آثار فسخ العقد في قانون الالتزامات والعقود المغربي
يتميز العقد بقوة إلزامية؛ حيث يلزم عاقديه بكل ما جاء فيه، ولا يستطيع أحدهما أن يستقل بنقضه أو تعديله، ما لم يسمح له بذلك القانون أو الاتفاق (الفصل 230)، فالأصل في العقود هو أن يتم تنفيذها وفقا لما يقتضيه حسن النية (الفصل 231) والاستثناء هو نقض تلك العقود وإنهاؤها .
والفسخ أحد الصور التي يتخذها إنهاء العقد؛ والذي أوجب المشرع توفر مجموعة من الشروط واتباع إجراءات معينة لإيقاعه، ويترتب على الفسخ سواء كان قضائيا أو اتفاقيا أو قانونيا انحلال العقد وتحلل طرفيه من قوته الملزمة واستحقاق الدائن التعويض عن الضرر الذي يحقه جراء عدم تنفيذ المدين لالتزامه. ولا تقتصر آثاره على طرفي العقد (المطلب الأول)، إنما تتعداهما إلى الغير الذي تتأثر حقوقه كذلك بفسخ العقد وإن كان هناك حالات تستثنى من هذا الأثر (المطلب الثاني) .
المطلب الأول: آثار الفسخ فيما بين المتعاقدين
يترتب عن الفسخ سواء كان قضائيا أو اتفاقيا أو بحكم القانون انحلال العقد؛ وبالتالي تحلل طرفيه من قوته الملزمة (الفقرة الأولى)، حيث يعاد الطرفان إلى الوضع الذي كان عليه قبل التعاقد، وإن كان في ذلك اختلاف بين العقود الفورية والعقود الزمنية.
على أنه في الحالة التي يكون فيها فسخ العقد راجعا إلى خطأ المدين الذي امتنع عن تنفيذ التزامه أو قصر في ذلك فإن الدائن يكون محقا في الحصول على تعويض يغطي الضرر الذي لحقه من جراء ذلك (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: التحلل من القوة الملزمة للعقد
يترتب عن فسخ العقد سواء كان عدم التنفيذ بفعل المدين أو بسبب أجنبي لا يد فيه؛ زوال هذا العقد وتحلل طرفيه من التزاماتهما المترتبة عنه؛ حيث يعاد كل منهما إلى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد؛ ولعل هناك قاعدتين تطبقان في ميدان الفسخ، هما:
القاعدة الأولى: إعادة المتعاقدين إلى وضع ما قبل التعاقد؛
فإذا حصل وأن تلقى الدائن بعض الأداءات من المدين كتنفيذ جزئي للعقد قبل فسخه، فعليه أن يرد للمدين ما تلقاه منه، لأن العلاقة التعاقدية التي كانت تربطها انتفت. كما له الحق في أن يسترد ما كان قد قدمه لمدينه كتنفيذ للعقد.
إلا أنه قد يتحقق الفسخ؛ ويستحيل –مع ذلك- إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد؛ كما لو هلك المبيع في يد المشتري ثم وقع الفسخ لصالح البائع؛ ففي هذه الحالة بالرغم من انحلال الرابطة التعاقدية؛ فإنه لا يمكن القول بإعادة الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، ومن ثم لا يستطيع الدائن الحصول على الأداء الذي يكون قد قدمه للمدين قبل الفسخ، ونفس الأمر يسري على المدين الذي لا يستطيع الحصول على ما قدمه للدائن .
وإذا كان الفسخ يؤدي غلى زوال العقد بأثر رجعي (قرار المجلس الأعلى بتاريخ 30/04/1980)؛
فإن هناك استثناء يتعلق بالعقود الزمنية، التي لا يكون فيها للفسخ أثر إلا بالنسبة للمستقبل ولا يمس ما تم من آثاره في الماضي، إذ أن طبيعة هذه العقود تقوم على استهلاك المنافع والخدمات الأمر الذي يتعذر معه إرجاع الأطراف إلى وضع ما قبل العقد؛ كما في عقد الكراء وعقد الشغل، فالأجر الذي استحقه المكري أو الأجير عن المدة السابقة على الفسخ لا يمكن إرجاعه للمكتري أو المشغل .
