شروط المحل في القانون المغربي
المطلب الأول: شروط المحل
يشترط في المحل أن يكون موجودا أو قابلا للوجود، ممكنا غير مستحيل، معينا أو قابلا للتعيين، وداخلا في دائرة التعامل أي مشروعا.
وسنبحث على التعاقب في كل من هذه الشروط.
الفقرة الأولى: وجوب كون المحل موجودا أو قابلا للوجود.
إن المبدأ الواجب تقريره هو أنه لابد لقيام التزام تعاقدي صحيح من وجود محل له؛ إذ يتعين أن يكون رضا المتعاقدين متنورا لا تكتنفه أية جهالة بخصوص وجود الشيء محل الإلتزام التعاقدي لحظة التعاقد. لهذا نص الفصل 2 من قانون الإلتزامات و العقود المغربي على أن صحة الإلتزامات الإرادية تقتضي وجود شيء محقق.
وهكذا يكون باطلا بقوة القانون الإلتزام التعاقدي الذي يرد على شيء لم يوجد أصلا أو وجد ولكنه هلك هلاكا كليا قبل التعاقد، لأننا نكون هنا أمام استحالة مطلقة وسابقة على تاريخ التعاقد.
ويجب التمييز بين الحالة التي ينتفي فيها وجود محل الإلتزام التعاقدي انتفاء كليا، وبين الحالة التي يقع فيها الإلتزام التعاقدي على محل غير موجود في الحال ولكنه سيوجد في المستقبل.
ففي الحالة الأولى يكون الإلتزام باطلا،
أما في الحالة الثانية فالالتزام يقع صحيحا. وهذا ما أوضحه الفصل 61 من ق.ل.ع إذ نص على أنه: "يجوز أن يكون محل الإلتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق فيما ماعدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون ".
وتجدر الإشارة إلى أن عبارة " الأشياء المستقبلة " الوارد عليها النص في الفصل 61 من ق.ل.ع تؤخذ بالمعنى الواسع أي بمعنى " الأموال " بحيث لا يقتصر مدلولها على الأشياء المادية فحسب بل يشمل أيضا الحقوق المستقبلة. وعليه، فالالتزام يمكن أن يكون محله:
حقا لم ينشأ بعد؛
أو حقا معلقا على شرط؛
أو حقا احتماليا .
غير أن قاعدة جواز كون محل الإلتزام شيئا مستقبلا ترد عليها عدة استثناءات أهمها:
منع التعامل في التركة المستقبلة: حيث جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثانية من الفصل 61 من ق.ل.ع: "لا يجوز التنازل عن تركة إنسان على قيد الحياة ولا إجراء أي تعامل فيها أو في أي شيء مما تشتمل عليه ولو حصل برضاه وكل تصرف مما سبق يقع باطلا بطلانا مطلقا " .
وتركة الإنسان هي كل ما يكون له من أموال وما عليه من التزامات وقت موته . فالتنازل عنها أو التعامل فيها، والمورث على قيد الحياة، يعتبر باطلا.
وتحريم التصرف بالتركة تحريم مطلق أنى كان الطريق الذي ستؤول منه أموال التركة إلى المتصرف، و أيا كان الشخص الذي سيصدر منه التصرف، و مهما كان نوع التصرف.
فسواء كانت أموال التركة المستقبلة ستؤول إلى المتصرف عن طريق الإرث أو عن طريق الوصية، فإن التصرف فيها أو التنازل عنها يقع باطلا. وسواء كان المتصرف هو الوارث أو الموصى له بكل التركة أو جزء منها أو بعين معينة منها. فإن؛ تصرفه في التركة هو تصرف باطل في كل الأحوال حتى لو اقترن بموافقة المورث أو الموصى ، وسواء كان التصرف بعوض، أم كان بغير عوض؛ فهو تصرف باطل في كل حال.
ويعود السبب من وراء هذا المنع إلى تجنب مجافاة الآداب الحسنة وتلافي مضاربة الوارث على موت مورثه. وحماية هذا الأخير من كل استغلال أو ابتزاز بتعرض له بهذا الخصوص.
