القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق انقضاء الإلتزام في القانون المغربي

 طرق انقضاء الإلتزام في القانون المغربي (المقاصة) 



طرق انقضاء الإلتزام في القانون المغربي


المقاصة طريق من طرق انقضاء الإلتزام بمقتضاها تبرأ ذمة المدين من الدين المترتب عليه مقابل براءة ذمة دائنه من دين ترتب عليه لمصلحة مدينه وذلك في حدود الأقل من هذين الدينين. فالمقاصة تقع إذن على ما قرره المشرع في الفصل 357 من ق.ل.ع " إذاكان كل من الطرفين دائنا للآخر ومدينا له بصفة شخصية ". 

وقد استهل المشرع البحث في المقاصة بالتنصيص على أن هذا السبب من أسباب انقضاء الإلتزام يحظر وقوعه بين المسلمين عندما يكون من شأنه أن يتضمن مخالفة لما تقضي به الشريعة الإسلامية. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 357 من ق.ل.ع " وهي لا تقع بين المسلمين ، عندما يكون من شأنها أن تتضمن مخالفة لما تقضيبه الشريعة الإسلامية ". 

وللمقاصة فوائد مهمة. فهي طريق مختصر للوفاء من حيث أنها تقضي دينين معا دون حاجة لنقل النقود والمثليات ، محل الإلتزامين المتقابلين ، من ذمة كل مدين إلى ذمة كل دائن. وبذلك تسهل المقاصة عملية الوفاء ، وتؤدي إلى الإقتصاد في نفقات هذه العملية وإلى تجنب عناء إخراج النقود والمثليا من ذمة المدين إلى ذمة الدائن مع ما يرافق ذلك من مخاطر وتبعات. 

ثم إن المقاصة أداة ضمان فعالة إذ بمقتضاها يستطيع الدائن أن يحبس المبلغ المترتب عليه لمدينه ويختص به دون غيره من دائني المدين العاديين فيستوفي حقه منه مقدما عليهم جميعا. فعن طريق المقاصة يصبح الدائن إذن وكأنه دائن مرتهن أو دائن ذو امتياز. والدين الذي في ذمته وكأنه دين مرهون لديه ضمانا للوفاء بالحق المترتب له على مدينه. وبذلك تشكل المقاصة وسيلة ضمان منتجة تجعل الدائن واثقا من استيفاء دينه في كل حال.

وللمقاصة في الحياة العملية شأن كبير ولاسيما في الحقل التجاري حيث تدعو الحاجة إلى السرعة في التعامل والإقتصاد في الإجراءات والنفقات. 

وقد نظم المشرع المقاصة في الباب الخامس من القسم السادس المخصص لأسباب انقضاء الإلتزامات من الكتاب الأول المتعلق بمصادر الإلتزامات وذلك في الفصول 357 إلى 368 من ق.ل.ع. 

وقد تطرق المشرع في الباب المخصص للمقاصة إلى الشروط الواجب توافرها لوقوع المقاصة وكيفية إعمالها ، ثم للآثار التي تترتب عليها.

وفي ضوء ما سبق نتساءل عن شروط المقاصة و كيفية إعمالها ، والآثار التي تترتب عليها؟ 


المطلب الأول : شروط المقاصة وكيفية إعمالها  

سنتطرق أولا للشروط الواجب توافرها لوقوع المقاصة ( الفقرة الأولى ) ثم سنوضح كيفية إعمالها ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : شروط المقاصة 

لابد لوقوع المقاصة من توافر الشروط الخمسة التالية : 

الشرط الأول : أن يكون هناك دينان متقابلان

يجب لوقوع المقاصة أن يكون هناك دينان متقابلان ، أي أن يكون كل من طرفي المقاصة مدينا بشخصه للآخر وفي الوقت ذاته دائنا بشخصه له ، فيتقابل الدينان وينقضيان بالمقاصة. وهذا ما قرره المشرع في الفصل 357 من ق.ل.ع بقوله " تقع المقاصة إذا كان كل من الطرفين دائنا للآخر ومدينا له بصفة شخصية ". 

