القائمة الرئيسية

الصفحات

المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير في القانون المغربي

  المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير

المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير في القانون المغربي


إذا كانت القاعدة العامة أن الإنسان لا يسأل إلا عن عمله الشخصي ، إلا أنه يمكن على وجه الإستثناء أن يرتب القانون على شخص مسؤولية عمل قام به غيره ، وفي هذه الحالة لا تقوم المسؤولبة إلا بالنسبة للأشخاص الذين عددهم القانون على سبيل الحصر.

وهكذا فبعد أن أوضحت القفرة الأولى من الفصل 85 من ق.ل.ع أن " الشخص لا يكون مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب ، لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته " ، استعرضت الفقرات التالية من نفس الفصل مختلف فئات الأشخاص الذين يمكن مساءلتهم عن فعل الغير ، وهذه الفئات هي :

  1. الأب فالأم بعد موته بالنسبة للضرر الذي يحدثه أبناؤهما القصر المقيمون معهما

  2. المخدوم والمتبوع بالنسبة للضرر الذي يحدثه الخادم أو التابع

  3. أرباب الحرف بالنسبة للضرر الذي يحدثه متعلموهم ماداموا تحت رقابتهم

  4. الأب والأم وغيرهما من الأقارب والأزواج بالنسبة للضرر الذي يحدثه المجانين وغيرهم من مختلي العقل إذا كانوا يقيمون معهم ، وكذلك من يتحمل بمقتضى عقد رعاية هؤلاء الأشخاص أو رقابتهم

  5. المعلمون وموظفو الشبيبة والرياضة بالنسبة للضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم.

فمسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة تتوقف على إثبات خطأ في جانبهم وفقا للقواعد العامة.

ومسؤولية الأب فالأم عن عمل أنائهما القصر ، وأرباب الحرف عن عمل متعلميهم ، والمعهود إليهم برقابة المجانين وغيرهم من مختلي العقل بمقتضى نص في القانون أو بمقتضى عقد عن عمل هؤلاء الأشخاص ، تقوم قرينة قانونية على تحققها ، ولكن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس.

ومسؤولية المخدوم والمتبوع عن أعمال خادمه أو تابعه تقوم كذلك قرينة قانونية على تحققها، ولكن هذه القرينة قرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس.

أولا : المسؤلية التقصيرية عن فعل الغير القائمة على خطأ واجب الإثبات

يتعلق الأمر هنا بمسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم. وقد عرض ق.ل.ع لهذه المسؤولية في الفصل 85 مكرر حيث جاء في فقرته الأولى " يسأل المعلمون وموظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم ".

وتتلخص الأحكام الواردة في الفصل 85 مكرر بالقواعد التالية :

  • رجال التعليم العام والخاص وموظفو الشبيبة والرياضة يسألون عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم. فمسؤولية رجل التعليم وموظف الشبيبة وارياضة منوطة إذن بوجود الطفل أو الشاب تحت رقابته. فبمجرد إنهاء هذه الرقابة أي بمجرد مغادرة الطفل أو الشاب المدرسة أو القاعة المخصصة للرياضة تزول مسؤولية رجل التعليم أو موظف الشبيبة والرياضة ، ويعود الطفل أو الشاب القاصر إلى رقابة وليه ، ويتحمل الشاب ، كامل الأهلية بنفسه مسؤولية أعماله الضارة.

  • إن مسؤولية رجال التعليم وموظفي الشبيبة والرياضة لا تقوم على أساس خطأ مفترض، بل على أساس خطأ يجب إقامة الدليل عليه عملا بمبادئ المسؤولية الشخصية. وهذا ما أوضحته الفقرة الثانية من الفصل 85 مكرر حيث علقت مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة على إثبات المدعي " الخطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال " في جانبهم " وفقا للقواعد العامة ".

