القائمة الرئيسية

الصفحات

المسؤولية التقصيرية عن فعل الأشياء في القانون المغربي

 المسؤولية التقصيرية عن فعل الأشياء 

المسؤولية التقصيرية عن فعل الأشياء في القانون المغربي


كما هو معلوم قد أفرز التطور الصناعي والتكنولوجي المتزايد تعدد المخاطر والأضرار المرتبطة باستعمال الأشياء ، مما حدى بالمشرع إلى إيلاء عناية خاصة للمسؤولية المترتبة عن ذلك ، بحيث أفردها المشرع بأحكام خاصة ومستقلة كما يستفاد من الفصول 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 من ق.ل.ع

وبإمعان النظر في مضمون هذه الفصول نلاحظ انه بالرغم من تعدد المسؤوليات التقصيرية بفعل الأشياء ، فإنه يمكن تقسيمها إلى طائفتين : مسؤولية تقصيرية عن فعل عموم الأشياء ، ومسؤولية تقصيرية عن فعل أشياء خاصة.

أولا : المسؤولية التقصيرية عن فعل عموم الأشياء

تناول المشرع هذه المسؤولية ضمن الفصل 88 من ق.ل.ع الذي جاء فيه " كل شخص يسأل عن الأشياء التي في حراسته ، إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر ، وذلك مالم يثبت :

  1. أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر

  2. و أن الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو لقوة قاهرة ، أو لخطأ المتضرر ".

انطلاقا من هذا النص سنعالج على التوالي كلا من شروط تحقق مسؤولية حارس الشيء ، وأساسها وكيفية دفعها.

  1. شروط مسؤولية حارس الشيء

لا تنهض مسؤولية حارس الشيء إلا عند تحقق شرطين أساسيين : أن يتولى شخص حراسة شيء ، وأن يحدث هذا الشيء ضررا للغير.

الشرط الأول : أن يتولى شخص حراسة شيء

يقتضي منا هذا الشرط أن نحدد مدلول مفهومين : مفهوم الحراسة ، ومفهوم الشيء المحروس.

يقصد بالحراسة السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه والتصرف في الشيء ، فأينما وجدت هذه السلطة قامت معها المسؤولية. والحراسة لا ترتبط بالملكية وإن كان المالك بحسب الأصل هو الحارس.

وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار صدر عنه بتاريخ 25 يوليوز 1975 بقوله " المقصود بالحراسة الواردة في الفصل 88 من ق.ل.ع هو أن تكون للحارس السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه ، والتصرف في الشيء المتسبب للضرر ، ولو لم تكن له الحيازة المادية لذلك الشيء ".

وفي ضوء هذا المفهوم يمكننا تقرير القواعد التالية :

  • لا يتحتم أن يكون حارس الشيء من يحوز الشيء حيازة مادية لأن الحراسة شيء والحيازة المادية شيء آخر. ثم إن مسؤولية حارس الشيء تبقى قائمة حتى لو زالت حيازته المادية للشيء.

  • الأصل أن مالك الشيء هو الحارس لأنه هو صاحب السيطرة الفعلية على الشيء. وعليه إذا رفع المضرور الدعوى على المالك فلا يكون عليه أن يثبت أن المالك هو الحارس ، إذ يقوم هذا الإفتراض لصالحه. بل يترتب على المالك أن يثبت أنه لم يكن هو الحارس وقت وقوع الضرر. ويستطيع أن يثبت ذلك بجميع الطرق.

  • إذا انتقل الشيء إلى يد التابع ، فالأصل أن تبقى الحراسة للمالك ، لأنه هو الذي يملك السلطة الفعلية في التوجيه والرقابة والتصرف في الشيء. أما إذا خول المالك التابع سلطة الرقابة والتوجيه والتصرف في الشيء ، فالتابع يصبح هو الحارس.

أما المقصود بعبارة الأشياء المذكورة في الفصل 88 من ق.ل.ع جميع الأشياء المادية غير الحية ، عقارات كانت أو منقولات من شأنها أن تتسبب بحسب طبيعتها في حدوث ضرر للغير كيفما كان نوعها.

ويستوي أن تكون الأشياء المادية غير الحية صغيرة الحجم أو كبيرة الحجم. أيضا يستوي أن تكون هذه الأشياء المادية غير الحية خطيرة تتطلب عناية خاصة لتلافي أضرارها أم لا.