ويترتب على ذلك أنه لا يكون محل للمقاصة إذا كان أحد الطرفين مدينا للآخر بصفته الشخصية ودائنا له بصفته وليا أو نائبا شرعيا أو وارثا. ولا تقع المقاصة أيضا بين دين للشركة في ذمة أجنبي ودين للأجنبي في ذمة أحد الشركاء. وتطبيقا لهذا المبدأ قرر المشرع في الفصل 360 من ق.ل.ع أنه " ليس للشريك في شركة أنيتمسك في مواجهة دائنه بالمقاصة بما هو مستحق على الدائن للشركة ، وليس لدائن الشركة أن يتمسك في مواجهة الشريك بالمقاصة بما هو مستحق له على الشركة ، كما أنه ليس له أن يتمسك في مواجهة الشركة بما هو مستحق له على أحد الشركاء شخصيا ". 

ولا تقع المقاصة كذلك بين دين للدائن في ذمة المدين وبين دين لكفيل المدين في ذمة الدائن لعدم تقابل هذين الدينين لأن أحدهما في ذمة المدين للدائن والثاني في ذمة الدائن للكفيل لا للمدين. ولكنه يجوز للكفيل ، إذا ما طالبه الدائن بأداء الدين المكفول ، أن يتمسك المقاصة بين هذا الدين المكفول وبين ما هو مستحق له شخصيا على الدائن أو ما هو مستحق على الدائن للمدين الأصلي. وذلك لتقابل الدينين في الفرضية الأولى ، وفي الفرضية الثانية لكون التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين الأصلي المكفول وكونه ينقضي بمجرد انقضاء هذا الإلتزام الأصلي بالمقاصة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 1153 من ق.ل.ع " للكفيل أن يتمسك بالمقاصة بما هو مستحق على الدائن للمدين الأصلي. كما أن له أن يتمسك بالمقاصة بما هو مستحق له شخصيا على الدائن ". 

الشرط الثاني : التماثل في المحل ما بين الدينين

أي أن يكون محل من الدينين نقودا أو أشياء مثلية من نوع واحد ومن درجة واحدة في الجودة.وقد ورد النص على هذا الشرط في الفصل 361 من ق.ل.ع وبمقتضاه " لا تقع المقاصة إلا بين دينين من نفس النوع ، وعلى سبيل المثال ، بين الأشياء المنقولة المتحدة صنفا ونوعا أو بين النقود والمواد الغذائية ". 

ذلك أن المقاصة وفاء إجباري لالتزامين متقابلين. فلا بد أن يكون هذان الإلتزامان متحدين في المحل حتى يتمكن كل من الطرفين استيفاء حقه عن طريق المقاصة من نفس الشيء الواجب الأداء.

وهكذا تجوز المقاصة بين التزامين محل كل منهما مبلغ من النقود أو بين التزامين محل كل منهما أشياء مثلية شرط أن تكون متحدة في الصنف والنوع. 

ولكن المقاصة لا تجوز إذا كان محل كل من الإلتزامين أو محل أحدهما شيئا معينا بذاته ، أو كان محل كل من الإلتزامين عملا أو امتناعا عن عمل أو كن محل احد الإلتزامين عملا ومحل الآخر امتناعا عن عمل ، وذلك لفقدان التماثل بين محل الإلتزامين. 

وكذلك لا تجوز المقاصة ولو كان محل الإلتزامين أشياء مثلية إذا اختلف هذا المحل   من حيث الصنف. ولا محل أيضا للمقاصة إذا اتحد محلا الإلتزامين من حيث الصنف ولكنهما اختلفا من حيث النوع والجودة.

الشرط الثالث : أن يكون كل من الدينين خاليا من النزاع ومستحق الأداء

نص الفصل 362 من ق.ل.ع على أنه " يلزم ، لإجراء المقاصة ، أن يكون كل من الدينين خاليا من النزاع ومستحق الأداء ". 

