الحوالة في قانون الالتزامات والعقود المغربي (الجزء الاول)
يراد بانتقال الإلتزام أن يتحول الإلتزام ـ حقا كان أو دينا ـ من شخص إلى آخر : من دائن إلى دائن أخر باعتباره حقا شخصيا ، أو من مدين إلى مدين آخر باعتباره دينا. ويسمى تحويل الإلتزام من دائن إلى دائن آخر بحوالة الحق ، وتحويله من مدين إلى مدين آخر بحوالة الدين. وسواء كانت الحوالة حوالة حق أو حوالة دين ، فالذي ينتقل بالحوالة هو الإلتزام ذاته بجميع خصائصه من صفات وضمانات ودفوع.
وجدير بالذكر أن انتقال الإلتزام على الوجه المتقدم لا يمكن تصوره إذا كانت الفكرة في الإلتزام أنه رابطة شخصية ما بين دائن ومدين ، فالرابطة بحكم أنها تربط ما بين شخصين بالذات لا يتصور أن تنتقل عنهما أو عن أحد منهما دون أن تنحل.
بيد أن فكرة الإلتزام قد عرفت تطورا مهما فأخذ عنصر الرابطة الشخصية في الإلتزام يتقلص رويدا رويدا وبدأ العنصر المادي فيه يبرز شيئا فشيئا ، بحيث أصبح من الميسور في ظل هذه الفكرة المتطورة تصور إمكانية انتقال الإلتزام من دائن إلى آخر باعتبار الإلتزام قيمة مالية لا رابطة شخصية وبالنظر إلى موضوعه لا بالنسبة إلى أطرافه.
ويجدر لفت الإنتباه إلى أن المشرع المغربي قد اقتصر على البحث في انتقال الحق ، ولم يتناول حوالة الدين.
ففي حوالة الحق يتفق الدائن مع أجنبي على أن يحول له حقه في ذمة المدين ، فيحل الأجنبي محل الدائن في هذا الحق نفسه بجميع خصائصه. ويسمى الدائن محيلا ، والدائن الجديد محالا له ، والمدين محالا عليه.
وقد تناول قانون الإلتزامات والعقود المغربي حوالة الحق في الباب الأول المعنون ب ـ الإنتقال بوجه عام ـ من القسم الثالث الخاص بانتقال الإلتزام من الكتاب الأول المتعلق بمصادر الإلتزامات وذلك في الفصول 189 إلى 208.
إن انتقال الحق من الدائن القديم إلى دائن آخر إما أن يكون مصدره القانون ، وإما أن يكون مصدره اتفاق المتعاقدين. وهذا ما نص عليه الفصل 189 من ق.ل.ع بقوله " يجوز انتقال الحقوق والديون من الدائن الأصلي إلى شخص آخر ، إما بمقتضى القانون وإما بمقتضى اتفاق المتعاقدين ".
وهكذا يتم انتقال الحق بمقتضى القانون في حالات عدة منها انتقال الحقوق إلى الوريث موت المورث. وكذالك ما نص عليه الفصل 668 من ق.ل.ع فيما يتعلق بانتقال حق المكتري الذي يتنازل عن عقد الكراء إلى الغير المتنازل له مالم يكن في العقد نص يمنع المكتري من التنازل عن حقه أو ما لم يكن التنازل يتعارض وطبيعة العين المكتراة. من ذلك أيضا ما نص عليه الفصل 209 من ق.ل.ع المتعلق بحلول المحال له محل الوريث الذي حول حقه في التركة حيث تنتقل بحكم القانون الحقوق والإلتزامات المتعلقة بالتركة إلى المحال له.
ثم إن انتقال الحق قد يكون مصدره اتفاق المتعاقدين. وحوالة الحق عن طريق الإتفاق هو الذي خصه المشرع بالبحث في الفصول 189 إلى 208 من ق.ل.ع
وتتطلب حوالة الحق توافر مجموعة من الشروط ويترتب عليها مجمعة من الآثار.