  • تحل الدولة محل المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة بالنسبة لأي فعل ضار يرتكب من الأطفال أو الشبان أو يرتكب عليهم أثناء وجودهم تحت رقابتهم. وفي حالة وقوع الضرر يمتنع على المضرور أو ممثله مقاضاة المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة أمام المحاكم المدنية ، بل يجب عليه إقامة الدعوى على الدولة بوصفها حالة محل رجل التعليم أو موظف الشبيبة والرياضة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الثالثة من الفصل 85 مكرر " وفي جميع الحالات التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم وموظفي الشبيبة والرياضة نتيجة ارتكاب فعل ضار أو بمناسبته إما من الأطفال أو من الشبان الذين عهد بهم إليهم بسبب وظائفهم وإما ضدهم في نفس الأحوال ، تحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين السابقين ، الذين لا يجوز مقاضاتهم أبدا أمام المحاكم المدنية من المتضرر أو من ممثله ".

ومسؤولية الدولة تحل محل مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة في كل حالة يعهد فيها إليهم بالأطفال أو الشبان بغرض التهذيب الخلقي أو الجسدي الذي لا يخالف الأنظمة ، ويوجدون بذلك تحت رقابتهم لا فرق بين أن يقع الفعل الضار أو أوقات الدراسة أو خارجها. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الرابعة من الفصل 85 مكرر " ويطبق هذا الحكم في كل حالة يعهد فيها بالأطفال أو الشبان إلى الموظفين السابق ذكرهم قصد التهذيب الخلقي أو الجسدي الذي لا يخالف الضوابط ، ويوجدون بذلك تحت رقابتهم، دون اعتبار لما إذا وقع الفعل الضار في أوقات الدراسة أم خارجها ".

  • لا يسوغ في الدعوى الأصلية التي يرفعها المضرور ضد الدولة أن تسمع شهادة الموظفين الذين يمكن أن تمارس الدولة ضدهم دعوى الرجوع لاسترداد ما حكم به عليها ( الفقرة السادسة من الفصل 85 مكرر ).

  • يجوز للدولة أن تباشر دعوى الإسترداد إما على رجال التعليم وموظفي الشبيبة والرياضة ، وإما على الغير وفقا للقواعد العامة. ( الفقرة الخامسة من الفصل 85 مكرر ).

  • إن دعوى المسؤولية التي ترفع على رجال التعليم الخاص ، لمطالبتهم بالتعويض عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان أو الواقع عليهم ، ودعوى المسؤولية التي ترفع على الدولة بوصفها حالة محل رجال التعليم العام وموظفي الشبيبة والرياضة لمطالبتها بالتعويض عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان أو اللاحق بهم ، تتقادم بمضي ثلاث سنوات من يوم ارتكاب الفعل الضار.

ثانيا : المسولية التقصيرية عن فعل الغير القائمة على خطأ مفترض قابل لإثبات العكس

يدخل في رحاب هذا النوع من المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير ، مسؤولية الأب أو الأم عن فعل أبنائهما القصر الذين يقيمون معهما ، ومسؤولية صاحب الحرفة عن فعل المتعلم ، ومسؤولية الأب والأم وغيرهما من الأقارب أو الأزواج عن الأضرار التي يحدثها المجانين وغيرهم من مختلي االعقل ومن يتحمل بمقتضى عقد مسؤولية هؤلاء الأشخاص.

  • مسؤولية الأب أو الأم عن أفعال أبنائهما القصر المقيمين معهما

تعتبر من أبرو المسؤوليات التقصيرية عن فعل الغير. وقد نص عليها المشرع في الفصل 85 ـ فقرة 2 ـ من ق.ل.ع الذي جاء فيه " الأب فالأم يسألان عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما ".

طبقا للنص السالف الذكر لا تتحقق هذه المسؤولية إلا بوجود الشروط الآتية : تولي أحد الأبوي سلطة الرقابة ، كون الإبن قاصرا يسكن مع أبويه ، وإتيانه لفعل ضار بالغير.

الشرط الأول : تولي أحد الأبوين سلطة الرقابة

تقع هذه المسؤولية مبدئيا على الأب باعتباره الولي الشرعي الأول عن أبنائه القاصرين ، فعند عدم وجودخ أو فقد أهليته تنتقل هذه المسؤولية إلى الأم تبعا لانتقال هذه الولاية الشرعية لها. وهذا ما ينسجم مع منطوق المادة 231 من مدونة الأسرة التي جاء فيها "صاحب النيابة الشرعية :

  1. الأب الراشد

  2. الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته

...".