يجب أن يكون كل من الدينين خاليا من النزاع. ويقصد بذلك أن يكون كل من الدينين محققا في وجوده ومعلوما في مقداره. 

فإذا كان أحد الدينين غير محقق في وجوده كان يكون محل نزاع جدي امتنع وقوع المقاصة. ويعود طبعا لقاضي الموضوع تقدير ما إذا كانت المنازعة جدية وقائمة على أساس أم أنها منازعة وهمية أراد بها الدائن وقف إجراء المقاصة ليتسنى له استيفاء دينه من المدين قبل سداد ما هو مترتب عليه لمدينه بحجة أن مطلوب هذا الدين منازع فيه. 

كذلك يعتبر الدين غير محقق في وجوده إذا كان معلقا على شرط واقف : ذلك أن الدين المعلق على شرط واقف قد يوجد إذا تحقق الشرط وقد لا يوجد إذا تخلف الشرط. فلا يمكن أن يكون مثل هذا الدين محلا للمقاصة لأن المقاصة تنطوي على معنى الوفاء الجبري ولا جبر في وفاء دين معلق على شرط واقف قبل تحقق الشرط. 

ولا يكفي حتى يكون الدين خاليا من النزاع أن يكون محققا في وجوده ، بل يجب كذلك أن يكون معلوم المقدار. فمن ترتب له دين في ذمة آخر نتيجة تضرره من عمل غير مشروع أو نتيجة قيامه بعمل فضالة ، لا يستطيع إجراء المقاصة بين حقه في التعويض قبل المسؤول أو قبل رب العمل وبين دين مترتب عليه لمصلحة أحد من هؤلاء ، بل لا بد من تقدير هذا التعويض عن طريق القضاء أ عن طريق الإتفاق. فإذا تم هذا التقدير أضحى لدين معلوم القدر وأصبح بالتالي صالحا للمقاصة.

ثم إنه يجب أن يكون كل من الدينين مستحق الأداء : ذلك أن المقاصة تنطوي على معنى الوفاء الجبري ولا جبر على الوفاء إلا إذا كان الدين مستحق الأداء. وعليه لا تقع المقاصة بين دين حال ودين مؤجل أو بين دينين كلاهما مضاف إلى أجل لم يحل بعد. 

على أن الأجل الذي يمنحه القاضي للمدين ، وهو ما يسمى بنظرة الميسرة ، لا يمنع من إجراء المقاصة إذا ثبتت قدرة المدين على الدفع كأن ينشأ له حق في ذمة دائنه : فنظرة الميسرة قد منحها القاضي للمدين يوم كان غير قادر على الوفاء بدينه.  أما وقد أصبح قادرا على الوفاء بهذا الدين عن طريق المقاصة بينه وبين ما ترتب له في ذمة الدائن ، فلم يعد من مبرر لانتظاره ووجب إجراء المقاصة.

ومثل نظرة الميسرة ، الأجل الذي يمنحه الدائن لمدينه تبرعا منه وتفضلا. فمثل هذا الأجل لا يحول دون إجراء المقاصة ، ولو قبل انقضائه ، إذا ما تحسن وضع المدين وأضحى دائنا لدائنه ، إذ في هذه الحالة ، كما في الأجل القضائي ، لم يعد ما يبرر الإنتظار.

أما إذا كان كل من الدينين أو كان أحدهما مربوطا بأجل ، فلا تقع المقاصة إلا بعد حلول الأجل إما بانقضاء مدته ، أو بالنزول عنه من قبل من هو مقرر لمصلحته أو بسقوطه لسبب من أسباب السقوط التالية : إقدام المدين بفعله على إضعاف الضمانات الخاصة التي أعطاها بمقتضى العقد ، عدم إعطاء المدين لدائنه الضمانات التي كان وعده بها ، إخفاء المدين عن غش التكاليف والإمتيازات السابقة التي تضعف الضمانات المقدمة منه. ويبدو أن المشرع أراد الإشارة إلى أسباب السقوط هذه عندما قرر في الفصل 362 من ق.ل.ع أن " سقوط الأجل الناتج عن عسر المدين...يجعل الدين قابلا للمقاصة ".

