القائمة الرئيسية

الصفحات

فسخ العقد على ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي-الفسخ الاتفاقي

فسخ العقد على ضوء ق.ل.ع

الفسخ الاتفاقي


فسخ العقد على ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي-الفسخ الاتفاقي


إذا كان الفسخ القضائي هو الطريق الذي يتخذه الدائن لحل العلاقة التعاقدية، فإن هناك نوعا آخر من طريق الفسخ وهو الفسخ الاتفاقي.

إذ نص الفصل 260 على أنه: "إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون، بمجرد عدم الوفاء" .

والبين؛ من خلال هذا الفصل أن فسخ العقد قد يكون أمام القضاء؛ فالفسخ الاتفاقي يجد محله في الحالة التي يتفق فيها الطرفان المتعاقدان عند إبرام العقد على أنه يجوز لأحدهما فسخ العقد في حالة عدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ التزاماته الناشئة عنه دون اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم بذلك .

وعليه؛ لا مراء ولا جدال في أنه يحق للدائن الذي لم يحصل على تنفيذ الالتزام المتفق عليه في العقد أن يطالب قضاء بالتحلل من التزاماته، فالفسخ كجزاء للإخلال بالالتزامات التعاقدية، ولتحققه لابد من شروط معينة لا يمكن الاستعاضة عن إحداها، والتي لوحدها غير كافية إذ يلزم اتباع إجراءات شكلية(المطلب الأول)، وحتى في حالة تحقق هذه الشروط والإجراءات تبقى للقاضي سلطة تقديرية في الاستجابة لطلب الفسخ كليا أو جزئيا أو رفضه ومنح المدين أجلا للقيام بتنفيذ التزامه (المطلب الثاني) .

وإذا كان فسخ العقد لا يتم إلا بعد تحقق الشروط والإجراءات، فإنه يطرح التساؤل حول مدى خيار المتعاقدين في طلب الفسخ (المطلب الثالث) .

المطلب الأول: شروط وإجراءات الفسخ الاتفاقي

يقصد بالفسخ الاتفاقي؛ أن للطرفين المتعاقدين الحق عند إبرام العقد في الاتفاق على أنه يجوز لأحدهما فسخ العقد في حالة عدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد دون اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي.

فهو طريق آخر لحل الرابطة التعاقدية؛ إذا توفرت شروطه المتمثلة في الاتفاق على الفسخ بسبب عدم تنفيذ الالتزام واستبعاد الفسخ القضائي (الفقرة الأولى)، وتوفر هذه الشروط وحدها لا يكفي بل يجب على المتعاقد الدائن أن يتخذ إجراءات قانونية تتمثل في إنذار للمدين وإعلامه بالتمسك بفسخ العقد (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: شروط الفسخ الاتفاقي

لم يحدد المشرع عندما نظم الفسخ الاتفاقي شكلا معينا للاتفاق الذي يتم بموجبه فسخ العقد، ولا أن يكون مثبتا في محررات رسمية أو عرفية، غير أنه يستفاد من نص الفصل 260 من ق.ل.ع، أنه لابد من توافر بعض الشروط حتى نكون أمام فسخ اتفاقي، وهذه الشروط هي:

  1. يجب أن يكون هناك اتفاق على الفسخ:

يجب أن يتضمن العقد اتفاقا صريحا على أن العقد يفسخ إذا لم يقع التنفيذ من أحد المتعاقدين في المستقبل، فالمتعاقد الذي لم يقع تنفيذ الالتزام لصالحه يصبح دائنا به وله الحق في فسخ العقد .

ولعل شرط وجود اتفاق يقضي بفسخ العقد بإرادة منفردة هو شرط موضوعي في مجال الفسخ الاتفاقي .

قد يتفق الطرفان على أن يكون العقد مفسوخا عند عدم تحقق شروط معينة، ومضمون هذا الشرط حسب هذين الطرفين هو وجوب تطبيق القاعدة العامة، غير أن ذلك لا يغني عن رفع دعوى الفسخ ولا عن الإعذار ولا يلزم القاضي أن يحكم بالفسخ إذ ممكن له أن يعطي مهلة للمدين للتنفيذ .