وللإشارة فتحديد الأشخاص المسؤولين لا ينبع من ممارسة سلطة الرقابة والتوجيه ، وإنما ينبع من النص مباشرة ، أي الفصل 85 ـ فقرة 2 ـ الذي حصر المسؤولية عن القاصرين في الأب والأم ، وبذلك فإن هذه المسؤولية لا تمتد إلى أصحاب النيابة الشرعية الآخرين (وصي الأب ، وصي الأم ، القاضي ، مقدم القاضي ) أو أقارب القاصر أو الحاضن أو الغير ، ولو انتقلت إليه سلطة مراقيته وتوجيهه عقب موت أوبويه.

الشرط الثاني : كون الإبن قاصرا

وهنا قد يكون سبب قصر الإبن هو صغر سنه.

  • صغر سن الإبن :

يكون الأب فالأم مسؤولين عن الأضرار التي يحدثها ابنهما القاصر الذي لم يبلغ بعد الثامنة عشرة سنة شمسية كاملة ، أو لم يحصل على الترشيد وفقا للإجراءات الشرعية ببلوغه سن السادسة عشرة سنة. جاء بهذا الخصوص ضمن قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 14 نونبر 2001 " في شأن وسيلة النقض الثانية المتخذة من عدم التعليل وعدم الإرتكاز على أساس قانوني حسب الفقرة 5 من الفصل 586 من قانون المسطرة الجنائية ، ذلك أن الضحية من مواليد سنة 1980 والحادث قد وقع بتاريخ 13 / 7 / 93. فكان عمره بذلك يتجاوز 13 سنة. والحكم المطلوب نقضه لما شطر مسؤولية الحادث بين المتهم وولي أمر الضحية عوض تشطيرها بين المتهم والضحية نفسه بوصفه قاصرا مميزا يتحمل شخصيا مسؤولية تصرفاته وأخطائه يكون قد خالف القانون ومعرضا للنقض. لكن خلافا لما جاء بالوسيلة ، فإن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما اعتبرت الأب مسؤولا عن الأخطاء المرتكبة من طرف ابنه القاصر تكون قد طبقت الفصل 85 من قانون الإلتزامات والعقود تطبيقا سليما والوسيلة على غير أساس ".

وعليه إذا كان الإبن راشدا أو مرشدا فإن أبويه لا يسألان عن تصرفاته الضارة ولو كان ساكنا معهما وتحت إشرافهما ومراقبتهما.

  • الشرط الثالث : أن يكون القاصر ساكنا مع أبويه

إن مناط إعمال المسؤولية عن فعل الغير طبقا للفصل 85 ـ فقرة 2 ـ من ق.ل.ع هو تمتع الأب فالأم بعد موته بسلطة مراقبة وتوجيه تصرفات ابنهما القاصر. وهذا ما يتحقق باتحاد المسكن المعتاد أي الإقامة الرسمية. ولو كان هذا الإبن مستقلا من حيث لوازم عيشه الأخرى بحيث يتوفر على أموال ذاتية لتغطيتها.

فإذا انعدم شرط المساكنة بهذا المفهوم تخلص الأبوان من المسؤولية دون اعتبار لانتقال أو عدم انتقال رقابة الطفل القاصر إلى أحد من الغير. جاء بهذا الخصوص ضمن قرار أصدره المجلس الأعلى بتاريخ 3 دحنبر 1964 " إن قرينة خطأ الأب والأم المستفادة من الضرر الذي يتسبب فيه أطفالهما القاصرين تختفي في نفس الوقت الذي تنقطع فيه المساكنة دون اشتراط وجود الطفل تحت توجيه ورقابة شخص آخر خاضع لقرينة مماثلة ، وذلك مالم يكن انعدام المساكنة ناتجا عن سبب غير قانوني أو كان لا يمنع الأبوين من مباشرة الرقابة ".

أما عن مسؤولية الأبوين عن الأفعال الضارة التي يقترفها ابنهما القاصر خارج المسكن ،فأن حكمها يختلف باختلاف الحالات التالية :

  • لا تنتفي هذه المسؤولية إذا غاب الإبن القاصر عن مسكن أبويه بصفة مؤقتة.