الفقرة الثانية: وجوب كون المحل ممكنا
نص على هذا الشرط الفصل 59 من ق.ل.ع حيث جاء فيه: " يبطل الإلتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون" . ذلك أن الإلتزامات مصيرها الحتمي آيل إلى التنفيذ. وما من سبيل إلى تنفيذها إذا كان محلها مستحيلا.
والاستحالة المقصودة هنا هي الإستحالة المطلقة أي تلك التي لا تقوم بالنظر إلى شخص المدين فحسب بل بالنسبة إلى الكافة.
أو بعبارة أخرى هي الإستحالة الموضوعية التي ترجع إلى الالتزام في ذاته . أما الإستحالة النسبية التي تقوم بالنسبة إلى التعاقد الملتزم فقط فهي لا تمنع نشوء الإلتزام لأنها عجز شخصي لا استحالة.
والاستحالة المطلقة؛ على ما ورد في الفصل 59، تحول دون قيام الإلتزام سواء كانت استحالة طبيعية أم كانت استحالة قانونية.
ويقصد بالاستحالة الطبيعية: الاستحالة التي ترجع إلى طبيعة المحل .
أما الاستحالة القانونية: فهي التي ترجع إلى حكم القانون.
ويشترط في الإستحالة المطلقة حتى تمنع قيام الالتزام وبالتالي تجعل العقد باطلا بقوة القانون شرطان:
الشرط الأول: أن تكون قائمة وقت انعقاد العقد؛ فإذا جاءت تالية للتعاقد فإنها لا تحول دون نشوء الالتزام، فينعقد العقد؛ ونكون حينئذ أمام استحالة التنفيذ، وهي تفضي إلى انقضاء الإلتزام إذا لم يكن للمدين يد فيها. وإذا كان للمدين يد في الإستحالة فإن الإلتزام لا ينقضي ويجب التعويض على المدين. وهذا ما يفهم من خلال الفصل 335 الذي ينص على أنه: "ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطئه وقبل أن يصير في حالة مطل " .
الشرط الثاني: أن تكون هذه الإستحالة المطلقة لمحل الإلتزام التعاقدي كلية لا جزئية؛ تفضي إلى انقضائه جزئيا؛ وهذا ما نص عليه الفصل 336 من ق.ل.ع بقوله: "إذا كانت الاستحالة جزئية لم ينقض الإلتزام إلا جزئيا، فإذا كان من طبيعة هذا الإلتزام أن لا يقبل الانقسام إلا مع ضرر الدائن، كان له الخيار بين أن يقبل الوفاء الجزئي وبين أن يفسخ الإلتزام في مجموعه " .
وبهدف تخليق الروابط العقدية وإضفاء نوع من المصداقية عليها يحول دون الإقدام عليها باستخفاف ودون جدية ألزم المشرع من خلال الفصل 60 من ق.ل.ع المتعاقد الذي كان يعلم، أو كان باستطاعته العلم عند التعاقد باستحالة محل الإلتزام أن يؤدي تعويضا للطرف الآخر. لكن لا يخول هذا التعويض إذا:
كان الطرف الآخر يعلم أو كان عليه العلم أن محل الإلتزام مستحيل.
ويسري نفس الحكم :
عندما يكون المعقود عليه مستحيلا في البعض دون الباقي وصح العقد في الباقي.
عندما تكون الالتزامات تخييرية وكان أحد الأشياء الموعود بها مستحيلا.
الفقرة الثالثة : وجوب كون المحل الإلتزام معينا أو قابلا للتعيين
نص على هذا الشرط الفصل 58 من ق.ل.ع فقال: "الشيء الذي هو محل الإلتزام يجب أن يكون معينا على الأقل بالنسبة إلى نوعه، ويسوغ أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابلا للتحديد فيما بعد" . فمن هذا النص يتبين أن المشرع اشترط في محل الإلتزام أن يكون معينا أو على الأقل قابلا للتعيين .
الأداء المعين :
ويختلف تعيين محل الإلتزام العقدي باختلاف ما إذا كان شيئا قيميا أو مثليا، أو كان عملا أو امتناعا عن عمل .
فالأشياء القيمية؛ وهي التي تتفاوت مفرداتها تفاوتا يعتد به في الغالب، فلا يقوم بعضها مقام بعض في الأداء. وهذه يلزم أن تعين بذاتها، فيوصف الواحد منها بأوصاف من شأنها أن تمنع أي خلط قد يقع بينه وبين غيره من الأشياء .