أما إذا حل الأجل بشهر إفلاس المدين أو بشهر إعساره ، فإن الدين لا يصبح مع ذلك صالحا للمقاصة. لأن المقاصة ضرب من الوفاء فلا تقع بعد الإفلاس أو الإعسار.

وتجدر الملاحظة إلى أن المشرع قد أورد في الفصل 362 من ق.ل.ع نصا مؤداه أن " سقوط الأجل الناتج عن افتتاح التركة يجعل الدين قابلا للمقاصة ". وقد كان هذا النص ينسجم مع مقتضيات الفصل 140 من ق.ل.ع  الذي كان يرتب على موت الملتزم حلول ديونه المربوطة بأجل. أما وقد ألغي الفصل 140 بموجب ظهير 19 يوليوز 1922 ، فإن النص آنف الذكر أضحى غير ذي موضوع مادام موت الملتزم لم يعد يؤثر على استمرار الأجل ولا يشكل سببا لسقوطه.

الشرط الرابع : أن يكون كل من الدينين صالحا للمطالبة به قضاء

يشترط لوقوع المقاصة أن يكون كل من الدينين مما تجوز المطالبة به قضائيا أي مما يصح تنفيذه جبرا على المدين. أما إذا كان كلا الدينين أو أحدهما دينا لا يسوغ إلزام المدين على الوفاء به فإنه يمتنع إجراء المقاصة.

وعليه لا تقع المقاصة بين الإلتزامات الطبيعية ، كما لا تقع بين التزام مدني والتزام طبيعي لعدم إمكان إجبار المدين بالتزام طبيعي على تنفيذ التزامه. 

وكذلك لا تقاص بالنسبة للديون التي تقادمت. فقد ورد بهذا المعنى في الفصل 363 من ق.ل.ع أنه " لا يسوغ التمسك بالدين الذي انقضى بالتقادم من أجل إجراء المقاصة ". 

الشرط الخامس : أن يكون كل من الدينين مما لا تمتنع المقاصة فيه قانونا 

الأصل أن المقاصة تجوز في مختلف الديون أيا كان مصدرها. فالفصل 357 من ق.ل.ع اكتفى لوقوع المقاصة أن يكون كل من الطرفين دائنا للآخر ومدينا له بصفة شخصية ، والفصل 364 من ق.ل.ع نص على أنه " يسوغ وقوع المقاصة بين ديون مختلفة في أسبابها..." .

بيد أنه لاعتبارات خاصة منع المشرع المقاصة في بعض الحالات. وهذه الحالات هي التي ورد عليها النص في الفصلين 365 و 366 من ق.ل.ع تتمثل في ما يلي :

الحالة الأولى : كون أحد الدينين حقا غير قابل للحجز 

نصت الفقرة الأولى من الفصل 365 من ق.ل.ع على أنه " لا تقع المقاصة إذا كان سبب أحد الدينين نفقة أو غيرها من الحقوق التي لا يجوز الحجز عليها ". 

وقد مثل المشرع على هذه الحاة بالنفقة : فالمدين بالنفقة ، إذا أصبح دائنا لمن كانت النفقة مقررة لمصلحته ، لا يستطيع الإمتناع عن أداء النفقة لصاحبها والتمسك بإجراء المقاصة بين هذه النفقة وبين الدين الثابت له في ذمة مستحق النفقة نظرا لعدم قابلية النفقة للحجز. 

الحالة الثانية : كون أحد الدينين شيئا نزع من صاحبه دون حق أو حقا نشأ عن عمل غير مشروع 

ورد النص على هذه الحالة في الفقرة الثانية من الفصل 365 من ق.ل.ع وبمقتضاها " لا تقع المقاصة ضد دعوى استرداد شيء نزع من صاحبه دون وجه حق إما بالإكراه أو بالغش ، أو ضد دعوى المطالبة بحق ناشئ عن جريمة أو شبه جريمة أخرى ". 