كما أنهما قد يتفقان على أن يكون العقد مفسوخا تلقائيا؛ فهنا القاضي تسلب سلطته التقديرية ولا يستطيع منح المدين أجلا للتنفيذ، فيحكم بالفسخ، غير أن هذا لا يغني عن إنذار المدين ولا عن رفع دعوى الفسخ ويكون الحكم مقررا لا منشئا .

فإذا اتفقا الأطراف على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم؛ فهذا يعني أنه إذا أخل المدين بالتزامه فإن العقد يفسخ ولا حاجة لرفع دعوى الفسخ، ولا حاجة كذلك لصدور حكم يقرر الفسخ، غير أنه نازع المدين في ذلك وادعى أنه قام بالتنفيذ، فإن الأمر يرفع إلى القاضي الذي يتحقق من قيام المدين بالتنفيذ، والحكم الذي يصدره يكون مقررا للفسخ وليس منشئا له غير أن هذا لا يعفي الدائن من توجيه الإنذار .

كما يمكن أن يتفقا على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار، وهذا أبعد ما يمكن أن يصل إليه اشتراط الفسخ من قوة، وفي هذه الحالة يعتبر العقد مفسوخا بمجرد حلول أجل التنفيذ .

  1. أن يكون هدف الاتفاق استبعاد الفسخ القضائي:

ومفاد هذا الشرط أنه ليس كل اتفاق يؤدي إلى فسخ العقد بإرادة الدائن المنفردة دون اللجوء على القضاء، ذلك أن الصيغ التي يقع بها الاتفاق مختلفة :

فقد يتفق الطرفان على أن يكون القد مفسوخا من تلقاء نفسه عند الإخلال بالالتزامات الناشئة عنه بمجرد الإخلال بالتزام معين: ويتمثل هذا الاتفاق أضعف الصيغ التي يتفق عليها في هذا الشأن؛ كأن ترد في العقد مثلا عبارة "أن يكون العقد مفسوخا عند عدم التنفيذ" أو عبارة "أن يكون العقد مفسوخا تلقائيا عند عدم التنفيذ"؛ فهذا لا يعدو أن يكون فسخا قضائيا؛ غير أن السلطة التقديرية للقاضي تكون مقيدة احتراما لإرادة المتعاقدين ومنه لا يستطيع رفض طلب الفسخ ولا منح المدين مهلة للتنفيذ .

وقد يتضمن العقد عبارة: "أن يكون العقد مفسوخا تلقائيا ودون حاجة إلى حكم قضائي"؛ ففي هذه الحالة نكون أمام فسخ اتفاقي بناء على إرادة الدائن الذي لا يستطيع التحلل من التزاماته التعاقدية في مواجهة المتعاقد الآخر دون رفعه لدعوى قضائية، إلا في حالة ما إذا نازع المدين في إعمال الشرط أو ادعى أنه نفذ التزامه، ويقتصر دور القاضي على التحقق من واقعة عدم التنفيذ.

ويكون الحكم مقررا للفسخ لا منشئا له حيث ينصرف إلى الوقت الذي تحقق فيه الشرط .

وإذا كان الدائن في حالة وجود مثل هذا الشرط معفيا من رفع دعوى قضائية فإنه يبقى ملزما بتوجيه إنذار للمدين لإثبات امتناعه عن التنفيذ هذا الامتناع هو سبب الفسخ .

  1. أن يكون سبب الاتفاق على الفسخ هو عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه:

إن واقعة عدم التنفيذ تعتبر شرطا ضروريا للمطالبة بفسخ العقد من طرف الدائن ودون حاجة إلى اللجوء للقضاء، ورغم هذا فمن حق الدائن أن لا يستعمل حقه في الفسخ وأن يطالب التنفيذ، وواقعة عدم التنفيذ تنصب على الالتزام سواء كان جوهريا أو غير جوهري .

وقانون الالتزامات والعقود لم يقيد حرية المتعاقدين في هذا المجال، لكنه بالمقابل لم يجز الفسخ جراء عدم التنفيذ التافه؛ وهو ما يستشف من الفصل 231 من ق.ل.ع، الذي ينص على مبدأ حسن النية؛ حيث أنه من خلال هذا الفصل يتبين أنه يجب مراعاة القواعد العامة والتي لا يجوز خرقها من طرف المتعاقدين في إطار اتفاقهما على الفسخ، كأن يشمل اتفاقهما حتى عدم تنفيذ اليسير، فهذا يتعارض مع مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود، ويعتبر باطلا منه ويصبح العقد خاليا من الاتفاق على الفسخ، ولا يبقى للدائن في هذه الحالة إلا اللجوء إلى القضاء لإيقاع الفسخ وبالتالي نكون أمام فسخ قضائي .

وتجب الإشارة؛ إلى أن إعمال الفسخ يكون معلقا على تخلف المدين عن تنفيذ التزامه العقدي، (وهذا ما يختلف عن الشرط الفاسخ باعتباره أحد أوصاف الالتزام الذي يكون زواله معلقا على حدوث أمر مستقبل غير مؤكد الوقوع ولا يرتبط بتصرف المدين ولا يروم معاقبة) إضافة إلى أن وقوع الفسخ نتيجة عدم التنفيذ لا يتحقق إلا إذا عبر الدائن عن إرادته في إعمال الفسخ، في حين أن الفسخ باعتباره وصفا للالتزام يحصل بمجرد تحقق الواقعة موضوع الشرط .

ويقينا أن مجرد توفر هذه الشروط لا يجعل العقد مفسوخا بل لابد من اتخاذ إجراءات معينة حتى يتحقق فسخ العقد .


الفقرة الثانية: إجراءات الفسخ الاتفاقي

إن الشروط لواجب توفرها في الفسخ الاتفاقي لا تكفي وحدها لتحققه، بل تخول للدائن الحق في فسخ العقد دون اللجوء إلى القضاء، ولذلك يجب عليه أن يتخذ إجراءات قانونية، وهي:

  1. الإنذار :

يعتبر الإنذار؛ إجراء ضروريا يجب أن يقوم به الدائن لتنبيه مدينه إلى ضرورة تنفيذ التزامه داخل أجل معين.

  • فقد يضاف إلى الشرط الذي يقضي باعتبار العقد مفسوخا في حالة عدم التنفيذ، شرط آخر وهو أن العقد يكون مفسوخا على إثر توجيه الإنذار وفي هذه الحالة يفسخ العقد بعد تلقي المدين للإنذار وليس بإمكانه تنفيذ التزامه بعد ذلك .

  • وقد يكون الشرط القاضي باعتبار العقد مفسوخا في حالة عدم التنفيذ مجردا غير مقترن بضرورة توجيه إنذار، وفي هذه الحالة يجب أن نميز بين حالة ما إذا كان تنفيذ الالتزام مقترنا بأجل أم لا، حسب الفصل 255:

  • فإذا كان مقترنا بأجل فلا ضرورة لتوجيه الإنذار إذ بمجرد حلول الأجل يتحقق مطل المدين ويحق الفسخ؛

  • أما إذا لم يكن مقترنا بأجل فلابد من توجيه إنذار للمدين ليعتبر في حالة مطل .

  1. الإعلان عن التمسك بفسخ العقد من طرف الدائن :

يجب على الدائن أن يعلن عن رغبته في حل الرابطة التعاقدية، ذلك أن إرادته هي التي تؤخذ بعين الاعتبار في الفسخ الاتفاقي، وليس الاتفاق، الذي كان قد تم بينه وبين المتعاقد الآخر .

ومنه فقد يتحقق عدم التنفيذ في حالة الاتفاق على الفسخ مسبقا ومع ذلك يبقى العقد قائما من الناحية القانونية مادام الدائن لم يعلن عن رغبته في فسخ العقد، فحتى لو كان الفسخ المذكور تلقائيا، فإن عدم التنفيذ يقتصر دوره على نشوء حق الفسخ، أم الرابطة التعاقدية فلا تنحل بالفسخ إلا إذا تمسك به وأعلن عن رغبته في ذلك .

ويشترط في هذا الإعلان أن يكون قاطع الدلالة، فلا يستنتج من مضمون العبارات الصادرة عن الدائن، وأن يتصل بعلم المدين وإلا فلا أثر له بالنسبة إلى العقد المراد فسخه .

وبالتالي؛ إذا قام الدائن بهذا الإجراء، فلا تهمه موافقة المدين أو عدم موافقته، لأن الهدف من الإعلان هو إبلاغ المدين بفسخ العقد وليس طلب الموافقة .