لكن تطبيقا لقاعدة النص الخاص يقيد النص العام عند تعارضهما ، فإنه يشترط ألا يتعلق الأمر بأشياء تنظم المسؤولية عنها نصوص تشريعية خاصة كالمسؤولية عن الحيوان والمسؤولية عن تهدم البناء.

كل ذلك مع العلم انه يبقى لقاضي الموضوع السلطة التقديرية لتحديد عموم الأشياء التي ترتب المسؤولية طبا للفصل 88 من ق.ل.ع ، وهو يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض مادام عمله يندرج ضمن تطبيق القانون.

الشرط الثاني : أن يحدث الشيء ضررا للغير

يقصد بهذا الشرط أن يكون الإضرار بالغير ناتجا عن فعل الشيء ، أو بتعبير آخر يتعين أن يكون التدخل الإيجابي من الشيء هو الذي أفضى عمليا إلى إيقاع الضرر الذي لحق الشخص المضرور.

وهذا ما يقتضي أن يكون هذا الشيء في وضعية من شأنها أن تحدث ضررا حقيقيا للغير. أما إذا كان الشيء متوقفا عن العمل أو الحركة ، فلا يسوغ أن ينسب الضرر الذي لحق الغير لذلك الشيء ، لأن تدخله كان سلبيا في إيقاع الضرر.

وقد يسأل الحارس عن الأضرار التي يسببها شيئه الساكن غير المتحرك ، إذا كان هذا الشيء في غير وضعيته الطبيعية أو القانونية.

وتجدر الإشارة إلى أنه يتم إعمال مقتضيات المسؤولية التقصيرية عن فعل الشيء حتى في الحالة التي ينجم فيها الضرر عن تصادم عدة أشياء فيما بينها.

وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار صدر عنها بتاريخ 2 دجنبر 2014 ، حيث ذهبت إلى أنه " حيث إن محكمة الإستئناف لما اعتبرت أن خطأ الطاعن مفترض باعتباره سائق السيارة التي تؤمنها الطاعنة استنادا إلى الفصل 88 من ق.ل.ع الذي يفترض مسؤوليته على أساس عدم القيام بما يجب لتفادي الحادث وعدوم وجود خطأ الضحية المضرور ، في حين أن الضحية في النازلة هو نفسه سائق سيارة أخرى تفترض مسؤوليته على أساس نفس الفصل مما يبقي معه تعليل القرار فاسدا ويتعين نقضه ".

  1. أساس مسؤولية حارس الشيء وكيفية دفعها

أما فيما يتعلق بالأساس الذي بنى عليه المشرع مسؤولية حارس الشيء عن الضرر الذي يلحقه الشيء الذي يوجد في حراسته بالغير ، فيتمثل في خطأ مفترض في الرقابة والتوجيه. وهذا الخطأ المفترض في جانب حارس الشيء غير قابل لإثبات العكس.

إلا أنه طبقا للفصل 88 من ق.ل.ع يتعين على الحارس الذي يرغب في إسقاط قرينة المسؤولية التي تقع على عاتقه بحكم اقانون أن يثبت أمرين :

الأمر الأول : أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.

الأمر الثاني : و أن الضرر يعود لسبب أجنبي.

ولم يبين الفصل 88 من ق.ل.ع المقصود بفعل ما هو ضروري لمنع الضرر. إلا أن المجلس الأعلى ـ مكمة النقض حاليا ـ عمل من خلال قرارته على بيان المقصود من ذلك. حيث جاء في قرار صادر عنه بتاريخ 12 أبريل 1972 " إن مسؤولية الحارس المدنية لا تنتفي لمجرد عدم ارتكاب أي خطأ من جانبه يبرر إدانته جنائيا بل لا بد من أن يثبت كما يستفاد من الفصل 88 من قانون الإلتزامات والعقود أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الرر الذي يقتضي قيامه بعمل إيجابي واتخاذ احتياطات خاصة تفرضها الظروف لتجنب الحادثة...".

فالمقصود إذن بفعل ما كان ضروريا لمنع الضرر هو قيام حارس الشيء بعمل إيجابي واتخاذه احتياطات خاصة تفرضها الظروف لتجنب وقوع الضرر.

أما المقصود بالسبب الأجنبي الذي أورده المشرع في الفصل 88 من ق.ل.ع فهو تعبير عام يشمل نسبة الخطأ لأمور خارجة عن أرادة حارس الشيء ، وحددها الفصل 88 من ق.ل.ع في القوة القاهرة أو الحادث الفجائي وخطأ المتضرر.