  • أيضا لا تنتفي هذه المسؤولية إذا كانت مغادرة الإبن القاصر لأبويه وسكناه بعيدا عنهما ترجع لسبب غير قانوني ، كأنيفر من البيت أو يطرد منه ، لأن ذلك يعتبر يعتبر خطأ من الأبوين وسببا غير قانوني ، فلا يكون له تأثير على مسؤوليتهما.

  • لكن تنتفي مسؤولية الأب فالأم إذا كانت مغادرة الإبن القاصر وسكناه بعيدا عنهما تقوم على أسباب قانونية ، كوضعه في عهدة الغير لتعلم القراءة والكتابة أو تعلم حرفة معينة ، أو إيداعه في مؤسسة خاصة بالأحداث الجانحين عقب صدور حكم قضائي بذلك. وهذا ما أكد عليه المجلس الأعلى بتاريخ 11 أبريل 1980 عندما قرر أنه " لا مجال لتطبيق الفصل 85 من ق.ل.ع المتعلق بمسؤولية الأبوين عن أبنائهما القاصرين بعد أن ثبت للمحكمة أن الطفل خرج أثناء سفره من رقابة والديه . إن مسؤولية الضرر اللاحق بالطفل غير المميز المنقول مجانا ، تقع على عاتق حارس الشيء المسبب للضرر بعد أن أصبح متوليا رقابة الطفل ".

والإثبات هنا مطلوب من الأب فالأم ، لأن السكنى القانونية للقاصر هي مع أبويه مادامت الزوجية قائمة والولاية عند الأب لم تسقط عنه. وإلا فإن السكنى القانونية للقاصر هي سكنى حاضنته أو حاضنه.

وتقوم مسؤولية الأبوين على أساس خطأ مفترض بمقتضى قرينة قانونية ، غير أن هذه القرينة ليست قاطعة ، وإنما بسيطة تقبل إثبات العكس. وهذا ما نص عليه الفصل 85 ـ فقرة 5 ـ من ق.ل.ع بقوله " وتقوم المسؤولية المشار إليها أعلاه ، مالم يثبت الأب أو الأم...أنهم لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الذي أدى إليها ".

من ثم يمكن للأبوين التخلص من المسؤولية بأحد السبل التالية :

  1. نفي الخطأ عن نفسهما : بإثبات أنهما لم يقترفا أي خطأ في تربية ولدهما ومراقبته وتوجيهه نحو السلوك الحسن ، كما أنهما اتخذا كل الإحتياطات الضرورية لمنع حصول العمل الذي أضر بالغير.

  2. نفي العلاقة السببية بين الخطأ المفترض في جانبهما والعمل الضار الذي اقترفه القاصر: كأن يثبت الأب أو الأم أن هذا الضرر كان بسبب أجنبي لم يكن في وسعهما توقعه أو تلافيه.

  3. نفي المسؤولية عن القاصر : كأن يثبت المكلف بالرقابة أن الفعل الضار الصادر عن القاصر يعد لسبب أجنبي لا دخل لهذا الأخير فيه. كأن يكون وقع بفعل قوة قاهرة أو خطأ ارتكبه المضرور ذاته أو الغير. وهذا ما يؤدي بالتبعية إلى نفي مسؤولية الأبوين.

  • المسؤولية عن الأضرار التي يحدثها المجانين ومختلو العقل

جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 85 ـ فقرة 6 و 7 ـ من ق.ل.ع " الأب والأم وغيرهما من الأقارب أو الأزواج يسألون عن الأضرار التي يحدثها المجانين وغيرهم من مختلي العقل إذا كانوا يسكنون معهم ، ولو كانوا بالغين سن الرشد. وتلزمهم هذه المسؤولية مالم يثبتوا :

  1. أنهم باشروا كل الرقابة الضرورية على هؤلاء الأشخاص

  2. أو أنهم كانوا يجهلون خطورة مرض المجنون

  3. أو أن الحادثة قد وقعت بخطأ المتضرر

ويطبق نفس الحكم على من يتحمل بمقتضى عقد رعاية هؤلاء الأشخاص أو رقابتهم ".

إنطلاقا من ذلك سوف نتعرض لكل من شروط تحقق هذه المسؤولية وأساسها وكيفية دفعها.

بناء على النص المذكور لا تقوم هذه المسؤولية إلا عقب تحقق الشروط الآتية : أن يتولى شخص الرقابة ، أن يكون الشخص الذي فرضت عليه الرقابة مجنونا أو مختل العقل ، وهو يقع تحت رقابة الشخص المسؤول عنه.