وعليه ، نطرح الإشكالية التالية : ماهي شروط الحوالة وما الآثار التي تترتب عليها ؟
تقتضي الإجابة على الإشكالية المثارة أعلاه أن نبين شروط الحوالة ( المطلب الأول ) ، ثم أن نوضح الآثار التي تترتب عليها ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول : شروط الحوالة
إن شروط حوالة الحق على نوعين : النوع الأول يجب توافره لانعقاد الحوالة بين المتعاقدين، والنوع الثاني يجب توافره لتصبح الحوالة نافذة إزاء الغير.
وهكذا سنتناول شروط انعقاد الحوالة بين المتعاقدين ( الفقرة الأولى ) ، ثم سنتطرق لشروط نفاذ الحوالة إزاء الغير ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : شروط انعقاد الحوالة بين المتعاقدين
القاعدة الأصلية أن الحوالة تخضع لمبادئ التعاقد عامة سواء من حيث أركانها أم من حيث إثباتها. إلا أن ثمة شروطا خاصة يجب توافرها في محل الحوالة وفي سببها.
أولا : وجوب تطبيق مبادئ التعاقد عامة
فمن حيث أركان الحوالة ، الأصل أنها لا تخضع لمراسيم خاصة بل يكفي لانعقادها توافر أركان العقد بوجه عام. فيكفي إذن أن يحصل تراضي المحيل والمحال له ، وأن يكون كل منهما متمتعا بأهلية التصرف ، وأن يكون محل الحوالة مشروعا ، وأن يكون السبب الذي تحمل عليه الحوالة غير مخالف للقانون أو النظام العام أو الآداب العامة. وهذا ما نص عليه الفصل 194 من ق.ل.ع بقوله " الحوالة التعاقدية لدين أو لحق أو لدعوى تصير تامة برضى الطرفين ، ويحل المحال له محل المحيل في حقوقه ابتداء من وقت هذا التراضي ".
ومن حيث إثبات الحوالة ، تراعى كذلك القواعد العامة في الإثبات. فإذا حول دائن حقه الذي تزيد قيمته عن عشرة آلاف درهم بثمن يفوق عشرة آلاف درهما ، فإن المحيل لا يستطيع إثبات التزام المحال له بالثمن ، ولا المحال له يستطيع إثبات التزام المحيل بنقل هذا الحق إلا بالكتابة أو ببدء ثبوت بالكتابة معزز بالشهادة والقرائن وذلك طبقا للفصلين 443 و 447 من ق.ل.ع. أما إذا كان الحق المحال به تفوق قيمته عشرة آلاف درهما وكان ثمن الحوالة دون ذلك ، فإن المحيل يستطيع إثبات التزام المحال له بالثمن بالشهادة والقرائن لأن الثمن في حدود عشرة آلاف درهما ، ولكن المحال له لا يستطيع إثبات التزام المحيل بنقل الحق إلا الكتابة أو ببدء ثبوت بالكتابة معزز بالشهادة والقرائن لأن الحق المحال به تزيد قيمته عن عشرة آلاف درهما. وإذا كان كل من قيمة الحق المحال به وثمن الحوالة دون عشرة آلاف درهما فالمحيل يستطيع إثبات التزام المحال له بالثمن بالشهادة و القرائن ، كما أن المحال له يستطيع إثبات التزام المحيل بنقل الحق المحال به بالشهادة والقرائن أيضا.
ولما كان المحال له ، حتى في الحالة التي يجوز فيها إثبات حقه بالشهادة والقرائن ، يكون وضعه أسلم إذا ما كانت الحوالة مثبتة بسند خطي. لذلك أوجب المشرع على المحيل أن يسلم للمحال له ، إلى جانب سند الدين المحال ه وما يكون لديه من وسائل إثباته ، سندا يثبت حصول الحوالة. ويمكن أن يكون هذا السند رسميا إذا طلب المحال له ذلك على أن تكون مصروفات هذا السند الرسمي على عاتقه. وقد ورد بهذا الخصوص ضمن الفصل 199 من ق.ل.ع أنه " يجب على المحيل أن يسلم للمحال له سندا يثبت وقوع الحوالة ، وأن يقدم له ، إلى جانب سند الدين ، ما يكون لديه من وسائل إثباته ، والبيانات اللازمة لمباشرة الحقوق المحولة ، ويجب عليه أن يقدم للمحال له سندا رسميا يثبت وقوع الحوالة إذا طلب منه ذلك. ومصروفات هذا السند على المحال له ".