وطبقا لصريح عبارات الفصل 88 من ق.ل.ع يتعين على حارس الشيء الذي يرغب في دفع المسؤولية عنه أن يثبت أمرين معا : أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر وأن الضرر يرجع إما لقوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ المضرور.

فإذا أثبت الحارس أحد هذين الأمري فهو لا يعفى من المسؤولية. وي هذا الصدد ذهب المجلس الأعلى في قرار صادر عنه بتاريخ 13 ماي 1970 إلى أنه " ينص الفصل 88 من قانون الإلتزامات والعقود على أن حارس الشيء يكون مسؤولا عن الأضرار الناتجة عنه اللهم إذا أثبت أنه فعل كا ما في استطاعته لتجنب الضرر وأن هذا الضرر ناتج عن حادث فجائي أو قوة قاهرة أو خطأ المصاب...".

ثانيا : المسؤولية التقصيرية عن فعل أشياء خاصة

لم يكتف قانون الإلتزامات والعقود بتنظيم المسؤولية التقصيرية التي تحصل بفعل عموم الأشياء ، بل عمد أيضا إلى تنظيم المسؤولية التقصيرية عن الأضرار التي تحصل بفعل أشياء خاصة. ويتعلق الأمر هنا بكل من المسؤولية التقصيرية عن فعل الحيوان والمسؤولية التقصيرية عن تهدم البناء.

  • المسؤولية التقصيرية عن فعل الحيوان

وهي تندرج ضمن ما يدعى بالمسؤولية التقصيرية عن مخاطر الأشياء الحية. وقد خصها ق.ل.ع بفصلين : الفصل 86 الذي جاء فيه " كل شخص يسأل عن الضرر الذي تسبب فيه الحيوان الذيي تحت حراسته ولو ضل هذا الحيوان أو تشرد مالم يثبت :

  1. أنه اتخذ الإحتياطات اللازمة لمنعه من إحداث الضرر ولمراقبته

  2. أو أن الحادثة نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطأ المتضرر".

والفصل 87 الذي نص على أنه " لا يسأل مالك أو مستأجرها أو حائزها عن الضرر الحاصل من الحيوانا ت المتوحشة أو غير المتوحشة الآتية منها ، إذا لم يكن قد فعل شيئا لجلبها أو للإحتفاظ بها فيها.

ويكون هناك محل للمسؤولية :

  1. إذا وجدت في الأرض حظيرة أو غابة أو حديقة أو خلايا مخصصة لتربية أو للاعاية بعض الحيوانات إما لقصد التجارة أو للصيد أو للإستعمال المنزلي

  2. إذا كانت الأرض مخصصة للصيد ".

ولمعالجة هذا النوع من المسؤولية سنعرض لشروط تحققها ولأساسها وكيفية دفعها.

لكي تنهض مسؤولية حارس الحيوان لا بد من وجود شرطين أساسيين : أن يتولى شخص حراسة حيوان ، وأن يحدث هذا الحيوان ضررا للغير.

الشرط الأول : أن يتولى شخص حراسة حيوان

يقتضي منا الشرط تحديد معنى كل من الحراسة والحيوان.

يقصد بالحراسة هنا السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه. فحارس الحيوان الذي يتحمل المسؤولية ، هو من يباشر بنفسه أو بواسطة تابعيه سلطة فعلية في رقابة الحيوان وتوجيهه.

وفي ضوء هذا المعيار يمكننا تقرير القواعد التالية :

  • ليس الحارس من يحوز الحيوان حيازة مادية ، لأن الحيازة المادية شيء والحراسة شيء آخر. فالتابع له الحيازة المادية ، ولكنه لا يعتبر حارسا لأنه لا يملك السلطة الفعلية في رقابة الحيوان وتوجيهه. ثم إن الفصل 86 يرتب المسؤولية على الحارس حتى في الحالة التي يكون فيها الحيوان قد " ضل أو تشرد " ، أي حتى في الحالة التي يكون فيها الحارس قد فقد الحيازة المادية للحيوان ، الأمر الذي يدل بصورة قاطعة على استقلال الحراسة عن الحيازة المادية.

  • ليس الحارس من يتمتع بحيازة الحيوان حيازة قانونية. فلو أن الحيوان سرق من مالكه ، فإن الحراسة تنتقل إلى السارق بانتقال السلطة الفعلية إليه ، ويصبح هو المسؤول عن الأضرار التي يحدثها الحيوان المسروق وهو في عهدته.