الشرط الأول : تولي الرقابة

لا يمكن أن تقع هذه المسؤولية إلا على صنفين من الأشخاص :

  • أشخاص عينهم القانون وهم الأب أو الأم أو الزوج أو الزوجة ، أو أي قريب آخر يقيم معه المجنون أو مختل العقل ويخضع لرقابته ، كالأخ أو الأخت أو الإبن أو البنت أو الجد أو الجدة وهكذا...

  • أشخاص معينون بالإتفاق وهم أجانب ، لا يمتون بصلة قرابة للمجنون أو مختل العقل ، لكنهم يلتزمون بمراقبته ورعايته بموجب عقد.

الشرط الثاني : أن يكون الشخص الذي فرضت عليه الرقابة مجنونا أو مختل عقل

أي أن يكون شخصا فاقد القدرة العقلية كليا أو جزئيا مما يجعله في حالة إلى رقابة لمنعه من الإضرار بالغير.

ومن ثم فلا علاقة للمسؤولية عن المجنون أو مختل العقل ببلوغ سن معينة ، فمادام الشخص فاقدا للإدراك والتمييز فهو يعد قاصرا في نظر القانون يرفع عنه التكليف ويخضع للرقابة والحجر إلى أن يشفى من مرضه.

الشرط الثالث : أن يكون المجنون أو مختل العقل تحت رقابة الشخص المسؤول عنه

ويعني ذلك أن يكون المجنون أو مختل العقل وقت ارتكابه للخطأ في كنف أحد أقاربه ، أو تحت مسؤولية شخص أجنبي عنه مكلف بمراقبته ورعايته بموجب عقد.

ويعتبر المجنون أو مختل العقل تحت رقابة أحد أقاربه إذا كان ساكنا عنده ، فإذا كان يسكن مع عدد من أفراد أسرته فإن المسؤولية لا تقوم في حقهم جميعا وإنما يسأل الأب والأم عند عدمه ، ثم الزوج وهكذا بالتوالي حسب درجة القرابة.

فإذا عهد بالرقابة لأجنبي عن طريق عقد زالت الرقابة عن أفراد الأسرة المذكورين وتحملها المراقب ، وذلك بشرط أن يكون هذا العقد عوضيا.

الشرط الرابع : أن يرتكب المجنون أو مختل العقل خطأ يؤدي إلى الإضرار بالغير

أما عن الأساس القانوني لمسؤولية متولي الرقابة عن المجانين أوالمختلين عقليا فإننل نلاحظ أن المشرع المغربي قد أسس هذه المسؤولية على نفس الأساس الذي بنى عليه مسؤولية الأبوين عن الأعمال الضارة الصادرة عن أبنائهما القاصرين ، ويتعلق الأمر بالخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه ، غير أن هذا الخطأ المفترض يستند إلى قرينة قانونية بسيطة تقبل إثبات العكس.

وهكذا فبالرجوع إلى الفصل 85 ـ فقرة 6 ـ من ق.ل.ع يمكن لمتولي الرقابة على المجنون أو مختل العقل دفع المسؤولية عنه بإحدى الطرق الآتية :

  • نفي الخطأ عنه بإثبات أنه باشر الرقابة الواجبة وأن أي إهمال أو تقصير لا يمكن أن يعزى إليه في مباشرة واجب الرقابة.

  • نفي علاقة السببية بين الخطأ المفترض في جانبه وبين العمل الضار الذي أقدم عليه من هو موجود تحت رقابته ، وقد مثل المشرع لذلك في النص المذكور بإثبات المكلف بالرقابة جهله بخطورة مرض المجنون.

  • نفي المسؤولية عن المجنون أو مختل العقل ، كأن يثبت متولي الرقابة أن الحادثة التي نتج عنها الضرر حصلت بخطأ المضرور نفسه كما أشار إلى ذلك الفصل 85 ـ فقرة 6ـ أو أن يثبت أن الضرر الذي حصل للمضرور كان نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ الغير. ذلك مع العلم أن انتفاء مسؤولية المريض عقليا يستتبع بالضرورة انتفاء مسؤولية المكلف بالرقابة.

