القائمة الرئيسية

الصفحات

فسخ العقد بقوة القانون في القانون المغربي

 فسخ العقد بقوة القانون في القانون المغربي


فسخ العقد بقوة القانون في القانون المغربي



مقدمة:

باعتبار العقد مصدرا من مصادر الالتزام؛ تكفل المشرع المغربي على غرار التشريعات الأخرى؛ بوضع قواعد قانونية توضح شروطه وأركانه وكيفية تنفيذه والآثار المترتبة عنه.

وإذا نشأ العقد صحيحا فإنه يترتب التزامات تعاقدية، في ذمة طرف واحد إذا كان العقد ملزما لجانب واحد، وفي ذمة الطرفين إذا كان العقد ملزما للجانبين.

فإذا كان الأصل هو تنفيذ العقود اختيارا وطوعا طبقا لكون العقد شريعة المتعاقدين؛ فإن المشرع قد أورد على هذه القاعدة بعض الاستثناءات؛ إذ أجاز فيها حل الرابطة التعاقدية بإرادة منفردة إذا أخل المتعاقد الآخر بالتزاماته التعاقدية أو استحال عليه تنفيذها بسبب أجنبي، والتي بمقتضاها أجاز للدائن أن يتحلل من القوة الملزمة للعقد عن طريق الفسخ، الذي وضع المشرع قواعده العامة من خلال الفصول 259 و 260 و 338 ق.ل.ع .

فالفسخ؛ هو حق المتعاقد في العقد الملزم للجانبين في حل الرابطة العقدية إذا لم ينفذ المتعاقد الآخر التزامه، وذلك لكي يتحلل من التزامه المقابل .

لقد تضمن قانون الالتزامات والعقود على غرار باقي القوانين المقارنة، نصوصا تحدد الطرق التي ينفسخ بها العقد الملزم للجانبين؛

فنص في الفصل 259 ق.ل.ع، على أنه: "إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، ما دام تنفيذه ممكنا. فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين. ... ولا يقع الفسخ بقوة القانون، وإنما يجب على أن تحكم به المحكمة" .

ونص الفصل 260 على أنه: "إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون، بمجرد عدم الوفاء" .

ونص الفصل 335 على أنه: "ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصلح محله مستحيلا، استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطإه وقبل أن يصير في حالة مطل" .

والأصل في الفسخ أن يكون عن طريق القضاء؛ وهو ما يعرف بالفسخ القضائي، كما يمكن أن يكون عن طريق الاتفاق؛ أي ما يسمى الفسخ الاتفاقي، وقد يرجع انحلال الرابطة العقدية إلى سبب لايد للمدين فيه؛ وهنا ينحل العقد بحكم القانون وهو ما يسمى الفسخ القانوني.

ولقيام الفسخ لابد من تحقق شروط واتباع مجموعة من الإجراءات التي تختلف حسب كل من نوع من أنواع الفسخ (قضائي، اتفاقي، قانوني)، كما أن سلطة القاضي التقديرية قد تتسع (في الفسخ القضائي) أو تضيق (في الفسخ الاتفاقي) أو تنعدم (في الفسخ القانوني)، وعموما؛ فللقاضي في إطار الفسخ سلطة تقديرية حسب نوع الفسخ وحسب ظروف وقائع كل نازلة على حدة.

فالفسخ؛ قد يكون راجعا إلى المدين على ارتكابه خطأ عقديا، وقد يكون راجعا إلى سبب أجنبي عن المدين. مما يثور معه التساؤل؛ هل مجرد عدم تنفيذ موجب للتعويض كيفما كانت درجة تقصير المدين ؟؟ أم أنه يشترط ثبوت سوء نيته خصوصا أن الخطأ قد يكون مجردا وقد يكون موصوفا بأن يكون عمدا أو غشا أو خطأ جسيما أو تعسفا في استعمال الحق، كما قد يكون راجعا إلى إخلال الدائن بالتزامه .

ولعل طلب التنفيذ يكون هدفه الوصول إلى تحقيق المصلحة المتوخاة من العقد والاستفادة منه، أما طلب الفسخ فيكون بهدف التخلص من العقد والتحلل من الالتزامات المترتبة عنه .