أما الأشياء المثلية؛ وهي في الغالب لا تتفاوت مفرداتها تفاوتا معتبرا، فيحل بعضها محل البعض عند الأداء. وهذه يلزم أن تعين في الأصل بنوعها ومقاديرها وبدرجة جودتها.
فالتعيين بالنوع يؤول إلى تحديد الجنس الذي ينتمي إليه الشيء محل الإلتزام دون ذاتيته.
أما التعيين بالمقادير فهو الذي يعين معه الشيء محل الإلتزام العقدي بحسب الكمية المتفق عليها وزنا أو كيلا أو قياسا أو عددا وذلك بالنظر لطبيعة هذا الشيء.
وفي حالة ما إذا حدد المتعاقدان مقادير الشيء محل الإلتزام بأحد وسائل التقدير السالفة مضيفين إلى ذلك عبارة " على وجه التقريب" أو " تقريبا " تعين العمل بالتسامح الجاري به العمل مع الأخذ بعين الاعتبار الأعراف و العادات التجارية. جاء في الفصل 470 من ق.ل.ع " إذا ذكر في الإلتزام المبلغ أو الوزن أو المقدار على وجه التقريب بعبارتي " ما يقارب أو تقريبا " وغيرهما من العبارات المماثلة، وجب الأخذ بالتسامح الذي تقضي به عادات التجارة أو عرف المكان ".
وعند تفاوت الأشياء محل الإلتزامات العقدية فيما بينها وجب تعيين درجة جودتها، وإلا فيلزم إن تكون هذه الأشياء من درجة متوسطة. وهذا ما هي عليه الفصل 244 من ق.ل.ع بقوله : " إذا لم يعين الشيء إلا بنوعه لم يكن للمدين ماما بأن يعطي ذلك الشيء من أحسن نوع، كما لا يمكنه أن يعطيه من أردئه ".
وإذا ورد التعاقد على عمل أو امتناع عن عمل وجب أن يكون محل الإلتزام محددا تحديدا نافيا للجهالة .
الأداء القابل للتعيين :
ليس من اللازم تعيين الأداء محل التعاقد تعيينا وافيا عند إبرام العقد، بل يكفي أن يكون قابلا للتعيين بعد ذلك بناء على عناصر مستقلة عن إرادة أي من العاقدين.
والأصل أن قابلية الشيء محل العقد للتعيين لا تنصرف إلى نوع الشيء المثلي الذي يلزم أن يوصف بعلاماته وبياناته ومميزاته التي يتشابه فيها مع النوع مثله ، بل تنصرف إلى مقاديره التي يمكن أن يتفق فقط على ضوابط موضوعية تساعد على قابليتها للتعيين بعد تكوين العقد.
الفقرة الرابعة : وجوب كون محل الإلتزام داخلا في دائرة التعامل
لقد استهل ق.ل.ع ركن المحل بالنص على هذا الشرط وذلك في الفصل 57 حيث قال: "الأشياء و الحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، ويدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها ".
يستفاد من مفهوم المخالفة لهذا النص أن الأشياء و الحقوق المستبعدة من دائرة التجارة القانونية لا يسوغ أن تكون محلا للالتزام.
ويتبين من نص الفصل 57 من ق.ل.ع أن الأشياء الخارجة عن التعامل لا يصح أن تكون محلا للالتزام. و الأشياء الخارجة عن التعامل تقسم تقليديا إلى زمرتين: أشياء خارجة عن دائرة التعامل بطبيعتها و أشياء خارجة عن دائرة التعامل بحكم القانون.
وتطبيقا لمبدأ الاصل في الأشياء و الأفعال الإباحة ، فإنه لا يتقرر بطلان عقد لعدم مشروعية محله إلا إذا وجد نص خاص يؤكد على قاعدة المنع و التحريم ، وذلك بالنظر لاعتبارات عديدة أهمها :
قد تكون دواعي استبعاد الشيء من دائرة التعامل دينية : من ذلك ما جاء في الفصل 484 من ق.ل.ع من أنه " يبطل بين المسلمين ببع الأشياء المعتبرة من النجاسات وفقا لشريعتهم....". وأيضا الفصل 986 من نفس القانون الذي نص على أنه " تبطل بقوة القانون بين المسلمين مل شركة محلها أشياء خارجة عن دائرة التعامل ". وكذلك الفصل 1101 في فقرته الأولى الذي ورد فيه " لا يجوز الصلح بين المسلمين على ما لا يجوز شرعا التعاقد عليه بينهم ".