  • مسؤولية أرباب الحرف عن الضررالحاصل من متعلميهم

جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 85 ـ فقرة 4 و 5 ـ من ق.ل.ع " أرباب الحرف يسألون عن الضرر الحاصل من متعلميهم خلال الوقت الذي يكونون فيه تحت رقابتهم. وتقوم المسؤولية المشار إليها أعلاه ، إلا إذا أثبت...أرباب الحرف أنهم لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الذي أدى إليها ".

انطلاقا من هذا النص ، لابد لمساءلة رب الحرفة عن الأضرار الحاصلة من متعلميه من توفر عدة شروط وهي : كون متولي الرقابة رب حرفة ، كون الشخص الآخر متعلما ، أن يكون المتعلم تحت رقابة رب الحرفة ، وأن يرتكب المتعلم فعلا ضارا بالغير.

الشرط الأول : أن يكون متولي الرقابة رب حرفة

رب الحرفة هو الشخص الذي يمارس لحسابه الخاص حرفة معينة معتمدا بالأساس على جهده وعمله الشخصي ، لا على المضاربة على حساب الغير ، وإن كان يسعى إلى تحقيق الربح ، مما يضفي على نشاطه صفة النشاط التجاري بالإحتراف.

وقد جرت العادة على أن يستعين رب الحرفة بخدمات أطفال ( متعلمين ) وذلك مقابل تكوينهم الحرفي وتلقينهم أصول الحرفة التي يزاولها.

من ثم فرب اليمارس التعليم بصفة عرضية وهذا ما يجعله متميزا عن كل من :

  • المعلم الذي يمارس التعليم بصفة أصلية.

  • والمؤاجر الذي لا يمارس مبدئيا التعليم وإنما يستفيد من خدمات الأجير مقابل أجر معين.

الشرط الثاني : أن يكون الشخص الآخر متعلما

يعني ذلك أن يكون هذا الشخص في طور التكوين على حرفة معينة ، يستوي أن يكون قاصرا أو راشدا. وهو في الغالب لا يتلقى أجرا ـ أو يتلقى أجرا زهيدا ـ نظير المساعدة التي يقدمها لرب الحرفة.

من ثم فهو بدوره يختلف عن كل من :

  • التلميذ الذي يتعلم القراءة والكتابة لفائدته الخاصة

  • و الأجير الذي يبذل نشاطه المهني لفائدة مشغاه في مقابل أجر معين.

وبذلك يتعين على قاضي الموضوع أن يتأكد قبل إعمال هذه المسؤولية من توافر المقومات الأساسية التي تطبع صفة رب الحرفة ، وتلك التي تطبع صفة المتعلم ، بحيث يمكنه أن يستند إلى عقد التكوين المهني ، كما يمكنه الإستناد إلى أية وسيلة إثبات أخرى من شأنها أن تحدد تلك الصفتين خاصة أن العادة قد جرت على حصول هذه الإرتباطات بناء على عقود شفوية.

الشرط الثالث : أن يكون المتعلم تحث رقابة رب الحرفة

يتعين أن يكون المتعلم تحت رقابة رب الحرفة في الوقت الذي يحدث فيه الضرر لغيره ، أما ما يقع من المتعلم من اعتداء خارج هذا الوقت فلا يكون رب الحرفة مسؤولا عنه ، لأن هذه المسؤولية مرتبطة بالرقابة.

ويكون المتعلم تحت رقابة رب الحرفة خلال ساعات العمل ، كما تستمر هذه الرقابة خارج تلك الساعات إذا كان مقيما عنده ، بحيث يستغرق وقته كله.

أما إذا لم يكن مقيما عنده فإن المسؤولية تنقطع بانتهاء ساعات العمل ، بحيث تنتقل إلى أبيه فأمه إذا كان المتعلم قاصرا.

الشرط الرابع : أن يرتكب المتعلم فعلا ضارا بالغير

لقيام مسؤولية رب الحرفة طبقا للفصل 85 ـ فقرة 4 و 5 ـ من ق.ل.ع يتعين أن يرتكب المتعلم خطأ يؤدي إلى الإضرار بالغير ، أما الضرر الذي يصيبه شخصيا فقد يعتبر حادثة شغل تخضع للتشريعات الخاصة بها ، ولا يسأل عنها رب الحرفة إلا على أساس خطأ يجب إثباته في جانبه.