  • الأصل أن مالك الحيوان هو الحارس لأنه هو صاحب السيطرة الفعلية على الحيوان. وعليه إذا رفع المضرور الدعوى على المالك ، فلا يكون عليه أن يثبت أن المالك هو الحارس ، إذ يقوم هذا الإفتراض لصالحه ، بل يترتب على المالك أن يثبت أنه لم يكن هو الحارس وقت وقوع الضرر. ويستطيع أن يثبت ذلك بجميع الطرق.

أما فيما يتعلق بمعنى الحيوان ، لم يحدد الفصل 86 من ق.ل.ع الحيوانات التي يسأل حارسها عن الضرر الناشئ من فعلها. لذلك يجب أن يصدق هذا الفصل على أي نوع من الحيوان ، لا فرق في ذلك بين حيوان مستأنس وحيوان متوحش. كذلك يستوي أن يكون الحيوان من الدواب ، أو من الحيوانات الأليفة ، أو من الحيوانات المفترسة.

إنما يشترط أن يكون الحيوان تحت حراسة شخص يتولى حراسته.

أما الحيوانات التي توجد طليقة في عقار ، سواء كانت متوحشة أو غير متوحشة ، فلا يسأل مبدئيا مالك العقار أو مستأجره أو حائزه عن الضرر الذي تحدثه هذه الحيوانات ، إذا لم يكن قد فعل شيئا لجلبها أو للإحتفاظ بها في هذا العقار. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الأولى من الفصل 87 " لا يسأل مالك أرض أو مستأجرها أو حائزها عن الضرر الحاصل من الحيوانات المتوحشة أو غير المتوحشة الآتية منها ، إذا لم يكن قد فعل شيئا لجلبها أو للإحتفاظ بها فيها ".

على أن الفقرة الثانية من الفصل 87 من ق.ل.ع أوجبت المسؤولية في حالتين :

الحالة الأولى : إذا وجدت في العقار حظيرة أو غابة أو حديقة أو خلايا متخصصة لتربية أو لرعاية بعض الحيوانات ، إما لغرض التجارة ، وإما للصيد وإما للإستعمال المنزلي.

الحالة الثانية : إذا كان العقار مخصصا للصيد.

الشرط الثاني : أن يحدث الحيوان ضررا للغير

وفعل الحيوان الذي يرتب المسؤولية هو الفعل الإيجابي الذي له أثر في حدوث الضرر. أما إذا كان دور الحيوان سلبيا فإن الضرر لا يعتبر من فعله. والفعل الإيجابي لا يفترض وجود اتصال مادي بين الحيوان والمضرور ، وإنما يتطلب أن يكون لفعل الحيوان أثر في حدوث الضرر.

يؤخذ مفهوم الضرر بمعناه الواسع الذي يشمل نوعين : الضرر المادي الذي يصيب الضحية في جسمه أو في ماله ، والضرر المعنوي كحالة الخوف والفزع الشديدين الذي يلحقه الحيوان المفترس الذي تمكن من الإفلات من مراقبة حارسه بالأطفال وذوي القدرات الصحية المحدودة.

أما فيما يتعلق بالأساس الذي بنى عليه المشرع مسؤولية حارس الحيوان فيتمثل في خطأ مفترض في رقابة الحيوان وتوجيهه في جانب الحارس. وقد اعتبر قرينة الخطأ التي بنى عليها هذه المسؤولية قرينة قابلة لإثبات العكس

مكن المشرع حارس الحيوان من دفع المسؤولية عنه بإثبات أحد الأمرين المذكورين في الفصل 86 من ق.ل.ع :

الأمر الأول : أنه اتخذ الإحتياطات اللازمة لمنعه من إحداث الضرر ولمراقبته

الأمر الثاني : أو أن الحادثة نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطا المتضرر.

  • المسؤولية التقصيرية بفعل انهياره أو تهدمه الجزئي

تعرض ق.ل.ع لهذه المسؤولية ضمن فصلين :

الفصل 89 الذي جاء فيه " يسأل مالك البناء عن الضرر الذي يحدثه انهياره أو تهدمه الجزئي ، إذا وقع هذا أو ذاك بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء. وينطبق نفس الحكم في حالة السقوط أو التهدم الجزئي لمت يعتبر جزءا من العقار كالأشجار والآلات المندمجة في البناء والتوابع الأخرى المعتبرة عقارات بالتخصيص. وتلزم المسؤولية صاحب حق السطحية ، إذا كانت ملكية الحق منفصلة عن ملكية الأرض.