وقد تعود دواعي استبعاد الشيء من دائرة التعامل إلى المحافظة على المصلحة العامة التي تفرض عدم قابليته للتصرف بالنظر إلى الغرض الذي خصص له.
وقد ترجع دواعي إخراج الشيء من نطاق التعامل إلى خطورته التي تفرض إخضاعه لنظام قانوني معين أو منع تداوله.
المطلب الثاني: جزاء تخلف ركن المحل
لقد رتب المشرع المغربي عن تخلف ركن المحل بطلان الإلتزام التعاقدي. جاء بهذا الخصوص في الفصل 306 من قانون الإلتزامات و العقود– فقرة 2 – " يكون الإلتزام باطلا بقوة القانون إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه...".
والبطلان هو الجزاء الذي يقرره المشرع إما لعدم توافر ركن من أركان الإلتزام، وإما بموجب نص قانوني يقضي في حالة خاصة ولاعتبارات تتعلق بالنظام العام؛ ببطلان تصرف ما رغم توافر سائر أركان انعقاده.
وهكذا يقضي المشرع المغربي ببطلان الإلتزام بسبب تخلف ركن المحل ، وذلك في الحالات التالية :
الفقرة الأولى: بطلان الإلتزام لاستحالة محله
جرى نص الفصل 59 من ق.ل.ع بالآتي: "يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون" .
والفصل 319 من ق.ل.ع ينص على أن: "الالتزامات تنقضي باستحالة التنفيذ...". أما الفصل 335 من نفس القانون فينص على أنه: "ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطئه وقبل أن يصير في حالة مطل".
وكما سبقت الإشارة، استحالة محل الإلتزام المقصودة هي الإستحالة المطلقة التي يترتب عنها البطلان، أما الإستحالة النسبية التي تقوم بالنسبة إلى التعاقد الملتزم فلا تمنع من نشوء الإلتزام؛ لأنها عبارة عن عجز شخصي، حيث أنه لا يكفي أن يثبت المدين عدم قدرته الشخصية على تنفيذ للقول إن محل الإلتزام غير ممكن، بل يتعين أن يكون العمل مستحيلا في ذاته فيستحيل القيام به على المدين وعلى أي شخص آخر في مكانه و مركزه.
الفقرة الثانية : بطلان الإلتزام لعدم مشروعية محله
نص المشرع المغربي في الفصل 57 من ق.ل.ع على أن الأشياء و الأفعال و الحقوق المعنوية الواقعة في دائرة التعامل بصح وحدها لأن تكون محلا للالتزام. وبمفهوم المخالفة يكون الإلتزام الذي يقع محله على أشياء أو أفعال أو حقوق خارجة عن دائرة التعامل أي غير مشروع التعامل فيها باطلا.
وهناك تطبيقات عديدة لبطلان الإلتزام نتيجة عدم مشروعية محله، نذكر منها مايلي:
الفصل 484 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه: "يبطل بين المسلمين ببع الأشياء المعتبرة من النجاسات وفقا لشريعتهم مع استثناء الأشياء التي تجيز هذه الشريعة الاتجار فيها كالأسمدة الحيوانية المستخدمة في أغراض الفلاحة ".
الفصل 986 من ق.ل.ع الذي جاء فيه: "تبطل بقوة القانون بين المسلمين كل شركة محلها أشياء محرمة بمقتضى الشريعة الإسلامية وبين جميع الناس كل شركة يكون محلها أشياء خارجة عن دائرة التعامل ".
الفصل 1101 – فقرة 1 – من ق.ل.ع الذي ورد فيه: "لا يجوز الصلح بين المسلمين على ما لا يجوز شرعا التعاقد عليه بينهم " .
تعليقات
إرسال تعليق