على أنه حق الخيار لا يثبت للدائن وحده، بل كذلك حق المدين في التنفيذ المتأخر، بعد إقامة الدعوى من طرف الدائن .

والبين؛ أنه تترتب عن الفسخ آثار فيما بين عاقديه وكذا بالنسبة للغير، وهي نفس الآثار بالنسبة لجميع أنواعه (القضائي، الاتفاقي، القانوني) عدا ما يتعلق بالتعويض الذي لا يمكن أن يقضى به في الفسخ القضائي .

وتبرز أهمية الموضوع؛ في كونه يعرض بكثرة على القضاء، وفي كون تدخل القضاء لمراقبة وإعمال الفسخ فيه تحقيق للتوازن في العلاقة العقدية بين الطرفين، ومنع لتعسف الدائن في استخدام حق الفسخ .

وعلى هذا الأساس؛ تطرح الإشكالية الآتية: ما مدى الحماية التي وفرها المشرع للدائن في إطار نظرية الفسخ ؟؟ وإلى أي حد يمكن للقاضي في إطار سلطته التقديرية أن يحقق التوازن بين طرفي العلاقة التعاقدية ؟؟

اقرأ ايضا: 

 فسخ العقد على ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي-الفسخ الاتفاقي

فسخ العقد على ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي-الفسخ القضائي


تمهيد: الفسخ بقوة القانون ( الانفساخ )

نص الفصل 335 على أنه: "ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصلح محله مستحيلا، استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطإه وقبل أن يصير في حالة مطل" .

والبين؛ من خلال هذا الفصل أن فسخ العقد قد يكون أمام القضاء؛ فالفسخ القانوني يجد محله في الحالة التي يستحيل فيها تنفيذ الالتزام العقدي بسبب أجنبي عن المدين كقوة قاهرة أو فعل الغير، حيث ينقضي الالتزام وينقضي معه الالتزام المقابل له، وهو ما يسمى أيضا بانفساخ العقد.

الفسخ القانوني أو انفساخ العقد؛ يعني زوال آثاره بمفعول رجعي ـ كمبدأ عام ـ نظرا لاستحالة تنفيذ أحد العاقدين لالتزاماته العقدية بسبب أجنبي لا يد له فيه . جاء في الفصل 335 من ق.ل.ع أنه: "ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح مستحيلا استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطئه وقبل أن يصير في حالة مطل" .

ومن تطبيقات الفسخ بقوة القانون ما نص عليه قانون الالتزامات والعقود ضمن الفصلين:

ـ الفصل 563 الذي ينص على أنه: "إذا هلك الشيء المبيع بسبب العيب الذي كان يشوبه أو بحادث فجائي ناتج عن هذا العيب، كان هلاكه على البائع، فيلتزم برد الثمن ويلتزم أيضا بالتعويضات إذا كان سيء النية" .

ـ الفصل 659 الذي أورد أنه: "إذا هلكت العين المكتراة أو تعيبت أو تغيرت كليا أو جزئيا بحيث أصبحت غير صالحة للاستعمال في الغرض الذي اكتريت من أجله، وذلك دون خطأ أي واحد من المتعاقدين، فإن عقد الكراء ينفسخ، من غير أن يكون لأحدهما على الآخر أي حق في التعويض، ولا يلزم المكتري من الكراء إلا بقدر انتفاعه.

وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر" .


المطلب الأول: شروط انفساخ العقد وكيفية إعماله

الفقرة الأولى: شروط انفساخ العقد

لا ينفسخ العقد إلا عند تحقق الشروط الآتية :

أولا: أن يكون العقد ملزما للجانبين

إن المقصود هنا؛ هو تخليص أحد العاقدين من التزامه بسبب استحالة الالتزام المقابل للعاقد الآخر، أما إذا كان ناشئا عن عقد ملزم لجانب واحد؛ مثلا عقد الهبة، فتؤول استحالته إلى انقضائه وانحلال العقد تبعا لذلك. ويتحمل الدائن الخسارة المترتبة عن الهلاك، فيذكر أن تبعة الهلاك على الدائن.