وقد بنى المشرع مسؤولية رب الحرفة عن الضرر الحاصل من متعلميه على أساس خطأ مفترض في جاتب رب الحرفة قوامه أنه لم يقم بمراقبة المتعلم المراقبة الواجبة ولم يوجهه التوجيه السليم. ومن ثم فإن ارتكاب المتعلم للعمل الضار بغيره يكون قرينة على أن رب الحرفة لم يقم بالمراقبة اللازمة ، وهذا ما اعتمده المشرع صراحة بمقتضى الفصل 85 ـ فقرة 5 ـ من ق.ل.ع الذي أورد فيه أنه " وتقوم المسؤولية " وتقوم المسؤولية المشار إليها أعلاه ، إلا إذا أثبت...أرباب الحرفة أنهم لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الذي أدى إليها ".

وقرينة الخطأ مقررة هنا من طرف المشرع حماية للضحية من جهة ، وتخفيفا عليه من عبء الإثبات من جهة أخرى.

ثالثا : المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير القائمة على خطأ مفترض غير قابل لإثبات العكس

يتعلق الأمر هنا بمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه. قد جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 85 ـ فقرة 3 ـ من ق.ل.ع " المخدومون ومن يكلفون غيرهم رعاية مصالحهم يسألون عن الضرر الذي يحدثه خدامهم ومأموروهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيها ".

ولا تنهض هذه المسؤولية إلا إذا تحققت عدة شروط وهي : وجود علاقة علاقة تبعية بين تابع ومتبوع ، أن يرتكب التابع خطأ يؤدي إلى الإضرار بالغير ، وأن يرتكب التابع الخطأ أثناء العمل أو بمناسبته.

الشرط الأول : وجود علاقة تبعية بين تابع ومتبوع

تقوم علاقة التبعية عندما يعمل شخص لحساب غيره ، بحيث توجد سلطة فعلية لهذا الغير في توجيه العمل الذي يقوم به التابع وفي مراقبته.

من ثم فإن علاقة التبعية لا تتحقق إلا بتوفر أمرين : الأول أن يقوم التابع بعمل لحساب المتبوع ، والثاني أن تكون للمتبوع سلطة فعلية في مراقبة عمل التابع وتوجيهه.

وسلطة الرقابة والتوجيه ما يملكه المتبوع بناء على القانون أو الإتفاق من صلاحية في إصدار الأوامر وتوجيه التعليمات للتابع بشأن طريقة أداء العمل ومراقبته وتنفيذه.

فإذا لم يقم الشخص بعمل لحساب من يراقبه ، أو قان بعمل حر لا يخضع في أدائه لرقابة أو توجيه فإننا لا نكون بصدد علاقة تبعية. لكن نشير هنا إلى أنه إذا كانت سلطة الرقابة والتوجيه مشترطة لقيام علاقة التبعية فإنه لا يشترط ممارسة المتبوع لها وقت وقوع العمل غير المشروع وإنما يكفي وجوده.

فإذا توافر الشرطان المشار إليهما كان ذلك كافيا لقيام علاقة التبعية ، ومن دون ضرورة لوجود عقد بين الطرفين ولا لأجر يدفعه أحدهما للآخر. وتبعا لهذا فإن بطلان العقد لا يمنع من قيام علاقة تبعية بين طرفيه.

ونشير إلى أن رقابة المتبوع على عمل تابعه قد تكون رقابة مباشرة يقوم بها بنفسه ، وقد تكون رقابة غير مباشرة عن طريق غيره.

كما نشير إلى أن رقابة المتبوع على عمل التابع قد تكةن رقابة فنية تفصيلية مما يعني أن للمتبوع معرفة تامة بالقواعد الفنية للعمل ، كما أن هذه الرقابة قد لا تكون إلا من الناحية التنظيمية والإدارية بحيث لا يشترط في المتبوع أن يكون عارفا بالقواعد الفنية للعمل.