ثانيا : الشروط الخاصة المتعلقة بمحل الحوالة وسببها
إن كل حق شخصي يصلح مبدئيا أن يكون محلا للحوالة به من دائنه الأصلي إلى دائن جديد. أما الحق العيني فتتبع في نقله من صاحبه إلى الغير أحكام خاصة تختلف عن الأحكام التي تطبق في حوالة الحقوق الشخصية.
وأغلب ما يقع أن يكون محل الحوالة مبلغا من النقود. ولكن يجوز أن يكون محل الحوالة أشياء مثلية غير النقود. كما يجوز أن يكون عينا معينة بالذات شرط أن يكون الحق شخصيا لا عينيا. وكذلك يجوز أن يكون محل الحق المحال به عملا أو امتناعا عن عمل.
ويستوي أيضا في قابلية الحق للحوالة أن يكون مدنيا أو تجاريا ، أو أن يكون مدونا في سند خطي كحكم قضائي أو حجة رسمية أو حجة عرفية ، أو غير مدون أصلا ولا دليل عليه إلا الشهادة والقرائن.
وكذلك يستوي أن يكون الحق المحال به منجزا أو مربوطا بأجل أو معلقا على شرط. وهذا جاء في الفصل 190 من ق.ل.ع " يجوز أن يرد الإنتقال على الحقوق أو الديون التي لم يحل أجل الوفاء بها ".
ولئن كان المبدأ أن كل حق شخصي يقبل الحوالة وأن الحوالة تتم وفق قواعد التعاقد عامة ، فإن ثمة استثناءات لهذا المبدأ تقضي بعدم قابلية بعض الحقوق الشخصية للحوالة أو تتطلب لتمام الحوالة توافر شرط خاص هو اقترانها بموافقة المدين المحال عليه.
الحقوق التي لا تقبل الحوالة :
إن الحقوق التي لا تصلح أن تكون محلا للحوالة هي :
الحقوق المحتملة أو الحقوق المستقبلة
نص الفصل 190 من ق.ل.ع على أنه " لا يجوز أن يرد الإنتقال على الحقوق المحتملة ".
ويراد بالحق الإحتمالي أو بالحق المستقبلي الحق الذي لا وجود قانوني له في الحال وإنما يحتمل وجوده في المستقبل ، وذلك خلاف الحق الشرطي الذي له وجود قانوني في الحال وإن كان هذا الوجود غير بات وغير كامل.
الحقوق التي تمتنع حوالتها بمقتضى سند إنشائها أوبمقتضى القانون
نصت الفقرة الأولى من الفصل 191 من ق.ل.ع على أنه " تبطل الحوالة إذا كان الدين أو الحق غير ممكن تحويله بمقتضى سند إنشائه أو بمقتضى القانون ".
فقد يحصل أن يرد في السند الذي نشأ الحق بموجبه نص يمنع صاحب الحق من التنازل عن حقه للغير. فإذا اشترط المكري على المكتري في عقد الكراء ، عدم حوالة حقه المستمد من الكراء إلى الغير ، فإنه يعمل بهذا الشرط ، وتكون الحوالة الجارية رغم هذا الشرط باطلة وغير ملزمة للمكري.
وقد يحصل أن يمنع القانون بنص صريح حوالة حق من الحقوق. مثال ذلك ما نصت عليه في الفصل 481 من ق.ل.ع من أنه " لا يسوغ للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا ، لا بأنفسهم ولا بوسطاء عنهم ، الأموال المنقولة أو العقارية التي يناط بهم بيعها أو تقويمها...ويترتب على مخالفة هذا الفصل الحكم بالبطلان...". فبمقتضى هذا النص ، الحقوق التي يوكل إلى السماسرة والخبراء ببيعها أو بتقويمها لا يصح أن تجري حوالتها لمصلحة هؤلاء السماسرة أو الخبراء وإلا وقعت الحوالة باطلة.
