القائمة الرئيسية

الصفحات

الحوالة في قانون الالتزامات والعقود المغربي (الجزء الثاني)

  الحوالة قانون في الالتزامات والعقود المغربي (الجزء الثاني)


الحوالة في قانون الالتزامات والعقود المغربي (الجزء الثاني)



المطلب الثاني : آثار الحوالة

الحوالة تنقل مبدئيا إلى المحال له نفس الحق الذي كان يتمتع به المحيل ، ثم إنها إذا كانت بعوض ترتب الضمان على المحيل إزاء المحال له. وقد ترد الحوالة على جزء من الدين فما هو الحكم الذي يسود علاقة المحيل بالمحال له في هذه الحالة.

وعليه سنتطرق إلى مبدأ انتقال الحق من المحيل إلى المحال له ، ثم إلى ضمان المحيل ، ثم الحوالة الواقعة على جزء من الدين.

الفقرة الأولى : انتقال الحق المحال به من المحيل إلى المحال له

إن الحوالة تنقل من المحيل إلى المحال له نفس الحق الذي كان يتمتع به المحيل. وعليه ، فالحق ينتقل إلى المحال له بقيمته وصفاته ، وتنتقل مع ااحق التوابع المتممة له والتكاليف والإلتزامات التي تنقله ، وكذلك ينتقل الحق بما عليه من دفوع.

أولا : انتقال الحق إلى المحال له بقيمته وصفاته

إن الحق المحال به ينتقل بالحوالة بكل قيمته حتى لو كان المحال له دفع فيه للمحيل ثمنا أقل كما هو الغالب.

والحق المحال به ينتقل بالحواة بالصفات التي كان يتصف بها. فإذا كان حقا مدنيا أو تجاريا انتقل بصفته المدنية أو التجارية إلى المحال له ، وإن كان معلقا على شرط أو مقترنا بأجل انتقل إلى المحال له بهذا الوصف. وإنا كان حقا قابلا للتنفيذ بموجب حكم انتقل بهذه الصفة أيضا. وإن كان حقا ينتج فوائد ، انتقل بقابليته لإنتاج الفوائد.

ثانيا : انتقال الحق إلى المحال له مع توابعه ومع تكاليفه والتزاماته

نص الفصل 200 من ق.ل.ع على أن " حوالة الحق تشمل توابعه المتممة له بما فيها :

  1. الإمتيازات باستثناء ما كان متعلقا منها بشخص المحيل. فإذا كان للدين المحال به امتياز ما ، يجعله مقدما على سائر الديون المترتبة في ذمة المدين المحال عليه ، كالديون الناشئة عن مصروفات مرض الموت مثلا أو كالديون الناشئة عن المصروفات القضائية المنفقة للمحافظة على الضمان العام ، فإن الدين ينتقل إلى المحال له مع ما كان له من امتياز. على أن المشرع استثنى من ذلك الحالة التي يكون فيها الإمتياز بشخص المحيل حيث ينتقل الحق بالحوالة مجردا من صفته الممتازة.

  2. الرهون الرسمية بشرط صريح

  3. باقي الضمانات الأخرى بما فيها الكفالة ، ما لم يشترط غير ذلك ، دون الحاجة للقيام بأي إجراء بالنسبة للكفالة المقدمة لأغراض تجارية. فإذا كان للحق المحال به ضمانات ما كرهن حيازي على منقول أو على عقار أو كرهن رسمي أو كفالة ، فإن الحوالة تشمل هذه الضمانات شرط أن يكون تم الإتفاق على ذلك صراحة بين المحيل والمحال له.و ما لم يرد مثل هذا الإتفاق الصريح ، فالحق المحال به ينتقل بالحوالة دون ضماناته.

وقد عرض المشرع لالتزامات رعاية الشيء المرهون والمحافظة عليه في الحالة التي يصرح في العقد بأن حوالة الحق تشمل الرهن ، فقرر في الفصل 201 من ق.ل.ع أنه " إذا شملت الحوالة الرهن الحيازي أيضا ، فإن المحال له بمجرد تسلمه الشيء المرهون يحل محل المحيل في كل الإلتزامات التي كانت ثابتة عليه للمدين ، بصدد رعاية الشيء المرهون والمحافظة عليه.

وعند عدم تنفيذ هذه الإلتزامات ، فإن المحيل والمحال له مسؤولان بالتضامن تجاه المدين ".

غير أن المشرع سرعان ما أوضح في الفقرة الثالثة من الفصل 201 من ق.ل.ع أنه " لا محل لهذه القاعدة إذا حصلت الحوالة بمقتضى القانون أو بمقتضى حكم ، وفي هذه الحالة يكون المحال له مسؤولا وحده تجاه المدين عن الشيء المرهون ".