الحالة الثالثة : كون أحد الدينين شيئا مودعا أو معارا ويطالب باسترداده 

قرر المشرع في الفقرة الثالثة من الفصل 365 من ق.ل.ع أن " المقاصة لا تقع ضد دعوى استرداد الوديعة أو عارية الإستعمال ، أو ضد دعوى التعويض الناشئة عن هذين العقدين في حالة هلاك الشيء المستحق ". 

فإذا أودع شخص مبلغا من النقود أو شيئا من المثليات لدى شخص آخر وأصبح المدع عنده دائنا للمودع ، فليس له أن يمتنع عن الرد حينما يطالب بذلك ويدعي وقوع المقاصة بين الوديعة وبين ما ترتب له في ذمة المودع من مبلغ من النقود أو من أشياء مماثلة لما تسلمه على سبيل الوديعة. والحكم نفسه يطبق على عارية الإستعمال.

وتجدر الملاحظة إلى أن منع المقاصة ليس قاصرا على الحالة التي يطالب فيها كل من المودع أو المعير برد الوديعة أو العارية عينا. بل هو يبقى قائما ، على ما أوضحه المشرع صراحة ، حتى في حالة هلاك الوديعة أوالعارية وترتب تعويض عن هذا الهلاك للمودع أو المعير. 

الحالة الرابعة : كون المدين تنازل عن التمسك بالمقاصة 

عرضت لهذه الحالة الفقرة الرابعة من الفصل 365 من ق.ل.ع بقولها " لا تقع المقاصة إذا كان المدين قد تنازل من بادئ الأمر عن التمسك بالمقاصة أو كان العقد المنشئ للإلتزام يمنعه من التمسك بها ". ذلك أن المقاصة ليست من النظام العام ، بل هي مقررة لمصلحة المدين. فيجوز له إذن أن يتنازل عن التمسك بها.

والتنازل عن التمسك بالمقاصة ، في التشريع المغربي ، يمكن وقوعه بعد ثبوت الحق فيها كما يمكن وقوعه قبل ذلك ، كأن ينص في العقد المنشئ لإلتزام المدين على منعه من لتمسك المقاصة بين هذا الإلتزام وبين أي التزام ذي محل محل مماثل قد ينشأ لمصلحة هذا المدين في ذمة دائنه. 

ولا يشترط في التنازل أن يكون صريحا ، بل يمكن أن يقع ضمنيا.

الحالة الخامسة : كون احد الدينين عبارة عن رسوم أو ضرائب للدولة أو الجماعات الترابية 

نصت الفقرة الأخيرة من الفصل 365 من ق.ل.ع على أنه " لاتقع المقاصة ضد حقوق الدولة والجماعات الترابية من اجل الضرائب والرسوم ما لم يكن حق من يتمسك بالمقاصة واجبا على نفس الصندوق الذي يطالب بالضريبة أو الرسم ".

فإذا استحق رسم أو استحقت ضريبة على شخص وكان هذا الشخص دائنا للدولة أو لجماعة ترابية بمبلغ من المال ، امتنع مبدئيا إجراء المقاصة بين ماهو مترتب عليه من ضريبة أو رسم وبين ما هو مترتب له على الدولة أو على الجماعة الترابية ، بل وجب عليه أداء الرسم أو الضريبة وكان له بعد ذلك مطالبة الدولة أو الجماعة الترابية بدينه. على أن المقاصة تجوز استثناء إذا كانت الضرائب أو الرسوم المترتبة عائدة لنفس الصندوق الذي أضحى مدينا لمن هو ملزم بهذه الضرائب او الرسوم. 