وعلى سبيل الاستثناء؛ ينطبق الانفساخ حتى بالنسبة للعقد الملزم للجانبين الناقص؛ وهو العقد الذي يكون مرتبا لالتزامات تعاقدية في مواجهة طرف واحد هو المدين ليس غير. لكن أثناء تنفيذه تقع ظروف تجعل الطرف الآخر يتحمل بدوره بالتزامات معينة.

ومن ثم فالأصل في عقد الوديعة بدون أجر؛ أنه ملزم لجانب واحد هو المودع عنده، لكن إذا أجبر هذا الأخير على أداء بعض التكاليف الضرورية للمحافظة على الوديعة وصيانتها من الهلاك فإنه يحق له الرجوع بما صرف على المودع.

أيضا الأصل في الوكالة بدون أجر؛ أنها عقد ملزم لجانب واحد هو الوكيل، لكن إذا اضطر هذا الأخير إلى صرف نفقات ضرورية لإنجاز التصرف القانوني موضوع الوكالة حق له أن يطالبه الموكل.

كذلك ينطبق الانفساخ ـ على سبيل الاستثناء ـ على العقد متعدد الأطراف كعقد الشركة؛ فقد جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثانية من الفصل 1053 من ق.ل.ع: "وتنحل الشركة بقوة القانون، إذا بلغت الخسارة نصف رأس مال الشركة، ما لم يقرر الشركاء إعادة تكوينه إلى ما كان عليه، أو تخفيضه إلى المبلغ الموجود حقيقة، ويضمن المتصرفون شخصيا صحة ما ينشرونه متعلقا بالوقائع السابقة ".

ثانيا: أن تغدو التزامات أحد المتعاقدين مستحيلة استحالة مطلقة تحمل بين طياتها سمة القوة والقهر بالنسبة للجميع

وعليه فالاستحالة النسبية أو مجرد الصعوبة ولو البالغة في التنفيذ؛ لا يبرران انفساخ العقد.

جاء بهذا الخصوص ضمن قرار للمجلس الأعلى ـ محكمة النقض حاليا ـ صادر بتاريخ 14 يوليوز 1972، أن: "...إن الحكم المطعون فيه عندما اعتبر أن النقصان الواقع في المحصول الفلاحي راجع إلى حالة الجفاف التي أصابت السنة الفلاحية وأن هذا السبب الأجنبي لم يكن في الوسع دفعه ولا توقعه يكون القوة القاهرة التي تعفي من تنفيذ الالتزام بتمامه" .

ثالثا: أن تكون التزامات أحد المتعاقدين مستحيلة استحالة دائمة

أما إذا كانت طارئة فيترتب عليها توقف العقد وتأجيل تنفيذه إلى حين زوال الاستحالة، حيث تستأنف الالتزامات سيرها.

ومن ثم لا يكون لذلك الطارئ من أثر على قيام العقد خلال فترة حصوله؛ ويبقى العقد شريعة المتعاقدين.

رابعا: أن تكون الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي لا دخل للمدين فيه

أما إذا كانت راجعة إلى خطئه، فإنه يصار إلى تطبيق الفسخ القضائي.

وبالتالي فالاستحالة التي يتسبب فيها المدين لا تؤدي إلى انفساخ العقد رغم أنها تؤدي إلى استحالة تنفيذ العقد تنفيذا عينيا، ويبقى للدائن الحق في أن يطالب بالتنفيذ والتعويض أو يطالب بفسخ العقد مع التعويض.

خامسا: أن تنشأ الاستحالة بعد انعقاد العقد أو خلال تنفيذه

كأن يهلك الشيء المعقود عليه أو يتعيب على نحو يمنع تحصيل منفعته، وذلك بعد التعاقد وقبل التنفيذ.

وعليه؛ لو وقعت هذه الاستحالة قبل التعاقد فإنها تجعل العقد باطلا لانعدام محل التعاقد .

سادسا: أن تكون الاستحالة تامة

يتعين أن تكون الاستحالة تامة؛ أي شاملة لجميع الالتزامات الناشئة عن العقد، أما إذا كانت جزئية فإنها لا تؤدي إلى انفساخ العقد، بل تشكل سببا يخول للمتعاقد الدائن الخيار بين أن يطلب فسخ العقد وبين أن يطلب تنفيذه في الجزء الذي مازال ممكنا وذلك مع التعويض ي الحالتين وفقا للفصل 259 من ق.ل.ع .