القاعدة الثانية: قاعدة تبعية الفرع للأصل؛
فإذا تم فسخ التزام أصلي فإن ذلك يستوجب بالتبعية فسخ الالتزام الفرعي التابع له أو الملحق به؛
ففي الكراء مثلا نص المشرع في الفصل 699 من ق.ل.ع، على ما يلي: "ينتج عن فسخ الكراء الأصلي فسخ الكراء الفرعي المعقود من المكتري.." . على أن مجرد فسخ الكراء الفرعي لا ينتج عنه بالضرورة فسخ الكراء الأصلي.
ولعل؛ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد لا يغني عن الحكم بالتعويض لفائدة المتضرر من الفسخ .
الفقرة الثانية: استحقاق التعويض
إلى جانب الحكم بفسخ العقد قضائيا أو اتفاقيا، يحق للدائن الحصول على تعويض عن كافة الأضرار التي نتجت عن إخلال المدين بالتزامه .
بينما قد يتضرر الدائن في مجال الفسخ القانوني؛ من استحالة التنفيذ؛ ومع ذلك فليس له الحق في المطالبة بالتعويض، لأن السبب الذي أدى إلى عدم التنفيذ لا يرجع إلى تقصير المدين إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .
وإذا كان التعويض لا يستحق الدائن إلا في إطار الفسخ الاتفاقي والفسخ القضائي؛ فالسؤال الذي يطرح يدور حول: مدى سلطة القاضي في الحكم بالتعويض ؟ وما هي طبيعة هذا التعويض؟؟
إن الفسخ لا يستبعد حق الدائن في التعويض إذا طالب به وكان له موجب؛فالقاضي لا يمكن أن يحكم بالتعويض إلا إذا التمس الدائن ذلك، حسب الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية.
ولعل الفصل 259 من ق.ل.ع، يعطي للدائن الذي حكم بالفسخ استجابة لطلبه أن يرجع بالتعويض على المدين الذي تماطل في تنفيذ التزامه؛ أي أن عدم التنفيذ راجع إلى خطئه، لإهمال أو تعمد، وأساس التعويض والحالة هذه هو المسؤولية التقصيرية .
واستحقاق التعويض يكون سواء أكان الفسخ كليا أو جزئيا؛ بل قد يحكم به القاضي في حالة رفض طلب الفسخ تعويضا عن الضرر الذي لحق الدائن بسبب التأخر في التنفيذ إذا تأخر المدين عن تنفيذ التزامه ورأى القاضي أن ذلك لا يستوجب الفسخ.
وتقدير التعويض يخضع للسلطة التقديرية للقاضي؛ يقدره حسب ظروف كل نازلة على حدة؛ ويأخذ في ذلك بعين الاعتبار تعسف المدين في عدم التنفيذ؛ كان يمتنع متعمدا أو يهمل ذلك إهمالا واضحا رغم إنذاره من طرف الدائن.
أما إذا كان المدين أتى كل ما في وسعه لتنفيذ التزامه؛ وتعذر عليه ذلك فلا مجال للحكم عليه بالتعويض؛ حيث نص الفصل 268 على أنه: "لا محل لأي تعويض إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه نائي عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو مطل الدائن" .
ويطرح التساؤل حول: هل يحق للدائن أن يطعن في الحكم من أجل طلب رفع مبلغ التعويض، إذا رأى أن التعويض المحكوم به لا يغطي كامل الضرر الذي لحق به من جراء عدم التنفيذ أو التأخر في التنفيذ ؟؟
جوابا عنه: قضت استئنافية مراكش في قرارها رقم 325 بتاريخ 12/02/2009، بما يلي: "... لكن حيث تبين للمحكمة من خلال اطلاعها على وثائق الملف وعلى الحكم أن قاضي الدرجة الأولى استند إلى سلطته التقديرية لتحديد التعويض عن الضرر.
وحيث إن المستأنف الذي تمسك بأن المبلغ المحدد فيه التعويض غير كاف؛ لم يبين ماهية الأضرار الحاصلة له ولا قدرها، لذا وجب رد هذا الدفع لعدم جديته" .
فمن خلال الحيثية الأخيرة في القرار؛ يتبين جليا أن؛ المحكمة ما كانت لترفض طلب رفع مبلغ التعويض لو أن المستأنف بين ماهية الأضرار التي حصلت له من جراء عدم التنفيذ وقدرها وأثبتها بأن أقام عليها الحجة . ومرد ذلك أن التعويض يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع الذي تقدره المحكمة حسب وقائع وظروف النازلة وبالتالي لا يخضع لرقابة المجلس الأعلى إلا فيما يتعلق بنقصان التعليل .
المطلب الثاني: آثار الفسخ بالنسبة للغير
إذا كان الفسخ يؤدي إلى انحلال العقد والتحلل من الالتزامات التعاقدية؛ حيث يعاد الطرفان إلى حالة ما قبل التعاقد، وكان الدائن المتضرر من الفسخ يستحق تعويضا عن ذلك الضرر فإن آثار الفسخ لا تقتصر على طرفي العقد، بل تتعداهما إلى الغير الذي تزول حقوقه بزوال العقد (الفقرة الأولى)، إلا أن هناك استثناءات لا يتأثر فيها الغير بالفسخ (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: زوال حقوق الغير
إن الأثر الرجعي الذي يترتب على فسخ العقد، لا يقتصر على زوال العقد وما نشا عنه من التزامات بالنسبة لطرفيه فسحب بل تتعداه إلى الغير .
فإذا ما تلقى الغير حقا من أحد المتعاقدين؛ وكان هذا الحق متعلقا بالشيء محل العقد المفسوخ، فإنه يزول بزوال حقوق والتزامات المتعاقد المتعامل معه، مثلا: إذا كنا بصدد عقد بيع، وباع المشتري الشيء المبيع إلى مشتري ثان، أو رتب عليه عينيا كحق ارتفاق أو انتفاع، ثم طالب البائع بفسخ البيع، وتم الحكم له به، هنا يرجع الشيء المبيع إليه خاليا من هذه الحقوق.
وإذا كان الفسخ يؤدي إلى زوال العقد وتبعا لذلك ما نتج من التزامات وحقوق بأثر رجعي سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير، وفقا للقاعدة العامة، إلا أنه هناك استثناءات ترد على هذه القاعدة .
الفقرة الثانية: الاستثناءات الواردة على قاعدة زوال حقوق الغير
إذا كانت القاعدة العامة التي يرتبها فسخ العقد؛ هي زوال هذا الحق بأثر رجعي؛ سواء في مواجهة المتعاقدين أو بالنسبة للغير؛ فغنه يجب عدم الأخذ بهذه القاعدة على إطلاقها في مواجهة الغير، لأنه قد يكون من بين الغير من هو جدير بالحماية، كما في الحالتين الآتيتين:
الحالة الأولى: حالة الغير الذي ترتب لصالح رهن رسمي؛
إذا كان الغير دائنا مرتهنا رسميا وكان حسن النية؛ فإن مركزه لا يتأثر بالفسخ (والمقصود بحسن النية أن يتعامل الشخص وهو غير عالم بما يتهدد عقد سلفه من أسباب الزوال) .
ومن أمثلة النصوص القانونية التي أخذت بمبدأ حسن النية الفصل 66 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري، الذي نص على أن: "كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري .... ولا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة" .
الحالة الثانية: حالة الغير الذي تملك بالتقادم؛
قد يكتسب الغير حقا من الحقوق بموجب التقادم المكسب؛
فمثلا: إذا كان عقد البيع بين البائع والمشتري، وكان الغير قد صار مالكا للشيء المبيع عن طريق التقادم المكسب، فإن فسخ عقد البيع الذي قد يحدث بين البائع والمشتري باعتبارهما طرفي العقد؛ لا يؤثر على الغير الذي اكتسب حقه طبقا لقاعدة التقادم المكسب؛ لأنه محمي من الناحية القانونية بهذه القاعدة التي تحول دون سريان أثر الفسخ .
وعموما؛ فالبين أن آثار الفسخ بأنواعه الثلاثة (القضائي، الاتفاقين القانوني)؛ هي آثار واحدة، سواء من حيث انحلال العقد وزواله، أو من حيث أثر الفسخ بين المتعاقدين وكذا الغير، عدا ما يتعلق بالتعويض إذ لا محل له في الفسخ القانوني .
خاتمة:
النتائج المستخلصة من الموضوع:
المشرع المغربي جعل الفسخ القضائي هو الأصل عندما يكون عدم التنفيذ راجعا إلى المدين؛ واستثناءا نص على الفسخ الاتفاقي والفسخ بحكم القانون إذا كان عدم التنفيذ راجعا إلى سبب أجنبي .
أن السلطة التقديرية في إيقاع الفسخ تتسع في مجال الفسخ القضائي، وتضيق في مجال الفسخ الاتفاقي، وتكاد تنعدم في الفسخ القانوني .
فيما يخص الفسخ القضائي؛ نجد الفصل 259 يشوبه بعض الغموض في فقرته الأولى؛ التي لم تنص صراحة على خيار الدائن في حالة إمكانية تنفيذ العقد بين إجبار المدين على تنفيذ العقد وبين فسخه، وإنما خولت له الإجبار على التنفيذ. خلافا لمقتضيات الفقرة الثانية من ذات الفصل التي تعطي للمدين حق الخيار في حالة التنفيذ الجزئي للالتزامات الناشئة عن العقد. وفي هذا الصدد فإن المجلس الأعلى قد استقر في عدة قرارات على أنه حتى بالنسبة للفقرة الأولى في حالة إمكانية تنفيذ الالتزام فإن الدائن له الحق في إجبار المدين على التنفيذ أو في طلب الفسخ وذلك رغم عدم تنصيص الفصل المذكور على حالة الفسخ في فقرته الأولى .
للدائن بالالتزام الذي لم ينفذ له؛ إمكانية استبدال طلب الفسخ بطلب آخر هو طلب التنفيذ؛ ذلك أن الفسخ القضائي لا يقع إلا بعد استصدار حكم قضائي، أما إذا صدر الحكم وحاز قوة الشيء المقضي به فإنه لا يجوز للدائن بعد ذلك أن يعدل طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ، لأن الرابطة العقدية التي كانت موجودة ومحلا للنزاع لم تعد قائمة في نظر القانون .
يترتب عن فسخ العقد زواله بأثر رجعي كقاعدة عامة وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد، كما يمكن الحكم بالتعويض لصالح المتعاقد الذي لم يستطيع استرداد ما قدمه للمتعاقد الآخر، كما أن الأثر الرجعي الذي يرتبه فسخ العقد لا يقتصر على زوال العقد وما نشأ عنه من التزامات بالنسبة لأطرافه فقط بل يمتد أثره إلى الغير، إلا أن هناك حالات تقرر فيها حماية الغير، خاصة الغير حسن النية.
القاضي عند تقديره للتعويض يعتد بظروف ووقائع كل نازلة؛ أي الاعتبارات الشخصية للطرفين، وكل الظروف الأخرى التي تم فيها وقوع الضرر بما فيها درجة جسامة الخطأ .
إن وجود الشرط الصريح الفاسخ بالعقد من شأنه حث كل طرف على تنفيذ التزامه، حيث يؤدي عدم الوفاء إلى زوال العلاقات العقدية بقوة القانون بمجرد إبداء الطرف الآخر رغبته في ذلك .
من خلال ما سبق تساغ الاقتراحات الآتية:
فيما يتعلق بالغموض الذي يكتنف الفصل 259 وما يطرحه من تضارب على مستوى العمل القضائي؛ نقترح تدخل المشرع بالتنصيص على إعمال مبدأ الخيار.
المشرع عند تنظيمه للفسخ جاء به في نصوص متفرقة؛ فحبذا لو وضع النصوص المنظمة له تحت عنوان واحد "فسخ العقد" .
يتعين على المشرع أن ينص صراحة على وجوب أن يكون التعويض متناسبا مع الضرر .
تعليقات
إرسال تعليق