الحالة السادسة : كون المقاصة تلحق ضررا بالحقوق المكتسبة للغير 

ورد النص على هذه الحالة في الفصل 366 من ق.ل.ع وبمقتضاه " لا تقع المقاصة إذا كان فيها إضرار بالحقوق المكتسبة للغير على وجه قانوني صحيح ". فالمقاصة يجب ألا تكون سببا للإضرار بحقوق الغير المشروعة وإلا امتنع وقوعها. 

الفقرة الثانية : كيفية إعمال المقاصة 

إن المقاصة في التشريع المغربي مقاصة قانونية. و المقصود بذلك ، أن المقاصة ، بمجرد توافر شروطها ، تقع بصورة حتمية وبقوة القانون وحده. 

ولكن هذا لا يعني أن المقاصة لها مساس بالنظام العام بحيث تقع بصورة آلية ورغم إرادة ذوي المصلحة. بل لابد للراغب في الإادة منها من التمسك بها ، وإلا اعتبر متنازلا عنها وامتنع على القاضي الحكم بها من تلقاء نفسه. وهذا ما نص عليه المشرع في الفصل 358 من ق.ل.ع بقوله " ليس للقاضي أن يعتد المقاصة ، إلا إذا حصل التمسك بها صراحة ممن له الحق فيها ". 

وعليه ، ما لم يتمسك المدين بالمقاصة ، لا يمكن ترتيب آثارها حتى ولو كانت سائر شروطها متوافرة. وليس للقاضي في حال من الأحوال أن يقضي بها من تلقاء نفسه حتى ولو كان عالما بأمرها.

والتمسك بالمقاصة يصح في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف ، بل يصح الإدلاء بالمقاصة حتى بعد صدور حكم نهائي و في أثناء إجراءات التنفيذ ، على أن تكون طبعا شروطها توافرت أثناء المرحلة الإستئنافية أو أثناء مرحلة التنفيذ، لأن توافر الشروط قبل ذلك وعدم تمسك المدين بالمقاصة رغم قيام شروطها يعتبر عندئد تنازلا عنها. 

المطلب الثاني : آثار المقاصة 

عرض المشرع لآثار المقاصة في الفصلين 367 و 368 من ق.ل.ع 

فالفصل 367 نص على أنه " يترتب على المقاصة ، عند التمسك بها ، انقضاء الدينين ، في حدود الأقل منهما مقدارا ، ابتداء من الوقت الذي وجدا فيه مستوفيين للشروط التي يحددها القانون لإجراء المقاصة ".

والفصل 368 جاء فيه أنه " إذا تعددت على نفس الشخص ديون قابلة للمقاصة طبقت في شأنها القواعد المقررة في خصم المدفوعات ".

فمن هذين الفصلين يتبين أن آثار المقاصة يمكن جمعها حول القواعد الثلاث التالية : 1) إن حكم المقاصة حكم الوفاء إذ هي تقضي الدينين في حدود الأقل منهما مقدارا. 2) إن المقاصة تتم لا من وقت التمسك بها ، بل ابتداء من الوقت الذي وجد فيه الدينان مستوفيين للشروط التي يحددها القانون. 3) إذا تعددت الديون التي تقبل المقاصة كان تعيين جهة الدفع عن طريق المقاصة كتعيينها عن طريق الوفاء العادي

الفقرة الأولى : المقاصة تقضي الدينين في حدود الأقل منهما مقدارا

للمقاصة نفس أثر الوفاء بالنسبة لكل من الدينين المتقابلين : فكل دين يعتبر قد استوفي من الدين المقابل وانقضى كلا أو جزء نتيجة هذا الوفاء.

فكل من الدينين المتقابلين ينقضي كله إذا كان الدينان متساويين في القيمة وتزول بانقضائه سائر توابعه ، شأن المقاصة في ذلك شأن الوفاء تماما. وعليه إذا كان أحد الدينين أو كلاهما ينتج فوائد أو كان مضمونا بكفالة أو برهن حيازي أو رسمي ، فإن الفوائد تنقطع كما أن كلا من الكفالة أو الرهن ينقضي تبعا لانقضاء الإلتزام الأصلي ، فيتحرر الكفيل من كفالته ويرد المرهون إلى صاحبه إذاكان الرهن حيازيا ويجري تشطيب قيد الرهن في السجل العقاري إذا كان الرهن رسميا. 