وإذا التزم شخص غير المالك برعاية البناء ، إما بمقتضى عقد ، أو بمقتضى حق انتفاع أو أي حق عيني آخر ، تحمل هذا الشخص المسؤولية.

وإذا قام نزاع على الملكية ، لزمت المسؤولية الحائز الحالي للعقار ".

والفصل 90 الذي نص على أنه " لمالك العقار الذي يخشى ، لأسباب معتبرة ، انهيار بناء مجاور أو تهدمه الجزئي أن يطلب من مالك هذا البناء أو ممن يكون مسؤولا عنه وفقا لأحكام الفصل 89 اتخااذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الإنهيار ".

انطلاقا من ذلك سنتطرق لكل من شروط تحقق هذه المسؤولية ، وأساسها وكيفية دفعها.

لا تترتب المسؤولية عن فعل تهدم البناء إلا عند تحقق شرطين أساسيين : أن يتولى شخص حراسة بناء ، ,ان يحدث تهدم هذا البناء ضررا للغير.

الشرط الأول : أن يتولى شخص حراسة بناء

للإلمام بهذا الشرط يتعين علينا أن نحدد مدلول كل من حارس البناء ، والبناء المحروس.

يقصد بالحارس في هذه المسؤولية الشخص الذي يتوفر على السلطة الفعلية على البناء والتصرف في أمره.

وكما هو معلوم الأصل أن يكون الحارس هو مالك البناء ، بحيث لا يطالب المضرور بإثبات هذه الصفة فيه ، بل هي مفترضة. لكن هذا الإفتراض يقوم على قرينة بسيطة بحيث يمكن للمالك أن يثبت أن الحراسة كانت قد انتقلت إلى الغير وقت حصول الضرر.

فقد تنتقل حراسة البناء لكل شخص تعهد برعاية البناء بموجب عقد ، أو عقب اكتسابه لحق من الحقوق العينية العقارية كحق السطحية أو حق انتفاع.

وفي حالة قيام نزاع على الملكية ، فإن الحارس يكون هو الحائز الحالي للعقار وبالتالي تلزمه مسؤولية تهدم البناء بصورة كلية أو جزئية. جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الاخيرة من الفصل 89 من ق.ل.ع " وإذا قام نزاع على الملكية ، لزمت المسؤولية الحائز الحالي للعقار ".

أما المكتري فلا يعتبر حارسا للبناء ، بحيث أصدر القضاء عدة أحكام تعفيه من تحمل عواقب هذه المسؤولية ، بل تمتعه بحق الرجوع على المالك طبقا لمقتضيات الفصل 89 من ق.ل.ع عندما يكون في مركز الضحية.

أما فيما يخص مدلول البناء المحروس ، فهو يشمل حسب نص الفصل 89 من ق.ل.ع كل المنشآت التي يقيمها الإنسان متصلة بالأرض اتصال قرار ، سواء أكانت من حجر أو إسمنت أو حديد أو خشب أو غيرها من المواد مجتمعة أو منفصلة. سواء كانت قائمة فوق سطح الأرض أو كانت قائمة في باطنها ، كما تشمل الأشجار والآلات المندمجة بالبناء. وهي تشمل أيضا العقارات بالتخصيص والآلات المستعملة في الإستغلال الصناعي أو الفلاحي ، وذلك مهما كان الغرض منها ، سواء كانت دائمة أو مؤقتة.

الشرط الثاني : أن يحدث تهدم البناء ضررا للغير

يقصد بالتهدم أو الإنهيار سقوط المنشآت المتصلة بالأرض أو الأشجار ، أو تفكك كل البناء أو بعض أجزائه ، أو اقتلاع الأشجار أو انكسارها أو انفصال ذلك عن الأرض المقامة عليها كليا أو جزئيا. ويكفي في ذلك انفصال حجر أو شيء مما يتكون منه البناء حتى يعتبر الحارس مسؤولا إذا نتج عن ذلك ضرر للغير.