  1. دعاوى البطلان والإبطال أو الأداء التي كانت للمحيل. فإذا كان الحق المحال به باطلا أو قابلا للإبطال ، فإن الحوالة تشمل دعاوى البطلان أو الإبطال التي كانت للمحيل.

وكما أن الحق ينتقل إلى المحال له مع توابعه ، كذلك فهو ينتقل إليه مع التكاليف والإلتزامات التي تثقله عملا بالقاعدة العامة القائلة الغرم بالغنم ، إلا إذا اشترط عكس ذلك فينتقل عندها الحق مطهرا مما كان يثقله من تكاليف والتزامات. وقد ورد بهذا المعنى في الفصل 202 من ق.ل.ع " البيع أو الحوالة الواردة على حق أو دين تشمل التكاليف والإلتزامات المرتبة عليه ما لم يشترط غير ذلك ".

ثالثا : انتقال الحق إلى المحال له بما عليه من دفوع

إن الحق ينتقل بالحوالة بما عليه من دفوع. لهذا نص الفصل 207 من ق.ل.ع على أنه " يجوز للمدين أن يتمسك في مواجهة المحال له بكل الدفوع التي كان يمكنه التمسك بها في مواجهة المحيل ، بشرط أن يكون أساسها قائما عند حصول الحوالة أو عند تبليغها ".

فإذا كان يوجد وقت حصول الحوالة أو حتى عند تبليغها دفوع ترجع إلى انقضاء الحق أو إلى بطلانه أو إلى انفساخه ، فإن المدين المحال عليه يستطيع أن يدلي بهذه الدفوع في مواجهة المحال له كما كان يستطيع الإدلاء بها في مواجهة المحيل بالذات.

إلا أنه تطبيقا لأحكام الصورية التي تقضي بعدم سريان العقد المستتر إزاء الغير حسن النية ، فإن المشرع منع على المدين المحال عليه التمسك في مواجهة المحال له ، بوصفه غيرا في حقل الصورية ، بالدفوع المستمدة من الإتفاقات السرية ما لم تكن هذه الإتفاقات ناتجة عن السند المنشئ للالتزام وما للم يكن المحال له على علم بها. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثانية من الفصل 207 من ق.ل.ع " لا يجوز له أن يتمسك بالدفع بالصورية ولا بما وقع تبادله بينه وبين المحيل من الإتفاقات السرية المعارضة والتعهدات الخفية إذا كانت غير ناتجة من السند المنشئ للالتزام ولم يكن المحال له قد علم بها ".

الفقرة الثانية : ضمان المحيل

يضمن المحيل للمحال له أفعاله الشخصية سواء كانت الحوالة بعوض أم كانت بغير عوض. فإذا كانت الحواة بعوض فإن المحيل يضمن بحكم القانون كونه دائنا أو صاحب حق كما يضمن وجود الدين أو الحق وقت الحوالة وحقه في التصرف فيه. وكذلك يضمن يسار المدين إذا التزم صراحة بذلك أو إذا كان قد أحال دينا على شخص كان معسرا وقت إبرام الحوالة.

أولا : ضمان المحيل لأفعاله الشخصية

يضمن المحيل للمحال له ، سواء كانت الحوالة بعوض أم كانت بغير عوض ، جميع ما يصدر عنه بعد الحوالة من أفعال تؤدي إلى زوال الحق المحال به أو الإنتقاص منه.

فهكذا لو أقدم المحيل بعد إجراء الحوالة وقبل صيرورتها نافذة في حق المدين ، على استيفاء كل أو بعض الحق من هذا المدين المحال عليه ، لترتبت عليه المسؤولية وكان للمحال له الرجوع عليه بالضمان.

وهكذا أيضا تترتب المسؤولية على المحيل ويجوز الرجوع عليه بالضمان ، إذا هو عمد بعد إجراء الحوالة ، إلى التصرف في الحق المحال به تصرفا مناقضا للحوالة الأولى بأن باعه أو وهبه ثانية أو رهنه واستطاع المحال له الثاني جعل حوالته نافذة في حق المحال له الأول.

وإذا ترتبت المسؤولية على المحيل وأمكن الرجوع عليه بالضمان نتيجة ما صدر عنه من أفعال شخصية أدت إلى زوال الحق المحال به أو الإنتقاص نه ، فإن الضمان يكون بالتزامه بتعويض المحال له تعويضا كاملا عما أصابه من ضرر وفقا لمبادئ المسؤولية التقصيرية لأن التعويض هنا مصدره خطأ من جانب المحيل. وعليه يجب أن يشمل قيمة الحق المحال به وكذلك التعويض عن أي ضرر مباشر يكون قد لحق بالمحال له. ويستوي في ذلك أن تكون الحوالة جرت بعوض أم بغير عوض ، كما يستوي في الحوالة بعوض أن يكون ما دفعه المحال له للمحيل ثمنا للحوالة ، مساويا لقيمة الحق المحال به أو أقل من هذه القيمة.