الشرط الثاني : أن يرتكب التابع خطأ يؤدي إلى الإضرار بالغير

إن مسؤولية المتبوع مسؤولية تبعية لا تقوم إلا بارتكاب التابع خطأ من شأنه أن يرتب مسؤولية هذا الأخير الشخصية. وهذا ما شدد عليه المجلس الأعلى عندما نظر في قرار صدر عن محكمة الإستئناف بالرباط قضى باعتبار صاحبسيارة مسروقة مسؤولا عن الضرر الذي وقع لسيارة أخرى نتيجة اصطدام حصل بين سيارتين ، وذلك بالإستناد إلى أن سائق السيارة المسروقة لما ترك مفتاح المحرك داخل السيارة يكون قد أتاح للسارق سرقتها واقترف بذلك خطأ يثير مسؤولية متبوعه صاحب السيارة. وقد عمد المجلس الأعلى ـ محكمة النقض حاليا ـ إلى نقض قرار المحكمة معللا نقضه بقوله " إن مسؤولية المتبوع لا تترتب إلا إذا اقترف التابع خطأ ، والحال أن حصول الحادث وفقا للملابسات المذكورة ، لا يقوم معه الدليل على أن الضرر الحاصل كان نتيجة مباشرة لإهمال السائق ".

الشرط الثالث : أن يرتكب التابع الخطأ أثناء العمل أو بمناسبته

لا توجد أية صعوبة في إثبات حصول الفعل الضار الذي كلف به التابع ، بحيث تكفي القواعد العامة لإقامة العلاقة السببية بين الفعل غير المباح والضرر الحاصل. بحيث إذا ثبت أن هذا الفعل كان السبب المباشر في وقوع الضرر ، وأنه وقع خلال وقت العمل او بسببه ، ترتبت المسؤولية على عاتق رب العمل بصفته متبوعا.

وهذا ما شدد عليه المجلس الأعلى بمقتضى قرار صدر عنه بتاريخ 18 مارس 1975 جاء فيه بأن " المخدوم يسأل عن الفعل الضار الصادر عن أحد خدامه إذا كان هذا الأخير قد ارتكب ذلك الفعل أثناء القيام بالوظيفة أو بسببها ".

كذلك يسال المتبوع عن الفعل الضار الصادر من التابع بمناسبة القيام بالوظيفة. وهذا هو النهج الذي سلكه القضاء المغربي لما عمد إلى تفسير الفقرة الثالثة من الفصل 85 من ق.ل.ع تفسيرا واسعا يتجاوز ظاهر النص ، معتبرا المتبوع مسؤولا أيضا عن الخطأ الذي يقتره التابع بمناسبة الوظيفة. فقد ذهب المجلس الأعلى بموجب قرار صدر عنه بتاريخ 8 يناير 1959 إلى أن " المتبوع يسأل مدنيا عن الأضرار التي تسبب فيها التابع للغير ، بحيث يكفي أن يكون الفعل الضار مرتبطا بأساب الوظيفة التي يتولى إنجازها ".

اما بالنسبة للأساس المعتمد لتبرير مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه ، فقد عبر المشرع من خلال صريح عبارات الفصل 85 ـ القفرة 3 ـ عن إسناد هذه المسؤولية إلى خطأ مفترض في جانب المتبوع ، وذلك بتقصيره في واجب مراقبة التابع وتوجيهه مما أتاح لهذا الأخير فرصة القيام بأعمال ضارة بالغير.

وتنفرد هذه المسؤولية عن باقي أنواع المسولية عن فعل الغير بأنها تقوم على أساس خطأ مفترض لا يقبل إثبات العكس ، بحيث لا يستطيع المتبوع تجنب المسؤولية بإثبات أنه لم يرتكب أي خطأ في الرقابة والتوجيه. وهذا ما يستفاد من خلال الفقرة 5 من الفصل 85 من ق.ل.ع التي استثنت من حكمها " المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم " عندما أوردت " وتقوم المسؤولية المشار إليها أعلاه ، مالم يثبت الأب أو الأم و أرباب الحرف أنهم لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الذي أدى إليها ".

لكن مع ذلك يستطيع المتبوع دفع المسؤولية عنه بإثباته عدم تحقق شروط المسؤولية ، كأن يثبت أن التابع لم يقترف أي خطأ ، أو أنه أخطأ خارج أوقات العمل ولا حتى بسببه أو بمناسبته. أو أنه تصرف لمصلحته الشخصية متجاوزا تعليماته.


تعليقات

التنقل السريع