الحقوق التي تتسم بطابع شخصي محض
الحقوق التي تتسم بطابع شخصي محض وتكون بالتالي متصلة اتصالا وثيقا بشخص الدائن لا تقبل الحوالة. وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 191 من ق.ل.ع تبطل الحوالة إذا كان محلها حقوقا لها صفة شخصية محضة ن كحق انتفاع المستحق لحبس ". وقد ضرب المشرع مثلا على هذا النوع من الحقوق حق انتفاع أحد المستحقين في حبس من الحبوس الخاصة. ومن الأمثلة التي يمكن سوقها كذلك ما نص عليه الفصل 838 من ق.ل..ع المتعلق بحق المستعير في استعمال الشيء المعر بنفسه إذا كانت العارية قد تمت مراعاة لشخصه أو لغرض محدد على وجه التخصيص. فتنازل المستعير في مثل هذه الحالة لغيره ، عن استعمال الشيء المعار ، رغم المنع القانوني ، يقع باطلا.
د- الحقوق التي لا تقبل الحجز أو التعرض
نصت الفقرة الثالثة من الفصل 191 من ق.ل.ع على أن " الحوالة تبطل إذا كان محلها حقا لا يقبل الحجز أو التعرض ". مثل ذلك النفقة والحد الأدنى من أجور العمال أو رواتب الموظفين. فالنفقة والحد الأدنى من الأجور والرواتب من الحقوق التي يقررالمشرع عدم قابليتها للحجز أو التعرض لحاجة أصحابها إليها في أمور معيشتهم. فهي بالتالي تستعصي على الحوالة.
إلا أن المشرع أوضح أنه " إذا كان الدين لا يقبل الحجز إلا في حدود جزء محدد منه أو قيمة محددة، صحت الحوالة في حدود هذه النسبة ". فهكذا مثلا لا يجوز حجز أجور العمال أو رواتب الموظفين إلا ضمن الحدود التي عينها القانون ، فإذا وقعت حوالة الأجور أو الرواتب ضمن هذه الحدود كانت حوالة صحيحة وأنتجت آثارها.
الحقوق التي تتطلب حوالتها موافقة المدين :
إن الحقوق التي تكون موضع نزاع تتطلب حوالتها توافر شرط خاص هو اقترانها بموافقة المدين. فحوالة الحقوق المتنازع فيها تجوز ، إنما يشترط فيها أن تتم بموافقة المدين المحال عليه تحت طائلة البطلان. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الأولى من الفصل 192 من ق.ل.ع " تبطل حوالة الحق المتنازع فيه ، ما لم تتم بموافقة المدين المحال عليه ".
وقد أوضح المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 192 من ق.ل.عع المقصود بالحق المتنازع فيه بقوله " يعتبر الحق متنازعا فيه ، في معنى هذا الفصل ، إذا كان هناك نزاع في جوهر الحق أو الدين نفسه عند البيع أو الحوالة ، أو كانت هناك ظروف من شأنها أن تجعل من المتوقع إثارة منازعات قضائية جدية حول جوهر الحق نفسه ".
فلا بد إذن حتى يعتبر الحق موضع نزاع وتتوقف حوالته على موافقة المدين ، أن يكون النزاع قائما على جوهر الحق كأن يدعي المدين عدم ترتب الدين في ذمته أصلا ، أو أن يكون من المتوقع إثارة نزاع قضائي جدي حول هذا الجوهر كأن تكون الدعوى التي أقامها المدين لمنع الدائن من معارضته بالدين قد ردت لعدم الإختصاص أو لفقدان شرط من شروط قبول الدعوى وكان لا بد أن يعاود المدين رفع الدعوى مجددا لدى المحكمة المختصة أو بعد استكمال النواقص التي أدت إلى ردها المرة الأولى.