ثانيا : ضمان المحيل كونه دائنا وضمانه وجود الدين وحقه في التصرف فيه

إذا كانت الحوالة بعوض ولم يكن ثمة اتفاق خاص بين المحيل والمحال له على الضمان ، فإن المحيل يضمن بحكم القانون كونه دائنا كما يضمن وجود الدين وحقه في التصرف فيه. فقد ورد بهذا المعنى في الفصل 203 من ق.ل.ع ما يلي : " من أحال بعوض دينا أو أي حق معنوي آخر يلتزم بأن يضمن :

  1. كونه دائنا أو صاحب حق ؛

  2. وجود الدين أو الحق وقت الحوالة ؛

  3. حقه في التصرف فيه.

وكل هذا ولو حصلت الحوالة بغير ضمان ".

وعليه :

يجب الضمان على المحيل إذا كان أحال دينا ليس هو الدائن له أو حقا ليس هو صاحبه كما في حوالة يجريها وكيل مكلف بقبض الدين المحال به ليس إلا أو يجريها وريث ظاهر ثم يتقرر بطلان الحوالة بطلب من الدائن أو الوارث الحقيقي.

ويجب الضمان على المحيل إذا كانت الحوالة انصبت على حق غير موجود ، كأن تقع على حق مصدره حق باطل أو قابل للإبطال ويتقرر بطلان أو إبطال هذا العقد أو كأن تقع على حق انقضى قبل إجراء الحوالة بسبب من أسباب الإنقضاء كالتقادم.

وضمان وجود الدين أو الحق لا يقتصر على أصل هذا الدين أو هذا الحق ، بل يتعداه إلى التوابع المرتطة به ما لم تكن هذه التوابع قد اتفق الطرفان صراحة على عدم شمولها بالضمان. وهذا ما نص عليه الفصل 203 من ق.ل.ع بقوله أن المحيل " يضمن أيضا وجود التوابع ، كالامتيازات وغيرها من الحقوق التي كانت مرتبطة بالدين أو الحق المحال وقت الحوالة ، مالم تكن قد استثنيت صراحة ".

ثم إن ضمان وجود الحق وتوابعه ، إنما مداره هذا الوجود وقت انعقاد الحوالة ، بحيث إذا كان الحق وجد مع توابعه في هذا الوقت فلا ضمان على المحيل إذا زال الحق أو بعض تواعه بعد ذلك بسبب لا يد للمحيل فيه.

وكذلك يجب على المحيل الضمان إذا كان الحق أو الدين المحال به لا يحق للمحيل التصرف فيه، كما لو كانت يد المحيل على هذا الحق أو على هذا الدين يد دائن مرتهن أو يد أمين.

ويجدر لفت النظر إلى أن المحال له إذا رجع بالضمان القانوني الذي رتبه على المشرع على المحيل ـ فإنه لا يستطيع إلزامه إلا برد ما كان استوفاه مقبوضا عن الحق المحال به مع سائر المصروفات التي يكون قد تكبدها المحال له سواء في إبرام الحوالة أو في ملاحقة المدين المحال عليه دون جدوى ، أو في الرجوع بالضمان على المحيل. يستثنى من ذلك ما إذا كان المحيل ارتكب تدليسا حيث يحق للمحال له المطالبة بالتعويض عن الأضرارالتي أصابته بسبب هذا التدليس.

ولئن كان المشرع لم يوضح في الفصل 203 من ق.ل.ع الذي خصه للضمان القانوني مدى شمول هذا الضمان ، فإنه قد أوضح الأمر في الفصل 204 من ق.ل.ع المتعلق بضمان المحيل سار المدين بقوله " ويشمل هذا الضمان ثمن الحوالة الذي قبضه المحيل ومصروفات مطالبة المدين التي اضطر المحال له لإنفاقها. ولا يمنع ذلك المحال له من الحق في تعويضات أكبر ، في حالة التدليس الواقع من المحيل ". وما دام الرجوع في حالة ضمان يسار المدين قد جعله المشرع ضمن هذه الحدود ، فمن باب أولى أن نبقى في نطاق الحدود نفسها في الحالة التي لا يضمن فيها المحيل إلا كونه دائنا أو صاحب حق ، ووجود الدين أو الحق ، وحقه في التصرف فيه.