ويجب الانتباه إلى أن الضرر الذي لا يحص بسبب التهدم ، لا يقع تحت حكم الفصل 89 من ق.ل.ع . حيث لا تكون المطالبة بالتعويض على أساس المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 89 والخاصة بتهدم البناء ولكن على أساس مسؤولية حارس الأشياء المنصوص عليها في الفصل 88 من ق.ل.ع

الشرط الثالث : أن يكون التهدم قد وقع بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء

أما إذا وقع التهدم لغير ذلك من الأسباب كحصول التهدم نتيجة حريق اجتاح البناء أو نتيجة هدمه طواعية من طرف صاحبه ، فإن الأضرار التي يمكن أن يلحقها مثل هذا التهدم بالغير، تقع تحت طائلة الفصل 88 من ق.ل.ع المتعلقة بمسؤولية حارس الأشياء ، ولا تخضع لحكم الفصل 89 من ق.ل.ع الذي حصر مسؤولية مالك البناء عن الأضرار التي تنجم عن تهدمه في أحد الأساب الحصرية التالية : القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء.

وتجدر الإشارة إلى أنه طبقا للفصل 90 من ق.ل.ع يجوز لمالك العقار الذي يخشى لأسباب معتبرة تهدم بناء مجاور بصورة كلية أو جزئية ، أن يطلب من مالك هذا البناء أو ممن يكون مسؤولا عنه طبقا لمقتضيات الفصل 89 من نفس القانون اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية لتجنب حصول التهدم.

فهذا حكم وقائي أراد به المشرع أن يواجه حالة لا يكون فيها البناء قد تهدم فعلا ، بل إنما هو مهدد بالإنهيار بمجموعه أو في جزء منه. ففي هذه الحالة يجوز لمن يتهدده ضرر من جراء احتمال انهيار البناء ، أن يطالب المالك أو غيره ممن يكون مسؤولا عن البناء كصاحب حق السطحية أو المنتفع أو الدائن المرتهن أو الحائز الحالي للعقار ، إذا كان ثمة نزاع على الملكية ، اتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع الإنهيار.

أما فيما يخص الأساس الذي بنى عليه المشرع المسؤولية عن تهدم البناء فيتمثل في الخطأ المفترض في جانب المالك أو متولي الرقابة وهو الإهمال في رقابة البناء كي لا ينهار أو يتهدم.

وقرينة الخطأ التي قررها المشرع في الفصل 89 من ق.ل.ع هي من نوع القرائن القاطعة التي لا يستطيع مالك البناء دفعها عن طريق إقامة الدليل على أنه لم يرتكب أي خطأ بخصوص واجب الترميم والصيانة.

وإذا كان مالك البناء لا يستطيع دفع المسؤولية عنه عن طريق إقامة الدليل على أنه لم يقترف أي خطأ بخصوص واجب الترميم والصيانة ، فإنه على العكس من ذلك يستطيع دفع هذه المسؤولية بإحدى الطريقتين :

الطريقة الأولى : أن يثبت أن التهدم سواء كان كليا أو حزئيا لم يكن ناتجا عن قدم البناء أو عدم صيانته أو عيب يعتريه ، وإنما كان لدواع أخرى لم يشر إليها الفصل 89 من ق.ل.ع

الطريقة الثانية : أن يقيم الدليل على أن الإنهيار حصل بسبب أجنبي لا يد للمالك فيه ، كانهيار البناء بفعل قوة قاهرة. ويندرج ضمن حكم القوة القاهرة سائر الإنهيارات التي يتسبب فيها الغير أو المضرور ذاته متى تحققت شروط القوة القاهرة بأن استحال دفعها وتوقعها من قبل مالك البناء.

وهنا ستجنح المحكمة لا محالة إلى الحكم بتشطير المسؤولية إذا ثبت لها حصول الضرر الناتج عن تهدم البناء بتظافر عدة عوامل من بينها خطأ المالك أو متولي الرقابة ، بحيث تقضي على هذا الأخير بدفع مبلغ التعويض للضحية يتناسب مع حجم الخطأ المنسوب إليه بخصوص واجب الترميم والصيانة.

بقيت الإشارة إلى أنه يحق للمدعى عليه في حالة الحكم عليه بتعويض الضرر أن يعود بالتعويض على الأشخاص الذين لعبوا دورا في حصول الإنهيار كالمقاول وما سواه من المعماريين الذين أنشأوا البناء على نحو معيب ، وذلك بالإستناد إلى أحكام المسؤولية العقدية التي تقضي ضمان العيب المسبب للإنهيار.


تعليقات

التنقل السريع