أما إذا كان النزاع بين الدائن والمدين ينحصر بملحقات الدين كالفوائد مثلا ، فلا يعتبر الحق منازعا فيه ولا تخضع حوالته لموافقة المدين ، ويعتبر الحق غير منازع فيه أيضا إذا كانت الدعوى التي أقامها المدين لمنع الدائن من معارضته بالدين قد ردت في الجوهر وكان المدين يهدد بإثارة النزاع مجددا لدى القضاء رغم اكتساب الحكم الدرجة القطعية.
وفيما يتعلق باشروط الخاصة المتعلقة بسبب الحوالة ، فلا بد لصحة الحوالة أن تكون مبنية على سبب مشروع. وقد اعتبر المشرع المغربي أن سبب الحوالة يكون غير مشروع إذا هدف المحيل إقصاء المدين عن قضاته الطبيعيين وجعله خاضعا لاختصاص محكمة ما كان ليخضع لها لولا حصول الحوالة. ففي مثل هذه الحالة تقع الحوالة باطلة لأنها تكون مبنية على سبب غير مشروع. وهذا ما نص عليه المشرع في الفصل 193 من ق.ل.ع بقوله " تكون حوالة الحق باطلة سواء تمت بعوض أو على سبيل التبرع ، إذا لم يكن لها من هدف إلا إبعاد المدين عن قضاته الطبيعيين وجره إلى محكمة أخرى غير محكمته وفقا لما تقتضيه جنسية المحال له ".
وقد كان لهذا النص أهمية كبرى يوم كان يوجد في المغرب محاكم قنصلية ثم محاكم عصرية للنظر في الدعاوى التي تكون للأجنبي مصلحة فيها ، حيث كان من السهل على دائن مغربي أن يحيل بحقه على مدين مغربي إلى محال له أجنبي ، حتى يخرج المدين المحال عليه عن قضاته الطبيعيين ويجعله خاضعا للمحاكم القنصلية أو للمحاكم العصرية. أما بعد زوال هذه المحاكم فلم يعد لنص الفصل 193 من ق.ل.ع شأن يذكر في الحقل الداخلي ، ولكن تبقى له أهمية في الحقل الدولي حيث يمكن أن تجري حوالة الدين من دائن مغربي مثلا إلى شخص فرنسي ليكون بالإمكان مقاضاة المدين المحال عليه المغربي أمام القضاء الفرنسي تأسيسا على أن التقنين الفرنسي يجيز للمواطن الفرنسي مقاضاة الأجنبي أمام المحاكم الفرنسية ولو كان المدعى عليه الأجنبي مقيما في بلد أجنبي وحى ولو كان العقد الذي يستند إليه المواطن الفرنسي قد نظم لمصلحته في بلد أجنبي.
الفقرة الثانية : شروط نفاذ الحوالة إزاء الغير
إن الحوالة تنعقد بالتراضي بين المحيل والمحال له دون ما حاجة لرضاء المدين المحال عليه إلا في حالة واحدة هي حالة حوالة الحق المتنازع فيه.
ولكن الحوالة حتى تتعدى آثارها حلقة المتعاقدين ، وتصبح نافذة إزاء المدين المحال عليه وفي مواجهة الغير ، لا بد في الأصل من توافر شرط أساسي يرمي إلى تحقيق شهر الحوالة وإحاطة المدين علما بوقوعها.
وهذا الشرط الأساسي هو إعلان الحوالة للمدين إعلانا رسميا وقبوله بها في محرر ثابت التاريخ. وقد جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 195 من ق.ل.ع أنه " لا ينتقل الحق للمحال له به تجاه المدين والغير إلا بتبليغ الحوالة للمدين تبليغا رسميا أو بقبوله إياها في محرر ثابت التاريخ...
حوالة الحقوق في شركة يلزم لسريانها على الغير أن تبلغ للشركة أو تقبل منها في محرر رسمي أو في محرر عرفي مسجل داخل المملكة ".