المطلب الثاني: سلطة القاضي في الحكم بالفسخ الاتفاقي

إن هذا النوع من الفسخ يقع دون تدخل من القضاء، اللهم إذا كان هناك نزاع يستوجب عرضه عليه، ويكون حكمه في هذه الحالة كاشفا للفسخ، إذ يقتصر دوره على التحقق من وجود اتفاق على فسخ العقد ومن قيام المدين بإنذار مدينه وكذا من واقعة عدم التنفيذ وذلك كله في إطار سلطة تقديرية ضيقة تراعي اتفاق الطرفين .

وإذا كان توفر هذه الشروط والإجراءات يؤدي إلى حصول الفسخ الاتفاقي دون تدخل القضاء، فإن هناك حالات يكون فيه تدخله أمرا ضروريا .

وإذا كان للقاضي سلطة تقديرية واسعة في حالة الفسخ القضائي، إذ له أن يمنح المدين أجلا قبل فسخ العقد، وله أن يرفض دعوى الفسخ، فإنه في حالة الاتفاق مقدما على الفسخ، لا تكون له تلك السلطة التقديرية الواسعة، إذ يحصل تلقائيا دون الحاجة إلى حكم قضائي متى تمسك به الدائن .

غير أنه قد ينشأ نزاع بين الدائن والمدين يؤدي إلى ضرورة تدخل النزاع الذي قد يتمثل في إنكار المدين لحق الدائن في فسخ العقد كان يدعي أنه قام بالتنفيذ، أو أن ينازع في وجود الشرط الفاسخ، وهنا تظهر سلطة القاضي التي تقتصر على التحقق من وجود شروط شكلية (الفقرة الأولى)، وأخرى موضوعية (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: تحقق القاضي من الشروط الشكلية

تقتصر سلطة القاضي على التحقق من وجود اتفاق بين الطرفين على فسخ العقد (1) وأن الدائن وجه إنذارا للمدين (2).

  1. تحقق القاضي من وجود اتفاق على الفسخ

إن أول ما يجب أن يقوم به القاضي المرفوع إليه النزاع هو التحقق من وجود اتفاق على الفسخ، أي البحث عما إذا كانت إرادة المتعاقدين قد اتجهت إلى وقوع الفسخ بمجرد عدم تنفيذ أحدهما لالتزاماته المترتبة عن العقد.

وعلى القاضي أن يتأكد من أن اتفاق الأطراف يرمي بوضوح إلى استبعاد السلطة التقديرية للقاضي بصدد فسخ العقد الذي يقع تلقائيا بمجرد الإخلال بالالتزام المتفق عليه إعمالا للشرط الصريح كجزاء له؛ أي أنه يجب أن يتحرى عما إذا كان الشرط يؤدي إلى الفسخ تلقائيا دون حاجة إلى حكم أو إنذار أم يلزم أحدهما أو كلاهما .

وللقاضي سلطة تامة في تفسير الاتفاقات حسبما يراه أدى إلى نية عاقديها مستهديا في ذلك بوقائع الدعوى وظروفها، فالمسألة مسألة واقع لأن قاضي الموضوع؛ يبحث في عالم النية والضمير ليقتنع في النهاية بأن إرادة الأطراف قد اتجهت تحقيق غرض معين .

ولا يكفي أن يتحقق القاضي من وجود الشرط الفاسخ بل عليه أن يبحث في ما إذا كان الدائن هو الذي تسبب بخطئه في عدم تنفيذ المدين لالتزامه أو تنازل عن ممارسة حقه في إعمال الشرط الفاسخ، فالفسخ لا يقع إلا من وقت إعلان الدائن عن رغبته في التمسك به، وهو ما يثبت بواسطة الإنذار (المبدأ وجوب الإنذار الفصل 255) (الاستثناء أن لا ضرورة للإنذار الفصل 256).

  1. تحقق القاضي من الشروط الموضوعية

إن توجيه إنذار للمدين يعتبر إجراء ضروريا، يعرب من خلاله الدائن عن تمسكه بإعمال الشرط الفاسخ الوارد في العقد، وتثبت به حالة المطل في جانب المدين.

فإذا عرض نزاع القاضي يتعلق بالفسخ الاتفاقي، فإنه بعد تأكده من وجود الاتفاق على الشرط الفاسخ، يتأكد من أن الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ قد قام بتوجيه إنذار لمدينه، ويجب أن يتأكد القاضي مما إذا كان هذا الإنذار قد وجه لإثبات واقعة عدم تنفيذ التزام ناتج عن العقد موضوع الشرط الفاسخ.

المبدأ وجوب الإنذار حسب الفصل 255

الاستثناء عدم وجوب الإنذار الفصل 256 ؛ في حالتين: حالة رفض المدين صراحة تنفيذ الالتزام، وحالة استحالة التنفيذ .

الفقرة الثانية: تحقق القاضي من الشروط الموضوعية

يجب على القاضي أن يتحقق من وجود تقصير المدين أي عدم قيامه بتنفيذ التزامه (1)، وكذا مما إذا كان امتناعه عن التنفيذ مشروعا مبررا (2).

  1. التحقق من عدم التنفيذ

تثبت واقعة عدم التنفيذ إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه في الموعد المحدد (الفصل 255: "يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام"). أو إذا أعلن صراحة عن رغبته في عدم التنفيذ (الفصل 256: "... -إذا رفض المدين صراحة تنفيذ التزامه"). أو أتى أفعالا أدلت إلى عدم إمكانية التنفيذ.

ويستوي في عدم التنفيذ أن يكون كليا أو جزئيا (الفصل 254: "يكون المدين في حالة مطل، إذا تأخر عن تنفيذ التزامه، كليا أو جزئيا من غير سبب مقبول") .

فإذا وجد القاضي أن واقعة عدم التنفيذ ثابتة، فإنه يكون ملزما بإقرار ما أوقعه الدائن من فسخ، دون أن تكون له سلطة لتقدير مدى جسامة عدم التنفيذ من عدمها. إذ أن الشرط الصريح يسلب القاضي كل سلطة تقديرية في صدد الفسخ ولا يبقى له في اعتبار الفسخ حاصلا إلا أن يتحقق من حصول المخالفة التي يترتب عليها، مما يدل على أن عدم التنفيذ لا ينظر في القاضي في مدى جسامته في حالة الفسخ الاتفاقي .

  1. التحقق من عدم مشروعية امتناع المدين عن التنفيذ

إذا كان امتناع المدين عن تنفيذ التزامه مشروعا بناء على الدفع بعدم التنفيذ، فإنه لا مجال لإقرار الفسخ، فما دام الطرف الآخر أخل بالتزامه فمن حق المدين أن يدفع بعدم التنفيذ؛ سندنا مقتضى الفصل 235 ق.ل.ع، الذي ينص على: "في العقود الملزمة للطرفين، يجوز لكل متعاقد منهما أن يمتنع عن أداء التزامه، أن يؤدي المتعاقد الأخر التزامه المقابل، وذلك ما لم يكن أحدهما ملتزما، حسب الاتفاق أو العرف، بأن ينفذ نصيبه ن الالتزام أولا" .

وعليه؛ لجواز الفسخ ينبغي أن يكون امتناع المدين غير مؤسس على عذر مقبول؛ سندنا المقطع الأخير من الفصل 254: "يكون المدين في حالة مطل، إذا تأخر عن تنفيذ التزامه، كليا أو جزئيان من غير سبب مقبول" .

كما أنه على القاضي أن يتأكد من حسن نية المدين في عدم تنفيذ الالتزام إذا ما تمسك بذلك، فعدم التنفيذ يعد قرينة بسيطة على سوء نية المدين يستطيع دحضها بكافة وسائل الإثبات .