وهو ما يستفاد من الفصل 336 من نفس القانون الذي جاء فيه: "إذا كانت الاستحالة جزئية لم ينقض الالتزام إلا جزئيا. فإذا كان من طبيعة هذا الالتزام أن لا يقبل الانقسام إلا مع ضرر للدائن؛ كان له الخيار بين أن يقبل الوفاء الجزئي وبين أن يفسخ الالتزام في مجموعه" .

الفقرة الثانية: إعمال انفساخ العقد

الأصل أن ينطبق انفساخ العقد بقوة القانون، أي بصورة تلقائية ودون حاجة إلى استصدار حكم قضائي ولا إنذار الطرف الآخر.

لكن على الصعيد العملي؛ قد يثور الخلاف بين المتعاقدين بخصوص مدى تحقق استحالة التنفيذ وخصائصها، حيث يتطلب الأمر تدخل المحكمة التي لا يمكنها إلا الإعلان عن الانفساخ إذا اقتنعت بوجود هذه الاستحالة وتوفرها على الشروط السالفة.

وبتعبير آخر؛ إن الانفساخ لا يتوقف على طلب من الدائن ولا يحتاج إلى صدور حكم به أو حصول اتفاق عليه بل يقع بقوة القانون.

وإذا التجئ في شأنه إلى القضاء فإنما يكون ذلك بسبب المنازعة في تحقق الاستحالة أو عدمها، ولا يملك القاضي أن يرفض الفسخ إلا إذا ثبت لديه استحالة الوفاء لأن حكمه بالفسخ في هذه الحالة إنما يكون تقريرا للواقع لا إنشاء لحالة جديدة تتوقف على قضائه بها.

المطلب الثاني: آثار انفساخ العقد

يترتب على انفساخ العقد ما يترتب على فسخه من آثار، فالأصل أن يزول العقد بأثر رجعي، ويعتبر كأن لم يكن، وتزول كل آثاره سواء بين العاقدين أو بالنسبة للغير، باستثناء مسألة التعويض حيث لا يحق للدائن المطالبة به في حالة الانفساخ بينما يمكنه ذلك في حالة الفسخ.

الفقرة الأولى: آثار الانفساخ بالنسبة للمتعاقدين

بموجب الانفساخ يتعين بصفة تلقائية ومباشرة إرجاع المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، بحيث يرجع كل واحد منهما للآخر ما تسلمه تنفيذا للعقد.

لكن هذا الأمر إذا كان متيسرا في العقود الفورية فهو يستعصي في العقود الزمنية التي تقوم على استهلاك المنافع والخدمات على نحو مستمر، مما يتعذر معه إعادة الأطراف لوضعية ما قبل إبرام العقد. وهذا ما سنتناوله على التتابع.

أولا: آثار الانفساخ إزاء العاقدين في العقود الفورية

الأصل أن مفعول الانفساخ يسري إزاء المتعاقدين على المستقبل والماضي في آن واحد وذلك في العقود الفورية.

فإذا كان العقد الذي انفسخ لم يرتب أثرا، فلا يلتزم أي من المتعاقدين بشيء في مواجهة الآخر.

وإذا كان العقد رتب أثرا تعين أن يرجع كل عاقد للآخر الأداء الذي تسلمه منه؛ فإذا كان بيعا وجب على المشتري أن يرجع المبيع الذي تسلمه إلى البائع، ووجب على البائع أن يرجع الثمن الذي استخلصه إلى المشتري.

إضافة إلى ما سلف؛ ثمة عدة قواعد تنطبق نتيجة زوال العقد الفوري الذي انفسخ منها:

إعمالا لمبدأ تبعية الفرع للأصل: يترتب على فسخ الالتزام الأصلي فسخ الالتزامات الفرعية الملحقة به؛ والمثال على ذلك:

  • أن فسخ عقد بيع العقار يستتبع زوال الرهن الحيازي الذي أبرمه المشتري عليه لضمان الوفاء بدين يلتزم به في مواجهة الغير؛

  • كما أنه يترتب عن فسخ الكراء الأصلي فسخ الكراء الفرعي وهو ما نص عليه الفصل 699 من ق.ل.ع، بقوله: "ينتج عن فسخ الكراء الأصلي فسخ الكراء الفرعي المعقود من المكتري..." .

فالقاعدة تقضي بهذا الخصوص بأنه لا يستطيع الشخص أن ينقل لغيره أكثر مما يملك. وهذا ما عبر عنه الفصل 1172 من ق.ل.ع بقوله: "من ليس له على الشيء إلا حق قابل للفسخ أو معلق على شرط قابل للإبطال، لا يحق له أن يجري عليه إلا رهنا معلقا على نفس الشرط أو معرضا لنفس الإبطال".

كما جاء ضمن الفصل 1234 من نفس القانون: "وينقضي الرهن بقطع النظر عن انقضاء الالتزام الأصلي: ...... رابعا: بفسخ حق الطرف الذي أنشأ الرهن؛ ...." .

ثانيا: أثار الانفساخ إزاء المتعاقدين في العقود الزمنية

إذا لم يرتب عقد المدة الذي فسخ بقوة القانون أي أثر، فلا يثير إعمال الأثر الرجعي للفسخ أي مشكل، بحيث يعتبر العقد قد زال منذ انعقاده. لكن إذا رتب هذا العقد أثرا كليا أو جزئيا فإن مفعول الفسخ يسري بالنسبة للمستقبل، ولا يطال الالتزامات التي سبق ترتيبها. ويعود السبب في ذلك إلى استحالة إرجاع المتعاقدين إلى ما قبل إبرام العقد. فالزمن عنصر من عناصر المحل الذي تنعقد عليه هذه العقود، والزمن إذا انقضى فلا سبيل إلى رده.

من ثم لا يكون لانفساخ عقد الكراء ـ وسائر عقود المدة الأخرى كعقد التأمين والتوريد مثلا ـ أثر رجعي، فما أحدثه العقد قبل الانفساخ يبقى موجودا وحقا مكتسبا لصاحبه، ويكون مقابل منفعة المدة التي انصرمت أجرة لا تعويضا. وهو ما نص عليه الفصل 659 من ق.ل.ع بقوله: "إذا هلكت العين المكتراة أو تعيبت أو تغيرت كليا أو جزئيا بحيث أصبحت غير صالحة للاستعمال في الغرض الذي اكتريت من أجله، وذلك دون خطأ أي من المتعاقدين، فإن عقد الكراء ينفسخ، من غير أن يكون لأحدهما على الآخر أي حق في التعويض، ولا يلتزم المكتري من الكراء إلا بقدر انتفاعه" .


الفقرة الثانية: آثار الانفساخ إزاء الغير

الأصل؛ كما في البطلان أن أثر الفسخ بقوة القانون إزاء الغير هو ذات الأثر إزاء المتعاقدين.

فالعقد الذي انفسخ تنعدم كل آثاره فيما بين المتعاقدين؛ ويستتبع ذلك أن يتأثر الغير بهذا الوضع بخصوص الحق الذي يتلقاه من أحد الطرفين على الشيء محل العقد، فهذا الحق ينعدم تبعا لانفساخ العقد.

وعليه؛ لو أن أحد الطرفين في العقد الذي تعرض للانفساخ قد فوت حقه إلى الغير، فإن حق الغير يزول بالانفساخ.

على أنه؛ ترد على مبدأ رجعية الفسخ بالنسبة للغير بعض الاستثناءات تفرضها المحافظة على الحقوق المكتسبة للغير حسني نية، والمثال على ذلك:

  • عندما يكون الغير الذي اكتسب حقا عينيا على عقار محفظ حسن النية، تعامل وهو جاهل سبب الفسخ الذي يعتري عقد سلفه وقيد حقه على الرسم العقاري وهو على نفس الوضع؛ وهذا ما أكد عليه ظهير التحفيظ العقاري في الفصل 66 الذي جاء فيه: "كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري .... ولا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة" .

  • عندما يكتسب الغير بحسن نية حقا على عينيا على منقول؛ لأن الأصل هو أن حيازة المنقولات سند ملكيتها متى كان الحائز حسن النية.

عندما يكتسب الغير حقا يتعلق بالشيء الوارد عليه العقد الذي فسخ وذلك بموجب عقد من عقود الإدارة كالإيجار.


تعليقات

التنقل السريع