وعليه مادامت الحوالة لم تبلغ إلى المدين ، شخصا طبيعيا كان أم شركة ، بصورة رسمية ، أو ما دام لم يقبل بها في محرر ثابت التاريخ ، فإن الحوالة تبقى مجردة من كل أثر في حق المدين المحال عليه وفي مواجهة الغير ، وتكون بالتالي حقوق المحال له مهددة وعرضة للضياع.
فالمدين المحال عليه ملتزم في الأصل إزاء دائنه الأصلي ، ما لم يعلم بالحوالة عن طريق الإعلان الرسمي أو ما لم يقبل بها في محرر ثابت التاريخ ، يكون من حقه أن يرفض دفع ما هو مترتب في ذمته إلى غير دائنه. والدائن من جهته قد يبادر ، رغم الحوالة ، إلى استيفاء حقه من المدين المحال عليه أو إلى إنهاء هذا الحق بطريق من طرق انقضاء الإلتزام الأخرى. ففي هذه الحالة تترتب طبعا مسؤولية المحيل إزاء المحال له ، ولكن ذمة المحال عليه تبرأ من الحق ما لم يكن الوفاء بالدين أو انقضاءه قد تم نتيجة تواطؤ فيما بين الدائن المحيل والمدين المحال عليه إضرار بحقوق المحال له حيث يجوز للمحال له عدم الإعتداد بالوفاء الحاصل بطريق الغش واعتباره باطلا. وقد ورد بهذا المعنى في الفصل 198 من ق.ل.ع " إذا دفع المدين الدين للمحيل أو أنهاه بالإتفاق معه بأي طريق آخر قبل أن تبلغ له الحوالة من المحيل أو من المحا له برأت ذمته ما لم يقع منه تدليس أو خطأ جسيم ".
فإذا استثنينا حالة التدليس والتواطؤ بين الدائن المحيل والمدين المحال عليه ، فإنه يجب الرجوع إلى المبدأ العام وبمقتضاه تبرأ ذمة المدين المحال عليه إذا وفى الحق لدائنه الأصلي مادام لم يبلغ وقوع الحوالة رسميا أو ما دام لم يقبل بها في محرر ثابت التاريخ.
ثم إن الدائن قد يعمد ، بعد إجراء الحوالة ، إلى التصرف في حقه مرة ثانية كأن يحيله إلى شخص غير المحال له الأول. فإذا قام المحال له الثاني بإعلان الحوالة إلى المدين المحال عليه ، قبل أن يقوم المحال له الأول بالإعلان عن حوالته ، كانت الأفضلية للمحال له الثاني. وهذا ما قرره المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 197 من ق.ل.ع بقوله " إذا حول نفس الدين لشخصين فضل منهما من بلغ حوالته للمدين المحال عليه قبل الآخر ولو كانت حوالته متأخرة في التاريخ ".
وهنا كذلك كما في الحالة السابقة ، تستثنى الحالة التي يقع فيها إعلان الحوالة الثانية قبل الحوالة الأولى ، نتيجة غش من المحيل يشترك فيه المحا عليه. فتطبيقا للقاعدة العامة التي تقضي بأن الغش يفسد التصرفات ، تقع الحوالة الثانية باطلة ويحق للمحال له الأول أن يبادر إلى إعلان الحوالة أصولا للمدين ويطالبه بدفع الحق المحال به سواء كان المدين قد وفى هذا الحق للمحال له الثاني أم لم يكن قد وفاه بعد.
يضاف إلى ذلك أن دائني المحيل يبقى من حقهم إيقاع الحجز على الدين المحال به تحت يد المدين المحال عليه ، إذا ما لم تتبع الإجراءات المتطلبة قانون لشهر الحوالة من إعلانا للمدين بصورة رسمية أو قبوله بها في محرر ثابت التاريخ ، فإن هذا الدين يعتبر جزء من ذمة مدينهم المالية وبالتالي عنصرا من الضمان العام الذي يتمتعون به على هذه الذمة المالية.