المطلب الثالث: خيار المتعاقدين في طلب الفسخ الاتفاقي

لم يحدد المشرع صراحة حق المتعاقد الدائن بالالتزام في فسخ العقد أو عدم فسخه في الفسخ الاتفاقي؛ بل اقتصر في الفصل 260 من ق.ل.ع، على التنصيص على أنه: "إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء" . مما يدعو إلى التساؤل عن حق المدين في التنفيذ المتأخر أي بعد إقامة دعوى الفسخ ؟؟

ويكون التساؤل مشروعا؛ حول هل يترتب على الاتفاق مقدما في العقد على اعتباره مفسوخا في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزاماته؛ أن يفقد الدائن حقه في طلب التنفيذ ؟ أم يبقى له الخيار بين طلب الفسخ وطلب التنفيذ (الفقرة الأولى)، وهي يجوز للمدين الذي لم ينفذ التزامه أن ينفذه بعد رفع الدعوى (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: حق الدائن في الخيار بين الفسخ والتنفيذ

إن العقد المشتمل على الفسخ الاتفاقي عند عدم التنفيذ لا ينفسخ بمجرد تحقق عدم التنفيذ، بل يترك الآمر لتقدير الدائن؛ وبذلك لا يترتب على ذلك الاشتراط أن يفقد الدائن خياره بين طلب التنفيذ وطلب الفسخ.

فإذا ما فضل الدائن طلب التنفيذ على طلب الفسخ، فإنه لا يوجد من الناحية القانونية ما يمنعه من ذلك، وليس في ذلك تعارض مع الاتفاق على الفسخ الذي اتفق عليه المتعاقدان عند إبرام العقد .

والسؤال الذي يطرح في هذه الحالة: هل يعتبر الدائن متنازلا عن حقه في فسخ العقد؟ أي إذا ما طالب بداية بالتنفيذ فهل يسقط حقه في طلب الفسخ ؟؟

إن مطالبة الدائن بالتنفيذ، لا تعتبر تنازلا عن حقه في فسخ العقد بمقتضى الاتفاق، ذلك أن الهدف من الاتفاق على الفسخ هو تقوية مركز الدائن وحماية حقوقه، في حين يبقى الطريق الأصلي هو المطالبة بتنفيذ العقد .

وليس هناك ما يمنع الدائن من التنازل عن حقه في فسخ العقد باعتباره كغيره من الحقوق يجوز التنازل عنه، إلا أنه يجب أن يكون واضحا لا يشوبه غموض أو لبس .

إلا أنه إذا اختار الدائن التمسك بالفسخ المتفق عليه بدل المطالبة بالتنفيذ؛ واستعمل حقه الاحتياطي حسب الاتفاق، فإنه لا يكون له الحق في العدول عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ، ذلك في الفسخ الاتفاقي بمجرد ما يوجه الدائن الإنذار إلى مدينه معلنا نيته في فسخ العقد، فإن العقد يصبح منحلا، أي لم يعد هناك عقد للمطالبة بتنفيذه .

وهنا يتبين مناط الاختلاف بين الفسخ القضائي والفسخ الاتفاقي من ناحية مدى سلطة الدائن في كل منها: ذلك أن العقد في الفسخ القضائي؛ يبقى قائما رغم مطالبة الدائن بالفسخ إلى أن يصدر حكم ويصير نهائيا، ومن ثم فلا مانع فيه من عدول الدائن عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ. بينما الفسخ الاتفاقي ينحل فيه العقد بغير ذلك .

إلا أن عدم جواز عدول الدائن عن تمسكه بالفسخ الاتفاقي إلى طلب التنفيذ؛ لا يسري مفعوله إذا وقع قبل وصول الإعلان/ الإنذار إلى علم المدين، لأن العقد قبل ذلك يظل قائما .


الفقرة الثانية: حق المدين في التنفيذ المتأخر

حيث يطرح السؤال حول: هل يجوز للمدين أن ينفذ التزامه بعد رفع الدعوى للمطالبة بالفسخ؟

ففي الفسخ الاتفاقي بمجرد قيام المدين بتنفيذ التزامه التعاقدي، يقوم الدائن بإنذاره، يعلن تمسكه بالفسخ بعد انتهاء أجل معين، ويفسخ العقد فور صدور هذا الإعلان .

وبالتالي لا يمكن للمدين تفادي الفسخ؛ إذ لا يوجد عقد بعد ذلك من الناحية القانونية.

لكن في بعض الحالات يتحقق عدم التنفيذ، ولا يقوم الدائن بإعلان رغبته في فسخ العقد، مما يجعل العقد قائما من الناحية القانونية، هنا يمكن للمدين أن ينفذ التزامه تنفيذا متأخرا، ما دام الدائن لم يعلن عن رغبته في الفسخ .

تعليقات

التنقل السريع