أما إذا كان الدينان المتقابلان غير متساويين في القيمة فإنهما ينقضيان في حدود الأقل منهما مقدارا : فالدين الأصغر قيمة ينقضي بكامله والدين الآخر ينقضي في جزء منه معادل للدين الأول. وانقضاء الدين الأصغر قيمة بكامله يفضي إلى انقضاء سائر توابعه : فإذا كان هذا الدين ينتج فائدة انقطعت الفائدة ، وإذا كان مضمونا برهن أو كفالة زال الرهن أو زالت الكفالة. وانقضاء الدين الأكبر قيمة بصورة جزئية يفضي إلى استمرار توابعه قائمة على أن يحصر أثرها بالرصيد المتبقي : فإذا كان هذا الدين ينتج فائدة أو كان مضمونا برهن أو كفالة فإن الرصيد الذي تبقى بعد إعمال المقاصة يستمر في إنتاج الفائدة كما يبقى مضمونا بالتأمينات التي كانت تضمن الدين كله من رهن او كفالة. 

الفقرة الثانية : المقاصة تتم من وقت توافر شروطها  

إن المقاصة تترتب آثارها لا من وقت تمسك ذي المصلحة بها ، بل منذ توافر شروطها القانونية. فهي إذن تستند إلى الوقت الذي أصبح فيه الدينان المتقابلان صالحين للمقاصة سواء كان هذا الوقت لاحقا أم سابقا للوقت الذي جرى فيه التمسك بالمقاصة. 

فهكذا لو تمسك أحد الطرفين بالمقاصة وكان دينه منازعا فيه أو غير محدد المقدار أو مربوطا بأجل ، فإن المقاصة يتأخر وقوعها إلى الوقت الذي يحسم فيه النزاع أو يحدد فيه مقدار الدين أو يصبح الدين حالا. 

الفقرة الثالثة : تعيين جهة الدفع في المقاصة كتعيينها في الوفاء

نص المشرع في الفصل 368 من ق.ل.ع على أنه " إذا تعددت على نفس الشخص ديون قابلة للمقاصة طبقت في شأنها القواعد المقررة في خصم المدفوعات ". وهذا يعني أن علينا أن نطبق على تعيين جهة الوفاء في المقاصة القواعد المقررة في الفصلين 323 و 324 من ق.ل.ع المتعلقة بتعيين جهة الدفع في الوفاء. 

وتتلخص هذه القواعد بما يلي

  1. تقع المقاصة في الدين الذي يعينه المدين من بين الديون المتعددة المترتبة عليه لدائنه.

  2. أما إذا لم يعين المدين الدين الذي يجب أن تقع فيه المقاصة ، انتقل هذا التعيين إلى الدائن الذي له أن يعين في التوصيل الذي يسلمه للمدين ، الدين الذي يعتبره قد انقضى بالمقاصة. فإذا تسلم المدين التوصيل وقبله التزم بتعيين جهة الدفع الوارد فيه مادام هذا التعيين متفقا مع مصالحه.

  3. وإذا أهمل كل من المدين والدائن تعيين جهة الوفاء فقد تكفل القانون نفسه هذا الأمر وأوجب اعتبار الدين الذي تجري فيه المقاصة هو الدين الذي يكون للمدين مصلحة أكبر في أدائه. ولتعيين هذا الدين يتبع الترتيب التالي : الدرجة الأولى تعطى للدين الذي يكون فيه ضمان الدائن أقل من ضمانه في غيره ، فإن تساوت الديون في الضمان ، كان الدين الذي تقع فيه المقاصة هو الدين الأكثر كلفة على المدين ، وإن تساوت الديون في كلفتها وقعت المقاصة في الدين الأقدم تاريخا. 





أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع