القائمة الرئيسية

الصفحات

التضامن بين المدينين في قانون الالتزامات والعقود المغربي

 التضامن بين المدينين في قانون الالتزامات والعقود المغربي


التضامن بين المدينين في قانون الالتزامات والعقود المغربي



التضامن وصف يلحق طرفي الإلتزام يجعلهم متضامنين في الحق أو في الدين.

والإلتزامات التضامنية على نوعين حسبما يكون الطرف المتضامن في الإلتزام هو الطرف الدائن فيكون هناك ما يسمى اصطلاحا التضامن بين الدائنين أو التضامن الإيجابي ، أو يكون هو الطرف المدين فيكون هناك ما يسمى اصطلاحا التضامن بين المدينين أو التضامن السلبي.

إن التضامن بين المدينين ، خلافا للتضامن بين الدائنين ، هو كثير الشيوع في الحياة العملية، وقلما نجد دائنا مدينا لمدينين متعددين في التزام واحد دون أن تضامنهم مشروطا بمقتضى العقد أو أحيانا بمقتضى القانون نفسه. ذلك أن التضامن بين المدينين يزيد في ضمان الدائن من حيث أن ضمانه العام ، بدل أن يكون قاصرا على أموال مدين واحد ، يصبح شاملا عدة مدينين.

وقد تناول قانون الإلتزامات والعقود التضامن بين المدينين في الفرع الثاني من الباب الرابع تحت عنوان " الالتزامات التضامنية " وذلك ضمن القسم الثاني الذي خصصه المشرع لأوصاف الإلتزام من الكتاب الأول المتعلق بمصادر الإلتزامات وذلك في الفصول 164 إلى 180.

وقد عمل المشرع على تعريف التضامن بين المدينين ضمن الفصل 166 من ق.ل.ع بقوله " يثبت التضامن بين المدينين إذا كان كل منهم ملتزما شخصيا بالدين بتمامه وكان يحق للدائن أن يجبر أيا منهم على أداء هذا الدين كله أو بعضه ، لكن لا يحق له أن يستوفيه إلا مرة واحدة ".

وتجدر الملاحظة إلى أنه لا يشترط حتى يكون الإلتزام تضامنيا بين المدينين ، أن تكون الرابطة التي تربط الدائن بكل واحد من المدينين من نوع واحد. بل إن الإلتزام يبقى التزاما تضامنيا حتى لو اختلفت روابط الدائن بالمدينين وتعددت صفة هذه الروابط. فهكذا مثلا يصح أن يكون التزام أحد المدينين المتضامنين التزاما بسيطا أي التزاما منجزا غير مقترن بشرط أو مربوط بأجل ، ويكون التزام مدين آخر موقوفا على شرط ، ويكون التزام مدين ثالث التزاما مربوطا بأجل. وقد يحصل أن يكون التزام أحد المدينين المتضامنين مشوبا بعيب من عيوب الرضى أو بنقص في الأهلية ، حيث لا تتأثر بذلك التزامات بقية المدينين.

وهذا الحكم هو الذي قرره المشرع في الفصل 167 من ق.ل.ع بقوله " يسوغ أن يكون الإلتزام تضامنيا ، حتى لو التزم احد المدينين بطريقة تخالف تلك التي التزم بها الآخرون كما إذا قام التزامه مثلا معلقا على شرط أو مقترنا بأجل وجاء التزام مدين آخر باتا منجزا. ولا يعيب نقص أهلية أحد المدينين الإلتزام المتعاقد عليه من الآخرين ".

وفي سياق تنظيمه للتضامن بين المدينين ، عمل المشرع على تعيين مصادر هذا الوصف الذي يتعلق بطرفي الإلتزام وتحديد الآثار التي تترتب عليه.

وعليه ، تثار في هذا الصدد الإشكالية التالية : ما هي مصادر التضامن بين المدينين ، وماهي الآثار التي تترتب عليه ؟

سنعرض لمصادر التضامن بين المدينين ( المطلب الأول ) ، ثم سنبين الآثار التي تترتب عليه ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول : مصادر التضامن بين المدينين

نص الفصل 164 من ق.ل.ع على أن " التضامن بين المدينين لا يفترض. ويلزم أن ينشأ صراحة من السند المنشئ للالتزام ، أو من القانون ، أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ".

فمن هذا النص يتضح أن للتضامن بين المدينين ثلاثة مصادر :

  1. العقد أو بصورة أعم إرادة الإنسان

  2. القانون

  3. طبيعة المعاملة

الفقرة الأولى : القانون كمصدر للتضامن بين المدينين

كثيرا ما يقوم التضامن بين المدينين بمقتضى نص في القانون. وفي هذه الحالة يجب التقيد بالنص وعدم القياس عليه لأن حالات التضامن القانوني تعتبر أنها قد وردت على سبيل الحصر.

والنصوص التي تقضي بوجود التضامن بين المدينين كثيرة ، نجدها في قانون الإلتزامات والعقود وفي غيره من القوانين.

ففي قانون الإلتزامات والعقود يمكن أن نذكر على سبيل المثال الحالات التالية :

  • الحالة المنصوص عليها في الفصل 99 من ق.ل.ع وبمقتضاه " إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين عملوا متواطئين ، كان كل منهم مسؤولا بالتضامن عن النتائج ، دون تمييز بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعلا أصليا ".

  • الحالة المنصوص عليها في الفصل 100 من ق.ل.ع الذي جاء فيه أنه " يطبق الحكم المقرر في الفصل 99 ، إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله الأصلي، من بينهم ، أو تعذر تحديد النسبة التي ساهموا بها في الضرر ".

  • الحالة المنصوص عليها في الفصل 912 الذي ينص على أن " ...التضامن يقوم بقوة القانون بين الوكلاء :

أولا : إذا حدث الضرر للموكل بتدليسهم أو بخطئهم المشترك ، وتعذر تحديد نصيب كل مهم في وقوعه.

ثانيا : إذا كانت الوكالة غير قابلة للتجزئة.

ثالثا : إذا أعطيت الوكالة بين التجار لأعمال التجارة ، مالم يشترط غير ذلك.

  • الحالة المنصوص عليها في الفصل 1138 من ق.ل.ع وبمقتضاه " لا يقوم التضامن بين الكفلاء إلا إذا اشترط ، أو إذا كانت الكفالة قد أبرمت من كل كفيل على انفراد من أجل الدين كله ، أو إذا كانت تعتبر فعلا تجاريا بالنسبة إلى الكفلاء ".

وفي التشريعات الأخرى غير قانون الإلتزامات واالعقود يمكن أن نذكر على سبيل المثال الحالات التالية :

  • في القانون الجنائي يمكن أن نذكر الحالة المنصوص عليها في الفصل 109 وبمقتضاه " جميع المحكوم عليهم من أجل نفس الجناية أو نفس الجنحة أو نفس المخالفة يلزمون متضامنين بالغرامات والرد والتعويضات المدنية والصوائر ، إلا إذا نص الحكم على خلاف ذلك ".

  • الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل 126 من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالتضامن بين الخصوم في تأدية أجور وأتعاب المترجم أو الخبير. حيث نص الفصل المذكور على أنه " يكون كل الأطراف ملزمين تجاه الخبير أو الترجمان بأداء المبلغ...",

الفقرة الثانية : طبيعة المعاملة كمصدر للتضامن بين المدينين

قد يكون التضامن بين المدينين نتيجة حتمية لطبيعة المعاملة. كأن يلتزم عدة أشخاص بتسليم شيء معين بذاته لشخص آخر. ففي هذه الحالة يترتب على كل من الأشخاص الذين تعهدوا بتسليم الشيء أن ينفذ هذا التعهد ، وكل ذلك حتى لو لم يشترط أي تضامن في السند المنشئ للالتزام ، لأن طبيعة العمل هنا تحتم قيام التضامن بين المدينين.


الفقرة الثالثة : العقد أو الإرادة بوجه عام كمصدر للتضامن بين المدينين

قد ينشأ تضامن بين المدينين من اتفاق يجري فيما بينهم.

وقد ينشأ التضامن عن إرادة منفردة كوعد بجائزة يعلن عنه عدة أشخاص على وجه التضامن فيما بينهم لمن يعثر على شيء ضائع أو يقوم بأي عمل آخر.

فالتضامن بين المدينين ، كالتضامن بين الدائنين ، لا يفترض افتراضا ، بل لابد من الإتفاق عليه اتفاقا واضحا لا لبس فيه ولا غموض. ولا شك أن أهمية هذه القاعدة هي التي دعت المشرع إلى النص عليها في مطلع بحث التضامن بين المدينين ، حيث ورد في الفصل 164 من ق.ل.ع التي استهل بها هذا البحث أن " التضامن بين المدينين لا يفترض ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام...".

وعليه ، يوجد فارق هام بين تضامن الدائنين وبين تضامن المدينين. فتضامن الدائنين يصح أن يقع ضمنيا ، أما تضامن المدينين فقد اشترط الفصل 164 من ق.ل.ع أن يرد فيه شرط صريح.

وليس من الضروري في الشرط الصريح أن يرد بلفظ " التضامن " بل يكي أن تستعمل عبارة تفيد هذا المعنى. كأن يشترط الدائن على مدينيه أن يكونوا جميعا متكافلين بالدين إزاءه أو أن يكون كل منهم مسؤولا شخصيا عن كامل الدين ، أو أن له الرجوع على أي واحد منهم بالدين كله أو ما شاكل ذلك من العبارات التي تؤدي قصد الإتفاق على التضامن.

على أن القاعدة القائلة بعدم افتراض التضامن بين االمدينين ليست مطلقة ، فقد قرر المشرع في الفصل 165 من ق.ل.ع أنه " يقوم التضامن بحكم القانون في الإلتزامات المتعاقد عليها بين التجار لأغراض المعاملات التجارية ، وذلك ما لم يصرح السند المنشئ للإلتزام أأو القانون بعكسه ".

فالأصل إذن في التشريع المغربي قيام التضامن في المسائل التجارية مالم ينص في العقد على استبعاده. فإذا عقد عدة تجار صفقة تجارية واحدة دون أن يشترط عليهم البائع التضامن، فإنهم مع ذلك يعتبرون متضامنين إزاءه في أداء الثمن مالم يستبعد التضامن بشرط صريح.

المطلب الثاني :: آثاار التضامن بين المدينين

لا بد لجلاء آثار التضامن من تناول هذه الآثار من زاويتين :

  • من حيث علاقة الدائن بالمدينين المتضامنين

  • من حيث علاقة المدينين المتضامنين بعضهم ببعض

الفقرة الأولى : علاقة الدائن بالمدينين المتضامنين

يمكن جمع الأحكام التي تسود علاقة الدائن يالمدينين المتضامنين حول القواعد الأساسية التالية :

أولا : للدائن أن يستوفي الدين كله من أي مدين متضامن

نص الفصل 166 من ق.ل.ع على أن " للدائن أن يجبر أيا من المدينين المتضامنين على أداء هذا الدين كله أو بعضه لكن لا يحق له أن يستوفيه إلا مرة واحدة ".

فالدائن يسوغ له أن يختار أي مدين متضامن ويطالبه بالدين جميعه. وهذا يرجع إلى وحدة المحل في الإلتزام التضامني. فالمدينون جمعا ملزمون تجاه ادائن بمحل واحد قد يكون تأدية مبلغ من النقود أو تسليم مبيع أو القيام بأي عمل آخر.

ويبقى للدائن اختيار من يريد من المدينين في ممارسة حق المطالبة بتأدية الدين حتى لو كان مدينا آخر من مدينيه قد منحه رهنا حيازيا أو رهنا رسميا. فبالرغم من وجود هذه الضمانات العينية ، ليس الدائن من أن يرجع على مدين آخر غير تلذي منحه الرهن إذ قد يجد الدعوى الشخصية التي يوجهها ضد أحد المدينين المتضامنين أكثر يسرا وأقل كلفة من الدعوى العينية التي يرجع بها بمقتضى الرهن.

وليس للمدين إذا طالبه الدائن بالدين كله أن يقتصر على دفع حصته من الدين ، فللدائن رفض هذا الوفاء الجزئي والإصرار على استيفاء الدين بكامله.

وإذا اختار الدائن أحد المدينين المتضامنين وطالبه بالدين كله ثم رأى بعد ذلك أن يطالب بالدين مدينا غيره ظهر له أن مطالبته أقل مشقة وأكثر جدوى ، فإن رجوعه على المدين الأول ليس بمانع من رجوعه على المدين الآخر. فله إدخال المدين الثاي في الدعوى الأولى واستصدار حكم على المدينين معا على وجه التضامن ، وله إن شاء أن يترك دعواه الأولى ويقيم دعوى جديدة على المدين الثاني وحده ويطالبه فيها بالدين كله. وهذا ما أشار إليه مطلع الفصل 176 من ق.ل.ع بقوله " مطالبة الدائن الموجهة ضد أحد المدينين المتضامنين لا تمتد إلى الآخرين ، ولا تمنع الدائن من أن يوجه إليهم مطالبة مماثلة ".

ثانيا : حق المدين بالتمسك بالدفوعات الخاصة به وبالدفوع المشتركة دون الدفوع الخاصة بغيره

نص الفصل 168 من ق.ل.ع على أنه " لكل مدين متضامن أن يتمسك بالدفوع الشخصية الخاصة به وبالدفوع المشتركة بين المدينين المتضامنين جميعا. ولا يسوغ له أن يتمسك بالدفوع الشخصية المحضة المتعلقة بواحد أو أكثر من المدينين معه ".

فمن هذا النص يتبين أن أوجه الدفع التي يمكن أن يثيرها المدين المتضامن على نوعين : دفوع يسوغ له أن يتمسك بها ودفوع يمتنع عليه التمسك بها.

فالدفوع التي يحق للمدين المتضامن التمسك بها هي الدفوع الشخصية الخاصة به ، والدفوع المشتركة بين المدينين المتضامنين جميعا.

فلكل من المدينين المتضامنين أن يتمسك بالدفوع الشخصية الخاصة به. فإذا كان التزامه مثلا موقوفا على شرط أو مربوطا بأجل وطالبه الدائن بتنفيذ الإلتزام قبل تحقق الشرط أو حلول الأجل ، جاز له دفع هذه المطالبة. وإذا كانت إرادته يوم التزم قد شابها عيب من عيوب الرضى كالغلط أو التدليس أو الإكراه أو كان التزم وهو ناقص الأهلية فله التمسك بالعيب الذي شاب إرادته كما له التمسك بنقص أهليته إذا ما طالبه الدائن بتنفيذ التزامه.

وكذلك لكل من المدينين المتضامنين أن يتمسك بالدفوع المشتركة بين المدينين جميعا. فإذا كان العقد الذي أنشأ الإلتزام التضامني باطلا في الأصل لفقدان ركن من أركان انعقاده كانعدام المحل أو السبب أو كعدم مشروعية المحل أو السبب ، كان لكل مدين يلاحقه الدائن أن يتمسك ببطلان العقد.

وإذا كان العقد الذي أنشأ الإلتزام التضامني قابلا للإبطال بسبب عم المدينين جميعا كأن كانوا وقعوا كلهم في نفس الغلط أو كانوا كلهم عرضة للإكراه أو التدليس ، فإن من حق كل مدين يرجع عليه الدائن أن يتذرع بإبطال العقد.

وإذا كان الدائن لم يف بما التزم به إزاء المدينين المتضامنين كأن يكون امتنع عن تأدية ثمن شيء تعهدوا على وجه التضامن بتسليمه إليه ، كان لكل منهم دفع المطالبة بتسليم الشيء مادام المشتري لم يقم بوفاء الثمن.

وفي المقابل ، يمتنع على المدين المتضامن أن يتمسك بالدفوع الخاصة بغيره من المدينين المتضامنين. فإذا كان التزام أحد المدينين المتضامنين منجزا ليس له ، إذا طالبه الدائن بتأدية الدين ، أن يتمسك بكون التزام مدين آخر من المدينين المتضامنين هو معلق على شرط لم يتحقق أو هو مربوط بأجل لم يحل بعد. وإذا كان أحد المدينين المتضامنين قد شاب إرادته عيب من عيوب الرضى أو كان ناقص الأهلية يوم التزم ، فليس لغيره أن يحتج بذلك.

ثالثا : انقضاء الإلتزام في حق جميع المدينين المتضامنين بالوفاء

نص الفصل 169 من ق.ل.ع على أن " الوفاء الواقع بين أحد المدينين والدائن يبرئ ذمة جميع المدينين الآخرين ".

فالإلتزام التضامني ينقضي في وجه جميع المدينين المتضامنين إذا وفاه أحدهم. ومن حق كل واحد من المدينين المتضامنين أن يقوم هذا الوفاء ولا يستطيع الدائن أن يرفض الاستيفاء ، كما لا يستطيع أن يصر على المدين في أن لا يوفيه إلا حصته من الدين إذا كان المدين راغبا في تأدية الدين كه.

على أنه إذا وفى أحد المدينين المتضامنين حصته في الدين فقط وذك بموافقة الدائن ، فعندها يكون للدائن أن يرجع على أي من المدينين المتضامنين الآخرين بالباقي من الدين.

ويجب التفريق بين هذه الصورة حيث يستوفي الدائن فعلا حصة أحد المدينين المتضامنين فلم يعد له إلا باقي الدين يرجع به على أي مدين متضامن آخر ، وبين صورة إبراء أحد المدينين من التضامن وقبول الدائن بتقسيم الدين لصالحه حيث لم يقبض الدائن حصة المدين المبرأ ، وحيث يبقى له بالتالي مطالبة أي مدين آخر بالدين كله لأنه لم يستوف من هذا الدين شيئا وذلك مالم يكن الدائن قد اتفق مع المدين المبرأ على عكس ذلك ، أي على استنزال حصته من الدين عند الرجوع على المدينين المتضامنين الآخرين. وهذا ما قرره المشرع في الفصل 173 من ق.ل.ع بقوله " الدائن الذي يرتضي تجزئة الدين لصالح أحد المدينين يبقى له الحق في الرجوع على الآخرين بكل الدين ما لم يوجد شرط يقضي بغير ذلك ".

وإذا رفض الدائن استيفاء الدين من أحد المدينين المتضامنين فإنه يجوز لهذا المدين أن يعرضه عليه عرضا حقيقيا ويتبع هذا العرض بالإيداع الفعلي وفقا للإجراءات المقررة للعرض والإيداع في الفصل 275 ومايليه من ق.ل.ع

وبمجرد وفاء أحد المدينين الدين ، أو في حالة امتناع الدائن عن الاستيفاء بمجرد إتمام إجراءات العرض الحقيقي والإيداع الفعلي ، تبرأ ذمته من الدين كما تبرأ ذمة جميع المدينين الآخرين. وهذا ما جاء في الفصل 169 من ق.ل.ع " الوفاء وإيداع الشيء المستحق الواقع بين أحد المدينين والدائن يبرئ ذمة جميع المدينين الآخرين ".

رابعا : انقضاء الإلتزام بأسباب أخرى اعتبرها المشرع بمنزلة الوفاء

لقد توسع المشرع في الأسباب التي تؤول إلى انقضاء الالتزام التضامني في حق جميع المدينين المتضامنين فلم يقصرها على الوفاء والوفاء بمقابل والتجديد ، بل أضاف إلى هذه الأسباب أيضا سببين آخرين هما : المقاصة والإبراء من الدين.

فقد ورد في الفصل 169 من ق.ل.ع أن " الوفاء والوفاء بمقابل وإيداع الشيء المستحق والمقاصة الواقعة بين أحد المدينين والدائن تبرئ ذمة جميع المدينين الآخرين ".

وجاء في الفصل 171 من نفس القانون أن " التجديد الحاصل بين الدائن وأحد المدينين المتضامنين ييرئ ذمة الآخرين ما لم يرتضوا الإنضمام إليه في التحمل بالإلتزام الجديد. ومع ذلك ، إذا اشترط الدائن انضمام المدينين المتضامنين الآخرين ، فامتنعوا عنه فإن الإلتزام القديم لا ينقضي ".

فالتجديد يقضي إذن الدين القديم على وجه قاطع وما يستتبع ذلك من براءة ذمة جميع المدينين المتضامنين ويقيم مكانه دينا جديدا. وإذا أراد الدائن أن ينقل التضامن إلى الدين الجديد ، فعليه أن يحصل على موافقة باقي المدينين المتضامنين في أن يلتزموا متضامنين بهذا الدين. فإذا لم يوافقوا على ذلك وكان الدائن قد اشترط لتمام التجديد موافقتهم ، فإن التجديد لا ينعقد ويظل الإلتزام القديم قائما.

وورد في الفصل 172 من ق.ل.ع أن " الإبراء الحاصل لأحد المدينين المتضامنين يفيد جميع الآخرين مالم يظهر الدائن صراحة رغبته في عدم حصول الإبراء إلا لذلك المدين وبالنسبة إلى حصته من الدين. وفي هذه الحالة الأخيرة لا يثبت لباقي المدينين المتضامنين الرجوع على من أبرئ إلا بالنسبة إلى نصيبه في حصة المعسرين منهم ".

فإبراء أحد المدينين المتضامنين من الدين يكون إذن سببا لانقضاء الدين بالنسبة لجميع المدينين المتضامنين هذا ما لم يعلن الدائن صراحة أنه يقصر الإبراء على المدين الذي أبرأه وبالنسبة إلى حصته من الدين فقط. وإذا أدى أحد المدينين هذا الباقي من الدين ، كان له عند الإقتضاء أن يرجع على المدين الذي أبرأه الدائن بنصيبه في حصة المعسر منهم.

ويجب التفريق بين إبراء أحد المدينين المتضامنين من الدين حيث تبرأ ذمة جميع المدينين المتضامنين ويفقد الدائن حقه في الرجوع على أي واحد منهم ، وبين إبراء أحد المدينن من التضامن حيث يحتفظ الدائن بحقه في الرجوع على بقية المدينين بكل الدين أو بما تبقى من الدين بعد استنزال حصة المدين الذي أبرأه الدائن من التضامن إذا وجد شرط يقضيي بهذا الإستنزال.

أما أسباب انقضاء الإلتزام الأحرى غير الوفاء والوفاء بمقابل واتجديد والمقاصة والإبراء ، أي أسباب الإنقضاء الكامنة في اتحاد الذمة والتقادم فإن المشرع المغربي لم يرتب على اتحاد الذمة إذا حصل لمصلحة أحد المدينين ، انقضاء الإلتزام التضامني بالنسبة للمدينين الآخرين بل قصر أثره على براءة ذمة هؤلاء المدينين في حدود حصة المدين الذي برأت ذمته بسبب اتحاد الذمة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 175 من ق.ل.ع " اتحاد الذمة الحاصل بين الدائن وبين أحد مدينيه المتضامنين لا ينهي الإلتزام إلا بالنسبة إلى حصة هذا المدين ".

أما بالنسبة للتقادم فقد قرر المشرع بخصوصه ضمن الفصل 176 من ق.ل.ع أن " التقادم الذي يتم لصالح أحد المدينين لا يفيد الآخرين ".



خامسا : الأعمال الضارة الصادرة عن أحد المدينين ل تضر بقية المدينين

إذا قام أحد المدينين المتضامنين بعمل ضار فإن بقية المدينين لا يضارون بهذا العمل. ذلك أن الوكالة التبادلية أو النيابة التبادلية القائمة بين المدينين المتضامنين إنما تعتبر قائمة فيما ينفعهم لا فيما يضرهم. وعليه كانت القاعدة الأساسية أن كل عمل يقوم به مدين متضامن ويكون من شأنه الإضرار بالمدينين الآخرين ، لا يسري أثره في حقهم.

وتترتب على هذه القاعدة النتائج التالية :

  • إذا طالب الدائن أحد المدينين المتضامنين مطالبة قضائية ، فإن هذه المطالبة لا تضر المدينين الآخرين ولا يكون لها أثر إزاءهم. هذا ما جاء في الفقرة الأولى من الفصل 176 من ق.ل.ع " مطالبة الدائن الموجهة ضد أحد المدينين المتضامنين لا تمتد إلى الآخرين ولا تمنع الدائن من أن يوجه إليهم مطالبة مماثلة ".

  • إذا انقطعت مدة التقادم أو وقف سريانه بالنسبة لأحد المدينين المتضامنين ، فإن ذلك لا يضر بباقي المدينين ولا يسوغ للدائن أن يتمسك بقطع التقادم أو يوقفه تجاههم. وقد ورد بهذا المعنى في الفقرة الثانية من الفصل 176 من ق.ل.ع " وقف التقادم وقطعه بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين لا يوقف التقادم ولا يقطعه بالنسبة لللآخرين ".

  • إذا ارتكب أحد المدينين المتضامنين خطأ في تنفيذ التزمه وترتبت على هذا الخطأ مسؤوليته قبل الدائن ، فباقي المدينين لا يضارون بذلك. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 177 من ق.ل.ع " خطأ أحد المدينين المتضامنين لا يضر بالآخرين ".

  • إذا ثبت المطل على أحد المدينين المتضامنين فإن هذا المطل لا ينتج أثرا بالنسبة لباقي المدينين. ورد بهذا الشأن ضمن الفصل 177 أن " مطل أحد المدينين المتضامنين لا يضر بالآخرين ".

  • إذا سقط الأجل في حق أحد المدينين المتضامنين في الحالات المنصوص عليها في الفصل 139 من ق.ل.ع ( إذا أشهر إفلاسه ، أو أضعف بفعله الضمانات الخاصة التي سبق أن أعطاها للدائن ، أو إذا لم يعطه الضمانات التي وعده بها ، أو إذا أخفى عن غش التكاليف والامتيازات السابقة التي تضعف الضمانات المقدمة منه ) ، فإن هذا السقوط يبقى محصورا بالمدين الذي سقط عنه الأجل فلا ينتج أي أثر في مواجهة بقية المدينين المتضامنين إذا كانوا منحوا أجلا في السابق ويبقى من حقهم التمسك بالأجل الذي كان ممنوحا لهم. ورد بهذا المعنى في الفصل 177 من ق.ل.ع "سقوط الأجل إضرارا بأحد المدينين المتضامنين في الحالات المنصوص عليها في الفصل 139 لا ينتج أثره إلا في حقه ".

  • إذا صدر حكم ضد أحد المدينين المتضامنين لصالح الدائن ، فإن بقية المدينين المتضامنين لا يضارون بهذا الحكم ، مالم ينتج العكس من السند المنشئ للإلتزام أو من طبيعة المعاملة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 177 من ق.ل.ع " قوة الأمر المقضي به لا تنتج آثارها إلا بالنسبة إلى المدين الذي كان طرفا في الدعوى ، وذلك فيما يقضي به له أو عليه ما لم ينتج عكس ذلك من السند المنشئ للالتزام أو من طبيعة المعاملة ".

  • إذا صالح أحد المدينين المتضامنين الدائن وانطوى الصلح على ما من شأنه أن يحمل المدينين بالتزام أو أن يزيد فيما هم ملتزمون به ، فإن هذا الصلح لا يمن الإحتجاج به ضدهم إلا إذا قبلوا به. هذا ما جاء في الفصل 174 من ق.ل.ع " الصلح المبرم بين الدائن وأحد المدينين المتضامنين...لا يسوغ أن يترتب عنه لا تحملهم بالتزام ولا زيادة فيما هم ملتزمون به ، ما لم يرتضوه ".

سادسا : الأعمال النافعة التي يقوم بها أحد المدينين يفيد منها الباقون

لئن كانت النيابة أو الوكالة التبادلية تحظر على هذه المدين المتضامن أن يقوم بما من شأنه الإضرار ببقية المدينين ، فإن هذه النيابة أو هذه الوكالة تؤهله لأن ينوب عنهم في الأعمال التي تعود عليهم بالنفع. فمثل هذه الأعمال إذ ما صدرت عن أحد المدينين المتضامنين يفيد منها بقية المدينين وتسري بحقهم.

وتترتب على هذه القاعدة النتائج التالية :

  • إذا ثبت المطل على الدائن لصالح أحد المدينين المتضامنين فإن ذلك ينتج آثاره لفائدة الآخرين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 170 من ق.ل.ع " مطل الدائن بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين ينتج آثاره لصالح الآخرين ".

  • إذا صالح أحد المدينين المتضامنين الدائن وتضمن الصلح الإبراء من الدين أو أي سبب من أسباب انقضائه فإن هذا الصلح يفيد منه سائر المدينين.هذا ما ورد في الفصل 174 من ق.ل.ع " الصلح المبرم بين الدائن وأحد المدينين المتضامنين يفيد الآخرين إذا تضمن الإبراء من الدين أو طريقا آخر من طرق انقضائه ".

الفقرة الثانية : علاقة المدينين المتضامنين بعضهم ببعض

إن علاقة المدينين المتضامنين بعضهم ببعض تسودها أحكام الوكالة والكفالة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 178 من ق.ل.ع " العلاقات بين المدينين المتضامنين تنظم بمقتضى أحكام الوكالة والكفالة ".

ويمكن جمع هذه الأحكام حول القواعد الآتية :

أولا : رجوع المدين المتضامن الذي وفى الدين على الآخرين

التضامن بين المدينين لا يقوم إلا في العلاقة فيما بينهم وبين الدائن. أما في علاقة المدينين بعضهم ببعض فإن الدين ينقسم عليهم ويكون لمن وفى الدين منهم للدائن حق الرجوع على الآخرين كل بقدر حصته.

وحق الرجوع يثبت للمدين إذا وفى الدين فعلا أو قضى الدين نحو الدائن بطريقة تقوم مقام الوفاء كالوفاء بمقابل أو المقاصة. وهذا نص عليه المشرع في الفقرة الثانيةمن الفصل 179 من ق.ل.ع بقوله " المدين المتضامن الذي يؤدي الدين كاملا ، أو الذي يترتب على وقوع المقاصة بينه وبين الدائن انقضاء الدين بتمامه ، لا يحق له الرجوع على الآخرين إلا بقدر حصة كل منهم في الدين ".

ثانيا : انقسام الدين بقوة القانون بين المدينين بنسبة حصة كل واحد منهم فيه

لقن نصت الفقرة الأولى من الفصل 179 من ق.ل.ع على أن " الإلتزام المتعاقد عليه تضامنيا تجاه الدائن ينقسم بقوة القانون بين المدينين ". فالمدين الذي وفى الدين لا يجوز له الرجوع على أي مدين آخر إلا بقدر حصته.

ولتحديد هذه الحصة يجب الرجوع مبدئيا إلى السند المنشئ للإلتزام التضامني والعمل بمقتضاه. أما إذا لم يوجد اتفاق يعين حصة كل من المدينين المتضامنين في الدين ، فإنه يتعين جعل الدين حصصا متساوية بين المدينين وذلك عملا بالمبدأ الوارد عليه النص في الفصل 961 من ق.ل.ع وبمقتضاه " عند الشك ، يفترض أن أنصباء الشركاء متساوية ".

ثالثا : تحمل المليئين من المدينين المتضامنين لحصص المعسرين أو الغائبين منهم

ورد في الفقرة الأخيرة من الفصل 179 من ق.ل.ع أنه " إذا كان أحد المدينين المتضامنين معسرا أو غائبا ، قسمت حصته في الدين بين كل المدينين الآخرين الموجودين والمليئي الذمة مع حفظ حق هؤلاء في الرجوع على من دفعوا عنه حصته. هذا كله ما لم يوجد شرط يقضي بخلافه ".

فإذا دفع أحد المدينين المتضامنين الدين كله وتعذر عليه الرجوع على أحد المدينين لإعساره أو غيابه ، فإن من حقه أن يرجع على كل من المدينين المتضامنين الآخرين بحصته في الدين وبنصيبه في حصة المعسر أو الغائب.

والمدين المتضامن الذي أبرأه الدائن من حصته في الدين يتحمل هو أيضا عند الإقتضاء نصيبه في حصة المعسر شأنه في ذلك شأن بقية المدينين المليئين. جاء بهذا الخصوص في الفصل 172 من ق.ل.ع " الإبراء من الدين الحاصل لأحد المدينين المتضامنين يفيد جميع الآخرين مالم يظهر الدائن صراحة رغبته في عدم حصول الإبراء إلا لذلك المدين وبالنسبة إلى حصته من الدين. وفي هذه الحالة الأخيرة لا يثبت لباقي المدينين المتضامنين الرجوع على من أبرئ إلا بالنسبة إلى نصيبه في حصة المعسرين منهم ".

وبديهي أن المدينين الذين يتحملون نصيبا من حصة المدين المعسر أو الغائب يبقى لهم الحق في الرجوع على من دفعوا عنه حصته.

ثم إنه إذا وجد شرط يقضي باستبعاد تقسيم حصة المدين المعسر أو الغائب على المدينين الآخرين الموجودين والمقتدرين أو إذا وجد شرط يقضي بعدم تطبيق هذه القاعدة بحق البعض منهم فإنه يعمل بالشرط لأن هذه القاعدة ليست من متعلقات النظام العام وبوسع المدينين المتضامنين الإتفاق على ما يخالفها.

رابعا : التزام صاحب المصلحة في الدين وحده بكل الدين

لقد نص الفصل 180 من ق.ل.ع على أنه " إذا كانت المعاملة التي من أجلها حصل التعاقد على الإلتزام التضامني لا تخص إلا أحد المدينين المتضامنين ، التزم هذا المدين تجاه الباقين بكل الدين. ولا يعتبر هؤلاء بالنسبة إليه إلا ككفلاء ".

فمن هذا النص يتبين أنه قد يحصل ألا يكون المدينون المتضامنون هم جميعا أصحاب مصلحة في الدين التضامني بل تكون المصلحة عائدة لبعضهم دون الآخرين أو تكون المصلحة لواحد منهم فقط. ففي هذه الحالة يبقى المدينون جميعا ، سواء من كان منهم صاحب مصلحة أم لا ، مسؤولين على وجه التضامن قبل الدائن الذي له أن يرجع على أي منهم بالدين كله. أما فيما بينهم فيعتبر أصحاب المصلحة دائنين أصليين ويعتبرالباقون كفلاء. ونتيجة لذلك لا يتحمل الدين إلا صاحب المصلحة فيه. فلو حصل مثلا أن كان أحد المدينين المتضامنين هو وحده صاحب المصلحة في الدين ووفى الدين هو إلى الدائن فليس له حق الرجوع على الباقين. أما إذا وفى الدين مدين غيره فإنه يكون لهذا المدين أن يرجع عليه بكامل الدين.


تعليقات

التنقل السريع