الحلول في قانون الالتزامات والعقود المغربي
إن الوفاء بالإلتزام قد يتم من قبل المدين بالذات فينقضي بذلك الدين نهائيا. ولكن الوفاء قد يتم من قبل غير المدين وعندها يحل الغير الذي وفى الدين محل الدائن ، ويكون له الرجوع على المدين بما وفى عنه ما لم يكن متبرعا. وهذا ما يسمى الوفاء مع الحلول.
والغير الذي وفى الدين ، يستطيع أن يرجع على المدين ليسترد منه ما وفاه عنه بدعوى شخصية وفقا للقواعد العامة. فقد تكون هذه الدعوى دعوى وكالة فيما إذا كان المدين هو الذي كلف الغير بالوفاء نيابة عنه. وقد تكون دعوى فضالة فيما إذا كان الغير قد وفى الدين دون علم المدين علم المدين أو بعلمه ولكن دون معارضته. وقد تكون دعوى إثراء بلا سبب إذا كان الغير قد وفى الدين رغم معارضة المدين ، على أن يكون للمدين منع رجوع الموفي عنه كلا أو بعضا إذا قام الدليل على أن له مصلحة في اعتراضه على الوفاء.
إلا أن الغير قد يرى من مصلحته ألا يرجع على المدين بدعواه الشخصية ، بل بدعوى الدائن نفسه ، في حالة وجود ضمانات عينية أو شخصية قدمها المدين ضمانا للوفاء ، إذ يكون باستطاعة المدين إذا مارس دعوى الدائن ، أن يستفيد من هذه الضمانات ويأمن بذلك مزاحمة الدائنين الآخرين له ، تلك المزاحمة التي يكون عرضة لها إذا رجع بدعواه الشخصية وكان المدين معسرا.
وبهذا تظهر الفائدة الأولى للحلول ، فالغير الذي يفي عن المدين يقدم على ذلك وهو ضامن استرداد ما وفى به ، فيمد يد المعونة إلى المدين ، أو يوظف أمواله ، إن كان ذلك هدفه ، وهوعلى ثقة من استعادة ما أوفى به.
على أن فائدة الوفاء مع الحلول لا تنحصر بالغير فحسب ، بل تتعداه إلى كل من المدين والدائن. فالوفاء مع الحلول يحمي المدين من ملاحقة الدائن له ومن التنفيذ على أمواله في وقت يكون من الصعب عليه أن يتحاشى هذه الإجراءات. والوفاء مع الحلول يفيد منه الدائن، إذ هو طريقه يحصل على حقه في وقت يكون فيه المدين غير قادر على إيصاله إليه.
غير أن الدائن قد يرغب في بعض الأحوال ، في عدم استيفاء دينه من غير المدين ، كما لو كان منتجا أو كانت له ميزات لا يمكن الحصول عليها بتوظيف آخر للمال.
وتشجيعا للغير على الوفاء ، منح المشرع هذا الغير جميع المزايا والحقوق التي كان يتمتع بها الدائن. ومحافظة على مصلحة الدائن رأى المشرع أن يحصر الوفاء مع الحلول في أحوال معينة ، ثم يترك فيما عدا هذه الأحوال ، للدائن أو للمدين الحق في الاتفاق مع الغير على أن يحل هذا الأخير محل الدائن ، فيما إذا رغب أحدما ذلك.
وقد اعتبر المشرع المغربي الحلول طريقا من طرق انتقال الإلتزام ، حيث عرض له في الباب الثالث من القسم الثالث الخاص بانتقال الالتزام من الكتاب الأول المتعلق بمصادر الالتزامات وذلك في الفصول 211 إلى 216 من قانون الالتزامات والعقود.
وهكذا عمد المشرع إلى الكشف عن أنواع الحلول ، ثم عرض الآثار التي تترتب عليه.
وعليه ، نطرح الإشكالية التالية : ما هي أنواع الحلول وماهي الآثار التي تترتب عليه ؟
سنتناول أنواع الحلول ( الفقرة الأولى) ثم سنتطرق إلى آثاره ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأول : أنواع الحلول
نص الفصل 211 من ق.ل.ع على أن " الحلول محل الدائن في حقوقه يقع إما بمقتضى الإتفاق ، وإما بمقتضى القانون ".
فالحلول إذن على نوعين : حلول قانوني يتم بحكم القانون دون أن يتوقف على رغبة الدائن أو المدين. وحلول اتفاقي يقوم على اتفاق يبرم بين الغير والدائن أو بين الغير والمدين.
أولا : الحلول الإتفاقي
الحلول الاتفاقي إما أن يتم باتفاق الموفي مع الدائن وإما أن يتم باتفاق الموفي مع المدين.
أ- الحلول نتيجة اتفاق الموفي مع الدان
الحلول نتيجة اتفاق الموفي مع الدائن حسب ما جاء في الفصل 212 من ق.ل.ع " يقع إذا أحل الدائن الغير محله ، عند قبضه الدين منه في الحقوق والدعاوى والامتيازات والرهون الرسمية التي له على المدين ".
فالدائن الذي يرغب في استيفاء حقه ولا يجد لدى المدين ما يفي به ، قد يتفق مع الغير على أن يحل هذا الغير محله قبل المدين ليشجعه بذلك على الوفاء. والغير الذي ينوي الوفاء عن المدين ليمد إليه يد المعونة في الوقت العسير قد يجد في الاتفاق مع الدائن على هذا الحلول ما يشجعه على الوفاء وما يضمن له استرداد ما يفي به.
وقد ورد في الفصل 212 من ق.ل.ع أن الحلول نتيجة اتفاق الموفي مع الدائن " يجب أن يقع صراحة ، وأن يتم في نفس الوقت الذي يحصل فيه الأداء ". فلا بد إذن في مثل هذا الحلول من توافر شرطين : يج أن يكون صريحا ، يجب أن يتم في وقت الوفاء.
يجب أن يكون الحلول صريحا. ولا نعني بذلك أنه يجب استعمال عبارة معينة أو ألفاظ محددة؛ بل المقصود أن يكون التعبير عن إرادة الدائن في الحلول تعبيرا واضحا جليا ، لا أن يكون تعبيرا ضمنيا.
ويجب أن يتم الإتفاق على الحلول وقت الوفاء بحيث لا يسوغ أن يقع الحلول لا قبل ولا بعده. فقبل الوفاء كل ما يمكن تصوره هو تعهد الحلول لا اتفاق على الحلول. وبعد الوفاء ، يصبح الحلول مستحيلا إذ الوفاء يقضي الدين بصورة نهائية مع سائر ما يلحقه من توابع وضمانات ويمتنع بعث الدين من جديد لمصلحة الموفي الذي أوفى بالدين دون أن يحله الدائن إذ ذاك. يضاف إلى ذلك أن عدم اشتراط الإتفاق على الحلول وقت الوفاء يترك الباب مفتوحا للتواطؤ بين الدائن والمدين على إحلال أجنبي محل الدائن إضررا بباقي الدائنين.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع أخضع الحلول عامة للأحكام المقررة في حقل الحوالة. وهذا ما ورد في الفصل 216 من ق.ل.ع " يخضع الحلول بالنسبة إلى آثاره للقواعد المقررة في الفصول 190 و 193 إلى 196 و 203 السابقة ".
وعليه يقتضي هذا تثبيت القاعدتين التاليتين :
يعتبر الحلول تاما بين الموفي وبين الدائن بمجرد وقوع الإتفاق بين الطرفين وذلك طبقا للفصل 194 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع حيث جاء في الفصل 194 " الحوالة التعاقدية لدين أو لحق أو لدعوى تصير تامة برضى الطرفين...".
الحلول لا يصبح نافذا في مواجهة المدين وفي مواجهة الغير إلا بإعلانه للمدين إعلانا رسميا أو بقبوله إياه في محرر ثاب التاريخ وذلك طبقا للفصل 195 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع حيث نص الفصل 195 على أن " لا ينتقل الحق للمحال له به تجاه المدين والغير إلا بتبليغ الحوالة للمدين تبليغا رسميا أو بقبوله إياها في محرر ثابت التاريخ ".
ب- الحلول نتيجة اتفاق الموفي مع المدين
لئن كان من الطبيعي أن يتنازل الدائن بإرادته عن حقوقه وضماناته تجاه المدين ليحل الغير محله فيها ، فإن إجباره على ذلك ومن قبل المدين باذات ليبدو لأول وهلة غريبا.
إلا أننا لو تركنا الأمر لدائن وحده ، فإنه قد يرفض أن يحل الغير محله في كل مرة يرى فيها أن من مصلحته الإبقاء على الدين. لذا رأى المشرع إعطاء المدين كذلك الحق في أن يحل الغير محل الدائن ليستطيع عند اللزوم أن يفي بدينه عن طريق هذا الغير.
وعليه ، فالحلول بالاتفاق مع المين ، مع ما فيه من شذوذ وغرابة ، إنما تقتضيه الحياة العملية. فالمدين الذي يرغب في التخلص من دائنه لسبب ما ، كأن يكون الدين بفائدة مرتفعة يستطيع بواسطة هذا الحلول أن يستقرض مالا بشروط أفضل ليفي بها دينه.
وقد أقر المشرع الحلول نتيجة اتفاق الموفي مع المدين في الفصل 213 من ق.ل.ع حيث نص على أنه " يقع الحلول الاتفاقي أيضا عندما يقترض المدين الشيء أو المبلغ الذي يكون محل الالتزام بقصد قضاء الدين ، ويحل المقرض في الضمانات المخصصة للدائن ويحصل هذا الحلول بغير رضى الدائن ".
وقد يرفض الدائن استيفاء ، فحتى لا يتعطل الحلول في مثل هذه الحالة أوضح المشرع في الفصل 213 من ق.ل.ع أنه " فإذا رفض الدائن استيفاء الدين تم الحلول إذا قام المدين بالإيداع على وجه صحيح ".
وقد عين الفصل 213 من ق.ل.ع شروط الحلول نتيجة اتفاق الموفي مع المدين. وبالرجوع إلى هذا الفصل يتبين أنه لا بد كي يقع هذا الحلول صحيحا من توافر الشروط الثلاثة التالية :
أن يكون كل من عقد القرض والتوصيل مدرجا في محرر ثابت التاريخ.
أن يصرح في عقد القرض أن المبلغ أو الشيء قد اقترض لوفاء الدين وفي التوصيل أن الوفاء قد وقع بالنقود أو الشيء المقدم من الدائن الجديد لهذا الغرض. وفي حالة الإيداع ، يجب ذكر البيانات السابقة في التوصيل المدفوع من أمين الودائع.
وقد هدف المشرع من وراء تطلبه هذين الشرطين منع التواطؤ بين المدين والغير إضرار بحقوق دائنيه. ذلك أن المدين قد يفي دائنه من أمواله الشخصية ، ثم يلجأ للتواطؤ مع أجنبي فيعقد معه قرضا يذكر فيه كذبا أن المال المقترض مخصص للوفاء بالدين ليحل هذا الأجنبي المقرض محل ذلك الدائن فيما كان له من ضمانات ، الأمر الذي يضر بمصلحة الدائنين الآخرين. فمنعا للتحايل وإثباتا لقيام الصلة بين القرض والوفاء كان لابد للمشرع من أن يشترط ورود كل من القرض والتوصيل في محرر ثابت التاريخ ، والتصريح في عقد القرض عن تخصيص المال المستقرض للوفاء وفي التوصيل عن حصول الوفاء من هذا المال.
أن يحل المدين صراحة الدائن الجديد محله في الضمانات المخصصة بالدين القديم.
وهنا كما في الحلول نتيجة اتفاق الموفي مع الدائن ، لا نعني بالحلول الصريح وجوب استعمال عبارة معينة أو ألفاظ محددة. بل نقصد أن يكون التعبير عن إرادة المدين في الحلول تعبيرا واضحا جليا ، لا أن يكون تعبيرا ضمنيا.
وتجدر الملاحظة أن الحلول الذي يقع مستوفيا الشروط الثلاثة المذكورة أعلاه يلزم الطرفين المتعاقدين ويسري على الكافة ، لأنه قائم على رضى المدين به في محرر ثابت التاريخ. وأن الفصل 195 من ق.ل.ع المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع ينص على أن " لا ينتقل الحق للمحال له به تجاه المدين والغير...بقبوله إياها في محرر ثابت التاريخ ".
ثانيا : الحلول القانوني
الحلول القانوني هو الذي يكون بمقتضى نص في القانون. ومن المجمع عليه أن حالات الحلول القانوني قد وردت على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها ولا التوسع في تفسير النصوص المتعلقة بها.
وقد حدد المشرع حالات الحلول القانوني في الفصل 214 من ق.ل.ع بقوله " يقع الحلول بمقتضى القانون في الحالات الآتية :
لفائدة الدائن الذي يفي بدين دائن آخر ، ولو كان لاحقا في التاريخ إذا كان هذا الدائن مقدما عليه ، بسبب امتياز أو رهن رسمي أو رهن حيازي أو رهن بدون حيازة ، سواء كان ذلك الدائن الذي يفي مرتهنا رهنا رسميا أو مرتهنا رهنا حيازيا أو رهنا دون حيازة أو مجرد دائن عادي ؛
لفائدة مكتسب العقار ، في حدود ثمن اكتسابه ، إذا كان هذا الثمن قد استخدم في الوفاء بديون الدائنين المرتهنين للعقار رهنا رسميا ؛
لائدة من وفى دينا كان ملتزما به مع المدين أو عنه ، كمدين متضامن أو كفيل يفي عن المدين أو كفيل يفي عن غيره من الكفلاء ، أو وكيل بالعمولة ؛
لفائجة من له مصلحة في انقضاء الدين من غير أن يكون ملتزما به شخصيا وعلى سبيل المثال ، لمن قدم الرهن الحيازي أو الرهن بدون حيازة أو الرهن الرسمي.
الحالة الأولى : الحلول لفائدة الدائن الذي يفي بدين دائن آخر مقدم عليه بسبب امتيااز أو رهن
إذا وجد دائنان لمدين واحد وكان للأول منهما رهن رسمي أو حيازي أو بدون حيازة من الدرجة الأولى على عقار يملكه امدين ، وللثاني رهن رسمي أو حيازي أو بدون حيازة من الدرجة الثانية على نفس العقار ، أو كان للدائن الأول رهن حيازي من الدرجة الأولى على منقول عائد للمدين وللدائن الثاني رهن حيازي من الدرجة الثانية على المنقول ذاته ، وكانت قيمة العقار أو المنقول الحاليى لا تكفي للوفاء بمجموع مطلوب الدائنين وإن تكن كافية لوفاء دين الأول منهما. ففي مثل هذه الحالة ، إذا باشر الدائن المتقدم في المرتبة إجراءات بيع العقار ، فإن ذلك يضر بالدائن المتأخر في المرتبة ، الذي تقضي مصلحته إرجاء هذه الإجراءات إلى وقت أكثر ملاءمة للبيع. لذا فقد فسح المشرع المجال لهذا الدائن المتأخر في المرتبة أن يقوم هو بوفاء الدائن المتقدم عليه ويحل محله حكما ، فيضمن بذلك لنفسه استيفاء الدينين معا في المستقبل.
وليس من الضروري في هذه الحالة من حالات الحلول أن يكون الموفي دائنا مرتهنا ، بل يجوز أن يكون دائنا عاديا ويرى من مصلحته أن يفي الدائن المرتهن ليفيد في دعوى الحلول. لذا أوضح المشرع في الفصل 214 من ق.ل.ع أن الحلول القانوني يقع لفائدة الدائن الذي يفي بدين دائن آخر " سواء كان الدائن الذي يفي مرتهنا رسميا أو مرتهنا حيازيا أو بدون حيازة أو مجرد دائن عادي ".
وكذلك يستوي أن يكون دين الموفي سابقا في التاريخ أو لاحقا على دين الموفى له. فالدائن الذي يفي بدين دائن آخر مقدم عليه بسبب امتياز أو رهن ، يستفيد من الحلول القانوني حتى لو كان دين الموفي لاحقا في التاريخ على دين الموفى له.
ولكن يشترط أن يكون الموفي دائنا لنفس المدين كما يشترط أن يكون الموفى له دائنا مقدما عليه في المرتبة.
وعليه :
ليس لأجنبي غير دائن أن يفي دائنا صاحب امتياز أو رهن ليحل محله بقوة القانون ، وإن كان له أن يعمد إلى اتفاق مع الدائن أو المدين ليحل محل الدائن حلولا اتفاقيا.
وليس للدائن المتقدم الذي يقوم بوفاء دائن متأخر عليه في المرتبة أن يحل قانونا محله حتى لو كانت له مصلحة في مثل هذا الوفاء ، كأن يرغب دائن له رهن رممي من الدرجة الثانية في وقف إجراءات التنفيذ التي باشرها دائن له رهن رسمي من الدرجة الثالثة ، لعدم ملاءمة الظوف لهذه الإجراءات. والعلة في عدم حلول الموفي هنا محل الدائن المتأخر الموفى له هي اقتصار النص على منح الحلول للدائن الذي يوفي دائنا آخر مقدما عليه بسبب امتياز أو رهن رسمي أو رهن حيازي أو رهن بدون حيازة.
والحلول القانوني لا بد فيه من نص ، إلا أن هذا لا يمنع الدائن المتقدم من أن يلجأ إلى الحلول الاتفاقي لتأمين مصلحته. بل إن مجرد وفائه بدين محل الدائن المتأخر يخرج هذا الدائن من الميدان ويسهل على الموفي الوصول إلى الهدف الذي ينشده وهو وقف إجراءات التنفيذ التي باشرها هذا الدائن المتأخر.
الحالة الثانية : الحلول لفائدة مكتسب العقار ، في حدود ثمن اكتسابه ، إذا كان هذا الثمن قد استخدم في الوفاء بديون الدائنين المرتهنين للعقار رهنا رسميا
لكل دائن صاحب رهن رسمي على عقار أن يباشر إجراءات نزع ملكية هذا العقار لاستيفاء دينه من الثمن ، وذلك ضد أي شخص وجد العقار ي يده بما له من حق التتبع. لذا فمن يعرض عليه شراء عقار مقرر عليه رهن رسمي ، يرى من مصلحته أن يفي بالثمن ، الدين المضمون بالرهن الرسمي ، ليحل محل الدائن في حقوقه ويتقي التنفيذ على العقار فيضمن بقاءه في حوزته.
وتظهر فائدة هذه الحالة الثانية من الحلول بصورة أوضح فيما إذا وجد أكثر من رهن رسمي على العقار المعروض للبيع ، إذ يقوم المشتري بوفاء الدائن المتقدم في المرتبة ليحل محله ويتقدم بذلك على باقي الدائنين المرتهنين المتأخرين في المرتبة إذا أقدم هؤلاء أو أحد منهم على مباشرة إجراءات التنفيذ. بل إن حلول المشتري هنا قد يعدم كل مصلحة لهؤلاء في مباشرة هذه الإجراءات وذلك إذا كانت قيمة العقار ، في حالة طرحه في المزاد العلني ، لن تبلغ أكثر مما دفعه المشتري للدائن الأول وفاء لدينه.
إلا أنه تجدر الملاحظة أن الراغب في شراء عقار مقرر عليه رهن رسمي قلما يلجأ إلى طريقة الحلول ، فهو يفضل ترك إجراءات نزع الملكية تتبع في حق مثل هذا العقار ، حتى يشتريه بالمزاد مطهرا من كل تكليف أو حق مرتب عليه.
الحالة الثالثة : الحلول لفائدة من وفى دينا كان ملتزما به مع المدين أو عنه
تعتبر هذه الحالة من أهم حالات الحلول القانوني. فعلة الحلول القانوني هنا واضحة : فالموفي ملزم بالدين مع المدين أو عنه ، فله مصلحة كبرى في أدائه ، بل هو مجبر على هذا الأداء ، ومن ثم حق له أن يرجع على المدين بدعوى الدائن بعد أن يحل محله.
فالموفي قد يكون ملزما بالدين مع المدين كأن يكون مدينا متضامنا أو مدينا مع غيره في دين غير قابل للانقسام ، أو كفيلا متضامنا مع كفلاء آخرين في علاقته بهؤلاء الكفلاء. فأي من هؤلاء وفى الدين جاز له الرجوع على المدين بدعوى الدائن بعد أن يحل محله بحكم القانون.
فإذا وفى أحد المدينين لمتضامنين الدين للدائن ، جاز له أن يرحع بدعوى الحلول على كل من شركائه المدينين بقدر حصته في الدين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 179 من ق.ل.ع " المدين المتضامن الذي يؤدي الدين كاملا....لا يجق له الرجوع على الآخرين إلا بقدر حصة كل منهم في الدين ".
وإذا وفى الدين للدائن ، جاز له أيضا أن يرجع بدعوى الحلول على كل مدين معه في هذا الدين بقدر حصته من الدين. ورد بهذا الخصوص في الفصل 184 من ق.ل.ع " مع ثبوت الحق في الرجوع على باقي المدينين بقدر حصصهم وفقا للفصل 179 السابق ".
وإذا وفى أحد الكفلاء المتضامنين الدين كله للدائن ، جاز له الرجوع على كل كفيل بدعوى الحلول بمقدار نصيبه في كفالة الدين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 1145 من ق.ل.ع " إذا تعدد الكفلاء المتضامنون ودفع أحدهم الدين كله عند حلول الأجل ، كان له أن يرجع أيضا على الكفلاء الآخرين ، كل بقدر حصته...".
وقد يكون الموفي ملزما بالدين عن المدين كأن يكون كفيلا شخصيا غير متضامن مع المدين، أو كأن يكون وكيلا بالعمولة. فإذا وفى الكفيل الشخصي الدين عن المدين ، حق له الرجوع بدعوى الحلول على المدين بكل ما دفع ، لأن المدين هو الذي يجب في النهاية أن يتحمل الدين كله. وكذلك إذا وفى الوكيل بالعمولة ثمن البضاعة التي اشتراها لعميله ، حل محل البائع ، الذي وفاه حقه في الرجوع بالثمن على هذا العميل.
الحالة الرابعة : الحلول لفائدة من له مصلحة في انقضاء الدين من غير أن يكون ملتزما به شخصيا
إن الشخص الذي يقدم للدائن ضمانة عينية يضمن بها دين شخص آخر كرهن حيازي يضعه تحت تصرف الدائن أو رهن رسمي يقرره لمصلحة الدائن على عقار جار يملكه ويسمى اصطلاحا " بالكفيل العيني " لا يكون ملتزما شخصيا بالدين المضمون بالرهن الحيازي أو الرسمي الذي قدمه للدائن. ومع ذلك فإن له مصلحة في قضاء هذا الدين ليسترد المرهون رهنا حيازيا أو ليحصل على تشطيب إشارة الرهن الرسمي الموضوعة على عقاره. فإذا هو دفع الدين إلى الدائن ، كان له أن يرجع بدعوى الحلول على المدين بكل ما دفع ، لأن المدين هو الذي يجب أن يتحمل الدين بمجموعه.
الفقرة الثانية: آثار الحلول
إن الأثر المباشر للحلول هو أن يحتل الموفي المركز القانوني الذي كان يتمتع به الدائن في حقه تجاه المدين ، بحيث يكون له أن يطالب بهذا الحق الذي انتقل إليه ، وأن يفيد منه كما لو كان هو الدائن الأصلي. ولا فرق في هذا بين أن يكون الحلول اتفاقيا أو قانونيا.
فآثار الحلول هي مبدئيا نفس آثار الحوالة. لذلك عنما عرض المشرع لآثار الحلول اكتفى بالإحالة على النصوص التي كان أوردها في باب الإنتقال بوجه عام. فقد جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 216 من ق.ل.ع أنه " يخضع الحلول بالنسبة إلى آثاره للقواعد المقررة في الفصول 190 و 193 إلى 196 و 203 السابقة ".
أولا : نتائج تطبيق قواعد الحوالة على الحلول
إن أهم النتائج التي تترتب على تطبيق قواعد الحوالة على الحلول هي التالية :
يجوز أن يرد الحلول على الحقوق والديون التي لم يحل أجل الوفاء بها. ولكن لا يجوز أن يرد على الحقوق المستقبلة أو احقوق المحتملة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 190 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع " يجوز أن يرد الإنتقال على الحقوق أو الديون التي لم يحل أجل الوفاء بها ، ولا يجوز أن يرد على الحقوق المحتملة ".
يبطل الحلول إذا لم يكن له من هدف إلا إبعاد المدين عن قضاته الطبيعيين وجره إلى محكمة أخرى وفقا لما تقتضيه جنسية الموفي. وهذا ما ورد في الفصل 193 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع " تكون الحوالة باطلة سواء تمت بعوض أو على سبيل التبرع ، إذا لم يكن لها من هدف إلا إبعاد المدين عن قضاته الطبيعيين وجره إلى محكمة أخرى غير محكمته وفقا لما تقتضيه جنسية المحال له ".
الحلول الاتفاقي يتم برضاء الطرفين ويحل الغير محل الدائن في حقوقه ابتداء من هذا الوقت. وهذا ما جاء في الفصل 194 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع " الحوالة التعاقدية لدين أو لحق أو لدعوى تصير تامة برضى الطرفين ، ويحل المحال له محل المحيل في حقوقه ابتداء من وقت هذا التراضي ". على أنه يجب ملاحظة ما اشترطه المشرع في الحلول الحاصل نتيجة اتفاق الموفي م المدين من حيث إبرام كل من عقد القرض والتوصيل في محرر ثابت التاريخ حسب ما نص عليه الفصل 213 من ق.ل.ع
لا يكون للحلول أثر في مواجهة المدين والغير إلا بإعلانه للمدين إعلانا رسميا أو بقبوله إياه في محرر ثابت التاريخ. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 195 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع " لا ينتقل الحق للمحال له به تجاه المدين والغير إلا بتبليغ الحوالة للمدين تبليغا رسميا أو بقبوله إياها في محرر ثابت التاريخ".
الحلول في عقود الكراء أو في الأكرية المتعلقة بالعقارات وغيرها من الأشياء القابلة للرهن الرسمي أو الحلول في الإيرادات الدورية المترتبة عليها إذا ما تقررت لفترة تزيد على سنة ، لا يكون ساري المفعول في مواجهة الغير إلا إذا ورد في محرر ثابت التاريخ. هذا ما جاء في الفصل 196 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع " حوالة عقود الكراء أو الأكرية المتعلقة بالعقارات وغيرها من الأشياء القابلة للرهن الرسمي أو حوالة الإيرادات الدورية المرتبة عليها عندما تقرر لفترة تزيد على سنة ، لا يكون لها أثر بالنسبة للغير إلا إذا وردت في محرر ثابت التاريخ ".
الدائن الذي أحل محله الموفي يلتزم ، إذا كان الحلول بعوض ، بأن يضمن كونه دائنا أو صاحب حق ، وجود الدين أو الحق وقت وقوع الحلول ، حقه في التصرف فيه. وكل هذا حتى لو حصل الحلول بغير ضمان. وهذا ما جاء في الفصل 203 المعطوف عليه بالفصل 216 من ق.ل.ع " من أحال بعوض دينا أو أي حق معنوي آخر يلتزم بأن يضمن :
كونه دائنا أو صاحب حق
وجود الدين أو الحق وقت الحوالة
حقه في التصرف فيه.
وكل هذا ولو حصلت الحوالة بغير ضمان ".
وهو يضمن أيضا حسب الفقرة الثانية من الفصل 203 المعطوف عليها بالفصل 216 من ق.ل.ع وجود التوابع كالامتيازات وغيرها من الحقوق التي كانت مرتبطة بالدين الذي أداه له الموفي والتي كانت موجودة وقت وقوع الحلول ، هذا ما لم تكن قد استثنيت صراحة.
ثانيا : حكم الحلول الجزئي
في حالة الحلول الجزئي بسبب استيفاء الدائن جزء من دينه ، القاعدة في الحلول ، كما هي في الحوالة ، أن الدائن الموفى جزئيا ، يشترك مع الموفي في مباشرة حقوقهما ضد المدين كل بقدر حصته في الدين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 215 من ق.ل.ع " الحلول المقرر في الفصول السابقة يقع ضد الكفلاء وضد المدين على السواء. والدائن الذي يستوفي جزء من دينه يشترك مع الغير الذي وفاه له في مباشرة حقوقهما ضد المدين كل بقدر حصته في الدين ".
تعليقات
إرسال تعليق