أما إذا كانت الحوالة بلا عوض ، فالضمان الذي سبق وقررناه لا يترتب على المحيل لأن الضمان المذكور هو قاصر على الحالة التي تقع فيها الحوالة بعوض. كل ما في الأمر أن المحيل يكون مسؤولا في مواجهة المحال له عن الضرر الذي يلحق به بسبب تدليسه ولا ضمان عليه سوى ذلك. وقد نبه المشرع إلى ذلك في الفقرة الأخيرة من الفصل 203 من ق.ل.ع بقوله " ومن أحال بدون عوض لا يضمن حتى وجود الدين أو الحق المحال وإنما يكون مسؤولا عما يترتب على تدليسه ".

ثالثا : ضمان المحيل يسار المدين

إلى جانب الضمان القانوني الذي يشمل كون المحيل دائنا ووجود الدين وحقه في التصرف فيه ، يمكن أن يشمل ضمان المحيل يسار المدين.

وشمول ضمان المحيل ليسار المدين لا يكون مبدئيا إلا باتفاق خاص يلتزم المحيل بمقتضاه صراحة بهذا الضمان.

إلا أن المشرع المغربي اعتبر المحيل ضامنا كذلك يسار المدين ، ولو لم ينص على هذا الضمان في العقد. حيث نص في الفصل 204 على أنه " لا يضمن المحيل يسار المدين إلا إذا كان قد أحال دينا على شخص كان معسرا عند إبرام الحوالة ".

فإذا ضمن المحيل يسار المدين ورجع المحال له بهذا الضمان بسبب إعسار المدين ، فقد أوضح المشرع في الفصل 204 من ق.ل.ع أن هذا الضمان " يشمل ثمن الحوالة الذي قبضه المحيل ومصروفات مطالبة المدين التي اضطر المحال له لإنفاقها. ولا يمنع ذلك المحال له من الحق في تعويضات أكبر في حاة التدليس الواقع من المحيل ".

وإذا كان المحيل قد التزم بضمان يسار المدين في عقد الحوالة ، فإن المشرع أعفاه من التحمل بهذا الضمان في الحالتين المنصوص عليهما في الفصل 205 من ق.ل.ع. جاء في الفصل المذكور " الدائن الذي التزم بضمان يسار المدين يسقط عنه تحمل هذا الضمان :

  1. إذا كان عدم الوفاء راجعا إلى فعل المحال له أو إلى إهماله كما لو أهمل الإجراءات اللازمة لاستيفاء الدين

  2. إذا كان المحال له قد منح المدين امتدادا للأجل بعد حلول الدين ".

وقد أضاف المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 205 من ق.ل.ع على أنه تسري على ضمان المحيل يسار المدين المحال عليه الأحكام الخاصة الواردة في باب البيع.

الفقرة الثالثة : أثر الحوالة الواقعة على جزء من الدين

إذا حول الدائن أو صاحب الحق جزء من دينه أو من حقه ، ورجع كل من المحال له والمحيل على المدين ، الأول لاستيفاء جزء الدين أو الحق المحال له ، والثاني لاستيفاء الجزء الذي لم تشمله الحوالة ، وكانت ذمة المدين غير مليئة ، فلا يكون لأحدهما الأفضلية على الآخر في استيفاء دينه أو حقه ، بل يتوازع الطرفان ما يمكن قبضه من المدين على قدم المساواة كل كل بقدر دينه أو حقه كما يباشران الدعاوى المتعلقة بالدين أو الحق كل بنسبة حصته في الدين أو الحق. وقد جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 206 من ق.ل.ع " إذا وردت الحوالة على جزء من الدين ، جاز للمحيل والمحال له كل بقدر حصته أن يباشر الدعاوى الناتجة عن الدين المحال...".

ولئن كان الأصل في الحوالة الواقعة على جزء من الدين ، اشتراك المحيل والمحال له على قدم المساواة في الحق المحال به ، فإن لهذا الأصل بعض الاستثناءات يتقدم فيها المحال له على المحيل وتكون له الأفضلية في استيفاء الجزء المحال به من الدين. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 206 من ق.ل.ع " ومع ذلك يكون للمحال له حق الأولوية :

  1. إذا اشترطه

  2. إذا ضمن المحيل يسار المدين المحال عليه ، أو التزم بالوفاء عند عدم حصوله منه ".

ففي كل من هاتين الحالتين يتقدم المحال له على المحيل في استيفاء الجزء المحال به ، ولا يحق للمحيل قبض شيء من المتبقي من الدين الذي لم تشمله الحوالة إلا بعد أنيكون المحال له استوفى تمام مطلوبه.


تعليقات

التنقل السريع