داخل الأجل المحدد يجعله في حالة مطل تبرر فسخ العقد؛ فإنه لا يمكن للدائن الاستناد على الإنذار الموجه في إطار دعوى الأداء لإقامة دعوى جديدة للمطالبة بفسخ العقد؛
وهو ما أكده قرار لاستئنافية مراكش رقم 2071 بتاريخ 01/12/2008، والذي جاء فيه: "حيث ثبت حقا مانعاه المستأنف من كون التماطل المسطر بالحكم السابق القرار الاستئنافي الصادر في 14-02-2000 قد أنتج أثره بالتعويض عنه ونفذ القرار أعلاه وأدى المستأنف مبالغ الكراء اللاحقة عن صدور القرار أعلاه ودون تحفظ من المستأنف عليه مما يفيد أن علاقة الكراء استمرت وأنتجت أثرها من جديد. وأنه لانتهائها وجب إنذار للمكتري طبقا لمقتضيات قانون 99/63 اعتبار أن الإنذار الأول في الدعوى السابقة استهلك ..." .
ولعل؛ المشرع المغربي قد حدد في بعض الحالات آجالا معينة لتوجيه الإنذار، والتي يجب احترامها وإلا اعتبر مختلا شكلا وانتفت بالتالي حالة المطل. كما في نص الفصل 714 من ق.ل.ع، الذي نص على أنه: "كراء الأراضي الفلاحية ينتهي بقوة القانون بانقضاء المدة التي أبرم لها. فإن لم يتفق فيه على مدة، اعتبر أنه قد أبرم إلى الوقت اللازم لقيام المكتري بجني كل الثمار التي تغلها العين المكتراة. ويجب إعطاء التنبيه بالإخلال قبل فوات السنة الجارية بستة أشهر على الأقل..." .
وتجب الإشارة؛ إلى أن الدعوى التي يرفعها الدائن لفسخ العقد دون أن يكون قد سبقها إنذار، تعتبر مقبولة لأن الدعوى في حد ذاتها تعتبر إنذارا للمدين بوجوب تنفيذ التزامه؛ بدليل الفقرة الأخيرة من الفصل 255 ".. ويجب أن يحص الإنذار كتابة ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاض غير مختص"؛
لكن؛ إذا طلب الدائن فسخ العقد مع التعويض ففي هذه الحالة يجب أن يكون قد وجه إنذارا للمدين وإلا استجيب لطلبه في الشق المتعلق بالفسخ دون التعويض؛ على اعتبار أن التعويض يستحق بسبب عدم الوفاء بالالتزام الذي لا يتحقق إلا من خلال مطل المدين الذي يثبت بالإنذار؛ نص المشرع في الفصل 263 "يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام وإما بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين" .
ثانيا: رفع الدائن لدعوى الفسخ
يستخلص هذا الإجراء من عبارة "... جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد.." الواردة في الفصل 259 من ق.ل.ع، ويقصد بذلك المطالبة القضائية. وقد أكد المجلس الأعلى على ضرورة رفع دعوى فسخ العقد (قرار رقم 554 بتاريخ 23/07/1984) .
وعليه؛ فإن الإنذار وحده غير كاف للفسخ بل لابد من رفع دعوى قضائية، والتي تعتبر ضمانا لصاحب الحق من أجل حماية حقه.
وتتقادم دعوى الفسخ بمضي خمسة عشر سنة من وقت ثبوت الحق في الفسخ، وذلك من يوم الإنذار طبقا للقواعد العامة في التقادم المسقط .
والبين من العمل القضائي؛ أن القضاء المغربي قد ضيق من دائرة الأشخاص الذين من حقهم المطالبة القضائية بالفسخ، حيث قضى المجلس الأعلى في قراره عدد 7162 بتاريخ 25/11/1998؛ بكون: "طلب فسخ العقد لا يباشر إلا ممن كان طرفا فيه، وعلى من يدعي حقا على موضوع العقد غير طرفيه أن يباشر الطرق المخولة له قانونا دون طلب الفسخ للوصول إلى مبتغاه" .
وقيام الدائن بإنذار المدين ورفعه دعوى الفسخ غير كاف لإيقاع الفسخ، إذ لابد من صدور حكم قضائي يقضي به.
ثالثا: ضرورة صدور حكم يقضي بالفسخ
على الدائن الذي رفع دعوى الفسخ ألا يعتبر نفسه متحللا من التزاماته نحو المدين بمجرد تحقق الشروط والإجراءات، إنما عليه انتظار صدور حكم قضائي يقضي بفسخ العقد، فقد نصت الفقرة الأخيرة من الفصل 259 من ق.ل.ع، على أنه: "..لا يقع فسخ العقد بقوة القانون، وإنما يجب أن تحكم به المحكمة" .
وتكمن ضرورة صدور حكم قضائي بالفسخ؛ في أنه:
قد يحدث بعد رفع الدعوى أن يقوم المدين بالتنفيذ، وبالتالي لا يكون هناك فسخ؛
وقد لا يستجيب القاضي إلى طلب الفسخ بما له من سلطة تقديرية في إيقاع الفسخ من عدمه؛
إضافة إلى أن الدائن يمكنه أن يعدل عن هذا الطلب ويتمسك بالتنفيذ قبل أن يصدر الحكم.
والحكم؛ الذي يصدره القاضي يكون حكما منشئا للفسخ وليس كاشفا.
المطلب الثاني: سلطة القاضي التقديرية في الحكم بالفسخ القضائي
سنتناول فقرتين؛ سلطة القاضي في منح أجل التنفيذ (الفقرة الأولى)، وسلطة القاضي في رفض طلب الفسخ (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: سلطة القاضي في منح أجل التنفيذ
بعد رفع الدعوى أمام القضاء؛ فيكون للقاضي وفق سلطته التقديرية أن يمنح أجلا للمدين الواقع في حالة مطل لينفذ التزامه .
ولعله؛ يجب أن يكون الأجل الممنوح للمدين آجلا معقولا، ومن حق الدائن أن يطعن في الحكم إذا رأى أن الأجل لم يراع في تقديره الاعتدال المطلوب؛ وهو ما أكده الفصل 243 من أنه يمكن للقاضي أن يمنح المدين آجالا متعاقبة بحيث ينفذ التزامه على مراحل.
وتجب الإشارة؛ إلى أنه في حالة منح القاضي للمدين أجلا للتنفيذ فإنه يؤخر الملف لمدة المهلة الممنوحة وبعد مرورها يتم البت فيه؛ وبعبارة أخرى يمنح القاضي مهلة للتنفيذ ويؤخر الملف .
والملاحظ أن المشرع المغربي؛ أجاز لرئيس المحكمة بصفته مشرفا على التنفيذ منح المنفذ عليه آجالا للتيسير عليه في التنفيذ بمقتضى الفصل 436 من قانون المسطرة المدنية .
على أن؛ سلطة القاضي لا تقتصر على منح المدين آجلا للتنفيذ بل تتعداه إلى إمكانية رفض طلب الفسخ .
الفقرة الثانية: سلطة القاضي في رفض طلب الفسخ
يمكن للقاضي أن يرفض إنهاء العقد كما يمكنه أن يقرر فسخ جزء من العقد والإبقاء على الجزء الآخر.
قد يكون عدم التنفيذ المدعى به من الدائن كليا؛ وفي هذه الحالة غالبا ما يستجيب القاضي لطلب الفسخ.
كما يمكن أن يكون عدم التنفيذ جزئيا؛ وهنا يظهر أهمية سلطة القاضي التقديرية في تقدير جسامة عدم التنفيذ، والتي تختلف حسب وقائع كل نازلة؛ حيث يمكن الاعتداد ب:
الاعتداد بكمية الالتزامات التي نقصت من جملة الالتزامات الناشئة عن العقد موضوع الفسخ؛
كما يمكن أن يعتمد على أهمية العنصر غير المنفذ في العقد للقول بفسخ العقد أو رفضه؛ حيث إذا كانت الالتزامات التي لم تنفذ قليلة الأهمية حكم برفض الفسخ أما إذا كانت على درجة من الأهمية فما عليه إلا أن يستجيب لطلب الفسخ. إذ ينص الفصل 651 ق.ل.ع، على أنه: "... إلا أنه إذا لم يقع فعل السلطة أو نزع الملكية إلا على جزء من العين، فإنه لا يكون للمكتري إلا الحق في إنقاص الكراء، ويجوز له أن يطلب الفسخ إذا أصبحت العين، بسبب النقص الذي اعتراها، غير صالحة للاستعمال فيما أعدت له، أو إذا نقص الانتفاع بالجزء الباقي منها إلى حد كبير..." .
إلا أن هناك حالات تستوجب على القاضي عند تقديره لجسامة عدم التنفيذ أن يأخذ بعين الاعتبار إرادة الدائن بالالتزام؛ كما في الحالة المنصوص عليها في الفصل 542 من ق.ل.ع، الذي جاء فيه: "في حالة الاستحقاق الجزئي الذي يبلغ من الأهمية حدا بحيث يعيب الشيء المعيب، وبحيث إن المشتري كان يمتنع عن الشراء لو علم به، يثبت للمشتري الخيار بين استرداد ثمن الجزء الذي حصل استحقاقه والاحتفاظ بالبيع بالنسبة إلى الباقي، وبين فسخ البيع واسترداد كل الثمن..." ؛ بمعنى أنه إذا كان الاستحقاق الجزئي على درجة كبيرة أي أن الخسارة أصابت المشتري بسبب الاستحقاق قد بلغت قدرا لو علمه لما أقدم على العقد، فإن القاضي هنا يستجيب لطلب الفسخ تأسيسا على هذا السبب إلا أنه لا يكتفي بمجرد قول الدائن إنه لم يكن ليقدم على التعاقد لو علم بمقدار الاستحقاق، بل يقضي طبقا لما تبين له من وقائع وظروف النازلة ويستعين في ذلك بأهل الخبرة عند الضرورة .
المطلب الثالث: خيار المتعاقدين في طلب الفسخ القضائي
وإذا كان فسخ العقد لا يتم إلا بعد تحقق الشروط والإجراءات، ولا يقع إلا بحكم قضائي (بالنسبة للفسخ القضائي) فإنه يطرح التساؤل حول مدى خيار المتعاقدين في طلب الفسخ، بمعنى هل يحق للمتعاقد الدائن أن يعدل عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ؟؟ وهل من حقه العدول في جميع مراحل الدعوى؟؟ وهل يحق للمدين أن ينفذ التزاماته بعد إقامة دعوى الفسخ ؟؟
فإن كان طلب التنفيذ يكون هدفه الوصول إلى تحقيق المصلحة المتوخاة من العقد والاستفادة منه، فإن طلب الفسخ فيكون بهدف التخلص من العقد والتحلل من الالتزامات المترتبة عنه .
وحيث إن المبدأ العام الذي ينص عليه الفصل 259 من ق.ل.ع، هو أنه إذا توقف أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه، جاز للدائن إجباره على التنفيذ ما دام ممكنا، فإن لم يكن ممكنا جاز له أن يطلب فسخ العقد، مع حفظ حقه في التعويض في الحالتين إن كان له محل.
فصياغة هذا المبدأ في الفصل 259 جاءت غامضة، مما يجعل موقف المشرع غير واضح بخصوص مسألة خيار الدائن بين فسخ العقد والمطالبة بتنفيذه (الفقرة الأولى) .
وإذا كان عدم تنفيذ المدين لالتزامه أهم شروط دعوى الفسخ؛ فالسؤال الذي يطرح هنا هو هل يحق للمدين الذي أمسك عن التنفيذ أن ينفذ التزامه بعد رفع دعوى الفسخ؟ (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: خيار الدائن في الفسخ القضائي
إذا كان من حق الدائن أن يسلك الوسائل القانونية الكفيلة بحماية حقوقه، فهل يملك الخيار بين طلب فسخ العقد وطلب تنفيذه أم لا (أولا)، وهل بإمكانه أن يتنازل عن حقه في المطالبة بفسخ العقد (ثانيا) .
أولا: حق الدائن في الخيار بين الفسخ والتنفيذ
حسب ظاهر المادة 259 فإنه لم توضح مسألة خيار الدائن بين التنفيذ والفسخ؛ حيث إن: الفقرة الأولى من هذا الفصل؛ لم تنص صراحة على خيار الدائن في حالة إمكانية تنفيذ العقد بين إجبار المدين على التنفيذ وبين الفسخ، وإنما خولت له الإجبار على التنفيذ ما دام ممكنا، فالمشرع بذلك استعمل صيغة قانونية دقيقة تدل على الأولوية في ترتيب الأحكام وليس الخيار.
أما الفقرة الثانية من هذا الفصل؛ تشير إلى الحالات التي يكون فيها تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه أي الحالات التي يستحيل فيها تنفيذ الالتزام جزئيا، فإن المشرع خول للدائن إمكانية الخيار بين طلب تنفيذ العقد، واستعمال دعوى الفسخ إذا كان الحل الأول غير مناسب له، فهذه الفقرة تحمل الخيار بين الفسخ والتنفيذ.
وقد انقسم القضاء إلى اتجاهين مختلفين بخصوص الطلبات المقدمة في إطار الفصل 259 ق.ل.ع :
الاتجاه الأول من القضاء: ذهب إلى أنه إذا كان التنفيذ ممكنا فليس للدائن حق الخيار بين الفسخ والتنفيذ بل له فقط حق المطالبة بالتنفيذ. وإذا كان التنفيذ غير ممكن أو ممكنا في جزء منه فقط فهنا يملك حق المطالبة بالفسخ أو التنفيذ الجزئي.
فقد جاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 26/شتنبر/1941، أن الرباط أن: "حق الخيار بين دعوى الفسخ ودعاوى إجبار المدين على التنفيذ يقتصر على مضمون الفقرة الثانية من الفصل 259 ق.ل.ع، عندما يكون تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه".
وجاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 25/5/1983: "... حسب الفصل 259 ق.ل.ع فإن طلب فسخ العقد لا يمكن النظر فيه إلا بعد أن يفشل البائع في إجبار المشتري على تنفيذ التزامه ما دام تنفيذه ممكنا، وليس في النازلة ما يدل على أن البائع قد اتخذ هذه الإجراءات ..." .
الاتجاه الثاني من القضاء: ذهب إلى إعطاء حق الخيار للدائن في فسخ العقد حتى ولو كان تنفيذه ممكنا.
فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 12/06/1962، أن: "يكون المدين في حالة مطل بمجرد حلول أجل تنفيذ الالتزام وبمجرد حلول هذا التاريخ يكون من حق الدائن طلب تنفيذ الالتزام أو طلب فسخ العقد.
وجاء في قرار آخر للمجلس الأعلى رقم 129 بتاريخ 25/02/1981، أنه: "إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الخيار بين إجباره على المطالبة بفسخ العقد، ويكون للدائن الخيار حتى ولو كان التنفيذ العيني للالتزام لازال ممكنا" .
ولعل؛ الاختلاف الحاصل مرده السلطة التقديرية لقضاة الموضوع، الذين يقدرون الظروف التي تبرر الفسخ أو التنفيذ حسب وقائع كل نازلة على حدة.
ثانيا: مدى إمكانية تنازل الدائن عن حق الفسخ
رغم توفر الشروط القانونية المخولة لطلب الفسخ؛ فإنه يمكن للدائن أن يكتفي بالمطالبة بالتنفيذ، فيكون بذلك متنازلا عن حقه في طلب الفسخ.
إلا أن هذا التنازل لا يفترض دائما، كما أنه لا يجوز استنتاج التنازل الضمني إلا من أفعال تستلزم التنازل حتما، وعليه؛ يجب أن يكون صريحا أو تدل عليه قرائن قوية.
والتساؤل حول حالة ما إذا قام الدائن دعوى الفسخ هل يحق له أن يعدل عنها إلى طلب التنفيذ؟ وهل يحق له أن يعدل عن طلب التنفيذ إلى طلب الفسخ ؟
ما دام أن الغاية ليست واحدة في كل من دعوى الفسخ ودعوى التنفيذ، فليس هناك ما يمنع استعمال الدعويين إحداهما بعد الأخرى.
فالدائن الذي رفع دعوى الفسخ يجوز له أن يستبدلها بطلب التنفيذ، خاصة الفسخ القضائي. لا يقع إلا بعد استصدار حكم بذلك.
أما إذا صدر الحكم وحاز قوة الشيء المقضي به وأصبح نهائيا، فإنه لا يجوز له أن يعدل عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ.
وكذا في حالة إقامة الدائن لدعوى تنفيذ العقد، يمكنه أن يرجع عنها ويرفع دعوى الفسخ، ما دام المدين لم يقم بتنفيذ التزامه.
لكن هل يمكن للدائن أن يعدل طلب الفسخ أمام محكمة الاستئناف ؟؟
البين؛ أنه لا يمكن؛ وذلك استنادا إلى مقتضيات الفصل 143 من ق.م.م الذي جاء فيه أنه: "لا يمكن تقديم أي طلب جديد أثناء النظر في الاستئناف باستثناء طلب المقاصة أو كون الطلب الجديد لا يعدو أن يكون دفاعا عن الطلب الأصلي..." .
ذلك أن تقديم طلب تنفيذ أمام محكمة الاستئناف –والذي سبق للمحكمة الابتدائية أن قضت بفسخه- يعتبر طلبا جديدا، وذلك لأنه ليس مترتبا عن الطلب الأصلي الذي يرمي إلى فسخ العقد، إذ أنهما وإن كان لهما نفس الأساس القانوني، إلا أنهما مختلفان من حيث الموضوع.
الفقرة الثانية: حق المدين في التنفيذ بعد رفع دعوى الفسخ
إن عدم التنفيذ هو أحد الشروط اللازمة لإقامة دعوى الفسخ؛ فهل يجوز للمدين أن ينفذ التزامه بعد إقامة هذه الدعوى ؟؟
البين من الفقه، والعمل القضائي أيضا الذي انقسم إلى موقفين، موقف مناصر لحق المدين في التنفيذ بعد رفع دعوى الفسخ (أولا)، وآخر معارض له (ثانيا) .
أولا: الموقف المناصر
يتبنى هذا الاتجاه موقفا مناصر؛ في إعطاء المدين حق التنفيذ إذا كان الدائن قد رفع دعوى المطالبة بالفسخ، ما دام الأمر لا يزال بيد القضاء ولم يصدر بشأنه حكما نهائيا، وذلك ليتفادى فسخ العقد.
حسبهم؛ أنه لا يعقل أن يعطى للدائن حق الخيار بين طلب الفسخ أو العدول عنه إلى طلب التنفيذ؛ ولا يعطى للمدين حق تنفيذ التزامه الأصلي تنفيذا متأخرا، ما دام لا يزال ممكنا، ومفيدا للطرفين معا .
فالقول؛ بعدم جواز التنفيذ بعد رفع دعوى الفسخ، وقبل أن يصدر حكم قضائي يقضي بالفسخ؛ قد يلحق بالمدين أضرارا لا مبرر لها، خاصة إذا كانت الادعاءات محل التنفيذ من الأشياء التي يصيبها التلف، وبالتالي فإذا تم حرمان المدين من التنفيذ المتأخر؛ فكأنما حكمنا عليه بخسارة لا مبرر لها، في حين أن جواز التنفيذ يجنبه الخسارة ويخدم مصلحة الطرفين في غالب الأحيان .
والتنفيذ الذي يعتد به ويمنع إيقاع الفسخ يجب أن يكون حقيقيا، فالعرض الذي لا يعقبه الإيداع الفعلي للشيء لا يبرئ ذمة المدين؛ حسب الفصل 280 ق.ل.ع .
وهو ما أكده المجلس الأعلى في قراره رقم 129 ملف مدني رقم 942/73 بتاريخ 25/02/1985، جاء فيه: "لا تبرأ ذمة المدين بمبلغ من النقود إلا بأدائه وعرضه عرضا عينيا وإيداعه بعد ذلك في صندوق الأمانات الذي تعينه المحكمة إذا رفض الدائن قبول هذا العرض" .
ثانيا: الموقف المعارض
تبنى هذا الاتجاه موقفا معارضا؛ بأنه لا يجوز للمدين المقصر في تنفيذ التزاماته التعاقدية، أن يعرقل دعوى الفسخ التي اختارها المتعاقد الدائن لحل الرابطة التعاقدية، ذلك أن الخيار الذي قرره القانون (الفصل 259) هو لصالح الدائن وليس لصالح المدين ومن ثم فليس من العدل أن ننقل هذا الحق إلى المدين.
والحاصل؛ من الموقفين؛ ينبثق موقفنا المتواضع؛ أنه لئن كانت مكنة/مؤسسة الفسخ؛ وجدت من أجل حماية الدائن الذي يحترم الالتزامات، لا المدين الذي أخل بها؛
فإن هذا لا يعني أن عدم التنفيذ هو الذي يؤدي إلى فسخ العقد، إنما يتوقف أمر ذلك على صدور حكم قضائي (الفقرة الأخيرة 259)، ومن تم فإن تمكين المدين من التنفيذ ما دام مستعدا لذلك لا يتنافى مع مؤسسة الفسخ.
تعليقات
إرسال تعليق