لذلك كله ، فإن من مصلحة المحال له أن يسرع في إعلان الحوالة للمدين إعلانا رسميا ، أو في الحصول منه على محرر ثابت التاريخ يتضمن قبوله بها ، لأن هذه الإجراءات وحدها تجعل الحوالة نافذة في مواجهة المدين وفي مواجهة الغير ، وهو أمر يعنيه بالطبع أن يتحقق حتى لا تكون حقوقه مهددة بالضياع.
بيد أنه خلافا للأصل وبمقتضاه لا تعتبر الحوالة نافذة إزاء الغير إلا بإعلانها للمدين إعلانا رسميا أو بقبوله بها في محرر ثابت التاريخ ، توجد ثمة حالات استثنائية تكون فيها الحوالة نافذة إزاء الغير بمجرد انعقادها أو تتطلب لنفاذها إجراءات غير الإعلان أو القبول.
ففيما يخص الحالة الإستثنائية الأولى التي تكون فيها الحوالة نافذة بمجرد انعقادها بين الطرفين المحيل والمحال له ، فقد نص عليها المشرع في آخر الفقرة الأولى من الفصل 195 من ق.ل.ع بقوله " لا ينتقل الحق للمحال له تجاه المدين والغير إلا بتبليغ الحوالة للمدين تبليغا رسميا أو بقبوله إياها في محرر ثابت التاريخ ، وذلك مع استثناء الحالة المنصوص عليها في الفصل 209 الآتي ". وهي حالة حوالة من له حقوق في تركة هذه الحقوق إلى الغير. بمجرد انعقاد هذه الحوالة بين المحيل والمحال له ، تنتقل الحقوق والإلتزامات المتعلقة بالتركة بقوة القانون إلى المحال له وذلك إزاء الكافة ودون أي إجراء.
غير أنه توجد حالات لا تكون فيها الحوالة نافذة إزاء الغير بمجرد انعقادها ، بل لا بد حتى تعتبر كذلك من اتباع إجراءات خاصة غير إجراءات الإعلان أو القبول. وتشمل هذه الحالات:
حوالة عقود الكراء أو الأكرية المتعلقة بالعقارات وغيرها من الأشياء القابلة للرهن الرسمي أو حوالة الإيرادات الدورية المرتبة عليها : نصت الفقرة الأولى من الفصل 196 من ق.ل.ع على أن " حوالة عقود الكراء أو الأكرية المتعلقة بالعقارات وغيرها من الأشياء القابلة للرهن الرسمي أو حوالة الإيرادات الدورية المرتبة عليها عندما تقرر لفترة تزيد على سنة ، لا يكون لها أثر بالنسبة للغير إلا إذا وردت في محرر ثابت التاريخ".
وإذا كان العقار محفظا في السجل العقاري ، فحوالة الأجور لمدة تزيد على سنة لا تسري بحق الغير إلا إذا جرى تقييدها في السجل العقاري. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 14.07 " يجب أن تشهر ، بواسطة تقييد في الرسم العقاري....كل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة ".
ثم إن حوالة عقود الأكرية وحوالة الإيرادات الدورية إذا قدمت على سبيل الضمان فإنه لا يحتج بها إزاء الغير إلا بعد تقييدها في السجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة. وهذا ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 196 من ق.ل.ع " وتطبق على حوالة عقود الأكرية وحوالة الإيرادات الدورية المشار إليهما في الفقرة السابقة أحكام الفصل 195 مكرر أعلاه إذا قدمت على سبيل الضمان ".
حوالة الكمبيالات والسندات للأمر والسندات لحاملها : نص الفصل 208 من ق.ل.ع على أنه " تخضع حوالة الكمبيالات والسندات للأمر والسندات لحاملها لأحكام خاصة ". وهذه الأحكام الخاصة التي أشار إليها قانون الإلتزامات والعقود هي الأحكام التي وردت في مدونة التجارة بشأن انتقال السندات للأمر أو السندات الإسمية أو السندات لحاملها.
تعليقات
إرسال تعليق